ردا على أنس الشابي: وليست من فنون الإساءة بحال من الأحوال (*)
هشام بن محمود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5827
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
نشرت جريدة "الصريح الغراء" بتاريخ 20 محرم 1434/4 ديسمبر 2012 بالجريدة الثقافية وتحديدا بالصفحة 24 مقالا نقديا متميّزا دلّ على ما لصاحبه من حسّ صادق وإحاطة ونقد هادف وأعني به الأستاذ أنس الشابي بعنوان غريب عن غايات الكتاب وأهدافه "من فنون الإساءة إلى إعلام الأمة؟ !"
وإني إذ أشكر له إهتمامه ونقده الذي أقدره حق قدره فإني أرى لزاما علي أن أصحح وأحدّد أهداف نشر هذا الأثر الخالد. والتي من أبرزها حرصنا على كشف المغطى عن هذه الروائع الفكرية والصلات الرائعة والسمو الفكري والود الصادق الذي انعدم اليوم أو يكاد.
لأجل ذلك تمّ التركيز على الرسائل المتبادلة بما تضمنته من لطائف وأحاسيس ونبض وطني فيّاض وتفتح في الفكر وأمل في غد باسم لهذه الأمة. فكان الهدف في حقيقة الأمر الإشادة بإعلام الأمة بعيدا عن الإساءة لاسامح الله. ولئن أشار الأستاذ في مقاله إشارة عابرة إلى هذه الرسائل والتي كم كنتُ أتمنى أن يتناولها بالبحث والتعليق فلقد أطنب في التركيز على جوانب اُعْتَبَرَنَا قد أغفلناها على أهميتها مُعددا لها ومُحددا لمضامينها وأبعادها والتي لا جدال فيها.
وقد عدّ ذلك إغفالا منا لحقائق –وهو على حق في ذلك- إلاّ أن أغراض العمل الذي أُنجز كان متجها لنشر وثائق ودراسات ووشائج وعلاقات ربطت بين العلمين الآفلين من خلال وثائق التزمنا في نشرها جانب المحافظة على الأمانة التاريخية والتي لم تكن "نائمة على رفوف النسيان" وإنما كانت تنتظر اللحظة المناسبة وقد حلّت بحمد الله...
لأجل ذلك حرصنا على تقديمها تاركين لرجالات البحث وأعلام الفكر تحقيقها وتحليلها وربطها بالمرجعية الفكرية والنضالية لتلكم العهود بما يثري البحث ويُعَدّدُ القراءات ويقيم الدليل على السبق الرائع لأعلامٍ أنجبتهم تونس وجمعت بينهم عرصات العلم وحلقات الفكر وميادين النضال التي كان منطلقها جامع الزيتونة المعمور أدام الله عمرانه.
ولقد أديتُ هذا العمل بكل أمانة ودعم من الله سبحانه وتأطير وتوجيه من قبل صاحب المعالي الأستاذ الشاذلي القليبي ومقام الوالد الأخ الأكبر الشيخ الأستاذ إبراهيم بن محمود. ولئن ذكرّنا الأستاذ بتلكم العلاقات القوية والمتشابكة على حدّ تعبيره بين الأسرتين وصولا إلى العلمين.
متوقفا أولا: عند حلقة الوصل التي جمعت الجد الراحل بأحد أبرز نبغاء الشابية الشيخ عامر الشابي، والذي لعلو منزلته إختار الشيخ مرثيته الرائعة عن سائر القصائد الأخرى لتنقش على قبره وكيف لي أن أنسى ذلك؟ !
سلام على تلك البلاقع قد حوت *** ظُروبَ معاني الحمد فالأصل محمود
إنه في واقع الأمر ليس إغفالا ولا تجاهلا وإنما هو الإلتزام بما توفر من وثائق ورسائل كالتي أرسلها والد الشابي الشيخ محمد بن بلقاسم الشابي والتي ضُمّنت وغيرها في إطار العلاقات التي لها جذور.
وواصل الأستاذ عتابه عن إغفالنا لعدد من الرموز من أعلام الزيتونة أصحاب الأيادي البيضاء والمواقف المشرفة كالشيخ عثمان ابن الخوجة وأثره وتأثيره في فكر الشابي وإثراء نبوغه إضافة إلى مواقفه النضالية التي لا تنسى.
وأشار أيضا إلى علم آخر أشير إليه دون تفصيل وهو الشيخ أحمد عياد وموقفه من قضايا التجنيس وهو أحد ركائز جمعية الشابان المسلمين ........
وختم عتابه بعدم تفصيل القول والحديث عن بيت الشريعة وهو العرش التالد للشابية حيث فيضُ القضاء ورائع العلم.
بعيدا عن التشنج والحكم المسبق على الأشياء؟ !
واصل الأستاذ "أنس الشابي" –في جريدة الصريح بتاريخ 21 محرم 1434/ 5 ديسمبر 2012 وبالجريدة الثقافية ص23 – وبنفس النسق والغاية الهادفة إلى التشكيك في غائبات هذا الإنجاز المتواضع. متوركا تارة وملمحا ومصرحا بل مستنتجا: بأنّ نشر هذه الرسائل بتسرع إنما قُصد منه دخول حلبة المنافسة المفتوحة على مصراعيها هذه الأيام حسب قوله –غفر الله له-
علما بأن توافق الظرف مع واقع الأمة اليوم هو توافق من باب "تداعي المعاني" كما هو معلوم، فلقد أن الأوان بحمد الله لإبراز هذا التراث الخالد بعد انقشاع الغيوم وانتفاء الحواجز والتعتيم حول الأعـــــــــلام وآثارهم ممن آثروا النضال الفكري والوطني ودفعوا الضرائب كما دفعها الوالد في العهدين: الإستعماري وما بعد الإستقلال...
ولقد آثرنا- الأخ الأكبر وأنا – بأن تكون البداية بشاعر إرادة الحياة سليل بيت العزّ والشرف تأكيدا منا على علاقات توارثتها أجيال وأجيال ولم تكدرها إلاّ عوارض وغيوم أفلت مع مرور الأيّام...
علما بأنّ الآثار التي نحتفظ بها في "الخزائن المغلقة" على حدّ تعبير الأستاذ؟ لا تقل ثراء ولا تنوعا ولا أهمية عما أنجز وصدر. وعزمُنا على إبرازها أكيد بحول الله. وأعود إلى إفادات الأستاذ "أنس الشابي" وملاحظاته وتصدره لإصلاح أخطاء جلها مطبعي يفهم من خلال السّياق. وتدقيق لمعلومات ذكرت منقوصة وهو شأن أي عمل بشري. أو وقع الميل بها في إطار التجاذبات السياسية كما سبقت الإشارة إليه...؟ ! وهي في واقع الأمر أحكام وافتراضات لم نقصدها بداية ونهاية. بل هو تصور في غير محله.
ومن حسن الطالع اختيار الأستاذ لوقفة من وقفات الشيخ في الذود عن الشابي، رفضا للقدح في فكره وإيمانه واتهامه بالزندقة والإلحاد،.... "وهذا ما صرنا نشاهده باطراد بعدما خبرنا الحياة حلوها ومرها ورأينا كيد الكائدين ومكر الماكرين وخدع أهل التدجيل وتحطيم أصحاب القيم والعقول الكبيرة بتهم لا تقوم على أساس ولا ينطبق عليها نصّ ولا قياس..."
وهي فقرة معبرة أشكر للأستاذ وللقدر الاستشهاد بها وهو استشهاد في محله.
حوار حول كتاب المناضل الشيخ محمد المختار بن محمود والحركة الزيتونية:
والغريب في هذا المجال إشارة الأستاذ إلى الكتاب المذكور أعلاه عبر ذكر السلسلة دون العنوان؟ ! مشيرا إلى خلوه من النصوص المخطوطة بقلم العلامة الراحل. مُرجعا ذلك إلى حوار دار بينه وبين الدكتور محمود عبد المولى حيث فوجئ بذلك. علما بأنه لم يقع أي اتصال مباشر من الكاتب بنا باستثناء حوار هاتفي عارِض لم تَعقبه لقاءات في الشأن ولا إبداء رغبات...
ولكم عجبتُ حقا من ذلك الأسلوب الذي به علّق على هذا الجهد الذي وصفه بالمشوه ونعته بكثرة الأخطاء والصياغات الغامضة والمشوهة.
وأدعوه في هذا المجال إلى شيء من التواضع ومحاورة زملائه بما تعودنا عليه من آداب الحوار وعدم استصغار جهود تُبذل في مجال إثراء الفكر وإنارة العقول وإن أغفلَ الحديث عــــــن الدراســـــــــــــــات والمحاضرات والإضافات والملاحق، فإنه واصل وبنفس الأسلوب والنسق مستغربا من ربطنا للصلة بين جمعية الإخوان وجمعية الشبان المسلمين والتي ترأسها الشيخ الوالد وكان من أبرز أعضائها عمـــــــــلا وحضورا وإسهاما شاعرنا الفذ باعتبار أن الهدف من الربط لم يكن القصد منه الدخول في حلبة المنافسة المفتوحة على مصاريعها هذه الأيام لكسب الود ونيل الحُظوة.
علما بأنه على إدراك ومعرفة كاملة بنضالات الشيخ وجهاده ورفضه للهيمنة والطغيان ودفعه لضرائب العزل والتنكيل واصداعه بكلمة الحق وحسه العروبي والإسلامي. أليس هو من نشر مقالا منذ 1936 لدعم فلسطين:
فلسطين الشهيدة تستنجد فهل من منجد؟ وتدعو فهل من مجيب؟
أليس هو من صدع بكلمة الحق في حادثة رمضان الشهيرة دفاعا عن الدين وذودا عن حماه ....
إنّ من كان لهم السبق النضالي والعلمي ليسوا بحاجة اليوم للبحث عن تموقع جديد.
وبقدر ما قصده الأستاذ والأخ الأعزّ أنس الشابي من استهانة بهذا الجهد وتقليل من أهميته.
فإني أشكر له هذا الفيض المعرفي والملاحظات الرشيقة والتي لن تزيدني إلاّ إيمانا بمواصلة الجهد في سبيل إثراء الساحة العلمية والثقافية في ربوعنا العربية المسلمة.
ورحم الله الشيح الوالد الذي علمني منذ طفولتي بأن الإيمان بالحق طريق النصر.
فشكرا مجددا وإلى إنجاز قادم بحول الله.
-----------
(*) توضيح من محرر موقع "بوابتي": المقال كان في صيغة رد على مقال الأستاذ أنس الشابي الذي نشره بموقع "بوابتي"، ويبدو ان المقال المعني تم أيضا نشره بجريدة "الصريح"، وقد نشرنا الرد كمقال منفصل تعميما للفائدة
راجع مقال الأستاذ أنس الشابي بموقعنا: من فنون الإساءة إلى أعلام الأمّة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: