لطفي خلف - فلسطين
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 5808 loutfikhalaf@yahoo.com
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
متى سيقطف الإنسان العربي ما تحمله أشجار بلاده الثقافية من ثمار طازجة وهو من حملة الشهادات العالية أو خريج إحدى الجامعات المحلية أو العربية وحتى العالمية ؟! سؤال غريب يتردد في أذهان بعض المهتمين المدركين لخطورة المرحلة في هذا الزمن المادي الكئيب.
عوامل عديدة تساهم في انسلاخ الفرد حتى عن بيئته وجذوره وتراثه وليس عن بحثه في منابع ثقافته أو حضارته التي ينتمي إليها فقط ، معظم شرائح المجتمع تعرف ذلك بدرجات مختلفة طبعا، لكن ما يزيد في اتساع وعمق البون الشاسع ما بينه وبين غيره من أفراد المجتمعات الأخرى هو في تمكنه من ثمار مثل تلك الأشجار. حاليا هو في غربة حقيقية تلسعه أفاعي السأم والملل عند اقترابه منها ، ويشعر بالنقص أو عدم المقدرة على التجاوب مع كل ما يستجد ويستحدث في المجالات الثقافية المختلفة.
في الفلسفة أو في الأدب أو في كافة مجالات العلوم الإنسانية الأخرى، نرى القطيعة أو الجفاء التام والبعد الممنهج أو ما يشبه الممنهج إلى حد ما، وكأننا نعاني من مرض مزمن اسمه كراهية المطالعة.
أين مكامن الخلل فيما سلف ؟ وكيف يتم تشخيص المرض الذي يعد في نظر الغالبية العظمى من الناس، خطيرا على المدى البعيد، بسبب اتساع فجوة الغربة إلى أبعد الحدود ما بين القارئ والكيان الثقافي ؟
المعرفة تعني الهروب من جحيم الجهالة والأمية والإنحطاط والتدهور ورفض الوصول إلى المنحدرات السحيقة في ظلمات التخلف والجاهلية الأولى، والتي هي في نظري المتواضع كانت أفضل بكثير قياسا بما تقاسيه جماهير أمتنا حاليا من الوضع المترتب عن الجفاء الحاصل بسبب هروبنا العلني، وأسافيل المحن التي تدق جدران موروثاتنا ومنجزاتنا الثقافية ومحاولة محو المكان من الذاكرة العربية كما يحدث في فلسطين والعراق على سبيل المثال خلال هذه الفترة الغريبة من تاريخ أمتنا العربية ّ، ولأن الإنسان الأول لم يكن في البدايات الاولى قد اكتشف النار بعد، ولم يكن قد اكتشف أيضا مقومات الحياة وأسرارها المتعددة فهو كان حينها لم يزل في طور البحث ومراحل التجربة والبحث والخطأ، أي أنه كان مستعدا للمعاناة وولوج مداخل مخيفة وركوب أمواج الخطر واجتياح سراديب القهر والمشي على الأشواك في سبيل الوصول إلى ما يريحه ويطمئن نفسه ويوصله إلى بر الأمان وشواطئ السعادة !
" الحاجة أم الإختراع "، هكذا عهدنا الحياة منذ دخولنا عتباتها الأولى وأدركنا أن من ليس لديه رغبة في تحقيق أمر ما فلن يقوم بتحقيقه أبدا، فعملية التلقين التي نمارسها على طلبتنا في ظل أنظمة ودساتير بالية أكل الدهر عليها وشرب في الكثير من دولنا العربية، قد نحقق بها جزءا من الأهداف المتوخاة والمرسومة سلفا، وليس معظمها لأن جزءا غير يسير من الناس في المجتمع ليس لديه الرغبة أو أنه لا يرى ذلك مناسبا لإيصال الأفكار والمعلومات بيسر إلى أذهانهم، أو ليس لديهم الحاجة ليبدعوا ويبحثوا ويطوروا من أدواتهم في سبيل التواصل من أجل متابعة ما استجد، خاصة بعد ازدهار حقول الثقافة والمعرفة عالميا وعربيا بسبب الطفرة التكنولوجية الهائلة في مجال الإتصا ل.
هل أصبحنا مزاجيين إلى هذا الحد- لا أخاطب الحكومات والمؤسسات الرسمية - حتى في تناول المسائل والأمور الكبيرة ؟ لا أدري،ولكن للعولمة النصيب الأكبر في توسيع الفوارق الطبقية وإنهاك شعوب دول العالم الثالث، ولقمة العيش لها دور في ذلك، فالجائع لا يقف عند محطات الإبداع والإنجاز إلا إذا حصل على الأمان وتمكن من توفير أسباب الطمأنينة له ولعائلته بضمان البقاء والعيش الكريم تحت سقف هذه المرحلة الصعبة مع عدم نسياننا أن للمعاناة الدورالأكبر في الإبداع.
نحن العرب في أمس الحاجة لتناول جرعات ثقافية كبيرة وبشكل متواصل حتى نظهر بمظهرنا اللائق والمناسب والذي بفقدانه سينهار ما تبقى من أطلال تراث ثقافتنا البائدة وترميم جدرانها تظل الرمز والمعنى المتبقي لحضارات متنوعة وكثيرة لا يستطيع الغرب أو الشرق انكارها لأنهم استمدوا غالبية أشكال علومهم منها
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: