البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المثقفون والوهن التربوي

كاتب المقال د- محمد بن عبد الرحمان الحفظاوي - المغرب    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4445


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يعاني مثقفو الأمة حالة من الوهن التربوي، وتتجلى مظاهره في عدم القدرة على تفعيل الأفكار في شرايين المجتمع،فأمامهم أوضاع الفرقة التي يعجزون عن رتقها ولم شملها، وحالات انحراف الشباب وضياعهم السلوكي التي يفشلون في علاجها، وإن خطبوا في المحافل قل من يستجيب لهم، ولا يستوعبون المخالف وبالأحرى الموالي أو الموافق، ذلك أن من أسباب عدم فاعلية دور المثقف في مجتمعه تدخله لعلاج المشكلات ولكن بنفس استعلائي ينفر الناس منه، أو لكونه ينصب نفسه قاضيا يفرق الأوصاف على الناس في سوق الاستقطاب والإبعاد، ونسي قول من قال:"كونوا دعاة لاقضاة"، أو لكونه يفقد الصدق والإخلاص في عمله،فلاترى بركة في تدبيره، لحضور شركاء في قصده؛ وعلى رأسهم المال،أو لضعف مستواه العلمي ومهاراته التواصلية كما نلاحظه في كثير من الخطباء والوعاظ والمحاضرين،أو لانتسابه لمؤسسات فقدت المصداقية أو كادت تفقدها لدى الجمهور.

ومن المثقفين من اختاروا التقاعد والاعتزال والاستقالة من دورهم الاجتماعي والإصلاحي فملأوا المقاهي،أو انزووا في بيوتهم،كما قال أحدهم: متعتي في الدنيا ؛امرأة وعلبة سجائر وانتظارالراتب الشهري إلى الراتب الشهري؛ فذلكم الرباط! فذلكم الرباط! فكان أن انهارت الأسرة،وتمرد الأطفال،ونشزت النساء،وحل الشقاء البيوت،واستبدلت بالمقاهي والملاهي وعلب الليل.

وهناك آفة في الفاعلين في ميدان المجتمع المدني،وهي نجاح أفعالهم الفردية،وفشل جهودهم الجماعية،بمعنى أن من مظاهر المشكلة التربوية فشل كثير من محاولات تجميع المثقفين في هيآت وجمعيات،وإن تم ذلك لفترة انفرط العقد بعدها ونقضت الأيادي غزلها؛نظرا للاحتكاك الذي يؤدي إلى بروز بعض الأمراض التربوية كالحسد وحب الظهور وعدم الإخلاص والطمع، وتأويل التصرفات بسوء الظن مما يدفع الشركاء إلى فض عقدهم، والعود إلى حال الفردانية،وهذا مانلاحظه في كثير من الدعاة والفنانين والفاعلين الجمعويين ممن لاتنجح جهود تجميعهم في صيغ جماعية،لكن في حال تفرقهم يبلون البلاء الحسن، ولعل من أسباب هذه الآفة غياب القيادة الناضجة في العمل الجماعي،وضعف الوازع الديني،وغلبة الرغبة في تحصيل المكاسب الدنيوية من مال وشهرة وعلاقات مصلحية.

ومن معضلات مثقفي الحركة الإسلامية؛العقلية الحزبية التي صارت آفة العصر،فلاموالاة إلا لمن انتمى لهذا التنظيم أو ذاك،أو لهذا الحزب أوذاك، فتغيب في ظل هذا الوضع العصبي قيم إسلامية رفيعة كالحب في الله،والتعاون على البر والتقوى،فيصير التنظيم (تصنيم التنظيم) معيارا للولاء والبراء،ويتم التقريب والإبعاد بناء على انتسابك لهذا العمل أو عدمه،وتفتح أبواب الفرص وتغلق بناء على هذا المعيار،فتضيق ساحة الإسلام الرحبة بسبب هذه التدابير، مما ينفر الناس من هذا التضييق الذي لايزيد الأمة إلا فرقة،وإنما المشكلة في كثير من الأحيان بسبب نفسية التحزب التي تضيق بصاحبها عن استيعاب الناس من مختلف المشارب والتوجهات،فعوض ضم القريب وتقريب البعيد كما تقول مقولاتهم؛يتم إبعاد القريب،وإقصاء البعيد.

وهناك من مثقفينا من يؤثر فيهم المنصب والمكانة الاجتماعية التي حصلوا عليها بهذه الطريقة أوتلك، فيتحولون من التواضع إلى الكبر،ومن البساطة إلى الاستعلاء، وتصعير الخد لمن كانوا بالأمس رفاقهم، بل منهم من يبالغ في إظهار العداوة وعدم الصلة بمن كانوا أصدقاء له، ليبرهن على حسن نيته في القطيعة مع الماضي وأفكار الماضي وصدقه في الانخراط في مهامه بتجرد دون مراعاة صداقات ولاعداوات ولا أيديولوجيات، والحقيقة أن ضعف الشخصية يلعب دورا كبيرا في تحول و تغير توجهات كثير من الناس لفقدهم المبدئية،وعدم قدرتهم على الحفاظ على توازنهم النفسي أمام مطالب الوظيفة والمنصب، ومطالب القيم والمبادئ،والدليل وجود عدد من المثقفين حافظوا على طبيعتهم الشخصية وصفاتهم المبدئية؛ ولم تؤثر فيهم لاعصبيات ولا مناصب ولا مكاسب دنيوية ولاشهرة.

ومن المثقفين من طلقوا محراب العلم،وتحينوا الفرص لنيل الشواهد العلمية،والمراكز الاجتماعية،فلما حصلوا على الألقاب العلمية وانتسبوا إلى المؤسسات العلمية وغيرها؛ ظنوا أنهم بلغوا المراد بترقياتهم والزيادة في رواتبهم ، وأمارة ذلك عزوفهم عن القراءة والتأليف،ونفورهم من المشاركات العلمية، وإن عرض عليهم عمل علمي نظروا إلى ماوراءه من مكسب مالي ولوكان درسا بالمسجد، ومنهم من انصرفوا إلى دنيا المال والأعمال فانخرطوا في المشاريع الاستثمارية وتهافتوا على الوداديات السكنية،وأنشأوا المقاولات لتجميع الأموال؛ تكاثرا وتفاخرا،لأنهم وجدوا البوار قرين طلب العلم،فغادروا ثغرهم الأصلي الذي سيحاسبون عليه،واختاروا الدنيا وزينتها، يُخير أحدهم بين المال والعلم،فيختار المال.
ولله در الشاعر حين قال:
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه*** فماضاع منها فليس يضير
وهؤلاء لسان حالهم يقول:
إذا أبقت الدنيا على المرء ماله*** فماضاع من العلم أو الدين فليس يضير

كل هذا وغيره ساهم في عزوف العامة عن المثقفين والعلماء،وجر على الأمة البوار و البلاء،واعتلا المنبر الرويبضة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُصَدَّقُ فِيهِ الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهِ الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهِ الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ الأَمِينُ ، وَتَنْطِقُ فِيهِ الرُّوَيْبِضَةُ ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : السَّفِيهُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ " .

معذرة أيها المثقفون النجباء،الذين اختاروا محراب العلم معبدا، وخالطوا الناس رغم أذيتهم لهم، فمن حقكم أن تذكروا بخصالكم الطيبة،ومكارمكم الشريفة،أنتم الذي تصبرون على جفاء القريب،وأذى البعيد، وتجاملون الناس وتدارونهم حفظا لمودتهم وإبقاء لحال الجماعة قائما؛ حتى لاتفشل الأمة وتذهب ريحها، وتصدقون مع أصدقائكم وتستعملون المروءة البالغة في صحبتكم لغيركم،بمشاعر رقيقة،وخصال لطيفة،وكلمات طيبة تختارونها ملائمة للحال مطابقة للمقام، قصدكم وجه الله فيماتصنعون،همكم في بلوغ الصواب في تدبيركم، إذا قصدتم عند الحاجة لبيتم من غيرتماطل، إذا استنصحتم نصحتم بلطف ورفق، سيماء الصدق في سمتكم،لايحبكم إلا حبيب ،ولايبغضكم إلا لئيم،قد فاز بفضيلة الصحبة من صاحبكم،واقتبس من جميل خصالكم من رافقكم،فلكم تحياتي الطيبة، ومتمنياتي القلبية بالحفظ وكمال العفو وحسن العافية. ومسك الختام حديث النبي العدنان،الذي فيه الأمل لكل قلب مهموم، رغم مايحف الأمة من خطر: عن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

مسائل تربوية، الثقافة، دور المثقف في المجتمع، نقد ادبي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 3-08-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. صلاح عودة الله ، الناصر الرقيق، سامر أبو رمان ، مراد قميزة، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد النعيمي، صفاء العربي، د - الضاوي خوالدية، جاسم الرصيف، فوزي مسعود ، محمد العيادي، نادية سعد، المولدي الفرجاني، خالد الجاف ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مجدى داود، الهيثم زعفان، د. أحمد بشير، ياسين أحمد، صلاح الحريري، د - صالح المازقي، أحمد بوادي، عمر غازي، علي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، محمد يحي، صلاح المختار، صفاء العراقي، ضحى عبد الرحمن، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الله زيدان، تونسي، وائل بنجدو، عبد العزيز كحيل، رضا الدبّابي، أحمد ملحم، حاتم الصولي، حسن عثمان، سفيان عبد الكافي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أ.د. مصطفى رجب، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، بيلسان قيصر، طلال قسومي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد علي العقربي، سعود السبعاني، الهادي المثلوثي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد شمام ، كريم السليتي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أنس الشابي، المولدي اليوسفي، د - مصطفى فهمي، رشيد السيد أحمد، فتحـي قاره بيبـان، فتحي الزغل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عزيز العرباوي، د. مصطفى يوسف اللداوي، سلوى المغربي، محمود فاروق سيد شعبان، عمار غيلوفي، د - المنجي الكعبي، سليمان أحمد أبو ستة، محمد عمر غرس الله، كريم فارق، صباح الموسوي ، يزيد بن الحسين، إيمى الأشقر، إياد محمود حسين ، عبد الله الفقير، رمضان حينوني، أبو سمية، أحمد الحباسي، عبد الغني مزوز، علي الكاش، حميدة الطيلوش، عواطف منصور، إسراء أبو رمان، العادل السمعلي، صالح النعامي ، محمد الياسين، فتحي العابد، سامح لطف الله، د - شاكر الحوكي ، محمود سلطان، سلام الشماع، منجي باكير، طارق خفاجي، مصطفى منيغ، د- جابر قميحة، عبد الرزاق قيراط ، محمد الطرابلسي، مصطفي زهران، د. أحمد محمد سليمان، د.محمد فتحي عبد العال، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، رافع القارصي، حسن الطرابلسي، محرر "بوابتي"، يحيي البوليني، محمد أحمد عزوز، د- محمد رحال، د. عبد الآله المالكي، فهمي شراب، د - محمد بنيعيش، د. طارق عبد الحليم، رافد العزاوي، محمود طرشوبي، د- هاني ابوالفتوح، عراق المطيري، د - محمد بن موسى الشريف ، د- محمود علي عريقات، د. خالد الطراولي ، د - عادل رضا،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة