الإعلام كوسيلة تشويش فكري بتونس
فوزي مسعود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
المشاهدات: 14711
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
سنحاول في هذا المقال رؤية جزء من أساليب تشويش الأفكار التي تقوم بها بعض وسائل الإعلام التونسية.
في نطاق دورها, تقوم وسائل الإعلام بعملية مزدوجة تتمثل في توزيع وإنتاج الأفكار.
الإعلام كأداة توزيع للأفكار:
نقصد بعملية التوزيع, المجهود الذي يبذل لعرض أو طرح أو كتابة أو نقل محتوى إعلامي, أنتج أصلا من خلال طرف آخر, مع إمكانية إدخال عملية تحوير على محتواه في نطاق العمل الصحفي المشروع, وهذا العمل يشمل وجهين:
1 - تحوير المحتوى من حيث الكمية أو الحجم: من ذلك تقليل أو زيادة حجم مقال, أو تقليل أو زيادة المدى الزمني لبرنامج إذاعي أو تلفزي, بدون أن يغير ذلك من الفكرة التي يريد أن يوصلها العمل الصحفي الأصلي, وهذا يتعلق بالعمل الإعلامي المحايد والمطلوب توفره, وهو الذي يحافظ على الأفكار الأصلية للعمل الإعلامي.
2 –تحوير المحتوى من حيث الفكرة الموجهة: وذلك بالتصرف في المحتوى لغرض إبعاد فكرة يحملها العمل الأصلي, أو إضعافها او تحريفها, وهذا يتعلق بالعمل الإعلامي الذي تقوم به أطراف تستغل الأعمال الإعلامية لتوجيه معاركها الفكرية. ومثل هذا العمل يمكن أن يتبع التالي لإنجازه:
2.1- التصرف في العمل من حيث مداه الزمني بالزيادة أو النقصان المنتقى المتعمد الواعي (عكس التحوير في المحتوى من حيث الكمية أو الحجم الذي يتم من دون هدف آخر غير تقليل المدى الزمني من دون الإخلال بالأفكار الرئيسية فيه), أي يعمل على إبعاد أو زيادة بالقدر الذي يحقق الهدف.
2.2- التصرف في العمل من حيث أفكاره الرئيسية, وذلك عن طريق عدة أساليب منها:
2.2.1- الترتيب: بحيث يكفي أحيانا أن يبدل ترتيب لقطات في برنامج تلفزي, أو فقرات في مقال, لينقلب المعنى كله.
2.2.2- الإيحاء: وذلك عن طريق إيصال فكرة للمتلقي بطريقة غير مباشرة, تتكون لدى هذا الأخير عن طريق الإيحاء من خلال المحتوى المباشر المتلقى, كأن تظهر المعلقات الإشهارية نساء بائسات متعرّيات على أنهن المثل الأعلى ممّا يوحي بطريقة غير مباشرة للمراة التونسية المتلقية أن ما تشاهدهن هن النموذج الواجب إتباعه في اللباس والسلوك ونمط الحياة.
2.2.3- الإبعاد: هناك رموز أو كلمات ذوات محتوى إعلامي قوي يقع حذفها من البرنامج الموزع او المقال, كان يقع حذف كلمة "الكفار" أو الجهاد من بعض الأعمال الإعلامية, لأنها كلمات "قطبية/محورية", يمكن ان تغير لوحدها اتجاه البرنامج أو المقال المعني كاملا.
2.2.4- التشويه: يمكن ان يتصرف في البرنامج الموزع أو المقال الأصلي, بحيث أن ترك الجزء الغير مرغوب فيه, يضيع الفكرة الأصلية المقصودة, كان يعمد لأخذ جزء من حوار تلفزي يتناول فيه أحد الأطراف مواضيع عديدة ومنها مقاومة المحتل والجهاد, ثم تحذف كل الأفكار المتناولة في اللقاء ولا يترك إلا تلك التي تتحدث عن المقاومة والجهاد, ويقع إبرازها بجانب لقطات أخرى تظهر عملا إرهابيا وقع في إحدى الدول الإسلامية, تصور ماذا يمكن أن يترسخ في ذهن المتلقي: من يقول بمقاومة المحتل والداعي للجهاد هو إرهابي يضرب مجتمعه ومواطنيه, إذن شوه مبدأ الجهاد ومقاومة المحتل من خلال عملية تصرف مخادعة.
2.2.5- التذويب: وذلك عن طريق إضعاف تاثير فكرة نسبة لمجموع الأفكار المضمنة في مقال أو برنامج, حتى يتلاشى تأثيرها فتذوب, ويكون إما عن طريق حصرها بين أفكار مقابلة مع التقليل من مساحتها الزمنية أو حجمها, مع الاستعمال المتزامن لمجموعة أخرى من الأساليب (الترتيب, الإيحاء, التشويه..) لكي تصل الفكرة للمتلقي في النهاية وقد ضاعت, بل قد تنسى قبل نهاية البرنامج او المقال.
2.2.6-العزل: وهو التصرف في العمل الإعلامي, بحيث تظهر الفكرة الأصلية وقد عزلت عن سياقها, وهذا ينتج شيئين, إما أن الفكرة لن تفهم من المتلقي, فيخالها خارجة عن الموضوع, أو أن يقع إظهارها على أنها نشاز مدعاة للسخرية.
2.2.7-السخرية: هي نتيجة لبعض او كل الأساليب المذكورة سابقا, وهو هدف يقصد منه ضرب فكرة ما عن طريق إسقاط الجدية عنها, وإنزالها من مستوى الفكرة إلى مستوى الطرفة المشاعة.
الإعلام كأداة إنتاج للأفكار:
يمتاز العمل الإعلامي المنتج عن نظيره الموزع, من حيث ان منتجه يملك القدرة الكاملة على تضمين ما يريد من أفكار داخل عمله الإعلامي منذ البداية, وبالتالي فإن اغلب الأساليب التي ذكرناها سابقا يمكن أن تستعمل أيضا هنا, على أننا سوف نتناول بعض ما يميز العمل الإعلامي المنتج حينما يراد منه أن يكون وسيلة لقيادة مواجهة فكرية, وسوف نتناول فقط أولئك الذين يقودون حربا فكرية ضد مكونات الهوية التونسية, رغم انهم من بني جلدتنا بل تونسيون, وهم خليط عريض تجمعهم كلمة فضفاضة تسمى "العلمانية", ينتسبون إليها ويغطون بها انحرافاتهم الفكرية.
ينتشر مثل هؤلاء في قطاع إنتاج الأفلام والمسرح, وبعض من وسائل الإعلام الأخرى بدرجة ثانية. ولأنهم يحملون أفكارا غريبة عن المجتمع التونسي, فإن تحركاتهم تحكمها مجموعة من السمات, يمكن أن نبوبها كالتالي:
1. التشكيك: وهو السعي لخلق أسئلة لدى المتلقي للعمل الإعلامي, وتكون الأسئلة موجهة لزعزعة الأفكار والمبادئ التي طالما اتفق التونسيون عليها, وتهدف لدفع المتلقي إلى إنزال مبدئه من موقع المقدس إلى موقع المشاع, كتمهيد لضرب ذلك المبدأ, و يتبع التشكيك الطرق التالية:
- 1.1 التشكيك في الأسس: وهو يكون عادة عملا منهجيا علميا, ويسعى للتأسيس لهوية تونسية بدون مكوناتها العربية و الإسلامية, من ذلك الكتب والمعلقات التي ينتجها البعض والتي تتحدث باستفاضة عن الحضارة القرطاجنية, وذلك بنشر أعمال عديدة عن هذا الموضوع, بل إن إحدى دور النشر(يعتقد انها ذات مساهمة فرنسية) قامت بطباعة ما تقول انه الأبجدية الفينيقية (نسبة لقرطاج), وهو ما يعتبر أول محاولة أكاديمية لبعث جذور حركات عرقية في تونس, والتأسيس العلمي لها. كما إن من التشكيك في الأسس أيضا, تلك الاعمال الفكرية التي تهون من تأثير المراحل الإسلامية على تاريخ تونس, او تلك التي تحاول عدم إظهار الطابع العربي الإسلامي لتونس.
- 1.2 التشكيك في البناء: وهو يستهدف ما هو شائع لدى التونسي من تمسكه بمبادئه وعاداته, فتقوم عمليات التشكيك بطرح الأسئلة الغير مباشرة في هذا البناء القائم عن طريق أعمال فنية أو كتابات, كالأعمال التي تروج للتعري والفسق وتمجد القائمين عليها, وتصوير ذلك على انه من الفن, إذ مثل هاته الإنتاجات الإعلامية تضرب بطريقة غير مباشرة ما اعتاد عليه التونسي من النظر بعين التحقير لمن يسمون بفنانين أو مغنين وخاصة أولئك المسرفين في الابتذال, ومنذ فترة ليست بالبعيدة كان التونسي يخجل من أن يشاهد صحبة أفراد العائلة مناظر التعري بالتلفزة, والآن تغير الأمر بفعل نجاح هؤلاء المشككين في تصوير الأمر على انه عادي وان ذلك من التطور, وهو ما يعني في النهاية دفع المتلقي للتشكيك في مبادئه, كمقدمة لتخليه عنها, لأن الإنسان لا يمكن ان يتخلى عن مبدئه, إلا حين يشك فيه وفي صلاحيته أولا.
- 1.3 التشكيك في الرموز: وهو تناول الرموز التي تحمل زخما خاصا لدى المواطن التونسي, بشيء من الأسئلة أو الإشاعات بحيث تجعل التونسي يعيد النظر في احترامه لها. وتركز عمليات التشكيك على الرموز الإسلامية دون سواها, من ذلك مثلا ما كتبته أخيرا إحدى النسوة من فصيل العلمانيين بتونس, إذ تناولت الصحابي الجليل "خالد ابن الوليد" وطعنت فيه, ووصفته بأنه يقاتل من أجل سبي النساء الجميلات, وهو كلام فضلا عن خطله العلمي ونية التشكيك التي يحملها, يمثل جرأة تصل حد الوقاحة لا يملكها إلا من أوتي احتقارا كبيرا للمواطن التونسي ولاعتقاداته.
2. التقية: يستعمل هؤلاء الذين يستهدفون مكونات الهوية التونسية أساليب يحاولون بها إخفاء نواياهم الحقيقية, والهدف منها هو عدم جعل المواطن التونسي ينتبه لهم, ومن ضمن وسائلهم في ذلك:
- 2.1 الإيحاء باحترام الدين الإسلامي: وذلك بإحياء المناسبات التي يزعم أنها دينية و التي لا تقدم في شيء, وهي بعد ذلك ليست من الإسلام بل هي من الموروثات الصوفية المنحرفة, وإن كان رسخ في الذهن عكس ذلك بحكم عوامل الإنحطاط التي شهدها المجتمع التونسي طيلة قرون عديدة وابتعاده خلالها عن التدين الصحيح, من ذلك إحياء مناسبة المولد النبوي والتركيز على عادات الاستهلاك المرتبطة بها وتصوير ذلك انه من إحياء مشاعر الدين, وإحياء حفلات ما يقال أنهم أولياء صالحون والإغداق عليها, وإقامة المهرجانات لها..
- 2.2 الإيحاء باحترام الرموز التاريخية: وذلك بإحياء حفلات تحمل أسماء لرموز تاريخية, وهو مما لا يقدم في شيء, ويعمل فقط على ترسيخ مبدأ التناول الشكلي للرموز التاريخية, وتأكيد فكرة أن هؤلاء الرموز لا يفيدون أبدا, أكثر من جعلهم مادة للاحتفال الدوري بذكراهم.
- 2.3 الإيحاء باحترام المناسبات الوطنية والقومية: حيث يعمل هؤلاء أن يكونوا من ضمن الأوائل في تنظيم التظاهرات التي تنظم لامتصاص الغضب, أو لإنتاج أعمال فنية لإبعاد الشبهات عن أنفسهم حينما يتنامى أحيانا وعي المواطن التونسي بتوجهاتهم المعادية للهوية العربية الإسلامية. فيقومون بين الفترة والأخرى بإنتاج مسرحيات تتحدث عن فلسطين أو العراق, ينتهي تأثيرها داخل قاعة العرض, هذا على افتراض أن مثل هذه الأعمال تحمل تأثيرا.
3. الولاء للغرب: بحكم أنهم لا يوافقون على مكونات الهوية العربية الإسلامية لتونس, فأفكار العلمانيين إذن نشأت أصلا بحكم تأثرهم بأطراف غربية. على أن العلمانيين لا يكتفون بالارتباط الفكري فقط, بل منهم أطراف تعمل على الالتصاق بالغرب لأهداف أخرى. ويمكن أن يتبع الولاء للغرب المستويات التالية:
- 3.1 الولاء الفكري: وهو يعني ان هؤلاء يسعون لبث أفكارا تعادي الهوية العربية الإسلامية داخل تونس, ويكون ذلك إما لغرض فكري بحت, كمن يتبنى تيارات تصنف على انها يسارية, أو لغرض سياسي كمن يعمل على ترديد أطروحات ومطالب سياسية أجنبية ضد مصالح بلده تونس, أحسن من يمثل هؤلاء هم الحركات اليسارية وامتداداتها بالميدان الفكري والصحفي والسياسي.
- 3.2 القيام بمهمات: وهم صنف أوغلوا في ارتباطاتهم بالغرب, فكان أن ارتضوا لأنفسهم القيام بمهمات تدعمها أطراف غربية, وتتخذ هذه الأعمال ستار الأبحاث الأكاديمية أو الأعمال الفنية أو الأعمال الإنسانية. كمثل تلك الأعمال التي تعنى بالبحث في الجذور الفينيقية / القرطاجنية لتونس, او إعداد الدراسات المطالبة بإلغاء نظام المواريث الإسلامي في تونس, أو المنظمات التي تدعو للزناء تحت شعار محاربة السيدا (الدعوة لاستعمال الواقيات الذكرية هو في آخر المطاف تشجيع على الزناء و إن كان دعوة لمقاومة السيدا), أو إنتاج الأفلام ذات المحتوى المغرق في المناظر الجنسية والتي لا تمت بصلة لواقع مجتمعنا التونسي.
ومقابل أداء هذه المهمات, تتلقى هذه الشخصيات التونسية من الأطراف الغربية المحركة لها تمويلات مادية وأحيانا أخرى دعما معنويا أو إعلاميا لأنشطتهم.
- 3.3 الإرتباط الشخصي بالغرب: وهؤلاء لم أرى لهم وجود بعد في تونس, ولكنهم موجودون ببعض بلدان المشرق العربي, حيث يضع بعضهم مصيره الشخصي بيد أدوات غربية, فيقبل بالعمل كجاسوس ضد بلده او يسخر وقته وعمره في سب وإنتاج ما يحقر بلده ودينه. أذكر أني استمعت لأحد الصحفيين المصريين ممن يحمل الجنسية البريطانية, حيث قدمه المذيع على انه صحفي بريطاني من أصل مصري, فانتفض هذا الصحفي قائلا لست مصريا, أنا بريطاني فقط.
29-09-2007
|
3-10-2007 / 14:28:32 Abou Mohammad