البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أطراف إسلامية في خدمة الإستشراق: جهل أم تواطؤ -4-

كاتب المقال د - احمد عبدالحميد غراب   
 المشاهدات: 12324


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


مهزلة رخيصة أم مأساة محزنة: الجهل باللغة العربية
لو حدث أن حاول إنسان أن يعمل محاضراً في أحد أقسام الدراسات الإنجليزية أو الأدب الإنجليزي في أية جامعة في العالم، وتبين أنه لا يعرف الأنجليزية لرفض طلبه في الحال، ووصفت محاولته بأنها مهزلة رخيصة.
ولكن هذه المهزلة الرخيصة تتكرر كل يوم ليس في شخص معيد أو محاضر عن الإسلام، بل في شخص «مدير» مركز أكسفورد للدراسات «الإسلامية». وهو نفسه يعترف. بأنه يجهل اللغة العربية، ومع ذلك لا يستحي أن يكون مديراً لمركز جامعي أكاديمي للبحث العلمي والدراسات العليا في الإسلام!! وأن يشرف كذلك على رسالة دكتوراه عن الفكر السياسي الإسلامي الذي يشمل فكر الشهيد سيد قطب «رحمه الله»، وهو الذي كتنب كل مؤلفاته باللغة العربية. ويشاركه هذا في الإشراف مستشرق جاهل كذلك باللغة العربية.

الجهل بالإسلام
والإسلام الذي «تخصص» فيه مدير مركز الدراسات «الإسلامية» هو في الحقيقة بعض جوانب من تأريخ الهند، درسها «المدير» على أيدي المستشرقين، وبدون معرفة المصادر والمراجع العربية.
ومهزلة انعدام المؤهلات لدراسة الإسلام في مركز الدراسات «الإسلامية» تنقلب إلى مأسأة عندما نرى مجموعة من «علماء السلاطين» يعملون كواجهات لذلك المركز ونشاطاته، لإضفاء المصداقية على الدراسات الاستشراقية للإسلام، واتخاذ كتابات الكافرين بالإسلام مصادر يرجع إليها المسلمون!

الخداع والتضليل في التسميات
ومن الخداع والتضليل للمسلمين تلك التسميات «الجديدة» التي يستعملها المتحدثون باسم المركز عند مخاطبة المسلمين، ومنها أنهم يطلقون على المستشرقين المهيمنين الفعليين على المركز والموجهين الحقيقيين لنشاطاته أسماء مثل:
«الباحثين الغربيين في الإسلام» أو «المؤرخين الغربيين للإسلام» أو «الخبراء الغربيين في العالم الإسلامي» ـ كأن هؤلاء «الباحثين» و «المؤرخين» و «الخبرأء» طائفة أخرى غير المستشرقين!!.
وهذه التسميات ما هي إلا جزاء من الخطة الشاملة التي ترمي إلى خداع المسلمين عن حقيقة دراسات الصليبيين واليهود للإسلام.
وإذا انخدع العامة بهذه التسميات فهل انخدع بها ذلك النفر من «علماء السلاطين» حقيقة؟! أم أنهم يتظاهرون بالانخداع حتى يبرروا اشتراكهم في الجريمة بجهالتهم؟! ومرة أخرى نقول لكل منهم:
إن كنت لا تدري فتلك مصيبة*** أو كنت تدري فالمصيبة أعظم

الفصل الثالث 1 ـ موالاة الكفار سياسة ثابتة في [السعودية] موالاة المشتشرقين


موالاة حكام (السعودية) وذوي النفوذ فيها للكفار بوجه عام، وللأمريكيين بوجه خاص، هي حقيقة ثابتة ومعروفة للجميع، حتى لقد سميت (السعودية) بأسماء شاعت حتى باللغة الإنجليزية مثل: «سعودي أميركا» «ويهودي أرابيا». أي باختصار: «المملكة السعودية الأمريكية ـ اليهودية».
والواقع أن موالاتهم للكفار لا تقتصر على الموالاة الحربية والسياسية، بل تتعداها إلى الموالاة الثقافية، ولا سيما في تبني البرامج والمناهج الأمريكية في التربية والتعليم الجامعي، وأبتعاث الشباب (السعودي) إلى أمريكا ليتدربوا هناك ليصبحوا من الصفوة The Elite التي تُعدُ على أيدي الأمريكيين وأعينهم لحكم (السعودية)، وتولي المناصب القيادية فيها، بعد التأكد من محافظتهم على المصالح الأمريكية في المنطقة محافظة تدل على أنهم أمريكيون أكثر من الأمريكيين!

وقد أمتدت هذه الموالاة الثقافية أخيراً إلى مجال من أخطر مجالات الغزو الثقافي، وهو مجال الدراسات الإسلامية، نرى التغلغل الاستشراقي يسري في تلك الدراسات كالسرطان، بالرغم من محاوله المسؤولين (السعوديين) التعتيم على هذا التغلغل، بل التظاهر بالسماح أحياناً بنقد المستشرقين!.

والحقيقة التي لا شك فيها هي أنهم يتعاونون مع المستشرقين تعاوناً وثيقاً، ويمولون مؤسساتهم ومراكزهم الاستشراقية في أوروبا وأمريكا بأموال طائلة من أموال المسلمين، والمسلمون أحق بها.
ولا يمدونهم فقط بالمال، بل كذلك بالرجال. و« الرجال» هنا هم «علماء السلاطين» «وتجار الدين» عُرفوا بمولاة (السعودية)، وتأييد كل مواقفها الحربية والسياسية والثقافية الموالية لأمريكا والغرب، كما فعلوا ـ على سبيل المثال ـ في حرب الخليج، حيث أيدوا دعوة حكام (السعودية) للكفار لاحتلال مهد الإسلام، وأعلنوا تأييدهم ذلك في مؤتمر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في 19 صفر 1411 هـ.

ويشترك بعض هؤلاء «العلماء» (أمثال المشايخ يوسف القرضاوي وأبو الحسن الندوي وعبدالله التركي ومصطفى الأعظمي وجعفر الشيخ إدريس) مع المستشرقين الصليبيين واليهود في عضوية المركز الاستشراقية التي تقدم الإسلام إلى الناس على أيدي المستشرقين. لاضفاء المصداقية على دراسات المستشرقين للإسلام، واضفاء المشروعية بوجه خاص على التعاون معهم، وتلقي الإسلام عنهم، ولذلك أخذوا يطلقون على هذه المراكز اسماء تخفي حقيقتها، وتخدع المسلمين عن أهدافها؛ فسموها مراكز الدراسات «الإسلامية».
وفيما يلي ملامح موجزة عن هذه المؤامرة الاستشراقية (السعودية)، وجهدي المتواضع في محاولة كشفها، وتحذير المسلمين منها، وما تعرضتُ (وما زلتْ أتعرض له حتى الآن) من اضطهاد لي ولأولادي، على أيدي عملاء الكفار من (السعوديين)، وعلماء السلطان وتجار الدين في (السعودية).

(1)

لعل من أوائل المستشرقين المعاصرين الذي دعوا إلى إنشاء مراكز استشراقية مشتركة للدراسات «الإسلامية» هو المستشرق الأمريكي جون سبوزيتو (وهو نفسه يعمل بأحد تلك المراكز بكلية الصليب المقدس في نيويورك). ففي محاضرة له عن: «الدراسات الإسلامية في أمريكا» ألقاها بجامعة الملك عبدالعزيز بالسعودية بتاريخ 28/5/1403 هـ أعلن عن مشروع استشراقي في أمريكا، يقوم على اشتراك بعض الأساتذة المسلمين مع المستشرقين في مؤسسة واحدة (معهد أو مركز جامعي) للدراسات الإسلامية وذلك ـ كما أشرنا ـ بهدف إضفاء المصداقية على دراسات المستشرقين للإسلام.
وعقب المحاضرة ناقشت هذا المستشرق مناقشة نقدية إسلامية فيما قال* ثم اكتشفتُ ـ خلال الشهور التالية ـ أن هناك خطة موضوعة فعلاً لتنفيذ ذلك المشروع الاستشراقي، ليس في أمريكا وأوروبا فحسب، بل في (السعودية) كذلك. فكتبت خطاباً مفتوحاً بتاريخ 1/12/1404 هـ. إلى الشيخ (عبدالعزيز بن باز) رئيس إدارات الإفتاء والدعوة في (السعودية)، حذرت فيه من خطر التغلغل الاستشراقي في الجامعات (السعودية)، وخطر التعاون مع المستشرقين في مشروعاتهم المشبوهة، ولا سيما المشروع الذي أعلن عنه المستشرق الأمريكي وقد نُفِّذ فعلاً سنة 1985 بإنشاء مركز اكسفورد للدرسات «الإسلامية» بالتعاون مع (السعوديين) والمستشرقين(1).
(2)
أهداف مركز أكسفورد، راجع الفصل السابق.
(3)

في الفترة بين 18ـ 25/8/1986 عقد في أكسفورد مؤتمر للمنصّرين كان موضوعه: كيفية التعامل مع المسلمين في الشرق الأوسط، بإشراف المستشرق والمنصّر المعروف كينميث كراج. وبالتعاون مع مركز إكسفورد للدراسات «الإسلامية» وقد حضرت هذا المؤتمر لفترة قصيرة لأرد على ذلك المنصر.(2)

ثم ألقيت عن المؤتمر محاضرة بالرياض بتاريخ 15/12/1986 ، تعرضت فيها لمركز إكسفورد، وبينت الأخطار المترتبة على إنشائه وتمويله بأموال المسلمين، وأنه في الحقيقة تنفيذ للمشروع الاستشراقي الأمريكي المشار إليه آنفاً، كما ذكرت ان هذا المركز تابع لكلية الصليب، وفي هذه التبعية إهانة متعمدة للإسلام والمسلمين، لأنها تبعية لمؤسسة استشراقية صليبية ليس من أهدافها خدمة الإسلام والمسلمين، وهذا واضح بحكم أن الإشراف القانوني والفعلي عليها وعلى النشاطات «الإكاديمية» بها ـ هو في أيدي غير المسلمين، وعميدها د. ريتشارد ريب وهو مستشرق معروف ومجال دراساته، الخلافة الإسلامية، كما أنه في الوقت نفسه ـ أحد الأمناء ذوي الهيمنة الفعلية في توجيه مركز أكسفورد.

وهذا يفسر لماذا يتجنب عملاء المستشرقين في حديثهم عن المركز في الصحف العربية (وبخاصة التي تصل الى السعودية) ترجمة كلمة «كروس» من الإنجليزية إلى «الصليب» بالعربية وذلك لأنهم يحاولون أن يتجنبو ما تثيره كلمة «الصليب» في نفوس المسلمين من ذكريات مريرة وما تثيره تبعية الدراسات الإسلامية لكلية الصليب من إيحاءات مهينة.
ومن الواضح ان عملهم هذا هو محاولة متعمدة لإخفاء الحقيقة عن الأمة الإسلامية لما يعلمونه من خطورة إعلان هذه الحقيقة على المصالح المشتركة بين السعوديين والصليبيين.

(4)
ليلة أول رمضان 1407 هـ أقام د. أحمد التويجري عميد كلية التربية (التي يتبعها قسم الدراسات الإسلامية) بجامعة الملك (سعود) ـ ندوة لأعضاء هيئة التدريس بالكلية، تحدثت فيها عن مركز أكسفورد، وبينت أخطاره وأخطار اشتراك بعض الاساتذة المسلمين فيه.
فغضب مصطفى الأعظمي (رئيس قسم الدراسات الإسلامية في ذلك الوقت) وغادر قاعة الإجتماع وذلك لأنه كان ـ وما يزال ـ أحد المتعاونين تعاوناً وثيقاً مع مركز أكسفورد وباعتباره رئسياً للقسم، كان قد طلب مني ان أكتب تقريراً اوضح فيه الأسباب التي حملتني على الرد على المنصر كينيث كراج في مؤتمر المنصّرين باكسفورد(3)
بدون إذن الجامعة !!
فقلت له: إنني كنت هناك وسمعت ما قاله ذلك المنصر، وقرأت ما كتبه، والرد عليه وعلى أمثاله فريضة علي وعلى أمثالي، ولا يمكن أن أهمل أداء الفريضة حتى يأتيني إذن الجامعة!!.

(5)

حضر المستشرق الأمريكي جون سبوزيتو مرة أخرى الى (السعودية). هذه المرة إلى السفارة الأمريكية بالرياض، حيث ألقى محاضرة بعنوان: «وجهة النظر الأمريكية عن الإسلام بتاريخ 17/4/1408 هـ.
وكان رئيس الدراسات الإسلامية قد تغير من الأعظمي إلى حمدان. وبالرغم من تغير الشخص، لم تتغير السياسة (السعودية) قط تجاه الأمريكيين بوجه عام، والمستشرقين منهم بوحه خاص.
فحاول الرئيس الجديد أن يمنعني من الذهاب الى السفارة الإمريكية لمناقشة المستشرق ونقده، ولكني ذهبت وأديت واجبي، فغضب وقال: «لقد ضربت بكلامي عرض الحائط وانا سعودي ورئيس القسم» !! فقلت له:«لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق».

(6)

وبتاريخ 24/7/1408 هـ كتبت خطاباً إلى د. التويجري أطلب فيه أن ألقي محاضرة عامة بالكلية عن: «وجهة النظر الإسلامية في الإستشراق» تتلوها مناقشة من الأساتذة والطلبة. وقدمت إليه المحاضرة مكتوبة، ولكنه تجاهل الموضوع تماماً حتى إنتهى العام الدراسي.

وخلال ذلك العام، وفي مناسبات شتى أخبرت العميد، ورئيس القسم، والأساتذة، والطلبة، عن وجود دورية جامعية محكمة أسمها مجلة العصور، تصدر في الرياض (من لندن!)، وتعنى ببحوث الحضارة الإسلامية، ويرأس تحريرها د. عبدالرحمن الأنصاري عميد كلية الآداب بجامعة الملك (سعود)، ويشرف على تحكيم البحوث للنشر فيها هيئة مشتركة من الأساتذة المسلمين والمستشرقين (تماماً مثل مجلة الدراسات الإسلامية التي يصدرها مركز أكسفورد!!) ومن المستشرقين المستشارين في مجلة العصور: مونتجمري وات** (جامعة أدنبره)، وريكس سميث ـ (جامعة درم)، وريتشارد تشمبرز (جامعة شيكاغو). وهم في الحقيقة محكمون في البحوث الإسلامية التي يقدمها أساتذة مسلمون، في جامعة إسلامية، في بلد مسلم!.
ومن الواضح أن الذين حدثتهم كانوا جميعاً يدركون أن القضية كلها سياسة ثابتة، بل سياسة عليا، للمملكة العربية (السعودية)، وأنه لا جدوى من مناقشتها بهدف تغيبرها، بل بهدف تأييدها!!.

(7)

وبتاريخ 12/8/1989 ألقيت محاضرة بالإنجليزية عن «وجهة النظر الإسلامية في الإستشراق» بدعوة من جمعية الطلبة المسلمين بجامعة أكسفورد، وناقشت فيها عدة مسائل كان من أهمها:
أ ـ هل يجوز للمسلم أن يتلقى دينه من المستشرقين؟
ب ـ هل يجوز للمسلم أن يتعاون معهم؟
ج ـ هل يجوز للمسلم أن يموّل مشروعاتهم ومؤسساتهم؟.
وكان من الطبيعي أن أتعرض لمركز أكسفورد كنموذج لنشاطات المستشرقين، ودور «علماء السلاطين» كواجهات إسلامية، ودور بعض الحكومات العربية (وبخاصة السعودية في تمويل المركز).
وكانت المحاضرة خلال عطلة الصيف. ولما عدت الى جامعة الملك سعود علمت بأن هناك تقريراً كتب ضدي بسبب ماقلته في تلك المحاضرة.

(8)

في يوم 26/2/1410 هـ إجتمع مجلس قسم الدراسات الاسلامية وخلال هذا الإجتماع تحدثت عن مسؤولية الأستاذة والمسلمين بوجه عام، (والسعوديين) ذوي النفوذ بوجه خاص، عن أيقاف التغلغل الاستشراقي في الجامعات (السعودية)، وتذكرت بالإسم كلا من د. نصيف، د. عبدالله التركي وأشرت الى دورهما في تشجيع هذا التغلغل الثقافي التخريبي، عن طريق التعاون مع المستشرقين وتمويل مراكزهم، وبخاصة مركز أكسفورد. وقلت: «ليتق الله كل من نصيف والتركي في المسلمين وأبناء المسلمين. و إن غضبهما علي يهون إذا قورن بغضب الله تعالى على الساكت عن الحق لأنه شيطان أخرس».
وروى لي من أثق فيه من إخواني الأساتذة أن رئيس القسم د. حمدان قال بعد تلك الجلسة: لا بد من إنهاء عقد هذا الرجل لإسكاته! فقد إنتقد علناً رؤساءنا المقربين من أولي الأمر. وهذا ما لا يمكن السماح به في المملكة!.

(9)

بعد صلاة العشاء ليلة 20/7/1410هـ ألقيت حديثاً في مسجد أعضاء هئية التدريس بمبنى التأمينات الاجتماعية بالعليا بالرياض ـ إنتقدت فيه السياسة التعليمية للحكومة والجامعة، وقيام هذه السياسة على تفضيل الأمريكيين والغربيين بوجه عام على المسلمين من أعضاء هيئة التدريس، وتفضيل أبناء السعوديين على ابناء غير (السعوديين) (من الأساتذة المسلمين) في القبول بالجامعة. ودعوت الى وجوب تغيير هذه السياسة العنصرية الاستكبارية المشابهة تماماً لموقف كفار قريش حين طلبوا من الرسول (ص) ان يطرد من مجلسه (وهو مجلس العلم وضعفاء المسلمين أمثال : بلال وسلمان الفارسي وصهيب وخباب وعمار وعبدالله بن مسعود رضوان الله عليهم فنزل قوله تعالى لرسوله (ص):
(ولا تطرد الذين يدعون ربّهم بالغداوة والعشي يُريدون وجههُ ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابك عليهم من شيء فَتَطردهم فتكون من الظالمين) (الانعام: 52).
وهذه الاية الكريمة تحرم منع أي مسلم من التعليم، بل أن الإسلام جعل التعليم فريضة لقوله (ص): «طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة».
وأنهيت حديثي قائلاً: «إتق الله يا منصور التركي» (مدير الجامعة آنذاك) ثلاث مرات.
«ألا هل بغلت؟ اللهم فأشهد».
وبعد قليل حضر إلى شقتي بالمبنى أستاذان احدهما إسمة: د. الورثان، والآخر (هو الأخطر) إسمه: د. عبدالإله بن سعيد (شقيق حسن بن سعيد الذي يعمل بالمخابرات (السعودية) في وزارة الداخلية (وزارة القمع والإرهاب الرياض). وهددني عبدالإله بن سعيد بأنه سيتقرر إنهاء عقدي إذا لم أذهب وأعتذر لمدير الجامعة عما قلته في المسجد، فرفضت.
واستقال مدير الجامعة بعد حديثي هذا بنحو أسبوع. وعين بعده احمد الضبيب، وله صلة وثيقة بالأسرة الحاكمة، وهو الذي اتخذ قرار إنهاء عقدي، «لأنني انتقدت الحكومة والجامعة في المسجد» كما قال هو بنفسه في تبرير القرار.

(10)

خلال شهر شعبان 1410 هـ عقدت ندوة مسائية كبيرة حضرها آلاف الطلبة والأساتذة بفندق الأنتركونتننتال بالرياض، عن الدعوة الإسلامية، واشترك فيها من الدعاة: الشيخ راشد الغنوشي (زعيم النهضة الإسلامية في تونس) والأستاذ محمد قطب، والدكتور حسان حتحوت وكانت الندوة برئاسة د. عبدالله التركي مدير جامعة الإمام. وأدليت فيها بتعليق تحدثت فيه عن ظاهرة إشتراك المسلمين مع المستشرقين في تقديم الإسلام إلى الناس من خلال مراكز الدراسات الاستشراقية، وبخاصة مركز أكسفورد. وبينت خطر هذه الظاهرة على مسار الدعوة الإسلامية في الغرب، وأنها تفتح الباب على مصراعيه لمبدأ خطير ليس له سابقة في الإسلام وهو: تلقي الإسلام على أيدي غير المسلمين (من المستشرقين النصارى واليهود).
وأن «العلماء» المسلمين المشتركين معهم في تلك المراكز يتحملون ـ بحكم إشتراكهم، المسؤولية الكاملة عن الصورة المشوهة التي يقدم بها الإسلام الى الناس على أيدي اولئك المستشرقين وأنه ينبغي على هؤلاء «العلماء» أن يعلنوا براءتهم من تلك المراكز، وأن يبينوا أيضاً أخطارها على الإسلام والمسلمين.
وكان لهذا التعليق ـ على إيجازه ـ وقع طيب في نفوس كثير من الطلاب، ولكن كان له أسوأ الأثر على عبدالله التركي، لأنه يعتبر من أكبر الدعائم المالية والسياسية لمركز أكسفورد، ومن المعروف عنه أنه وثيق الصلة بالملك (فهد).

(11)


[السعودية] والمستشرق المنصّر هانزكونج

طالما تبجح حكام (السعودية) بالخدمات «الجليلة» التي يزعمون أنهم يقدمونها إلى الإسلام والمسلمين، وتشمل القائمة الطويلة للخدمات التي يمنون بها عادة على المسلمين: مقاومة أخطار الأستشراق والتنصير.
وقد ساعدت الثروة النفطية الهائلة التي يغتصبها حكام (السعودية)، وإمبراطورية الإعلام الواسعة التي يديرونها، في أن يصدق بعض المسلمين أسطورة الخدمات هذه، ولكن لحسن الحظ ـ كما يقول المثل ـ فإن أحداً لا يستطيع أن يخدع كل الناس كل الوقت، وبخاصة بعد حرب الخليج! فقد تكشفت بعد هذه الحرب كثير من الحقائق، وسقطت كثير من الأساطير، ومنها أسطورة: خدمة حكام (السعودية) للإسلام والمسلمين، ومقاومتهم أخطار المسشترقين والمنصّرين.

ومنذ فترة قصيرة تكشف للناس حقائق رهيبة عن تواطؤ حكام (السعودية) مع أمريكا واسرائيل لتحقيق هيمنة الصليبيين واليهود على المسلمين ومصائرهم وثرواتهم في المنطقة، وبخاصة عن طريق «مؤتمرات السلام» وخطط التطبيع النفسي والديني بين المسلمين واليهود، تمهيداً لتحقيق قيام اسرائيل الكبرى، لس على حساب الفلسطينيين فحسب، بل على حساب العرب والمسلمين جميعاً.

ومنذ فترة قصيرة أيضاً تكشف للناس كذلك حقائق رهيبة عن دعم وتمويل حكام (السعودية) لجون قرنق عميل المنصّرين في جنوب السودان، بل وإمداد عصاباته بالأسلحة الفتاكة، لتمكينه من الاستمرار في حرب إخواننا المسلمين في السودان، وقتلهم وتشريدهم.

وفيما سبق عرضنا حقائق موثقة (قصد بها التمثيل لا الحصر) عن دعم حكام (السعودية) لمراكز الاستشراق والتنصير في اوروبا وأمريكا، وعلى رأسها مركز أكسفورد للدرسات الاستشراقية بكلية الصليب. وقد زار الأمير (بندر بن سلطان) سفير (السعودية) في واشنطن هذا المركز خلال أزمة الخليج، وألقى فيه محاضرة حاول فيها تبرير سياسة المملكة في دعوة قوات الكفر لاحتلال مهد الإسلام خلال الحرب، كما تبرع للمركز ـ من المال العام للمسلمين ـ بمبلغ لم يكشف النقاب عن مقداره بالتحديد.

ونعرض الآن بإيجاز مثالاً أخر عن دعم حكام (السعودية) وتأييدهم لنشاطات المستشرقين والمنصّرين ضد الإسلام والمسلمين، وهو مثال المستشرق المنصّر هانز كونج.

وهانز كونج قسيس كاثوليكي سويسري الأصل. درس اللاهوت المسيحي في الجامعة البابوية بروما، وحصل على الدكتوراه من المعهد الكاثوليكي بجامعة السربون، وعمل أبا روحياً في الكنيسة المركزية بلوزان، وعينه البابا يوحنا رئيساً لـ23 مستشاراً رسمياً في مجلس الكنيسة الأعلى سنة 1962. ويعمل الآن استاذاً لللاهوت المسيحي بجامعة توبنجن الألمانية، ومديراً لمعهد توحيد الكنائس المسيحية بالجامعة نفسها.

دعي هذا المستشرق المنصِّر ليلقي محاضرة عامة بعنوان: «النصرانية الاصلية بين الأناجيل والقرآن» مساء الأثنين 19/10/1410 هـ (الموافق 14/5/1990م) في مركز (فيصل) للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض. وكان معروفاً لدى اوساط الأساتذة ان الدعوة وجهت إليه بنفوذ مدير جامعة الإمام د. عبدالله التركي، الذي يقوم (نيابة عن «خادم الحرمين» بتوجيهاته «السامية» بتقديم الدعم المادي والمعنوي لعدة مراكز استشراقية وتنصيرية في اوروبا وأمريكا، ومنها مركز أكسفورد المذكور آنفاً).
وحوالي الساعة العاشرة من صباح ذلك اليوم حضر هانزكونج على رأس وفد من جامعة الإمام بينهم جعفر شيخ إدريس (وهو الذي يمثل مدير جامعة الإمام عادة في الإتصالات واللقاءات بالمستشرقين وترتيب التعاون معهم) ـ إلى قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك (سعود)، حيث عقد أجتماع مع المستشرق حضره بعض الأساتذة والطلبة، واشتركت في هذا الإجتماع، ودارت بيني وبينه مناقشة عن حقائق هامة منها:

• ـ أنه يجهل اللغة العربية، ومع ذلك لا يستح أن يحاضر ويؤلف عن الإسلام وعن القرآن الكريم!
• ـ أنه ينكر عصمة الأنبياء لأنهم بشر! ويتجاهل العقيدة الإسلامية في عصمة الأنبياء.
• ـ إن أهم المصادر التي يستقي منها معلوماته عن الإسلام هي المصادر الاستشراقية، وبخاصة من أستاذه المستشرق الألماني باريت الذي كان يعمل أيضاً بجامعة توبنجن، وهو الذي كتب في دائرة المعارف«الإسلامية» (وهي في حقيقتها دائرة إستشراقية عن الأسلام) مقالاً عن أميّة الرسول (ص) قرر فيه أن الرسول كان أمياً بمعنى أنه كان ينتمي إلى أمه العرب الأميين (أي غير اليهود). ولكنه أنكر أنه كان أمياً بمعنى أنه كان لا يقرأ ولا يكتب كما قال الله تعالى: (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمنك إذا لارتاب المبطلون) (العنكبوت: 48)
• ـ وعن موقف الغرب المسيحي من القضية الفلسطينية حاول كونج ان يدافع عن موقف أمريكا ويظهرها بمظهر المتعاطف مع الفلسطينيين، بدليل ان الإدارة الأمريكية «تحتج» على إسرائيل لإقامتها المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة! وذكّرتَهُ بأن هذه الإدارة هي نفسها التي تمول إسرائيل لإقامة تلك المستوطنات!

وبعد الاجتماع أتصل بعض الطلاب بالمسؤولين في مركز الملك (فيصل)، وطالبوهم بالغاء محاضرة المستشرق في المساء، وخشيت سلطات الأمن (السعودية) من إمكانية حدوث شغب إذا إلقيت المحاضرة فتقرر إلغاؤها، وبقدر ما أثار هذا الإلغاء سرور الطلاب فإنه أثار غضب ذوي النفوذ (السعوديين) وبخاصة في جامعة الإمام، لأنهم خططوا طويلا، وبذلوا جهوداً محمومة لدعوة المستشرق المنصّر، ثم رأوا خططهم تنهار، وجهودهم تذهب هباء في آخر لحظة، وضيفهم العزيز يعود بخفي حنين!

وكانت الدعاية التي سبقت دعوته، وصاحبت تواجده في الرياض، هي انه مستشرق منصف للإسلام والمسلمين، وصديق متعاطف مع العرب والفلسطينيين ضد إسرائيل واليهود.

وشاء الله تعالى ان يفتضح هذا الكذب، وتظهر الحقيقة على لسان المستشرق نفسه، وذلك في كتابين له: الكتاب الأول بعنوان: اليهودية ـ الموقف الديني في عصرنا، وهو الكتاب الذي أصدره بالألمانية بعد زيارته للرياض بفترة قصيرة (سنة 1991)، وترجم إلى الإنجليزية وصدر في لندن سنة 1992 عن دار نشر مسيحية SCM press LTD لليهود بوجه خاص (راجع على سبيل المثال الحاخام ألبرت فريد لاندر بعنوان: A CATHOLIC ON THE JEWS (كاثوليكي (يؤلف) عن اليهود) بصحيفة التايمز الصادرة في 26/3/1992).
وتكفي الأشارة الى بعض ما يحفل به الكتاب من تعاطف المؤلف مع إسرائيل واليهود.
وفيما يلي أمثلة قليلة تكفي في الدلالة على هذا التعاطف، كما تلقي الضوء على الدوافع الحقيقة التي حدت بحكام (السعودية) الى دعوته:
• ـ أهدى هانزكونج كتابه الى أصدقائه اليهود في أنحاء العالم. وهذا نص الإهداء: TO MY JEWIUH FRIENDS THROUGHOUT THE WORLD .
• ـ أكد المؤلف في مواضع عديدة في المقدمة أن له علاقه وثيقة بأسرائيل، ووزارة خارجيتها، وبعض ساستها وأحبارها، وأنه قام بعدة زيارات لإسرائيل، وألقى العديد من المحاضرات في معهد فان لير بالقدس، وفي جامعة حيفا، وأن له علاقات وثيقة كذلك بأحبار اليهود في أقطار الغرب، وبخاصة في أمريكا.
• ـ لا يقتصر تعاطف المؤلف مع إسرائيل على حاضرها، بل يمتد إلى مستقبلها. فيتمني في المقدمة أن يكون عام اليوبيل الذهبي (هو عام الاحتفالات بالعيد الخمسين لدولة إسرائيل سنة 1998) ـ عام إبتهاج حقيقي وأفراح لتلك الدولة.
• ـ يؤكد حق إسرائيل في ارض فلسطين (أرض الميعاد) ويقرر ان بين شعب الملك المختار وأرض الميعاد علاقة لا تنفصم (حتى حين كان اليهود في المنفى لقرون طويلة!)، وأن هذه العلاقة جوهرية وعنصر أساسي في عقيدة اليهود، بغض النظر عما إذا كان ذلك يناسب «الآخرين» أو لا يناسبهم! (ص45 ـ 64).
ـ وذر للرماد في العيون بتظاهر المؤلف بالعدالة والأمانة العلمية، فيورد بعض انتقادات «لاذاعة» إسرائيل وسياستها في الارضي المحتلة (ص530 وما بعدها) وهذه الانتقادات تشبه الاحتجاجات «الشديدة اللهجة» التي تصدرها الإدارة الأمريكية «ضد» سياسة إسرائيل بين الحين والحين، لتضليل العرب والمسلمين!


الدعوة إلى الإبراهيمية

والمؤلف يريد تحقيق التطبيع النفسي والديني بين المسلمين وأسرائيل، لأنه يريد تحقيق السلام لإسرائيل على حساب المسلمين، ومن ثم يدعو المسلمين والعرب إلى السلام والوئام مع إسرائيل تحت راية «الإبراهيمية»: أي أن الأديان السماوية الثلاثة: اليهودية والنصرانية والإسلام تجتمع كلها في أصل واحد وهو «دين إبراهيم» (ص17 ـ18).
والحق الذي لا شك فيه هو أن دين إبراهيم عليه السلام كان الاسلام وليس اليهودية او النصرانية، كما قال الله تعالى:
(ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفا مسلماً وما كان من المشركين) (آل عمران: 67).

• ـ ومن منطلق «الإبراهيمية» يقدم المؤلف متقرحاته لتحقيق السلام بين العرب واليهود على أساسٍ دينيٍ مشترك.
ومن هذه المقترحات:
ـ إتخاذ قبة الصخرة مجمعاً للأديان الثلاثة (ص578 ـ 579).
(وهذا الاقتراح يشبه فكرة السادات الذي هلك قبل أن يحققها وهي إنشاء مجمع الأديان في سيناء).
ـ إقامة صلاة جماعية مشتركة بين أتباع الاديان الثلاثة (ص580 ـ 583) ومن الواضح أن الدعوة الإبراهيمية مثل الدعوة الى «التقارب بين الأديان» والى «وحدة الاديان» وهذه إنما هي دعوات خداعة يقصد بها اليهود وعملاؤهم تحقيق عدة أهداف منها:
ـ توفير السلام لإسرائيل لتقوم بالمزيد من التوسع والعدوان على المسلمين (كما حدث فعلاً بعد إتفاقية كامب ديفيد).
ـ تمييع هيمنة الإسلام على الأديان السابقة ونسخه إياها.
ـ إنحراف المسلمين عن جوهر العقيدة الإسلامية وهو التوحيد: وذلك بابتداع صلاة جماعية واحدة مشتركة بين أهل التوحيد والتشبيه والتثليث.
أما الكتاب الثاني للمستشرق هانز كونج فيظهر عداواته للإسلام بصورة أوضح.
وعنوان الكتاب: المسيحية وأديان العالم: طرق الحوار مع الإسلام والهندوكية والبوذية
وقد صدر مترجماً الى الأنجليزية عن دار كولينز للنشر في لندن 1987.
وفي الفصل الأول من الكتاب يشير هانز كونج الى المنهج النقدي الذي استخدمه بعض المؤلفين الغربيين لنقد نصوص الكتاب المقدس، ويدعوا إلى استخدام هذا المنهج لنقد النص القرآني.
ويشير إلى عدة نماذج لنقد القرآن الكريم صدرت في كتب ألفها المستشرقون ومنها كتاب:
دراسات قرآنية للمستشرق البريطاني جون وانزبروا/John Wans Brough (لندن 1977) وطبقاً لمزاعم هذا الكتاب فإن القرآن الكريم أخذ شكله وتكوينه النهائي ليس عن طريق الوحي، وإنما عن طريق المجتمع المسلم، أي القرآن الكريم قد «تكوّن» عن طريق تفسير المجتمع المسلم لأقوال الرسول (ص) ومزجها بتقاليد اخرى. وقد حدث ذلك بعد وفاة الرسول(ص)، وأستمر هذا «التكوين» أو التأليف للقرآن الكريم لمدة قرنين من الزمان تقريباً!! (ص33).
ويشير هانزكونج الى كتاب آخر بعنوان: جمع القرآن للمستشرق البريطاني جون برتون JOHN BURTON (لندن 1977)، وينحو نفس المنحى النقدي للقرآن الكريم، ولكن يزعم أن «تأليف» القرآن قد بدأ في حياة الرسول (ص) وليس بعد فاته!!
ويشير هانز كونج الى كتاب آخر بعنوان: إعادة إكتشاف النبي محمد للمستشرق الألماني جنتر لولينج GUNTER LULING (لندن 1981)، وفيه يدَّعي أنه أكتشف (بواسطة ذلك المنهج النقدي) أن القرآن الكريم يحتوي على قرآنين أو يشمل قرآنين: قرآناً «بدائياً» ألفه محمد(ص) وقرآناً آخر ليس بدائياً (أي «متحضراً») ألفه الصحابة والتابعون بعد وفاته (ص)!!
كما يشير هانزكونج الى كتاب آخر يصفه بأنه أكثر رسوخاً في الدقة العلمية وهو كتاب: دراسات في تأليف السور المكية للمستشرقة أنجيليكا نيوويرت ANGLIKA NEW WIRTH (لندن 1981) وفيه تزعم المؤلفة أنه بغض النظر عن السور المدنية فإن الرسول (ص) قد ألف السور المكية!!.
وبعد تقديم هذه النماذج من المفتريات الإستشراقية ينتهي هانزكونج إلى القول بأن دور محمد (ص) في تأليف القرآن الكريم لا يمكن أن يُستبعد، وكذلك لا يمكن إنكار التأثير الشفوي لليهودية والمسيحية في تأليف القرآن (ص34).
ويزعم هانزكونج أن ذوي العلم من المسلمين لا يمكن أن ينكروا:
1 ـ أنه في فترة حياة الرسول(ص) كانت هناك علاقات بين المجتمع المسلم في مكة واليهود والنصارى في شبه الجزيرة العربية وفي البلاد المجاورة لها.
2 ـ أن القرآن يذكر كثيراً الأنبياء الذين ورد ذكرهم في الكتاب المقدس أمثال نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وداود وسليمان ويحيى (عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام) بالإضافة الى مريم، ويرى هانزكونج أن في هذا دليلاً على أن هؤلاء الأنبياء كانوا معروفين لدى محمد (ص) قبل نزول الوحي عليه (ص34).
وفي القرآن الكريم رد قاطع على هذا الزعم، وأن الرسول (ص) قد تلقى قصص هؤلاء الأنبياء عن طريق الوحي وحده، وأن هذه القصص كانت من أنباء الغيب التي لم يعلمها هو ولا قومه قبل الوحي، كما قال الله تعالى: (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) (سورة هود: 49).
ويمضي هانزكونج فيدعو المثقفين المسلمين الى استخدام ذلك المنهج النقدي التاريخي في دراستهم للقرآن، وأن عقيدة أن القرآن هو كلام الله الموحى به على محمد يجب أن تفهم أيضاً على أن القرآن هو الكلام الأنساني لمحمد (ص35)!!.
ولا أدري كيف يتوقع هذا المستشرق من أي أنسان، فضلاً عن الإنسان المسلم، أن يفهم هذا التناقض أو أن يقبلة؟!
واستخدام المنهج النقدي التاريخي في دراسة النص القرآني سيؤدي في رأي هانزكونج إلى النتائج التالية:
1 ـ استبعاد أن يكون القرآن نصاً ثابتاً لم تطرأ عليه تغييرات حسب ظروف الزمان والمكان والأفراد. والقول بثبوت النص القرآني (في زعمه) هو اتجاه متعصب وغير نقدي في دراسة القرآن (ص35 ـ 36).
2 ـ استبعاد أن يكون لنصوص القرآن معانٍ واحدة، وذلك لأن هناك تفسيرات وتأويلات كثيرة كتنوعة لهذه النصوص خلال العصور. وهو بهذا يريد أن يلقي الشك من أن هناك معاني واحدة متفق عليها لآيات القرآن الكريم أي أن لا يفرق بين المحكمات والمتشابهات في القرآن الكريم، وأن القرآن كله مجال فسيح لشتى التفسيرات والتأويلات حسب الظروف والعصور والبيئات، ومن ثم يصبح الاسلام كلاً مستباحاً لشتى الآراء والأهواء.
ويكفي للرد عليه قول تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه ءايات محكمات هُنَّ أُمُّ الكتاب وأخَرُ متشابهات فامّا الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغآء تأويله وما يعلمُ تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون ءامنا به كلٌ من عند ربنا وما يذّكّرُ إلاّ أوُلُوا الألباب * ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) (آل عمران 3: 7 ـ 8)
ويرى هانز كونج أن هذه الدعوة إلى القراءة النقدية التاريخية للقرآن الكريم واخضاعه لشتى الآراء والتأويلات حسب الظروف المتغيرة والبيئات المختلفة ـ تؤدي إلى فهم القرآن على إنه رسالة حية A LIVING MESSAGE فيها دائماً الجديد الذي يناسب مختلف العصور والمجتمعات، ومن ثم تحتوي على الحلول للصراعات المعاصرة بين الدين والعلم والتاريخ. كما يرى في هذه الدعوة «تجديداً» للإسلام، وتقارباً بين المسلمين والمسيحيين، وخدمة للسلام العالمي: ومن ثم يدعو المسلمين إلى اعادة مناقشة العقيدة الإسلامية في أن القرآن كلام الله!! (ص36).
والحقيقة أنه ليس في هذه الدعوة إلا محاولة تشكيك المسلمين في عقيدتهم، وابتغاء فتنتهم في دينهم!


نقد الشريعة

ان دعوته الى نقد القرآن الكريم يترتب عليها بالظروف دعوته إلى نقد الشريعة الإسلامية. وتبدأ هذه الدعوة من منطلق خداع وهو المنطلق الإنساني: ان الشريعة قد وجدت من أجل الإنسان ولم يوجد الإنسان من أجل الشريعة!! ويترتب على هذا ـ في زعمه ـ ان الإنسان هو مقياس الحكم على الشريعة! ومن ثم يكون من وظيفة الضمير الإنساني أن يفرَّق في الشريعة بين ما هو عدل وما هو ظلم، ما هو ضروري وما هو غير ضروي، ما هو بَنَّاء وما هو مُخَرِّب، وأن يفرق بين التشريع الجيد والتشريع الرديء!! (ص65)
ويمضي المستشرق المنصّر فيدعو الى الغاء ما يسميه: العيوب الفاضحة في الشريعة الإسلامية»:
(THE SCANDALOUS SHORT COMING OF ISLAMIC LAW)
مثل: أن للزوج سلطة مطلقة على تطليق الزوجة(؟!) ومثل انتهاكات حقوق الإنسان: وتشمل حقوق المرأة، والحق في الإختلاف والإنشقاق أي الردة عن الإسلام! كما تشمل تحريم الفوائد الربوية، وتشمل بوجه خاص الحدود في الشريعة الإسلامية كحد السرقة والزنا وقتل المرتد (ص65).
ولذلك يؤيد هانز كونج الإتجاه العلماني في بعض الدول الإسلامية! ليس الى تعديل بعض قوانين الشريعة فقط وإحلال القوانين الأوربية محلها كما حدث في مصر وتونس، بل والى الغاء الشريعة كلها كما حدث في تركيا (ص66).


القراءة النقدية للقرآن والشريعة

كما يؤيد هانزكونج الإتجاه الى هذه القراءة النقدية للقرآن والشريعة عند عملاء المستشرقين بين منْ يُسَموَّن: «المفكرين الإسلاميين» ومن هؤلاء الذين يستشهد بهم على سبيل المثال:
فضل الرحمن: في كتابه: الإسلام (1966) حيث يدعو الى دراسة القرآن ليس بترتيبه المعروف بل حسب ترتيب النزول، وكذلك دراسته حسب خلفيته التاريخية والإجتماعية وبخاصة في الفترة المكية (ص66) الهدف الواضح من هذه الدعوة هو أن القرآن مرتبط بفترة تاريخية معينة وبيئة معينة؛ ومن ثم فليس صالحاً لكل زمان ومكان!!
محمد التوبعي: الكاتب العلماني المصري الذي يدعو الى تعديل شامل للشريعة الإسلامية وليس الى مجرد إصلاحات جزئية (ص66)
آصف فيضي: الذي يدعو الى إعادة فهم وتفسير القرآن بحيث يتفق مع ظروف القرن العشرين (67)
محمد أركون: في ندوة حوار بين المسلمين والمسيحيين في بون 1981 كرر دعوته الى قراءة نقدية للقرآن (ص67)
وينتهي هانزكونج الى دعوة الى وجوب التمييز بين الأخلاق والشريعة في القرآن.
فالأخلاق ثابتة أما الشريعة فمتغيرة !! (ص68).
وفيما مضى من آراء ومواقف هانزكونج ما يكفي لبيان الى أي أحد هو «متعاطف» مع الإسلام!! «والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون».

-------------

هوامش وإحالالت


* ـ تركزت مناقشتي له حول صميم عمله كمستشرق، وبيان أنَّ المستشرقين ليسوا مؤهلين للبحث العلمي في الإسلام، لإفتقارهم إلى أهم خصائص البحث العلمي وهي الموضوعية والأمانة العلمية، وذلك لتعصبهم على الإسلام وحقدهم التاريخي على صاحب الرسالة خاتم الأنبياء والمرسلين (ص)، بالإضافة إلى جهلهم باللغة العربية وأسرار بلاغتها ولا سيما فيما يختص بإعجاز القرآن الكريم.
** مونتجمري وات مستشرق وقسيس ومنصّر وعضو مجلس الإدارة لتحرير مجلة العالم الإسلامي وهي مجلة تنصيرية معروفة أسسها المنصر الأمريكي صمويل زويمر سنة 1911، ومن أهم المشرفين على تحريرها دافيد كير الذي يشرف أيضاً على مركز الدراسات الإسلامية بكلية سيلي أوله في برمنجهام وهو مركز تنصيري تموله (السعودية)، راجع أيضاً رؤية إسلامية للإستشراق (مرجع سابق ) ص61، 115.
1- للمزيد من التفاصيل عن مركز أكسفورد راجع الفصل الأول بعنوان: التعاون مع المستشرقين، الفصل الثاني بعنوان «مركز أكسفورد للدراسات الإستشراقية لا الإسلامية،» وأنظر الخطاب المفتوح في صحيفة الأحرار (القاهرة)
2- الهلال الدولي 16/6/1991 ص4.
عن هذا المؤتمر راجع كتابنا: رؤية إسلامية للإستشراق ط ثانية لندن 1411 ص65.
1- ** مونتجمري وات مستشرق وقسيس ومنصّر وعضو مجلس الإدارة لتحرير مجلة العالم الإسلامي وهي مجلة تنصيرية معروفة أسسها المنصر الأمريكي صمويل زويمر سنة 1911، ومن أهم المشرفين على تحريرها دافيد كير الذي يشرف أيضاً على مركز الدراسات الإسلامية بكلية سيلي أوله في برمنجهام وهو مركز تنصيري تموله (السعودية)، راجع أيضاً رؤية إسلامية للإستشراق (مرجع سابق ) ص61، 115.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

ال سعود، الإستشراق، تغيير مناهج، محاربة الإسلام، فقهاء السلطان، رجال دين، فساد مالي، مراكز بحث، محمد أسد، نقد الشريعة، الإبراهيمية، تنصير، تبشير، السعودي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-09-2009  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
طارق خفاجي، محمد اسعد بيوض التميمي، المولدي اليوسفي، فتحي الزغل، د- محمود علي عريقات، صفاء العراقي، صلاح الحريري، حسني إبراهيم عبد العظيم، بيلسان قيصر، إياد محمود حسين ، محرر "بوابتي"، مجدى داود، ياسين أحمد، د. أحمد بشير، د - محمد بن موسى الشريف ، د. خالد الطراولي ، سلوى المغربي، محمد عمر غرس الله، سيد السباعي، د- جابر قميحة، عبد الغني مزوز، الهيثم زعفان، د.محمد فتحي عبد العال، صفاء العربي، د. صلاح عودة الله ، سامر أبو رمان ، فتحـي قاره بيبـان، محمد علي العقربي، د. أحمد محمد سليمان، كريم السليتي، محمد يحي، مصطفي زهران، د- هاني ابوالفتوح، محمد شمام ، فهمي شراب، حاتم الصولي، سليمان أحمد أبو ستة، محمد أحمد عزوز، رضا الدبّابي، أحمد ملحم، العادل السمعلي، أ.د. مصطفى رجب، الناصر الرقيق، أحمد النعيمي، د - محمد بنيعيش، حسن الطرابلسي، جاسم الرصيف، منجي باكير، سعود السبعاني، أحمد بوادي، عبد الرزاق قيراط ، د - عادل رضا، حسن عثمان، فتحي العابد، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمد رحال، أنس الشابي، عواطف منصور، عزيز العرباوي، عمار غيلوفي، رمضان حينوني، محمود طرشوبي، ضحى عبد الرحمن، محمد العيادي، رافع القارصي، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفى منيغ، أبو سمية، حميدة الطيلوش، إسراء أبو رمان، عمر غازي، سامح لطف الله، صلاح المختار، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رشيد السيد أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود سلطان، د - المنجي الكعبي، صباح الموسوي ، د. طارق عبد الحليم، نادية سعد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد الحباسي، يحيي البوليني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الله الفقير، يزيد بن الحسين، تونسي، عبد العزيز كحيل، كريم فارق، صالح النعامي ، محمد الياسين، د. كاظم عبد الحسين عباس ، ماهر عدنان قنديل، رافد العزاوي، مراد قميزة، د - مصطفى فهمي، أشرف إبراهيم حجاج، سلام الشماع، علي عبد العال، عبد الله زيدان، د - شاكر الحوكي ، طلال قسومي، د. عادل محمد عايش الأسطل، سفيان عبد الكافي، علي الكاش، إيمى الأشقر، د - صالح المازقي، عراق المطيري، د - الضاوي خوالدية، المولدي الفرجاني، فوزي مسعود ، محمود فاروق سيد شعبان، الهادي المثلوثي، محمد الطرابلسي، وائل بنجدو، د. عبد الآله المالكي، خالد الجاف ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة