'التعايش مع المحتل'.. شعار المرحلة: 'تأصيل التخاذل ومهادنة الاحتلال'
د. أحمد محمود السيد المشاهدات: 9001
بين عشية وضحاها أصبح لفظ (التعايش ) أكثر الكلمات انتشارا في أوساط الدعاة والشيوخ والكتاب والصحفيين والإذاعيين والإعلاميين عامة ابتداءً من أشهر داعية ومرورا بالعلماء الرسميين وانتهاء بالعلمانيين على اختلاف أنواعهم : المتطرفون والذين يركبون موجة الإسلام المعتدل والإسلام الليبرالي ، ودعاة الوسطية وغيرهم ، حتى تحولت الكلمة إلى مفتاح سحري يفتح باب الرضا الأمريكي والغربي على مصراعيه أمام كل من يقف متبلد الإحساس وهو يرى مشاهد الاعتداء والضرب والقتل والتدمير والإهانة التي تمارسها قوات الاحتلال في حق أهلنا في العراق وأفغانستان وفلسطين والصومال والشيشان وغيرها فلا ينتفض ولا يعترض.
إن ما يمارسه المحتل من بشاعة في حق شعبنا من سجن وتعذيب للرجال واغتصاب للنساء وترويع للأطفال ونهب للثروات كفيل بأن يجعلنا نقف صفا واحدا أمام هذه القوة الغاشمة ندافع عن ديننا وعرضنا وأرضنا ولا نلتفت لدعوات الحوار الهادئ التي لا يجئ وقتها إلا عندما أصبح النصر قاب قوسين أو أدنى ، فالحوار لن يحرر الأرض المغتصبة ولن يردع الأعداء ولن يثأر للشهداء ولن يفرج عن الأسرى فالمطلوب أن تتعايش مع المغتصب لأرضك فلا ترد العنف بالعنف بل بالعقل وتبادل المصالح!
تهافت العلماء والشيوخ والمؤسسات الإسلامية في تقديم تأصيل من الكتاب والسنة لهذا المصطلح الذي صنع على عين أمريكا لتغييب العقل والوجدان المسلم ، فقد عرفه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية (في موسوعة المفاهيم حرف التاء)" لغة : عايشه : عاش معه، عيَشه: أعاشه . تعايشوا : عاشوا على الألفة والمودة ومنه التعايش السلمي في معناه السياسي : ويعني قيام تعاون بين دول العالم على أساس من التفاهم وتبادل المصالح الاقتصادية والتجارية. وقد اعترف الإسلام بتمام حرية الإنسان في الإيمان بالله ، وفي تقدير الرسالة التي يؤمن بها ، وضمن له من جهة ثانية حرية التعامل مع أقرانه.
فحكم ببطلان كل عقد بين طرفين شاب الإكراه أحدهما ، أو قام على الخديعة لواحد منهما أو كليهما كما ترى في عقد الزواج الذي هو عقد شخصي بحت إلا أننا نرى ما وصل إليه الإسلام في تقرير الحرية الشخصية للإنسان فله أن يعايش الناس بأخلاقهم ، ويضمر في جناحه الإيمان بالله ، فروي عن وهب بن منبه أنه قال له رجل : إني هممت بالعزلة فما ترى ؟ قال لا تفعل، بك إلى الناس حاجة ، وبالناس إليك حاجة ، ولكن كن صموتا مطوقا ، أصم سميعا ، أعمى بصيرا فإنه لابد للناس منك ولا بد لك منهم . وروي عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي قال : قال الله تبارك وتعالى يا داوود مالي أراك خاليا : قال : رب العالمين قال أفلا أدلك على ما تستبي به وجوه الناس وتبلغ فيه رضاي ؟ قال نعم يا رب ، قال : خالق الناس بأخلاقهم واحتجن الإيمان فيما بيني وبينك فهذا التعيش"). انتهى كلام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
أما المجلس العالمي للدعوة الإسلامية فقد سارع هو الآخر في وضع تعريف: (التعايش ذو أصول إسلامية من ناحية ومعاصرة من ناحية أخرى :
" التعايش نتيجة طبيعية لحركة الحوار الهادف بين مكونات المجتمع المدني الحديث فيما بينها وبين أسس النظام الدولي الجديد في مفهومه الجديد للدولة الحديثة.
ففي مصطلح التعايش نجد : أن المصطلح مشتق من فعل : تعايشوا على الألفة والمودة ومنه التعايش السلمي ، وعايشه : عاش ومعه ،والعيش معناه الحياة وما تكون به الحياة المطعم والشرب والدخل ، أما مصطلح الفقه : فهو معرفة الشرعية الجزئية من أدلتها التفصيلية ، من مثل أحكام الطهارة و النجاسة والعبادات والمعاملات وأحكام الزواج والطلاق والرضاع وغيرها . وفقه الحوار أو فقه التعايش : هو معرفة حكم الشرع في حركة الحوار وعملية التعايش وحدودها وضوابطها .هذا من جهة ، ومن جهة أخرى : فقه التعايش معناه عند الأقليات المسلمة - خصوصا – مدى توافق الأحكام الشرعية مع معايشتها مع أهل الديانات السماوية ، والفلسفات الوضعية ومكونات المجتمع المدني عموما ، وما هي مقاصد التعايش من رؤية إسلامية : هذا التعايش الذي لا يعني فرض النمط الواحد من التفكير والسلوك أو التنازل عن الحق أو توزيعه على المتعايشين بنسب متساوية ، بل يعني في الرؤية الإسلامية احترام الحقوق والخصوصيات . فالصورة المثلى للتعايش هي صورة دولة المدينة التي كان اليهودي والنصراني يعيشان فيها بأمان إلى جنب المسلم في كنف الدولة الإسلامية ، وكان الحبشي والرومي والفارسي يتمتعون فيها بكل حقوق المواطنة كالعربي تماما).
تأسيسا على ذلك قام الاحتلال بإنشاء جمعيات ونوادي ومنتديات ومؤسسات ومؤتمرات و برامج إعلامية في الفضائيات التلفزيونية والإذاعية للدعوة للتعايش في الدول العربية والإسلامية وكذلك في أمريكا وأوروبا هدفها إثراء هذه الدعوة وإقامة اللقاءات والفعاليات والأعمال الخيرية التي تجمل من صورة الاحتلال وتدعو لقبول التعايش معه ولو بصفة مؤقتة إلى حين خروجه وذلك لتأمين انسحابه وتوطيد العلاقات معه في فترة ما بعد خروجه و لضمان استمرار المصالح والمكاسب التي جناها أثناء فترة الاحتلال. هذه بعض النماذج لجمعيات ونوادي للتعايش في ساهم الاحتلال في إنشائها :
1- ( بيت التعايش للشرق الأوسط ).. جمعية أنشئت في جامعة "رتغرز" بولاية نيو جيرسي بالولايات المتحدة على أن تكون لها فروعا شبيهة في الجامعة الأمريكية في الدول العربية والإسلامية مثل القاهرة وبيروت وعمان وغيرها . أسست هذا البيت ( دانييل جوزفس ) للمساعدة في حل الأفكار الخاطئة عن الإسلام والمرأة المسلمة وفهم حقيقة الحرب الأمريكية على الإرهاب ، هذا البيت تجتمع فيه فتيات مسلمات ويهوديات ومسيحيات ، يتعلمن من بعضهن بعضا من خلال العيش معا.
2- المركز الأردني لبحوث التعايش الديني : يقدم المركز برامج للنشر ثقافة التعايش المبنية على الاحترام المتبادل بين المؤمنين بالله الواحد من أتباع الديانات الثلاثة الإسلام المسيحية اليهودية ، ونشر ثقافة احترام الآخر وقبول المخالف في العقيدة وفهم طبيعة الصراع ضد القوى المعادية للحضارة والإنسانية .
3- مدرسة السلام للتعايش :جمعية أسسها إسرائيليون وفلسطينيون وأمريكيون ومكانها القدس تعمل بشكل كبير في إطار الطلاب الجامعيين فتقوم بإعداد تجمعات خدمية مثل مشروع وادي عربة لدراسة البيئة حيث يقيم الطلاب في كلية وادي عربة داخل الحرم الجامعي المتواجد في كيبوتس (مستعمرة) "كيتورة" وهو برنامج دولي تضم المجموعة التي تدرس فيه : عشرة أمريكيين وعشرة إسرائيليين ثمانية يهود واثنين فلسطينيين ، وستة أردنيين ليكون المجموع 26 مشتركا يتشربوا فلسفة التعايش من خلال المعايشة الكاملة والعمل في خدمة البيئة والدعوة للسلام ونبذ العنف.
4 - منظمة نساء لأجل التعايش : منظمة تأسست في الأراضي الفلسطينية المحتلة بهدف التقريب بين نساء يهوديات وفلسطينيات داخل الدولة العبرية وقبول مبدأ التعايش مع الاحتلال الإسرائيلي باعتبارهم مواطنين في دولة واحدة ( منتهى التناقض التعايش مع العدو الإسرائيلي في ظل جدار الفصل العنصري ) ، تقوم بزيارات تعاطف ونشاطات بهذه الروح في المناطق الفلسطينية المحتلة . عضوات المجموعة نشيطات يشاركن بكل نشاطات التحالف والتعايش من خلال علاقات مع مؤسسات خيرية مثل بيت اليتامى في طولكرم ومؤسسة الأطفال المرضي العقليين . تجمع التبرعات في الأعياد لشراء الهدايا للأطفال وتقديم المساعدات للمحتاجين .
5 - منتدى الحوار من أجل التعايش : أسس المنتدى في الكويت م أجل تعميق أسس التعايش بين المسلمين والمخالفين لهم في الدين من اليهود والنصارى ومن أجل إدارة الحوار الفكري مع الغرب وفهم حقيقة الصراع بيننا وبين أمريكا وأوروبا. يقيم المنتدى مؤتمرات وبرامج إعلامية وكتب تخدم هذه القضية .
هذه المنظمات وغيرها كثير تقوم بهذا الدور نيابة عن الاحتلال وهو عملية تغييب وعي المسلمين وتخدير عقولهم ليقبلوا التعامل مع المحتل كما لو أنه صديق وتقديم كل الأولويات على مسألة خروج المحتل فضلا عن مهادنة العدو وعدم استعدائه. يجب أن يظل المسلمون في حالة استنفار حتى خروج المحتل وعودة الحقوق إلى أهلها وإلى أن يحدث هذا أدعو من يشاهدون برنامج "دعوة للتعايش" أن يشاهدوا أيضا برنامج ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) أو يسترجعوه من الماضي إذا لم يجدوه.