الرد على مكرسي الواقع بتونس: إثبات وجود البُعد الفكري لكل موجود مادي
فوزي مسعود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 11657
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
في خضم التدافع بين أطراف الفعل بتونس بعد الثورة، يرفض البعض نقاش البُعد الفكري العقدي للقضايا المتناولة، وهم يرون أن الحديث في مسائل العلمانية واللائكية والحداثة، أمور ما كان يجب لها أن تقع، فهي نقاشات تقارب العبث بزعمهم، ليس لها من هدف إلا إشغال التونسيين عن مقاصد الثورة الأسمى. ولئن كان مفهوما أن يكون هذا موقف من ينتمي لتيارات تتخذ العلمانية منهجا، باعتبار رفضهم هذه النقاشات مما يخدم مصالحهم، إذ مجمل المجالات بتونس مبنية عموما على تصورات علمانية، فإن الذي يبقى غير مقبول، هو أن يرى أحدهم ممن ينطلق من المنظومة الإسلامية، أن نقاش العلمانية بل والمرجعية الفكرية للأطراف بالساحة التونسية عموما، مسألة لا داعي لها، بل ويتصور هؤلاء أن التونسيين حسبهم الالتقاء على أرضية مشتركة من المبادئ، "كالحرية والعمل من اجل غد أفضل، وبناء مجتمع ديمقراطي".
1 خطورة نفي البُعد الفكري
الموقف الذي يرفض إعادة النظر في الخلفيات الفكرية التي تتحكم في الواقع بتونس، يعكس عدم وضوح منهجي خطير، يتصور أن البُعد الفكري والعقدي أحيانا، شيء طارئ على الموجودات، وحسب تصور هؤلاء فإنه يمكن تواجد أمر مادي من غير خلفية فكرية، وان هذا الأخير، أي البُعد الفكري، أمر اختياري، يمكن إضافته وإلغائه إتفاقيا.
وسأثبت أن البُعد الفكري أمر لازم لأي موجود، وان ما قد يتبادر للذهن من انعدام لذلك البُعد ما هو إلا توهم ناتج عن ملاحظة حالات استثنائية لعدم ظهور ذلك البُعد، وليس انتفائه كلية، لأن هذا البُعد بانتفائه ينتفي الموجود. ولما كان الحال كذلك، فإن القبول بواقع من دون المرور لنقاش خلفيته الفكرية أولا، ماهو الا تكريس للرؤية الفكرية التي تحكمت في ذلك الموجود من قبل. بمعنى في حالة تونس، فإن رفض إعادة نقاش الواقع من خلفية فكرية إسلامية بدعوى أن تلك نقاشات عبثية، سيكون قبولا وتكريسا للخلفية الفكرية التي استبعدت الإسلام بتونس طيلة نصف قرن وكرست عمليات الإلحاق بالمنظومة الغربية، وهي عمليا الرؤى العلمانية وإن كان ذلك غير مصرح به رسميا. ومن ثمّ فإنه يلزمنا لرفض العلمانية المتحكمة في التونسيين وفي تقرير توجهاتهم الثقافية والتعليمية، إعادة النظر في كل الاختيارات الفكرية ومدى انضباطها بالإسلام، قبل النظر في أي أمر مادي كالاختيارات الاقتصادية والسياسية وغيرها.
ما سأقوم به يعدّ تعميقا لما اقترحته من قبل من وجوب توفر منهجية تناقش الأسس حين الرد على دعاة التبعية، وسأحاول إعادة تصميم المسالة من خلال جذورها، وستتوضح بعد ذلك الضبابية التي انتهت بإنتاج تصورين ضعيفين (تصور ضعيف وليس فاسد، لأن التصورين ممكنين، حينما يقع ذلك في حالات استثنائية، لا يمكن الجزم لجزئيتها، الحكم بصحة التصور كلية أي في مختلف الطبقات إي الزمان الكلي للبعد المعني)، وهذان التصوران هما : أولا انه يمكن الالتقاء حول مفاهيم مشتركة، وثانيا انه يمكن الالتقاء مع من يخالف فكريا من دون وجود خلفية مشتركة.
2 منوال الفهم
سأحاول فهم أبعاد أي موجود، ولذلك سأقوم بملاحظات وبعدها تصميم منوال للفهم، وبعدها تقديم ذلك في قالب معادلة.
2 – 1 عوامل شرط الموجود:
2 – 1 – 1 بُعد المادة:
من خلال الملاحظة يمكننا القول بان أي أمر موجود، فهو ما وجد إلا لتغير بُعده المادي من العدم للوجود، فالمرور من لاشيء لشيء موجود، عملية انتهت بإيجاد ذلك الشيء، إذن فإن البُعد المادي هو بُعد لازم في وجوده (سنرى بعد ذلك حالات خاصة لموجودات غير مادية، أو أنها مادية مفترضة).
2 – 1 – 2 بُعد الزمان:
كما يمكننا ملاحظة أن الوجود المادي، مرتبط بالزمان كعامل مستقل عن العامل المادي، والبرهان على ذلك، أن حدوث الشيء، أي مروه من عدم إلى موجود، إنما وقع في زمن استغرقته عملية الإيجاد، ولو كان الزمن منعدما لكان معنى ذلك، عدم العملية أي زمن يساوي صفرا، أي عدم المرور من زمن العدم لزمن الوجود، وذلك يعني البقاء في زمن البداية أي زمن العدم، بمعنى عدم المرور لمرحلة الموجود. ولما كان الشيء قد وجد فعلا، كان مفاد ذلك أن الزمن قد تغير، وتغير الزمن يفيد أن الموجود يحوي بعدا زمنيا مستقلا.
واقصد بالاستقلال، أن البُعد يجب تواجده دائما، بمعنى أن الزمان ليس خاصية تابعة للمادة، بحيث يمكن أن ينتفي فيصبح عدما حين الوجود المادي للشيء، وإلا فان البُعد الزمني مرتبط في وجوده بوجود البُعد المادي.
2 – 1 – 3 بُعد الفكرة:
أقصد ببُعد الفكرة، وجود تصور مستقل في وجوده عن الخواص المادية للموجود. بمعنى يجب أن نميز بين الموجود في شكله الخام، وبين الحالات المتنوعة التي يمكن أن يتخذها ذلك الموجود من بعد ذلك، فكل فكرة أنتجت الموجود خاما، فهي فكرة من نوع خاص، سابقة حقيقة عن الوجود المادي. وأما المقدار الفائض عن إنتاج المادة، فهو المقدار من الفكرة المستقل عن الإيجاد المادي الخام، وهو المقصود بالفكر كبُعد مستقل عن المادة (مثال لذلك محتوى قانون، أو محتوى برامج التعليم، أو صناعة منتوج استهلاكي بشكل معين، أو اتخاذ سياسة ثقافية تنبني على المهرجانات كأداة تشكيل ذهني).
إذن لفهم هذا البُعد يجب تصور صنفين من الأفكار التابعة لأي موجود، أفكار لازمة للإيجاد البحت، وأفكار ليست كذلك، والثانية هي التي تعنينا بالفكرة كبعد مستقل.
لكن هناك إشكال حول إمكانية تواجد بعد الفكرة في بعض الموجودات المادية، إذ أن الموجودات المادية الطبيعية كالأحجار والأشجار والحيوانات، بحالتها تلك غير قابلة لوجود بُعد للفكرة المستقلة، بل حتى الفكرة كبُعد في إيجادها المادي يلزمها توضيح.
ولكي يستقيم المنوال التصميمي الذي أقترحه في بُعد الفكرة، سأعتبر أن عملية الخلق الرباني التي تمت لتلك الموجودات هي نتاج فكرة وتصور، وإن كانت الكيفية التي تمت بها ليس بنفس كيفية الإيجاد الخاصة بالبشر وهذا أمر لايعنينا هنا، وسيقع تعيين ذلك بالمعادلة من خلال ثابت، لنسمه ثابت الخلق، والثابت يقصد به كمية تحدد مرة واحدة ولا تتغير طوال تغير بعد الفكرة على محور الأفكار.
بقي إشكال بُعد الفكرة المستقلة، وهذه أيضا لكي يستقيم المنوال، سأفترض أن الموجودات الطبيعية، تملك قدرا منعدما أي صفرا من بعد الفكرة المستقلة. وهذان الافتراضان يخصان الموجودات الطبيعية فقط، وسيصبحان حالات استثنائية في المنوال التصميمي الذي اقترحه، وعلى أية حال فالذي يهمنا هو بعد الفكرة المستقلة في الموجودات التي أنتجتها تدخلات البشر، وليست الموجودات الخام الطبيعية، ولكن المنوال المقترح يعالج حتى الموجودات الطبيعية كحالات خاصة.
2 – 1 – 3 -1 البرهنة على وجود بُعد الفكرة :
اقصد هنا بعد الفكرة المستقلة التي تخص أي موجود مادي طالته أو أنتجته تدخلات البشر، وأما القدر من الفكرة في بعدها الثابت المتعلق بالوجود الخام فذلك أمر لاشك فيه، وقد سميته ثابت الخلق.
وللبرهنة على ذلك أقول: أن إثبات وجود فكرة مستقلة لموجود مادي غير طبيعي، هو وجود الموجود ذاته، إذ لما كان وجوده دليلا على تدخل بشري، ولما كان التدخل البشري تم من خلال فكرة، فذلك يعني وجود فكرة أضيفت لذلك الموجود.
ولو أخذنا موجودا ماديا خاما يقصد تحويله لمرحلة أخرى أرقى، فإن التدخل البشري عليه يتم من دون شروط أو من خلال شروط.
إن كان التدخل البشري يتم على موجود مادي من دون شروط، فذلك يعني من دون عوائق، وساعتها، فليس تدخل أحدهم بأولى من تدخل الآخر، ولما كان تواجد احتمال الأفكار المتناولة للتدخل، تتم من دون شروط، ولما كانت الاحتمالات مطلقة لانعدام العوائق، فذلك يعني أن احتمالات التدخل لا تنحصر إلا بالإمكانيات المادية الخام التي يتيحها الموجود موضوع الفعل. وعليه فذلك يعني احتمال تدخلات متعددة على ذلك الموجود. ولما كان الواقع يشهد أن الموجود المعني ما كان بتلك الحالة في الواقع إلا كنتيجة لتدخل واحد محدد معين (وحتى لو كان بحالته تلك نتيجة تدخلات متعددة، فهي بالنهاية بمثابة تدخل واحد نسبة للاحتمالات الملغية)، ثبت أن هناك فكرة واحدة معينة هي التي أوجدت ذلك الموجود على صيغته تلك، دون غيرها من الأفكار المحتملة.
ثانيا إن كان التدخل البشري يتم على موجود مادي من خلال شروط، فذلك يعني أن النتيجة النهائية لذلك الموجود ستكون حسب محددات صاحب تلك الشروط، أي حسب أفكاره هو من دون غيره ممن لم يضع تلك الشروط.
وثبت بالتالي في كلتا الحالتين أن الموجود المادي لا يمكن أن يوجد بحالته تلك في الواقع إلا منضبطا بتصورات بشرية محددة دون غيرها من التصورات البشرية الممكنة والتي قد تكون أحيانا تصورات منافسة.
2 – 1 – 3 -2 بُعد الفكرة في حالة الكمون:
ما كنت أوضحه يتعلق بالفكرة في مرحلة التكوين، ولكن المشكلة أو الضبابية تأتي حينما نجد واقعا ثابتا، وحينما لا نلاحظ أي نشاط ظاهر لبعد الفكرة، فنعتقد أن هذا البُعد منعدم. وهذه ملاحظة فاسدة لكون بُعد الفكرة موجود ابتداء، و إلا لما كان ذلك الموجود أصلا، كما أن ذلك البُعد موجود بقيمته التي كانت في آخر نشاط له، ثم إن بُعد الفكرة لا يمكن أن يتناقص في جانبه المطلق (الذي يهم الشيء وليس صاحب الشيء، لأن الموجود يمكن أن تتحول ملكيته من طرف لآخر)، لان تناقص بُعد الفكرة حسب تصور معين أي تناقصها لدى صاحب الموجود المادي المالك لها ساعتها الذي هو تناقص نسبي، يعني آليا تناميه حسب تصور طرف آخر أي مالكها الجديد. وهنا يمكن أن أطلق القاعدة التالية، وهي أن بُعد الفكرة لا يمكن إلا أن يكون موجبا في جانبه المطلق أي الكلي مادام ذلك الموجود مستعملا أي فاعلا في الواقع، بمعنى لا يمكن أن يتناقص في كمه العام الذي يخص الموجود كموجود يعنينا، وان تناقص نسبة لصاحبه، فإنه كما قلت سيقع ملئه من طرف غيره المؤثر أو المالك الجديد. ولكن حينما يتناقص في المطلق، فذلك يعني خروجه عن الصلاحية، لان ذلك يعني انسحاب طرف من التأثير فيه من دون حلول طرف آخر محله، وهذا هو بعض معنى خروج شيء عن الصلاحية.
وعليه فإن ملاحظة غياب بُعد الفكرة، في واقع مادي نتيجة تدخل بشري، يعني ضمنيا –عكس ما يتصور من انعدام كلي لبُعد الفكرة- وجود بُعد الفكرة بقيمة موجبة فاعلة مكنت من إنتاج ذلك الواقع في حالته قبيل تواري الفكرة عن الظهور علنا، أي يعني وجود لبُعد الفكرة لمراحل الإنتاج –مادام ذلك الواقع قد أنتج ووصل لتلك المرحلة- ولعله التواصل في الزمن، وليس فقط في مراحل بسيطة. ولعلنا إن تقدمنا في التحليل، يمكن القول أن الحكم على واقع من خلال ظاهر غياب المرجعية الفكرية فيه، يدل على قوة التمكين للفكرة به، لدرجة المغالطة، إذا كان الغياب عن الظاهر ليس من خصائص الوجود (وإلا فان الغياب عن الظاهر قد يكون طبيعيا)، وهو ما يعني قوة الحضور لتلك الفكرة بذلك الواقع.
2 – 2 مساحات الالتقاء:
مادام الموجود له ثلاثة أبعاد (مادة، زمن، فكرة)، فإن المعنى التام للموجود لا يكون محددا إلا بالقدر المشترك بأبعاده الثلاثة، وليس بالقدر المشترك بين بُعدين من أبعاده فقط. فالحكم على الموجود الكامل من خلال بُعدي الزمان والمادة أو بُعدي الفكرة والمادة أو بُعدي الفكرة والزمان، نظر تسطيحي، أي تسطيح ثلاثة أبعاد لبُعدين، سيعطي فهما جزئيا ناقصا، وهو فضلا على ذلك فهم يوهم الخطأ، فمن خلاله يمكن بيسر الالتقاء فيها مع موجودات أخرى. والالتقاء مع الغير في مساحة ثنائية الأبعاد لا يعني توافقا كليا مادمنا لم نعقد مقارنة كاملة، فالمقارنة الكاملة لذلك الموجود لا تتم إلا بتوفر الأبعاد الثلاثة.
ولفهم هذا المعنى، لنأخذ كمثل هرمين مختلفي الارتفاع مع تساويهما في أبعاد القاعدة أي تساوي مساحة القاعدة، في فضاء ثلاثي الأبعاد، فإن نحن نظرنا للإسقاط العمودي أي نظرنا للمحورين الذين يكونان المساحة (محوري السين والصاد)، سنرى تطابقا للهرمين في مساحة قاعدتهما، ويوهمنا ذلك أن الهرمين متساويين، ولكن حينما ننظر لبُعد الارتفاع، فسنرى الأمر مختلفا، وانه لا التقاء إلا بقدر ضئيل في حالة خاصة جدا، وهي حينما يكون بُعد الارتفاع منعدما أي يساوي صفرا.
والتقاء بُعدي الزمان والمادة يتم في حالة ثبات بُعد الفكرة كما وضحت من قبل، نظرا لاستحالة انعدامها، وفي حالتنا بتونس يكون ذلك مع الخفوت عن الأنظار لبُعد المرجعية العلمانية المسيرة لمجمل الاختيارات الثقافية والفكرية. وذلك يتم مثلا من خلال المظاهرات المشتركة أو التحالفات بين أطراف مختلفة فكريا في وقت معين يكون متوسطا داخل مدة لاحراك ظاهري فيها لبُعد الفكرة.
ولكن الذي لم ينتبه له، انه بتواصل الوقت أي بتمدد بُعد الزمن، فإن الفعل المعني (بُعد المادة) سيتطور بحيث أن بُعد الفكرة سيخرج عن حالة الركود، لأن تضخم البُعد المادي مع توالي الزمن، لايمكن إلا أن يؤدي لنمو بُعد الفكرة في الأفعال المادية ذات الخلفيات العقدية (كمثل مجمل الأطراف المتحركة على الساحة التونسية)، وإلا فإذا تأكد أن بُعد الفكرة بقي ثابتا، فإن ذلك وإن كان ممكنا، فإنه أولا يعد حالة استثنائية حيث ثبات الخلفية العقدية يخص أساسا التنظيمات في طور التلاشي وهو مالا ينطبق على معظم الأطراف المتحركة بتونس، وثانيا، فإن مثل هذا الأمر لا ينفي كون بُعد الفكرة موجود أساسا، فما يهمنا هو وجود الفكرة، وليس بالضرورة نموها، لأن بُعد الفكرة في كل الحالات لا يتراجع كقيمة مطلقة في الحالة الطبيعية عندما يكون مكونا لموجود مادي كما بينت، وإذا تراجع لدى تنظيم فذلك مؤشر على موته وخروجه من مجال بحثنا.
أما التقاء بُعدي الزمان والفكرة من دون بعد المادة، فهو يمثل حالة خاصة للمنوال الذي أقترحه، إذ هو موجود ولكن في طور التصور أي من دون تكون البُعد المادي في الواقع، وهو يخص عموما الفكرة قبل تنزيلها، وهي حالة قد تمتد في الزمن. ولكن لكي نحافظ على نسق التصور المنوالي الذي اقترحته ولحل الإشكال القائم بغياب البعد المادي في هذه الحالة، فسأفترض تواجدا لقيمة مضافة أولية للبُعد المادي، وهي قيمة ثابتة قارة لنسمها ثابت التصميم، أي أنه عبارة على قيمة مادية مفترضة تناسب مقدار المجهود الذهني قبل التنزيل المادي، يمثل قدرا مغايرا للصفر ويكون موجبا، بحيث انه حتى الموجودات المتصورة أي المرتكزة على بُعدي الفكرة والزمان تكون مع ذلك ممكنة الانطباق مع نموذجنا.
أما التقاء بُعدي المادة والفكرة من دون بعد الزمان، فهو وإن كان ممكنا نظريا، فإنه غير ممكن عمليا، إذ لا معنى لموجود مادي خارج الزمن.
3 معادلة المنوال
المعادلة الخاصة بتكون الموجود المادي تتكون من ثلاثة عوامل تمثل ثلاثة أبعاد كما وضحت. وهي أبعاد في مستوياتها الأولى أي من دون تفاصيل الثوابت التي تمثل حالات إضافية، ترتبط بطريقة الجمع المنطقي، أي أن عدم عامل ينفي الموجود كله، فلا وجود لموجود من دون الزمن، آو من دون البُعد المادي آو من دون بُعد الفكرة.
إذن هذه العوامل الثلاثة، ستكون مرتبطة من خلال عملية الضرب العددي، وعليه فستكون المعادلة بهذه الصيغة:
قيمة الموجود= عامل المادة * عامل الزمن * عامل الفكرة
وواضح من خلال المعادلة أن عدم أي من العوامل الثلاثة يعني عدم الموجود، كما أن تلاشي عامل ما، يعني تراجع القيمة الكاملة للموجود.
ولكن لكي نعالج الحالات الاستثنائية، فإن هذه المعادلة يجب مزيد مراجعتها، فعامل الفكرة في الموجودات الخام الطبيعية، يتكون من ثابت، مضافا إليه قيمة الفكرة الخام، مما يجعل عامل الفكرة متكونا من: عامل الفكرة + ثابت الخلق.
أما بالنسبة لحالة الأفكار المتصورة قبل تنزيلها فإنه لاستيعابها بمنوالنا التصميمي، فإن بُعد المادة سيكون متكونا من عنصرين، ثابت التصميم، وعامل المادة، مما يجعل عامل المادة النهائي متكونا من: عامل المادة + ثابت التصميم.
والمعادلة النهائية تكون بالصيغة التالية:
قيمة الموجود= عامل المادة*( متغير المادة + ثابت التصميم) * عامل الزمن * عامل الفكرة*( متغير الفكرة + ثابت الخلق)
* يمثل عامل الضرب
+ يمثل عامل الجمع
وحسب هذه المعادلة، فان الموجودات غير الطبيعية، يكون ثابت الخلق بها صفرا، وبالنسبة للأفكار قبل تنويلها، يكون ثابت التصميم بها صفرا. وبذلك تتحول المعادلة لطريقة لمعالجة كل الحالات.
تبقى إشكاليتان لكي يقع الاستفادة الفعلية من هذه المعادلة، أولا هو تحديد قيمة المتغيرات الخمسة، وهي عامل المادة، متغير المادة، عامل الفكرة، متغير الفكرة و عامل الزمن. إذ إنني حددت المعادلة العامة فقط، ولكن هذه المتغيرات لتحديدها يجب تعميق النظر، لأنه يمكن أيضا تفصيل هذه المتغيرات لثوابت ومتغيرات، وهذا يتم من خلال أخذ حالات معينة والبت فيها، ومن هناك يمكن الخروج بقيم معينة لتلك المتغيرات.
ثانيا هناك إشكالية وهي وحدة قيس (كأن نقول مترا أو ساعة أو دينارا) القيمة المحسوبة للموجود، أي ما هي الوحدة التي نقيس بها القيمة التي تعطينا إياها المعادلة، هذا السؤال، يرجع للتساؤل حول الوحدة التي سنقيس بها العوامل الثلاثة، أي وحدة قيس عامل الزمن، ووحدة قيس عامل الفكرة، ووحدة قيس عامل الفكرة.
ولعل هذان الجانبان سيقع تناولهما من طرف آخرين ممن يهمهم الموضوع.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: