فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 14239
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
تعيش تونس حالة من الفوضى بعد الثورة، تمكنت الأطراف الأجنبية من خلالها من أن تتسلل لأمورنا الداخلية، مما وضعها في موقع التأثير في الحراك الثوري وتوجيهه بما يخدم مصالحها، وهي كلها معطيات تمثل ولاشك خطرا متأكدا على مستقبل تونس.
وكعينة على التدخلات الأجنبية المريبة يمكن ذكر مسالة التمويلات الأجنبية الفرنسية والأمريكية خاصة، الموجهة للعديد من المنظمات التونسية المشبوهة التي تقدم نفسها على أنها منظمات مجتمع مدني.
يمكن القول بداية أن التمويل الأجنبي للأطراف التونسية ليس وليد الثورة التونسية، كما انه لا يتعلق بالمنظمات فقط، وإنما تدخلت العديد من الأطراف الأجنبية زمن بن علي لتمويل هياكل تقدم على أنها منظمات المجتمع المدني من مثل منظمة النساء الديمقراطيات التي تتلقى خاصة تمويلات أورورية.
كما دأبت فرنسا بالمقابل على الإسراف في تمويل الأعمال الثقافية والأدبية التونسية المنتجة باللغة الفرنسية، في منحى لتدعيم التبعية الثقافية لها، من خلال تمويلها للعديد من الأفلام التونسية، كما تعمل من خلال شبكتها الإعلامية كراديو فرنسا الدولية وقنواتها التلفزية والهياكل المرتبطة بها (المراكز الثقافية الفرنسية بتونس ودور الثقافة التونسية التي يتحكم فيها اليسار الفرنكفوني)، على دعم الانتاجات التونسية ذات المنحى الفرنكفوني لغة وفكرا عموما.
من ناحية أخرى، وخلاف فرنسا التي تعمل من خلال تمويلاتها على التحكم في المجال الثقافي التونسي، فإن أمريكا توجه تمويلاتها للتحكم في الحراك السياسي، من خلال تمويل منظمات تونسية تعمل في حقل التنظير أو العمل الميداني السياسي، من مثل منتدى الجاحظ الذي يديره صلاح الدين الجورشي.
إذن تونس كانت من قبل مخترقة من جهات أجنبية تعمل على تكريس تواجدها وخدمة مصالحها الثقافية والسياسية من خلال تمويل المنظمات، ولكن الجديد بعد الثورة هو تنامي تلك التمويلات.
مؤشرات التمويل الأجنبي للمنظمات التونسية
يمكن ذكر مؤشرات على التمويلات الأجنبية الضخمة للمنظمات التونسية كالتالي:
- التمويلات التي أعلنت عنها أخيرا جهات أمريكية من أنها ستضخ 7 ملايين دولار لمنظمات تونسية طيلة السنتين المقبلتين (1).
- التمويلات التي طلبتها منظمة النساء الديمقراطيات منذ شهر تقريبا حينما ذهبت إحدى ممثلاتها لسويسرا تستجدي الدعم، وقد قالت في معرض تبريرها لطلب المال المشبوه في مامعناه أن منظمتها تعمل على صيانة حقوق المرأة في وجه الأخطار التي تتهدد تلك الحقوق بعد الثورة من طرف الأصوليين.
- وجود منظمة "فريدوم هاوس"، كجهة فاعلة بتونس وممولة للعديد من الأطراف التونسية، وصل بعض مسؤوليها لهيئة حماية الثورة، بل وصل الآخر ممن تموله هذه المنظمة لمنصب وزير.
- توالد العشرات من المنظمات التي تقول عن نفسها أنها تعنى بأمور المجتمع المدني، تعمل في "الوعي السياسي" كما تقول عن نفسها، أو تهتم بتنظيم الانتخابات وتدريب الناس على ذلك كما تقول أخرى، وتقوم منظمة ثالثة بالتنقل بين الجهات الداخلية التونسية للقيام إما بالدراسات وإما بتقديم العون المادي للناس. والسؤال الذي يتبادر للذهن من يمول هذه الأنشطة والحال أن التونسيين يعرفون أن المسئولين عن هذه المنظمات لطالما كان جلهم عالة لا يكاد يملك قوت يومه، قبل أن يصبح مشرفا على منظمات تغدق عليهم من خلالها الأموال، بل انه عرض علينا منذ يومين بالتلفزة شباب عرفهم الناس معدمين، يقولون عن أنفسهم أنهم من منظمة معينة وان دورهم هو السهر على الانتخابات، لم يسال احد من يمول هذه المنظمة، ولأي هدف يقوم طرف أجنبي بصرف الأموال الطائلة للسهر على الانتخابات التونسية.
أسباب تنامي التمويلات الأجنبية للمنظمات التونسية
يمكن ذكر بعض الأسباب التي ساهمت في تنامي التدخل الأجنبي في الشؤون التونسية من خلال التمويل للمنظمات:
- لايوجد كما يبدو قانون تونسي يجرم تلقي التونسي للمال الأجنبي، هذا القانون يجب أن يوجد بشكل سريع، ومثل هذا القانون من الأهمية بحيث يجب أن يقدم على أي قانون تنظيمي آخر، لأنه أمر لازم لوضع حد للتدخل الأجنبي في تشكيل ثورتنا وتوجيهها من خلال تونسيين فاقدون لأدنى القيم الأخلاقية.
- مواصلة تحكّم الأطراف المدانة بتلقي الأموال الأجنبية بعد الثورة، في مجمل أدوات الإعلام والثقافة بتونس نظرا لتحالفها من قبل مع بن علي وبراعتها في التكيف مع الظروف بحيث لم تطلها عمليات الاقتلاع بعد الثورة، مما يجعل طرح إشكالية التمويل الأجنبي للمنظمات التونسية أمرا يكاد كون مستحيلا، ويظهر ذلك جليا إذا عرفنا من ناحية تفاقم التمويل الأجنبي للمنظمات التونسية مقابل سكوت رهيب حول هذا الأمر انعكس في غيابه عن التناول الإعلامي التونسي.
وهذه المشكة يجب حلها من خلال تنظيف القطاع الإعلامي و الثقافي من بقايا رجالات بن علي، وهم عموم اليسار الفرانكفوني، وساعتها يمكن التناول الإعلامي بشكل حر و مكثف ومعمق لهذه المشكلة.
- تساهل البعض مع تلقي المال الأجنبي، إما بسوء التقدير وإما بداعي المجاملة، من ذلك مثلا أن العديد ممن يسمى نخب لايجد غضاضة في أن يتوافد كمشارك أو محاور في الندوات التي يعقدها منتدى الجاحظ الذي تموله أمريكا، كما تتقاطر الصحف على محاورة صلاح الدين الجورشي (2) مدير هذا المركز، ولم نسمع مرة أن احدهم ندد بهذا المنتدى المشبوه لداعي التمويل الأجنبي. وانعدام هذه المواقف الرافضة لهذا المركز يؤشر على خلل كبير لدى النخب التونسية المشاركة في ندوات ذلك المركز، في فهم مسالة التمويل الأجنبي.
- التساهل مع التدخل الأجنبي عموما في أمورنا الداخلية، بقطع النظر عن طبيعة تلك التدخلات، من ذلك أن التواجد الثقافي الفرنسي المكثف بتونس مثلا وتشجيعه، وتضمينه في قالب اتفاقيات مشتركة، لهو أمر يجاوز في خطورته التمويلات الأجنبية، والتساهل مع الأخطر يجيز ضمنيا التساهل مع الأقل خطورة، وهو التفسير الذي يمكن إيراده حيال التساهل مع التمويلات الأجنبية للأطراف التونسية. إذ أن التدخل الثقافي الأجنبي في المنظومة الثقافية التونسية هو شكل من أشكال توجيه الفكر ومن ثمّ التحكم في القرار والرأي التونسي، نحو مصالح الطرف المتدخل الذي هو فرنسا، وهذا يقودنا مباشرة لعمليات إلحاق ذهني بفرنسا. وللخروج من حالة الاستلاب هذه، يجب وضع حد لكل أدوات الإلحاق الثقافي بفرنسا، ويبدأ ذلك بتجميد كل الاتفاقيات الثقافية التي تعمل على نشر الثقافة الفرنسية بتونس، كما يجب تقليص عمل أدوات نشر الثقافة الفرنسة لدينا وترك إلا تلك الضرورية من منظورنا نحن من مثل المراكز الثقافية، والكف عن تدريس البرامج الفرنسية ببعض المدارس التونسية، وهو الأمر الذي يعد أكبر اهانة لتونس.
(2) إذا استثنينا جماعات اليسار الفرنكفوني التي كانت تقف بوضوح في صف النظام السابق وتعتبر تحالفها معه من مصلحتها لنشر الحداثة والتصدي للظلامية بزعمهم، فإن صلاح الدين الجورشي يعتبر أكثر من خدم النظام السابق إعلاميا من خارج صف حلفائه المباشرين، لأنه لسبب ما كان يقدم على انه مستقل وذلك مما أعطى وزنا اكبر لخدماته المريبة. ولقد تميز الجورشي بأسلوب كتابة مراوغ يوحي للبعض بأنه مستقل، ولكنه ينتهي حقيقة لخدمة الوقع ونظام بن علي، من خلال اعتماد أساليب ملتوية كأن يحمل المسؤولية للنظام بنفس القدر للمعارضين الذين كانوا يطحنون بزنزانات الداخلية، أو كأسلوب تفكيك الأفكار ثم تسطيحها بحيث تستبعد مسؤولية النظام عما آلت إليه الأمور، مقابل الإسراف في نقد المعارضين. ولعل البعض يذكر افتتاحيات الجورشي بمجلة حقائق إبان سنوات التسعينات عندما كان التعذيب والقتل والتشريد مآل المعارضين لبن علي، حيث مثلت تلك الافتتاحيات خدمة عظيمة لبن علي في حربه ضد المعارضين وخاصة الإسلاميين منهم.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
15-07-2011 / 23:25:57 منجي باكير