في عرض لكتاب "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية", للمؤلفين: ستيفن وولت وهو استاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد, و جون ميرشايمر وهو استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو, و ترجمة / حمدي مصطفى من موقع الوسط, يكشف المؤلفان عن الآليات التي يستخدمها اللوبي الإسرائيلي للتأثير على السلطة التشريعية ممثلة في الكونجرس الأمريكي وللتأثير على السلطة التنفيذية ممثلة في مؤسسة الرئاسة. وتتناول الدراسة الوسائل التي استطاع اللوبي عن طريقها أن تبلغ سطوته ورهبته بحيث لا يمكن لسياسي أمريكي أن يتخطاه وإلا واجه من النبذ وتشجيع الخصوم ما لا يقوى على مواجهته ، وتضرب الدراسة أمثلة عديدة على ذلك. ويركز المؤلفان على منظمة الإيباك وهي العضو الأبرز في اللوبي الإسرائيلي ، وكيف بلغت قوتها مدى اعترف به المسئولون الأمريكيون وصارت وكأنها وكيل رسمي لحكومة أجنبية.
التّأثير على الكونجرس الأمريكي
إنّ الدعامة الرئيسيّة لفعالية اللوبي الإسرائيلي، هي مدى تأثيره الواضح في الكونجرس الأمريكي, حيث تجد عملياً أنّ إسرائيل لديها مناعة مؤكّدة من النقد. وهذا الأمر في حد ذاته، يعتبر موقفاً جديراً بالملاحظة، لأن الكونجرس عادةً لا يجفل ولا يتردد أويشعر بأي خجل في مواجهاته للقضايا المثيرة للجدل أو قضايا المنازعات. أمّا عندما تكون إسرائيل معنيّة في أي قضيّة أثيرت لأي سبب، فتتحوّل أي إحتمالات للمناقشات أو للنقد، إلي ما يعرف " بالصّمْت المُطْبِق "، كأنّه لم يكن هناك شيئ بالمرّة... صمت مطبق فقط.
وسواءً أكانت القضيّة هي عمليّة إجهاض، أو دعوى لقضيّة إيجابيّة, أو ما يتعلّق بالعناية بالصحّة العامة, أَو رفاهية الشعب والمواطن, فهناك بالتأكيد يحدث حراك نشيط لبدء تلك المناقشات والجدال والمناظرات في مقار المجالس النيابية والشيوخ. هناك سبب واحد لنجاح ذلك اللوبي مع الكونجرس الأمريكي، ألا وهو أنّ هناك بعضاً من الأعضاء الرئيسيين في الكونجرس من الصهاينة المسيحيين, مثل ديك أرمي والذي قال في عام 2002 : " إنّ الأولويّة رقم 1 عندي فيما يتعلّق بالسياسة الخارجيّة الأمريكيّة، هي حماية إسرائيل " 69. وكنّا نعتقد أنّ الأولويّة الأولي عند أي عضو من أعضاء الكونجرس الأمريكي هي " حماية أمريكا " ! ، ولكن ليس ذلك ما قالة آرمي. كما أنّ هناك أيضاً أعضاء من اليهود في مجلس الشيوخ وفي الكونجرس الأمريكي، والذين يعملون على تشكيل السياسة الأمريكيّة الخارجيّة لدعم مصالح إسرائيل وحمايتها.
إنّ الموالين لإسرائيل من موظفي الكونجرس، هم أيضاً أحد مصادر القوّة للوبي الإسرائيلي. وكمثال لذلك، أميتاي موريس, وهو الرئيس السابق للجنة العمل السياسيّة الأمريكيّة الإسرائيليّة, فلقد إعترف مرّة بأنّ " هناك الكثيرين من الرجال على مستوي المسئوليّة وإتّخاذ القرار هنا في مقر مجلس النواب والشيوخ، وهم من اليهود، والذين لديهم الرغبة وعلى استعداد دائماً … لبحث قضايا معيّنة بإستخدام معايير يهوديّة.... وهؤلاء موجودون هناك في مواقعهم لإتّخاذ القرارات في تلك المجالات نيابة عن الأعضاء أنفسهم في مجلس الشيوخ.... ويمكنك أن تجد الكثير جداً من القرارات التي تم إتّخاذها عن طريق مستوى الموالين لإسرائيل من موظفي الكونجرس 70.
إنّها لجنة العمل السياسية الأمريكية الإسرائيلية نفسها, وهي التي تمثّل جوهر ولب تأثير اللوبي في الكونجرس الأمريكي. وأن نجاح تلك اللجنة، ينبع من قدرتها على مكافأة ومجازاة كلّ من يدعم ويؤيّد أعمالها وسياساتها من أولئك القائمين على التشريع وكذلك من أعضاء الكونجرس، وينبع من قدرتها أيضاً على إيذاء ومعاقبة، والإضرار بكلّ من يتحدّاها أو يعترض طريقها. إنّ المال له تأثير خطير في عمليّة الانتخابات ( وهناك مثال يذكّرنا بذلك جيداً، وهي تلك الفضائح التي حدثت مؤخراً عن جاك أبراموفس، وهو أحد أعضاء اللوبي الإسرائيلي، بخصوص العديد مما تم إبرامة من الصفقات المبهمة والمشبوهة )، وتقوم لجنة العمل السياسية الأمريكية الإسرائيلية، بالتأكّد من أنّ أصدقاءها يحصلون على الدعم المادّي القوي من عدد لا يحصى من المؤيدين لقرارات اللجان والهيئات السياسيّة الإسرائيليّة. أمّا بخصوص أولئك الغير ودودين مع إسرائيل, فعليهم أن يتأكّدوا من قيام لجنة العمل السياسية الأمريكية الإسرائيلية بشن حملات مسعورة عليهم لدعم ومساندة خصومهم السياسيين. كما أنّ لجنة العمل السياسية الأمريكية الإسرائيلية هذه تنظم أيضاًً حملات مراسلات و تشجّع محرّري الصحف على تأييد المرشحين من مؤيّدي إسرائيل.
تفاخرت منظمة الإيباك وأعلنت " إنّ جميع اليهود الأمريكيين، على امتداد طول البلاد وعرضها، قد تجمّعوا يداً واحدةً على طرد تشارلز بيرسي من الكونجرس "
إنّه ممّا لا شكّ فيه مدى فعاليّة ونجاح تلك الوسائل والتكتيكات التي يتبعها اللوبي الإسرائيلي. ويكفي لتأكيد ذلك، أن نسوق المثال التالي : في عام 1984 قامت لجنة العمل السياسية الأمريكية الإسرائيلية بتقديم يد العون والمساعدة على إسقاط وهزيمة عضو مجلس الشيوخ تشارلز بيرسي عن ولاية إلينوي, والذي, حسب قول أحد رموز اللوبي البارزة، أبدى تبلداً للشعور وعداوة إزاء مخاوفنا وإهتماماتنا. ولقد وضّح ذلك الأمر، توماس داين، رئيس اللّجنة ( لجنة العمل السياسية الأمريكية الإسرائيلية: أيباك) آنذاك، قائلاً إنّ حقيقة ما حدث هو : " أنّ جميع اليهود الأمريكيين، على امتداد طول البلاد وعرضها، قد تجمّعوا يداً واحدةً على طرد بيرسي من المجلس. أمّا عن السياسيين الأمريكيين، الذين يتقلّدون مناصب وطنيّة الآن، وكذلك أولئك الذين لديهم طموحات مستقبليّة في الحكم، جميعهم قد وصلتهم الرسالة واضحة وضوح الشمس. وتقوم تلك اللجنة ( لجنة العمل السياسية الأمريكية الإسرائيلية) بالإنفاق ببذخ للترهيب بسمعتها على أنّها خصم رهيب ومرعب وهائل 71 ، وذلك بدورة يُثبّط عزائم أي شخص يفكّر مجرّد تفكير في التشكيك في جدول الأعمال. ولقد تعدّى تأثير منظمة أيباك على الكونجرس الأمريكي، مستوىً بعيداً جداً يفوق ما حدث مع تشارلز بيرسي، ويعلّق على ذلك دوجلاس بلومفيلد، وهو عضو وموظّف قديم في منظمة أيباك بقوله " إنّه من المعتاد قيام أعضاء الكونجرس ومعاونيهم من الموظفين، التوجه إلي لجنة أيباك أولاً للحصول على المعلومات، وذلك قبل اللجوء إلى مكتبة الكونجرس، أو إلى إستشاريّ البحوث والخدمات بالكونجرس، أو إلى لجنة خبراء الحكومة والعاملين بالكونجرس 72. وأضاف: إنّ الأكثر ِأهميةً من ذلك, أن تلك اللجنة أيباك ، يتم إستدعاؤها غالباً لمراجعة الأحاديث والخُطَبْ المزمع إلقاؤها، وكذلك عند إصدار قوانين أو تشريعات، وأيضاً لتلقّي النصيحة أو التخطيط، أو للقيام بعمل البحوث ، أو لجمع أصوات الناخبين علاوة على عمليّة تنظيم الانتخابات.
إنّ صُلْبْ الموضوع يتمحور حول تلك المنظمة أيباك ، والتي تتصرّف كانّها الوكيل الرسمي والشرعي لدولة أجنبيّة، وتقبض على الكونجرس بكلاّبات من فولاذ ، فلا يستطيع الخلاص منها 73. ولا يحدث أن يتطرق المناقشات هناك عن السياسة الأمريكيّة تجاه إسرائيل، حتّي لو كانت تلك السياسات لها عواقب مهمّة ومؤثّرة على العالم بأكمله. وهكذا, فهناك واحد من الثلاث فروع الرئيسيّة في الحكومة الأمريكيّة ملتزمة ومتعهّدة بحزم لدعم ومساندة إسرائيل. وعلي لسان السيناتور المخضرم إرنست هولينجز, عندما كان يغادر مكتبه، فقال : " أنت لا تستطيع تحديد سياسة إسرائيليّة مغايرة لما تقدمه لجنة أيباك هنا " 74. أعجوبة أو طُرْفة صغيرة قال عنها آريال شارون، في أحد المرّات أمام جمهور أمريكي من الحاضرين : " عندما يسألوني، كيف نستطيع مساعدة إسرائيل، فإنّي أرد من فوري، عليكم بلجنة أيباك" 75.
التَأثيرعلى السلطة التنفيذيّة
ولدى اللوبي أيضاً نفوذ شديد على الفروع المختلفة للسلطة التنفيذيّة. ويستمد تلك القوّة جزئياً ممّا لدى الناخبين اليهود من تأثير ونفوذ على عمليّة الإنتخابات الرئاسيّة، بغض النظر عن تعدادهم القليل بالنسبة للكثافة السكّانيّة ( وهم يشكّلون في حدود 3 % فقط من عدد السكان )، فهم معتادون وناجحون جداً في تجهيز حملات للتبرعات للمرشّحين من جميع الأحزاب.
ولقد قدّرت جريدة الوشنطن بوست، في إحدي المرّات انّ المرشّح للرّئاسة من الحزب الديمقراطي: " يعتمد على المؤيّدين من اليهود في تمويل في حدود 60 % من الميزانيّة المحدّدة للعمليّة الإنتخابيّة " 76 . وعلاوة على ذلك, فإنّ هؤلاء النّاخبين من اليهود هم من ذوي مستوى الدخول العاليّة، وهم يتمركزون في الولايات الرئيسيّة مثل كاليفورنيا, و فلوريدا, و إلينوي, و نيويورك, و بينسلفانيا. ولأن لهم شأناً بارزاً في إنهاء عمليات الإنتخاب نظراً لتأثيرهم السابق إيضاحه، فإنّة لا يستطيع ولا يملك أي مرشّح للرئاسة - لديه رغبة حقيقيّة في المنصب - أن يتسبّب في أي إزعاج أو خصومة أوعداء هؤلاء الناخبين من اليهود.
وأيضاً، تقوم منظمات اللوبي الرئيسيّة مباشرةً بإستهداف ذوي النفوذ من مسئولي الحكومه.
وكمثال على ذلك، فإنّ جميع القوي الموالية لإسرائيل تتأكّد من أن أي شخص يقوم بانتقاد، أي من المسئولين الرسميين من اليهود، لن يتم تعيينه في أي منصب هام يتعلّق بالسياسة الأمريكيّة الخارجيّة. مثلما أراد الرئيس السابق جيمي كارتر أن يجعل جورج بول، النائب الأوّل له، ولقد تراجع بعد علمه بأنّ جورج بول مُسَجّل خطر على إسرائيل، وأنّ اللوبي الإسرائيلي سيعارض في تعيينه في ذلك المنصب، إذا ما أثير مثل هذا الطلب 77. إنّ هذا المعيار، والمشابه لإختبار مدى الحمضيّة أو القلويّة باستخدام أوراق عبّاد الشمس، هو الذي يدفع أي طامح في رسم وصنع السياسة بالدولة أن يعلن بوضوح وثقة تأييدة المؤكّد لإسرائيل، وذلك يوضّح لماذا يصبح دائماً منتقدو السياسة الإسرائيليّة من فصيلة المعرّضين للخطر داخل مؤسّسة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.
إنّ إستخدام هذا الأسلوب من الإكراه والتقييد ما زال قائماً حتّى يومنا هذا. وهكذا، فعندما طالب مرشّح الرئاسة هوارد دين خلال ماراثون الانتخابات الرئاسيّة عام 2004، من الولايات المتحدة الأمريكيّة أن تقوم بممارسة دور أكثر اعتدالاً في الصراع العربي الإسرائيلي، إنبرى عضو مجلس الشيوخ السيناتور يوسف ليبرمان، ليتّهمة ببيع قضيّة الإنتماء لإسرائيل بالبخس، ووصفة بأنّه " لا مبالي، وغير مسئول" 78. وفي الواقع، فإنّ جميع كبار الديمقراطيين في المجلس قد وقّعوا على رسالة شديدة اللهجة منتقدين فيها " هوارد دين "، كما وصفة نجم شيكاغو اليهودي، " إنّه من المتهجّمين مجهولي الهويّة ... وأنّه يتسبب في عرقلة إمتلاء صناديق الإنتخابات لزعماء اليهود في جميع أنحاء الدولة"، وحذّر- بدون أي أدلّة محدّدة - أنّ " هوارد دين " سيكون ضاراً ومؤذياً لإسرائيل79.
وبالطبع فلقد كان التعبير عن القلق بهذا الأسلوب أمراً سخيفاً حقاً, ومع ذلك, فلأنّ " هوارد دين " كان في واقع الأمر من المتشدّدين مع إسرائيل80، فلقد قاد حملة النقد والإزدراء ضدّه، الرئيس السابق للجنة العمل السياسية الأمريكية الإسرائيلية أيباك، وقد كان لوجهة نظر " هوارد دين " التي عبّر عنها في مشكلة الشرق الأوسط، إنعاكاسات مباشرة أثّرت في معظم الأمريكيين المعتدلين من جماعة " السلام الآن "، أكثر من تأثير لجنة آيباك أيباك. ولقد نادي " هوارد دين بأن يتم " تقريب وحهات النظر للطرفين في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي "، وأن يكون تصرف الولايات المتّحدة الأمريكية أكثر إعتدالاً . أنّها فكرة بالكاد يمكن إعتبارها راديكاليّة، ولكنّها تندرج تحت اللعنات والكفر بالنسبة للوبي الإسرائيلي. والذي لا يتقبّل أبداً ولا يتحمّل فكرة العدالة أو الحياد أو الإنصاف فيما يتعلّق بالصراع العربي الإسرائيلي.
20-08-2007
http://www.el-wasat.com
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785