مولاي أحمد صابر- المغرب
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 9575
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
الله هو الغني فوق عباده، فعبادة الناس له لا تزيد في ملكه شيئا ولا تنقص منه شيئا، وهذا يعني أن ثمار العبادة يحصدها الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، ولا معنى لها إن لم تجلب الخير للناس في دنياهم وآخرتهم، وبما أن الإنسان في حاجة ماسة إلى عبادة ربه، وبرحمة من الله به بعث الأنبياء والرسل وأنزل معهم الكتاب ليبينوا للناس معنى الدين الذي يريده الله لعباده، والذي جوهره عبادتهم له.
وبعبادتهم تلك يحسن حالهم في دنياهم وآخرتهم، وبهذا فالدين الذي شرعه الله جاء من اجل الإنسان وليس من أجل الخالق سبحانه، فلا معنى للدين عند الله إن لم يذكر الإنسان ويدفعه لإقامة العدل ورفض الظلم، ولا معنى له إذا سلب من الإنسان حريته وإرادته وقلبه وعقله الذي وهبه الله إياه، ولا معنى له إن تمسك بالجهل بدل العلم، وبالباطل بدل الحق، وبالخرافة بدل العقل، وبالأصنام بدل الأفكار، فالعبادة التي لا تنظر في حقوق الناس بعضهم البعض، الغني منهم والفقير، القوي والضعيف، الظالم والمظلوم، الحاكم والمحكوم، الذكر والأنثى... وتهجر صلة الإنسان بالكون وما فيه، فهي عبادة عرجاء ومشلولة، لا يرضاها الله ولا يريدها لعباده، لأن العبادة باب من العلم، والله لا يعبد عن جهل، ومعرفته لا تتأتى إلا بالنظر في أحوال عباده وخلقه، وقد أخطأ من اععتبرأن العبادة صلة بين العبد وربه فقط . فالعبادة بدرجة أولى، هي صلة بين عباد الله بعضهم البعض وما يحيط بهم.
قال تعالى}:شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط{ آل عمران.
وقال أيضا: }إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار{ آل عمران .
فما قيمة الصلاة إذن، إن لم تحيي في عباد الله حب الإنفاق والعطف على الفقراء والمحرومين، والحد من الفحشاء والمنكر. وما قيمة الصوم إن لم يحي في الناس قيم المساواة والرحمة، وما قيمة الحج إن لم يذكرنا بأن كل الناس من آدم وآدم من تراب، ونسعى إلى التحاور بدل التصادم. وما قيمة الشهادتين إن لم يحسن بعضنا إلى البعض الآخر.
فهل هذه المناسك التي جاء بها الدين ،هي من أجل مصلحة الخالق أم المخلوق؟
لا شك أن الدين الذي أنزله الخالق، شرع هذه المناسك وغيرها من أجل مصلحة العباد ومنفعتهم في الدنيا، وكلما حققوا الخير فيما بنهم إلا وآتاهم الله خيرا آخر في الآخرة، إلا أن الكثير من الناس قلبوا هذا الفهم رأسا على عقب، وجعلوا الدين من أجل الله بدل الإنسان، لإغراض ومصالح شخصية وسياسية وغيرها، شعروا بذلك أم لم يشعروا به، وورث جل الناس هذا الفهم المقلوب وشاع بينهم، وبهذا فهم الناس الدين في ثوب آخر بدل الثوب الذي جاء فيه، وتورم فقه كبير وواسع يتدخل في صلاحية الخالق سبحانه التي لا قبل لأحد بها من خلقه . يبحث مثلا، في من تجزؤه صلاته عند الله ومن لا تجزؤه، ومن صيامه مقبول أو باطل وفيمن وضوءه صحيح أو مرفوض، وفيمن اعتقاده بالله اعتقاد صحيح على هدى أو على ضلال . و الغريب أن بعض الناس يمكن أن يصحح صلاة غيره بقلم أحمر، ويفصل فيمن يدخل الجنة أو النار، أو يتحدث باسم الله عن شيء لم يخبر به. أمر لم يكلف به أحد من خلق الله من ملائكته وأنبيائه ورسله، وهذا ما تنبأ له القرآن وحذر منه. قال تعالى}: قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمنيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين{ البقرة .
وقال أيضا } ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب{ النساء. وبهذا تحول الكثير من هؤلاء إلى متحدثين بالنيابة في الأرض عن الله، ومع طول الزمن تحولت نيابتهم هذه إلى إدارة إلهية في الأرض بين عباد الله، رغم أن الله لم يتخذ لنفسه إدارة أو مركزا ليتحدث من خلالها أحد باسمه، فهو أقرب إلينا من أنفسنا ، وهو معنا أينما كنا وهو اللطيف الخبير.
نيابتهم هذه ضيقت الدين رغم اتساعه أشد تضييق، ولخصته رغم كبره. هكذا فهم الناس الدين أنه منظم للعلاقة بين العبد وربه فقط، إلا أن الدين لم يأتي إلا لينظم العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، والإنسان والكون بما فيه، وكلما كان هذا التنظيم محكما كانت عبادة الله وتوحيده أقوى وأسلم، ومن تدبر آيات القران الكريم سيدرك هذا الأمر بشكل واضح . فبالفهم المقلوب للدين استوطنت العبادة في المساجد والمعابد والكنائس، ورحلت من قصور السياسة، ومن كل مرافق الحياة العامة للناس.
النيابة عن الله في الأرض داخل المساجد والمعابد، تدمن على رفع الطلبات والأدعية صباحا ومساء إلى الله وتحث الناس على ذلك. هذا جميل ورائع ، إلا أن الأدعية أمام الإعراض عن الأخذ بالأسباب عمل ناقص. أما أن تذكرهم أن في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، فهذا أمر مستبعد ونادر، فالبؤس والفقر والحرمان مثلا لا يزولان إلا بإيتاء المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين، وهذا من غايات الذين، فالغريب أن الكثير من المحرومين يقصدون المساجد والمعابد، خاصة في يوم الجمعة، اليوم الأسبوعي الذي يأتي فيه الأغنياء وغيرهم ليجددوا عقد الصلح مع ربهم، فبعد انقضاء صلاتهم تلك يحرجهم هؤلاء المحرومون ولسان حالهم يقول، بأن لا معنى لعبادة هؤلاء للخالق إن لم يحسنوا مع عباده .
إن الإنسان لم يهجر الدين في أية لحظة من تاريخه الطويل، إلا أنه يقلبه رأسا على عقب لصالح الكبراء والوجهاء ، وبذلك تصبح غايات الدين مقلوبة، ويصبح الدين في قفص الاتهام، ويغفل كثير من الناس عن حقيقة جهاد الأنبياء والمرسلين، بما فيهم محمد، وهو جهاد لإقامة العبادة والدين وفق سياقه الصحيح رغم الجحود والعصيان، فمشكلة المشركين من قريش وغيرهم مع محمد{ص} ليست مشكلة الدين بدرجة أولى، بقدر ما هي مشكلة مع الدين الحق، الغير المقلوب، الذي جاء من أجل الناس أجمعين، فهم سواء أمام الله في كل الحقوق، السيد منهم والخادم، فخالقهم جعل منهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا وأكرمهم عنده أتقاهم، وأتقاهم هو أرحمهم بخلقه وعباده، و هوا لرسول الرحمة المبعوثة للعالمين، وعلى نهجه وبكرم من القرآن وقف الكثير من المصلحين والأئمة و غيرهم، في وجه الفهم المقلوب للدين، فكم نحن في حاجة من أي وقت مضى إلى فهم الدين الذي جاء به القرآن فهما صحيحا غير مقلوب، وهذا لا يتأتى إلا بالعودة إلى القرآن الكريم حكما بين الناس أجمعين، بتعدد ثقافاتهم واعتقاداتهم.
مولاي أحمد صابر
باحث وكاتب المملكة المغربية
Myahmed74@hotmail.com
18-09-2007
الردود على المقال أعلاه مرتبة نزولا حسب ظهورها
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
18-09-2007 / 12:35:32 DIFT
Bon article.
j'ai juste un point à rajouter, c'est que ceux qui obéissent " en l'accéptant de plein coeur" à tout ordre en contradiction avec la parole de Dieu se sont automatiquement convertis à adorer cet émetteur d'ordre en dehors de Dieu. Ceci est appuyé par le fait que notre prophète (asws) a dit ce que je traduit " Maudits sont les nazariens, il ont pris leur prêtres Dieu à la place d'Allah" et les prêtres avaient la place de législateurs et d'émetteurs d'ordres. A vous de comparer ça avec ce qui se passe chez nous de nos jours.
18-09-2007 / 12:35:32 DIFT