ليبيا: بئس الثورة التي يخططها الأجنبي
وبئس الثوار الذين ينفذون برامجه
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 10039
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لابد من القول بداية أني ضد النظام الليبي وضد هرطقات القذافي، ومع وجوب الثورة عليه وعلى نظامه، هذا أمر محسوم، وهو موقفي منذ سنين، ولكن مسالة ما يقع حاليا بليبيا كما قلت من قبل حين بداية القصف الغربي لليبيا، يجب أن ينظر فيه بمبدئية، ولا يكتفي فيه كما يقع حاليا، بالنظر لزاوية واحدة، وهي زاوية التخلص من حاكم مجرم، وهي زاوية تنتقى بكل عناية من دون غيرها من الزوايا، التي يقع تغييبها أيضا بنفس الدقة والبراعة.
خونة متواطئون مع الأجنبي يدمرون ليبيا
يجب على الواحد أن يكون على قدر كبير من التشويش الذهني، حينما يعتبر قصف القوات الفرنسية والبريطانية، لليبيا طيلة أشهر وتقتيلها إخوتنا المسلمين هناك وتهديم منشئاتهم، أمرا جيدا، يقع الابتهاج به والترويج له والفرح بنتائجه، بل واعتبار ذلك ثورة.
يجب على الواحد أن يكون على قدر متقدم من السطحية حينما يعتبر معارضي الحاكم الليبي الذين يتعاملون مع القوى الغربية، مقاومين يعلي من شأنهم، فضلا على أن يعتبروا ثوارا بالمعنى السامي للكلمة، فإذا كان الذي يتعامل مع الأجنبي ضد بلده ممن يرفع قدره، فبماذا يمكن تعريف الخائن، ولمن تركنا صفات التحقير المستعملة في هذه الحالات.
أنا أفهم أن تشارك فرنسا وأمريكا ومجمل البلدان الغربية في قصف ليبيا واستباحة ترابها وتقتيل أهلها، ولكني أجد صعوبة في تفهم مشاركة قطر مثلا في ضرب بلد مسلم وهرولتها في مساعي تقتيل الأطفال والنساء الليبيين، مثلما أني لا فهم سكوت مجمل البلدان والمنظمات الإسلامية إزاء استباحة التراب الليبي وتقتيل أهله من طرف الغرب.
كما أني افهم أن تسعى شخصيات سياسية غربية لجمع التأييد لضرب ليبيا وتدميرها بحجة إسقاط نظام ما، ولكني أجد صعوبة في استساغة أن يسعى أحدهم ممن يزعم العمل للإسلام، بل ممن يعد أحد شيوخ الوسطية كما يقولون وهو يوسف القرضاوي، لمباركة مجهود تدمير بلد مسلم وتقتيل أبنائه، بل انه يتطوع بإصدار فتوى في ذلك، وهو الذي ما عرفه الناس مهرولا إلا فيما يرضى أمريكا، وما فتاويه الداعمة لأمريكا بالعراق والصومال وأخيرا ليبيا ببعيدة، في حين لما كانت حرائر العراق تغتصبن وتنجبن السفاح بفعل الجنود الأمريكان مثلا، فإنه ماعرف عنه إلا 'الحكمة' والصمت المريب.
سيكون من الصعب على من يملك قدرا من المبادئ البديهية تقول بوجوب حرمة دماء المسلمين من أن تسفك فضلا على أن يكون من طرف أجنبي فضلا على أن يكون كافرا، وتقول بوجوب التصدي للأجنبي من أن يحتل أرضك فضلا على أن يكون قوة غربية، سيكون صعبا على من يؤمن بهذه البديهيات، أن يفسر لنا فرحته حينما تقصف طائرات الناتو ليبيا وتقتل أهلها المسلمين، وسيكون الأمر أصعب على تلك الشخصيات والتنظيمات التي تتخذ الإسلام مرجعية كما تقول.
ليس يوجد من معنى للفرح بالثورة إلا أنها أداة لاكتساب العزة والكرامة بمعانيها الشاملة، وهي المبادئ التي تنعدم آليا حينما يقع الاستنجاد بالغرب الكافر ليدمر بلدك، طلبا للتخلص من حاكم متسلط، وعليه فلما انتفت تلك المبادئ حين التدخل الغربي، أصبحت الأعمال العسكرية صراعا لا قيمة مضافة مبدئية له، عكس ما يقع تصويره من أن الحال هو ثورة شعبية طلبا للكرامة، لأن مايقع هو تدخل غربي لإعادة ترتيب ليبيا بأياد ليبية ، ومن ثم فالأمر هو مجرد تصارع بين طرفين مجرمين، نظام متسلط، ومقاتلين معارضين لنظام بلدهم خونة ممثلون للغرب بليبيا.
فرح الغرب بتدمير ليبيا، فلماذا نفرح لفرحهم
وإذا كان الغرب يملك مصلحة في الإعلاء من صور ممثليه ممن يقودون الحرب بالوكالة نيابة عنه وتصويرهم كأبطال، فإنه لايفهم سبب اعتبار التونسي مثلا هؤلاء الذين ارتضوا أن يكونوا أداة بيد الغير لتدمير بلدهم، لايفهم اعتبارهم أبطالا، بل لايفهم أساسا كيف لايتفطن التونسي لحقيقة خيانتهم، أولم يعتبر التونسيون معارضي صدام ممن دعمتهم أمريكا خونة، فلماذا لم يقع نفس الأمر مع ليبيا، والحال أن كل من القذافي وصدام مجرم، وان معارضي الرجلين ممن ارتضوا التدخل الأجنبي ضد بلدانهم، خونة بكل المقاييس.
سيحاجج البعض بان القذافي مجرم وعليه يجوز الاستنجاد بالغرب، وهذا رأي يحمل كل مقومات الفساد، أولا لان المحاججة بتقتيل القذافي لبني وطنه، سيقابله تقتيل الأجنبي لليبيين حين قصفهم لليبيا فضلا على استباحة بلد مسلم من طرف قوى غربية، وليس قتل الغرب بأولى من قتل القذافي، وعليه فالأمران مستويان من حيث التقتيل والاهانة، ولا يوجد بالتالي داعي للفرحة بالانتصار العسكري مادام هو نصر لأطراف غربية، تمثله جهات ليبية تعاملت معه.
وثانيا، فان القول بهذا الرأي أساسا ينبني على تصور لايليق بمن ينطلق من مبادئ، لان المبادئ بالإضافة لتنزيلها، فإنها تحفظ أساسا لذاتها أي حتى في الحالات التي يبدو أن التخلي عنها ليس بخطير، بمعنى يجب ان لايقع المساومة في المبدأ، والدخول في تقديرات الربح والخسارة المنجرة على التخلي عنه (مثل قبول التدخل الأجنبي )، هو انفكاك آلي عن ذلك المبدأ ودخول في العمل المقابل وهو الخيانة.
وثالثا، فان البعض حينما يريد التخلص من حاكم مستبد، فان فرحة التخلص من ذلك المتسلط سببها طلب للكرامة والحرية المهدورتين، وهي معاني لا يمكن بكل الحالات إنتاجها من خلال التدخل الأجنبي، وإذا صح أن البعض قبل التدخل الأجنبي طلبا لتلك المعاني، فانه إما لا يفهم تلك المعاني أو انه يفهمها ولكنه لن يحصل عليها وسيدخل في متاهة السعي لإعادة تحصيلها من طرف المتحكم الجديد وهو الغرب، وعليه فان الاستنجاد بطرف أجنبي لن يحل المشكلة، ولا يوجد داعي بالتالي للفرحة بتدمير ليبيا وإسقاط نظامها من طرف أطراف غربية وبعض الموالين لها.