فاضل السالك - فرنسا
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 4756
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كلما نظرت إلى حجم الخسارة التي تسير إليها مصر وإلى بشاعة الجرائم التي ترتكب وإلى تلك البربرية التي تنتهك بها الذات البشرية في تلك الربوع، إلا و يراودني سؤال حيرني وأرق فكري: ترى لماذا كل هذه البربرية التي لم يسبق لها مثيل في التعامل مع الخصوم حتي في أحلك الفترات التي مرت بها مصر؟ هل هو الكرسي الذي من أجله تنتهك تلك المحرمات في الضمير البشري والقانون الدولي؟ بل ولماذا يخرس العالم أمام هاته الجرائم التي يشاهدها العالم باسره و لا يستطيع أن يحرك ساكنا؟ بل ولماذا البعض يبارك هذه الجرائم التي ترتقي إلى الإبادة الجماعية؟ ترى لماذا تلتقي رغبة أمراء الخليج (باستثناء قطر) مع رغبة الكيان الصهيوني بل ويعلنوها دون حياء ولا تردد؟ بل الأدهى لماذا دول مثل السعودية و الإمارات تتحدى سيدها دون خوف ولا رهبة؟ بل وكيف ولماذا وقع تحييد أمريكا صاحبة الذراع الأطول في الشرق الأوسط؟
إن الصراع في مصر وإن كان في عمقه صراعا بين دعاة "الليبرالية" ودعاة "المشروع الإسلامي" فقد بدى لي كما للجميع أنه صراع داخلي بين قوى تريد أن تجد قدما لها في حلبة الصراع السياسي من الإسلاميين وغيرهم من القوى التي أقصيت لعقود من حلبة السلطة وقد تصورت أن الثورة قد فتحت لها الطريق على مصراعيه نحو بلوغ الهدف التي ناضلت من أجله. غير أن الإسلاميين بشعبيتهم قد قطعوا أمامهم الطريق مما دفعهم إلى التكتل مع كل معارض لوصول الإسلاميين حتى وإن كانوا لا يلتقون معهم إلا في معارضتهم لوصول الإسلاميين إلى السلطة، ان لم نقل حتى مع من عرفوا بمعاداتهم للإسلام نفسه. و من هنا دخلت الثورة المضادة على الخط ووجدت الترحيب الكبير لما لها من امكانيات يمكن أن تقلب المعادلة لصالحهم. وما استعمال الجيش إلا تجليا لهذه الرغبة في الوصول إلى السلطة وإقصاء الإسلاميين من الحكم. لكن الأحداث التي تلت أحداث مجزرة الحرس الجمهوري (والتي أريد منها كسر إرادة الصف الإسلامي الذي استطاع أن يخرج من الدائرة الضيقة التي أرادوها له إلى إرادة أكبر وهي دائرة "أنصار الشرعية" ومن يرى أن الحرية الدولة المدنية في خطر بفضل غباء الانقلابيين) من مجازر كالتي حدثت في نصب الجندي المجهول أو فض اعتصامي رابعة والنهضة بمجازر لم ترى مثلها مصر ولا حتى العالم منذ مجازر روندا، دون أن ننسى مجازر رمسيس ولا الإسكندرية وغيرها من المدن المصرية. إن هذا الكم الهائل من الدماء والذي رافقه حجما هائلا من الحقد بلغ درجة التشفي بل التلذذ بدماء الأبرياء والذي صدم الكثير حتى الذين صفقوا أو شاركوا في الانقلاب ذاته، إلى درجة دفع ببعض الدول بقطع المعونات على مصر والتلويح بمزيد من الإجراءات الزجرية، غير أن النظام الانقلابي زاد في تعسفه ودفع إلى الاجتثاث الشامل لكل من يخالفه حتى أولئك الذين باركوه. ولكن الذي يلفت النظر هو إصرار بعض الدول على هذا النهج والدفع إلى الاجتثاث مهما كان الثمن وبدأنا نرى تحركات على شاكلة ما حدث في مصر في ما سمي بدول الربيع العربي خاصة التي لها رابط جغرافي متصل فقد أحرقت مقرات الإخوان المسلمين في مصر وليبيا وحركة النهضة في تونس وانتشرت ما سمي ب"حركة تمرد" في هذه البلدان بل الأدهى أنها حاولت الانتشار في غزة المنكوبة ! كل هذا أدخل البلبلة في الأذهان وذهب الناس مذاهب شتى في تحليل الأسباب.
إن العامل الخارجي في الأزمة بدى جليا للجميع غير أن الكثير لم يجعلوه في الواجهة بل جعلوه يلعب دورا خفيا وليس رئيسي. غير أن التساؤلات التي طرحتها في البداية جعلتني أعود إلى مقالات نشرت عبر النات لخبراء ومسؤولين اسرائيليين من خطورة بلوغ الإسلام السياسي و خاصة جماعة الإخوان إلى الحكم، و غيرها من التصريحات التي ذهبت إلى حد التدخل لجر مصر إلى ما آلت إلية الأزمة الجزائرية. كي يكون الفشل هو المآل الحتمي لهذه الحركة التي لا تعترف بشرعية الكيان الصهيوني أصلا و فصلا. وإن كان رد الكيان الصهيوني متوقع بل ومنطقي و طبيعي في إطار ما يسمى الأمن القومي الذي يسعى إلى حماية إسرائيل من كل خطر يتهددها، و الذي يناقض ما يسمى بالأمن القومي العربي والذي هو موجها إلى العدو الداخلي للنظام بالدرجة الأهم، وأيضا النظام العربي في الأقطار العربية التي لا تتفق مع النظام القائم. ولا أدل على هذا ما قاله أحد الأمنيين الإماراتيين الذي اعتبر "الإخوان المسلمون أخطر على الأمة العربية من إسرائيل ! ! ! !"
هذا الكلام الأخير والذي جاء علي لسان أحد الأمنيين الإماراتيين (مدير أمن وليس مسؤول كبير ولا مخابرات! ! !) ليس بالهين ولا بالذي يمر على من يحترم عقله هكذا دون تمحيص، فلو اعتبرهم أعداءه واعداء الأنظمة القائمة او أعداء الملكية أو حتى "أعداء الشعب" بلغة من نصبوا أنفسهم لسان الشعب لكان مفهوما، أما ان تكون إسرائيل ارحم على الأمة من الإخوان ! فهذا يعد بعدا هاما في التعامل مع هؤلاء الجماعات خاصة وهي تمسك بالسلطة بعد التغيرات التي حصلت في بلدان ما يسمى بالربيع العربي. وهنا أعود بالقارئ الكريم إلى تحول في المشهد المصري تمثل في تصريح لجريدة الشروق المصرية على لسان البرادعي (نقلا عن قناة الجزيرة) بأن هناك إتفاق وشيك كاد أن يتم، حيث يقع بموجبه فض اعتصامي رابعة والنهضة سلميا غير أن بعض دول الخليج وبالأخص السعودية والإمارات أصرت على فضه بالقوة. والأغرب من ذلك عندما هددت بعض الدول الغربية و أمريكا بقطع المساعدات للجيش المصري على خلفية المجازر المرتكبة في حق المواطنين العزل واصلت هذه الدول الثرية جدا بالأموال لا بالمبادئ، الأفكار والتكنولوجيا، الدفع إلى الأمام ووعدت بإغراق مصر بالأوراق النقدية من أجل مواصلة هذه الخطة الساعية إلى استئصال الحركة الإخوانية من السلطة بل من الحياة عامة، وما سينجر عن ذلك كلف ذلك ما كلف.
قد يتساءل القارئ الكريم ولكن لماذا كل هذا الحقد على الإخوان؟ هل هم فعلا يشكلون خطرا حقيقيا؟ وإن كان حقا ذلك فعلى من يكون الخطر؟ لمعرفة التفاصيل نعود إلى ما جاء على لسان من تصدروا المشهد الإعلامي يبررون الهمجية والبربرية في التعامل مع الأحداث.
إنّ المتتبع للمنتديات وإلى الحوارات التي تبث على شاشات التلفاز من هنا وهناك يستنتج أن هناك مفهوما مبهما يختزل فيه الإخوان المسلمون ولا يكاد يمر نقاش ولا تحليل سياسوي إلا وتجده يتردد على لسانهم، لا يترددون في وصف الإخوان المسلمين به. هذا المصطلح يشكل شبحا يكاد يسطو على الأمة فيفتك بها ويمزقها كما لم تمزق من قبل، إنّ الإخوان بهذا المنظور هم الغزاة الجدد الذين يتربصون بالأمة حسب مفهوم حكام الخليج والعداء التاريخيين للإخوان (القوميون والماركسيون) فهم الخطر الذي يداهم الحاضر المشرق لهذه الأمة المنارة في العالم. هذا المفهوم الخاص والشنيع وقع استعماله للأول مرة على ما أعتقد من الذين يدفعون إلى الإجهاز التام على الإخوان في كل مكان يتواجدون فيه، بل حتى اسرائيل نفسها وأيضا بلدان الخليج وخاصة الإمارات وقناة "العربية" )أو العبرية كما يحلو للبعض تسميتها(. كانت مجرد كلمة تمر ولكن خلفت وراءها جرحا غائرا في ضمير الإنسان المصري والعربي الذي كان يتطلع الى مصر جديدة، مصر الحلم، مصر الأمل العربي والإسلامي... "التنظيم العالمي للإخوان" هذا الكلمة التي من أجلها أجهضت ثورة، من أجلها قتل الألاف وأحرق البعض وزجّ بالآلاف في السجون وأعدم حلم شعب وأمل أمة !!!!
"التنظيم العالمي للإخوان" هذه الكلمة ماذا تعني في الواقع وأيضا ماذا أريد من استعمالها؟ لا أعتقد أن "التنظيم العالمي للإخوان" هو تنظيم مهيكل ولا يملك أي سلطة تنفيذية أيضا. ومن يريد التأكد فليعد إلى أزمة التنظيم في الجزائر حيث قسمت الجماعة إلى قسمين فما كان منه إلا أن رفض انضمام كلّ من الشقين فيه بعد أن فشل في تقريب وجهات النظر وردء الصدع بينهما بالنصح. لكن بالرغم من أن هذا الجسم داخل تنظيم الإخوان له صفة النصح وأيضا يمكنه رفض الانخراط فيه كما يمكنه أيضا سحب الانضواء لكل من خرج عن الخط العام لهذه الجماعة كما حدث مع الترابي في السبعينيات، فإن له أمل وحلم تحقيق الوحدة المنشودة بين الدول المنضوية داخله في صورة بلوغهم الحكم لو أرادوا ذلك، ولكن كيف؟ لا أعتقد أن لهم تصورا مكتمل المعالم والأبعاد،.هذا هو التنظيم العالمي للإخوان في حقيقته، ولكن من الناحية الأخري يبرزون التنظيم العالمي للإخوان كأنه تنظيم مهيكل له مخططاته وأهدافه ومعالمه الكاملة، وهو يخطو نحو الهدف المنشود بكل ثبات وعزيمة، لا يرده شيء ولا يردعه رادع.
ولكن قد يتساءل البعض أين يكمن الخطر وعلى من؟
هنا تكمن المأساة، إن الشكل الذي قدم به هذا التنظيم يظهره على أنه تنظيم محكم )ويا ليته كان( سيفرض سلطته على الأمة من شرقها إلى غربها وسيفرض منهجه عليها ... هذا التعريف رغم أنّ الكثير من أبناء الوطن العربي و الإسلامي يتمنون أن يكون هذا السيناريو حقيقة كي ينتهي هذا التشرذم والمهانة التي عليها الأمة. إلا أن هذا التعريف لهذا التنظيم وبهذا الشكل يعد خطرا محدقا بالفعل خاصة أن ما سمي بالربيع العربي كان متزامن التاريخ ومتقارب الجهات، فتونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا هذا التشكل الجغرافي له دلائل: من جهة محاصرة إسرائيل من خلال مصر وسوريا من هذا الجانب الجغرافي الذي كان آمنا طيلة عقود والتي دفعت من أجله إسرائيل ما دفعت بكل قوتها السياسية والعسكرية كي يبقى آمنا وتكون حدودها محمية من كل الجوانب كي تنفرد بفلسطين وتحقق مشروعها الأزلي ... هذه الحدود ما بقيت آمنة إلا من جانب واحد وهو الأردن، بل أكثر من ذلك من يسكن جوارها الان ليس بالجار الخنوع حتى وإن هادن الآن فكل المحاولات التي بذلت من أجل فتح القنوات الدبلوماسية بل وحتى السرية وكل الضغوطات باءت بالفشل. هذا الجانب ليس بالهين عليها وإسرائيل ليست من الدول التي تعيش على الهامش أو تترك الأمور للأحداث، لذلك دورها لا يمدن أن يكون إلا بالرد الحازم على ما يمكن أن يهدد مشروعها. وقد عبر عن ذلك الكثير من مسؤوليها و كل الوسائل مشروعة بالنسبة إليها، أما إن كان الفاعل من داخل البيت العربي أو المصري فهذه نعمة من السماء وواجب عليها الشكر بل النذر لها، لذلك لا أستغرب فرحة الإسرائيليين بالانقلاب. ومن الجهة الأخرى فهذا التنظيم العالمي وخاصة إذا كان بالشكل الذي آلت إليه الثورات العربية من حيث التوزيع الجغرافي والذي بالشكل الذي عرض به التنظيم العالمي للإخوان يشكل خطرا ولكن ليس على الأمة ولكن على من يتولون زمام الأمة، فاتحاد هذه الدول ينزع السلطة من كل السلط القائمة دينية أو عسكرية او حتى ممانعتية كما يسمى التي تطغو على الساحة العربية. إن هذا التشكل الجغرافي الجديد ومن هذا المنطلق التعريفي الذي يبرزه الإنقلابيون قادر على التشكل بسهولة في شكل وحدة سياسية واقتصادية وأيضا بشرية من حيث الطاقة يمكن أن يغير الواقع العربي وخاصة بالنسبة إلى بلدان "النظام الإقطاعي" بالخليج التي تتصدر الموقف العربي والإسلامي من خلال تمويلها للمنظمة العربية والإسلامية، والتي تحاول أن تبسط يدها على النظام العربي بعد ال سقوط المتسارع للأنظمة القومية التي حاولت من خلال شعار "المقاومة" استمالت الشعوب العربية والدفع بالصراع "العربي ـالإسرائيلي" في حلبة الصراع على الزعامة في العالم العربي، لكن سقوطها المدوي من خلال تعاملها مع المواطن العربي ساعد الشق الأخر من تصدر التزعم العربي. وهذا التقسيم الجديد يمكن أن يسحب البساط من تحت أقدامهم بل ويهدد سلطانهم المبني على أوهام ويعود بهم إلى مربع الا أمن الذي كانوا فيه في بداية النصف الثاني من القرن الماضي.
من هذا المنطلق الذي يهدد مصالح دول الخليج من ناحية وأيضا إسرائيل من ناحية أخرى خرج قرار خطير على الأمة العربية وأيضا على الإنسان العربي، هذا القرار وبإصرار من الإمارات يتمثل في "القضاء النهائي على الإخوان المسلمون في مصر وأيضا على كل من له صلة بهم في العالم العربي أولا والإسلامي ثانيا مهما كان الثمن"، وقد رصدت من أجله الأموال والعتاد. ولا أدل على ذلك البشاعة التي فض بها ميداني رابعة والنهضة وتلك الصور التي لا يستطيع العقل البشري أن يتصورها بل وأيضا ما رأيناه من فرحة عارمة لانتصار "الجيش العربي الجسور" في الفتك بالمواطنين العزل بل وتبريره والأدهى والأمر هو أن يقع تعطيلا لإرادة الإنسانية في العالم من اتخاذ قرار يدين هذه المجازر من خلال التدخل المالي والبترولي.
هذا القرار ليس بمعزل عن العالم العربي فما وقع في مصر نفسه حاولوا تنفيذه في تونس حتى في ليبيا الدائمة التعثر في بناء دولتها بعد سقوط "اللا دولة" يقع تهميشها اجتماعيا واقتصاديا، أما تركيا التي تعتبر متقدمة نوعا ما في استقرارها و تقدمها حاولوا معها ولا يغيب على أحد محاولة الإمارات زعزعة الاقتصاد التركي، رغم أن خيارات تركيا متعددة خاصة قوة جالياتها الاقتصادية في أوروبا وعلاقتها الخاصة بألمانيا يترك لها هامشا جانبيا وفي الوقت نفسه يساعد دول الشر العربي في أقصاءها عن الدول المتحررة كي لا يقع المساندة الاقتصادية والتقنية، فانكفافها على نفسها أن لم يشلها فقد يشل دول الربيع العربي وهذا المقصد الذي يسعون إليه خاصة حيث لم ينجح المخطط الانقلابي. هناك أيضا محاولة لركوب هذا المسار من جهة منظمة التحرير الفلسطينية كي تحكم قبضتها على القطاع من خلال الدفع بالمتهورين في السلطة الجديدة في مصر إلى شن هجوم كاسح على غزة قد تشارك فيه إسرائيل رغم أن دول الخليج قد لا تسانده، وقد بدأ التنفيذ من خلال ما نراه من هدم للأنفاق والمنازل المجاورة لغزة بعد أن دقت طبول الحرب الإعلامية لأشهر تدفع بالكذبة بعد الأخرى للزج بالقطاع المحاصر من سنينفي أتون الحرب على الإنسان الدائرة في مصر.
إن ما يخطط له قد يعيد الأمة العربية والإسلامية إلى ما قبل العشرينات من القرن الماضي، ومن خلال ذلك يطيلون في أمد السلطة الإقطاعية التي ينتهجونها مع شعوبهم ويستمر إستحمار الشعوب العربية بلا نهاية. ولكن لا يفوتني أن أعرج على السلطة أو الطغمة الحاكمة في مصر والتي اغترت بما أهدرته من دماء المصريين وسكوت العالم على جرائمها قد يدفعها إلى التهور والذهاب إلى الأمام والذي قد يدفعها إلى التمرد على أولي النعمة عليها مما يدفع إلى تصدع داخل الصف الانقلابي (والأيام كفيلة بالمزيد) فيدفع بمصر إلى الهاوية الاقتصادية لمدة طويلة لا ينقذها منها لا دمقراطية ولا حريات ولا حقوق.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: