الغرب يكرّم سلمان رشدي ويسجن المؤرّخ ديفيد إيرفينغ
يحيى أبو زكريا المشاهدات: 9472
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
أصبحت الجوائز الأدبية والثقافية في الغرب خاضعة جملة وتفصيلا للأبعاد الإيديولوجية للكتلة الغربية القائمة علي أساس إستعداء الحضارة العربية والإسلامية والتي يري فيها المنظرّون الغربيون أهمّ منافس شرس للحضارة الغربية وأبعادها، ومن هذا المنطلق يثمنّ الغرب كل الغرب أي رواية أو مسرحية أو قصة أو قصيدة شعرية أو لوحة تشكيلية سوريالية كانت أم طبيعية علي أساس قربها من منطلقات الأنماط الفكرية الغربية.
ومنذ بداية المحافل الثقافية الغربية بتوزيع جوائزها الدسمة أحيانا لم ينل هذه الجائزة كتّاب عرب ومسلمون يحملون عنوان المواطنة الغربية ولديهم موقف مسبق من الحضارة الغربية أو الحركة الإستعمارية الغربية الراهنة والماضية، رغم أنّ هناك جيلا من الكتاب الغربيين من أصول مسلمة يعيشون في الغرب ويكتبون الروائع لكن لم يحظوا بأي جائزة بسبب إبرازهم لهموم عربية أو إسلامية في منتوجهم الفكري، وعلي عكس هؤلاء فإنّ الذين كتبوا في الغرب منتقصين من شأن الحضارة الإسلامية وتناولوا الرموز الإسلامية بكثير من التطاول باتوا بين عشية وضحاها من حملة الأوسمة والنياشين والشهادات التقديرية والدكتوراه الفخرية.. بل إنّ الغرب لم يحرم الحريصين علي إبراز هويتهم وإنتمائهم الحضاري في أدبهم المكتوب باللغة الغربية وبإبداع شديد، بل لاحق حتي الغربيين الذين إختلفوا مع المسلكية الحضارية لهذا الغرب، فبريطانيا التي أعطت وسام الفارس للكاتب الهندي البريطاني سلمان رشدي صاحب رواية آيات شيطانية لاحقت المؤرخ البريطاني ديفيد إيرفينغ الذي حكمت عليه محكمة نمساوية بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب موقفه من المحرقة اليهودية الهولوكست وقد تعاونت بريطانيا والنمسا في إصدار هذا الحكم علي قاعدة القانون الأوروبي الموحّد القاضي بتعقّب كل مفكر وكاتب يشكك في المحرقة ويدعو إلي مراجعة التاريخ بهذا الخصوص.
والعجيب أن ديفيد أرفينغ وعندما أحضر إلي المحكمة النمساوية بالقوة جيء به وهو مقيّد اليدين علي غير عادة المحاكم الأوروبية وللإشارة فإنّ أحكاما قد صدرت في حقّ إيرفينغ سابقا في بريطانيا وألمانيا ومُنِع من الإقامة في نيوزيلندا.
وكان إيرفينغ قد ألف عدة كتب مثيرة للجدل أهمها ما تعلق بموضوع الهولوكوست الذي صدر في عام 1977 بعنوان حرب هتلر . وبالتأكيد فإنّ أرفينغ لو تهجمّ علي حركة حماس وعلي رسول الإسلام والحضارة الإسلامية في المطلق لكان مجاورا للمكلة اليزابيث التي منحت وسام فارس لسلمان رشدي والذي وبإعتراف النقّاد البريطانيين لا يرقي أدبه إلي مستوي كبار الأدباء البريطانيين بل إنّ الرفعة التي حصل عليها في الغرب تعود لموقفه من الإسلام ومن رسول الإسلام علي وجه التحديد، لأنّه وبعد روايته آيات شيطانية باتت المؤسسات الثقافية والإعلامية في الغرب تتهكم من الإسلام وتدعّي أنّ رجلا من أصول مسلمة وهو سلمان رشدي هو الذي دلّ الغربيين علي المثالب في الرسالة الإسلامية وصاحبها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وهو الذي أتخذ في وقت لاحق غطاء لكل المؤسسات التي إنبرت للإنقاص من شأن الحضارة الإسلامية وتسفيهها، وكثيرا ما يختفي الغربيون خلف الكتاب من أصول مسلمة ويدفعونهم للإدلاء بمواقف وتصريحات ضدّ الإسلام وقد لجأوا إلي هذه الإستراتيجية في معظم العواصم الأوروبية وقامت وسائل الإعلام بتسليط الضوء عليهم لإظهار مسألة تبرؤ المسلمين من إسلامهم في الغرب وبالتالي يحققون هدفين أولهما حمل المسلمين علي ترك إسلامهم مصدر قوتهم في العالم الإسلامي ودفع الغربيين لعدم الإهتمام بدين يهدد حريتهم وديمقراطيتهم كما يقول أبناء الملة الإسلامية أنفسهم، والغرض من ذلك وقف ظاهرة الأسلمة وسط الإنتليجانسيا الغربية وهي الظاهرة التي باتت تؤرّق حتي الأجهزة الأمنية في الغرب.
وفي الوقت الذي كرمّت فيه السويد الكاتبة البنغالية مؤلفّة كتاب العار تسليمة نسرين والتي جاءت إلي السويد وحملت علي كل ما يمت بصلة إلي الإسلام والمسلمين بدءا بالشريعة الإسلامية ووضع المرأة المسلمة وخرافية العقل الإسلامي فإنّها سجنت مدير إذاعة الإسلام المغربي أحمد رامي بسبب إذاعته لما قيل أنّه معادي للسامية في السويد والغرب..
أما في سويسرا فقد أصدرت محكمة سويسرية أحكاما بالسجن علي الكاتب السويسري اللاجئ في موسكو يورغان غراف الذي أثارت مؤلفاته جدلا كبيرا في الغرب، وأتهمّ غير مرة من قبل حكومات غربية بمعاداة السامية، وحدث له أسوأ مما حدث للكاتب الفرنسي روجيه غارودي، وبعد أن وضع سلسلة كتب عن الهولوكست حكمت عليه محكمة سويسرية بالسجن لمدة سنتين فرّ علي إثرها إلي روسيا وطلب هناك اللجوء السياسي.
و في الوقت ذاته إحتضنت سويسرا طارق رمضان الذي يطالب بإلغاء الشريعة الإسلام وعلمنة الإسلام بطريقة ترضي المزاج الغربي.
وفي فرنسا ما زال القضاء الفرنسي يلاحق روجيه غارودي رغم مرضه العضال وروبرت فوريسون بسبب دعوتهما للمراجعة التاريخية ووضع حدّ لتحكّم اللوبي الصهيوني في مسار التاريخ الأوروبي المعاصر، وفي الوقت ذاته تكرّم الكاتبة آسيا جبار التي تبرأت التي تكتب وفق النكهة الفرنسية الفرانكفونية وتكرم محمد أركون الذي يقوم في موقعه في السوربون بإجراء عملية خلق إسلام أوروبي جديد ترضي عنه العقلية الغربية ذات الأساس الإستعماري.
24-09-2007
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785