يمثل يوسف القرضاوي احد رجال الدين المعاصرين وفقهاء السلطان ذوي التأثير الخطير من الذين يلعبون دورا كبيرا في تكريس الواقع العفن والاعتراض على اقتلاعه من الجذور، وهو يقوم بالإلتقاء الموضوعي مع أطراف عديدة محاربة للإسلام ولأهله.
وتحت تفسيرات مستحدثة للإسلام يسميها "الوسطية" لاقت ولازالت اعتراضات من طرف العديد من العلماء، قام بمهاجمة الأحرار والمجاهدين بكل أرجاء العالم تقريبا، كما قام بالترويج من طرف خفي للمواقف الأمريكية عموما وخاصة حين احتلالها للعراق، ففي موقف غريب لايمكن تفسيره الا بالدعم للاحتلال والتواطؤ معه، أفتي بجواز مشاركة الجندي المسلم في احتلال العراق.
وفي الوقت الذي رأينا القرضاوي يفزع لأمور تافهة حيث انطلق ذات مرة وجمع مجموعة من رجال الدين يضمهم تجمّع تحت لوائه يسميه " الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" قاصدا مجاهدي طالبان منذ سنوات لائما لهم عن هدم احد الأصنام، وذلك استجابة لضغوط عليه من أطراف غربية وحكومية عربية، فانه بالمقابل لم يتكلم ولم يفت ولم يجمع منتسبي منظمته للحديث حول عدم جواز احتلال العراق او تقتيل المسلمين او استباحة اعراض المسلمات، فضلا على ان يقوموا بالدعوة للجهاد ضد الاحتلال، أو أن يقوموا بزيارة العراق او لاحد معاقل المعذبات العراقيات مثلا
وفي الوقت الذي ماعرف عنه الا ردم المصطلحات الشرعية الإسلامية والاستعاضة عنها بأخرى استحدثها من عنده، كمناداته بالإخوة الإنسانية عوض الاخوة في الدين مثلا، وغيرها من دعواته التي لعله لايهمه فيها الا مدى صداها والرضا عنها لدى اهل الباطل من دون المسلمين، وفي الوقت الذي نجده ناعما مع الكفار ومن والاهم من حكام خونة، فان نجده شديدا مع المجاهدين في كل مكان ومع رموزهم الفكرية
ومن اكثر الذين تهجم عليهم القرضاوي، الشهيد سيد قطب، وهو مافتئ يحرف مواقفه، إذ ما تكلم حوله الا و أوغل في المغالطة التي يستغرب صدورها من مسلم
وكرد علة ماقام به القرضاوي منذ أيام حيث تهجم على الشهيد سيد قطب، فإننا نشر مقالا قديما نسبيا للدكتور طارق عبد الحليم للرد على تهجمات القرضاوي ضد سيد قطب، التي أتاها من قبل أيضا.
ولأن الدكتور طارق وأمثاله لا يملكون علاقات بأهل السلطان والحكام، ولم يؤسسوا منظمة دولية للعلاقات العامة تقوم بالترويج لهم، ولا يملكون بنوكا ولم يدعوا ويقولوا أن التبرع بالزكاة لمواقعهم تجوز شرعا في مواقف تشبه التسول المالي، و لأنهم لم يفعلوا ذلك ولايملكون ذلك، فإن الدكتور الشيخ طارق عبد الحليم وأمثاله من العلماء سيبقون مجهولين لدى الناس، ولا يسمع اصواتهم ومواقفهم الا القليل
وموقع "بوابتي"، وان كان يقر ان النشر للدكتور طارق توقف منذ مدة بعد أن لم يقع الاتفاق على صيغة لنشر مقالات الدكتور، فإننا نستأذنه في نشر هذا المقال بالتحديد، ونترككم مع المقال، وهو بعنوان "سيد قطب والقرضاوي"
مشرف موقع "بوابتي"
******************
سيد قطب والقرضاوي
الشيخ القرضاوي شيخ جليل له مكانته من العلم والدعوة في أيامنا هذه، خاصة بعد أن رحل الكبار من أمثال الشيخ شاكر وغيره من قبله من أمثال الشنقيطي والدوسري وغيرهما من العلماء. ولكن الشيخ القرضاوي كغيره من العلماء متأثر بخلفيته العلمية وبالبيئة الدعوية الإخوانية التي تربى فيها، وكان لها أكبر الأثر في صياغة فكره، ودخول شبه الإرجاء عليه. ولسنا بصدد الحديث المفصّل عن القرضاوى، ما له وما عليه، فإن له الكثير من الفضل، كما أن له الكثير من الزلات التي من آخرها إباحة القروض الربوية للمقيمين بالخارج لشراء منازل سكنية، غير ترخصه في الكثير من المحرمات حتى عُرف عنه من قديم أنه صاحب كتاب "الحلال والحلال" في الإسلام! وهذا ثمن يدفعه من يتعرض للجمهور على شاشات التلفاز ويصبح من الشخصيات العامة، فيفتى بما يرضى الناس ويأمن أن يتقبلوه وأن ترضى به حكوماتهم. وهذه حقيقة يعترف بها القرضاوي نفسه حين يقارن نفسه بعلماء أجلاّء ممن ارتقوا بأنفسهم عن مثل هذه الترخصات من أمثال الشيخ الجليل عالم الإقتصاد الفقيه على السالوس رئيس القرضاوى في مجمع الفقه الإسلامي بقطر.
ومما تعرض له القرضاوي فكر سيد قطب رحمة الله عليه، وقد نقده بفكر إخواني إرجائي محض، وبالطبع فقد تلقف هذا الكلام من طلبة الإرجاء ومحبيه من عديمي العلم وصغار الدعاة ومرضى الإرجاء (عافاهم الله تعالى منه) وراحوا يروجونه على صفحات مواقع يقرأها الناس ويرون اسم القرضاوي عليها فيسبق إلى عقولهم التصديق بها أو بالأحرى عليها، لمكانة اسم القرضاوى في هذه الأيام، ولقلة الحصيلة العلمية القادرة على النقد والنظر.
ورغم أننا نرى أن سيدا رحمة الله عليه كان من أشفّ الناس في عصرنا هذا في فهم التوحيد وأخلصهم في تأدية معناه، مرافقا في ذلك السيد المودودي والشيخ الدوسري وغيرهم من أجلة علماء السنة في عصرنا ممن حصّنهم الله ضد جراثيم الإرجاء، ومن قبلهم الإمام محمد عبد الوهاب، ومن قبلهما شيوخ السنة والجماعة كابن تيمية وبن القيم وبن كثير وبن رجب ثم سابقيهم في العصور الثلاثة الفضلى كما أننا نرى أن سيداً قد جاوز الصواب في بعض ما كتب إمّا مدفوعاً بقلم الأديب الذي يتقدم عنده اللفظ لتأدية المعنى وإن شطّ عن القصد، أو لخلل في فهم بعض التنزيل، كما حدث في تعليقه على بعض آيات الصفات، ونحن نصدر في تأييدنا ومخالفتنا لسيد عن قناعة عميقة حقيقية ولإيمان صادق بمقولة أن "كلٌّ يُؤخذ من كلامه ويترك إلا صاحب المقام النبوي عليه أفضل الصلاة والسلام"، مخالفين بذلك أدعياء العلم من أتباع القرضاوي أو الألباني أو غيرهم ممن يدعى الإنصاف وعدم التقليد ظاهرا وهو هالك فيه حقيقة.
وقد علّقت في هذه العجالة على مقال للقرضاوى عن فكر سيد قطب بما أتاح به الوقت ولنا إليه عودة إن شاء الله تعالى.
وضعت نص القرضاوي بين "" و جعلت تحته خطاً لتمييزه
"وفي هذه الفترة بدأ سيد قطب يقترب من الإخوان، ويرى بعينيه نشاطهم والتزامهم، وما بينهم من رباط وثيق، وإخاء عميق، وما يتميز به كثير منهم من وعي دقيق، وشعور رقيق، وكان المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي يصطحبه معه في رحلاته، ليرى بعينيه، ويسمع بأذنيه، ويحكم بعد ذلك بعقله، ويختار لنفسه. وقد اختار بملء إرادته الانضمام إلى دعوة الإخوان، ولا سيما بعد أن خاب ظنه في رجال الثورة، الذين علق عليهم في أول الأمر آمالا وأحلاما، فتبخرت وضاعت، كما تبخرت أحلام الشاعر العاشق الذي قال:
كأني من ليلى الغداة كقابض على الماء خانته فروج الأصابع
وأحيل القارئ إلى ما ذكرته في الجزء السابق عن سيد قطب وانضمامه إلى الإخوان، وتسلمه رئاسة قسم نشر الدعوة في الجماعة، ورئاسة تحرير مجلتهم، إلى أن دخل معهم في محاكمات محكمة الشعب وحكم عليه بعشر سنوات."
مما لا شك فيه أن سيد بعد أن كان من الأدباء الأفذاذ وإن لم يتخذ الإسلام مرجعا له بعد، كان قد بدأ عملية التحول بعد أن انفتحت عيناه على حقيقة الإسلام وعظمته، وقد حدث هذا تدريجيا وبشكل عفوي وكانت الإخوان هي الجماعة الوحيدة على الساحة التي تعرض الإسلام كبديل سواء صحت توجهاتها كلها وكانت الأمثل أو مع تجاوزاتها التي رآها من بعد واختار بعد التعمق في الإسلام والتحلي بمعاني التوحيد أن ينفصل عنها. والأخ القرضاوي يصور سيد أنه بعد أن انتمى إلى الإخوان ووصل إلى ذروة العمل الجهاديّ بهذا الإنتساب قد رجع القهقري وانفصل عن الإخوان لتغير غير مرضي منه في الفكر الذي دفعه إلى التكفير وما إلى ذلك مما سأعرض له لاحقا، والحق أن سيد رحمة الله عليه دخل في الإخوان كمرحلة من مراحل رقيه الفكري أولا ولأنه لم يكن هناك بديل لها ثانيا، ثم استمر فيالترقي إلى أن أدرك ما عند الإخوان من خلل عقائدي وفكر ارجائي فانفصل عنها وتعداها إلى مرحلة جديدة كما سنبين بعد، فسيد تحرك من أسفل إلى أعلى ثم إلى أعلى الأعلى، لا كما يصور القرضاوي أنه تحرك من أسفل إلى أعلى الأعلى ثم انقرض إلى الأسفل مرة أخرى!
وهذه مرحلة جديدة تطور إليها فكر سيد قطب، يمكن أن نسميها "مرحلة الثورة الإسلامية"، الثورة على كل "الحكومات الإسلامية"، أو التي تدعي أنها إسلامية، والثورة على كل "المجتمعات الإسلامية" أو التي تدعي أنها إسلامية، فالحقيقة في نظر سيد قطب أن كل المجتمعات القائمة في الأرض أصبحت مجتمعات جاهلية. تكون هذا الفكر الثوري الرافض لكل من حوله وما حوله، والذي ينضح بتكفير المجتمع، وتكفير الناس عامة –"
سبحان الله العظيم! كذب وافتراء على الرجل! فهو لم يكفّر الناس عامة في أي نص من نصوصه وإنما هي استخراجات مريضة مغرضة تريد أن تسلب الرجل مكانته لضآلة حجمها بالنسبة اليه رغم اسباغ صورة الموضوعية والإنصاف في مثل قولها بأنه وهو على كل حال مخلص في توجهه، مأجور في اجتهاده، أصاب أم أخطأ، ما دام الإسلام مرجعه، والإسلام منطلقه، والإسلام هدفه"
الرجل - لمن أراد أن يتعلم - إنما قال إن المجتمعات الحالية التي لا تحكم بشرع الله هي مجتمعات جاهلية وأن الناس الذين يرضون بهذا الوضع ويشجعونه ويعملون تحت رايته لتحقيق أغراضه إنما هم خارجين عن الولاء لله كافرين بشرعه، وهذا كله صحيح لا شائبة فيه فإن قاعدة التحاكم لله تفرض أن الشرع في حياة المجتمع المسلم يجب أن يستمد من الله سبحانه أو هي الجاهلية لا ثالث لهما، وأن من يسلم روحه ونفسه لأمثال الحاكمين بغير شرعه عنادا واستكبارا ويعمل بعملهم وينصرهم على الدعاة إلى الله هو من نحلتهم وممن حذا حذوهم فهو منهم، وآيات الولاء في القرآن ناضحة بهذا المعنى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ولكن سيداً لم يكفر الأفراد الأعيان من هذه الأمة فردا فردا وحاشاه وعلى من قال بهذا أن لا يلقى بالقول على عواهنه بل أم يأتي بنصوص محكمة لا تحتمل الشبهة من كلام الرجل تنص على التكفير العام ، وقد تابع القرضاوي في مثل هذا القول لفيف من أنصار الإسلام "الشيوعيّ أو الليبرالي من أمثال د. محمد عمارة الذي رمى سيداً بنفس التهم من قبل . ثم نكمل نصوص القرضاوي: "لأنهم "أسقطوا حاكمية الله تعالى" ورضوا بغيره حكما، واحتكموا إلى أنظمة بشرية، وقوانين وضعية، وقيم أرضية، واستوردوا الفلسفات والمناهج التربوية والثقافية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإدارية وغيرها من غير المصادر الإسلامية، ومن خارج مجتمعات الإسلام.. فبماذا يوصف هؤلاء إلا بالردة عن دين الإسلام؟!"
ماذا في هذا الكلام ما يستدعي علامات التعجب، إنما هي شبه الإرجاء دخلت على القرضاوي كما دخلت على بقية المنتسبين للإخوان من أن "القدرة التامة والإرادة الجازمة قد لا يتبعها عمل" كما قال بن تيمية. فإن العمل بالشريعة لمن هو قادر على العمل بها ومريد للعمل بها هو أمر لا يشك فيه إلا مرجئ يؤخر العمل عن الإيمان، وهو موضوع يطول شرحه في هذا الموضع ولكنه مبرر بأن الإخوان كما أثبتنا في بعض ما كتبنا أنهم مرجئة العصر الحديث، لذلك فالشيخ يعجب من أن من هذا حاله كيف يقول عنه سيد أنه مرتد عن الإسلام، سبحانك اللهم، وها هو نص ما قال أحمد شاكر في تفسير سورة المائدة في تفسير قوله تعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون، وأثر بن عباس وأبي مجلز التابعي أنه كفر دون كفر أنقله هنا للفائدة:
قال أحمد شاكر: وهذه الآثار – عن بن عباس – مما يلعب به المضللون في عصرنا هذا من المنتسبين للعلم ومن غيرهم من الجرآء على الدين يجعلونها عذرا أو إباحة للقوانين الوثنية الموضوعة التي ضربت على بلاد الإسلام. وهناك أثر عن أبي مجلز في جدال الإباضية الخوارج إياه فيما يصنع بعض الأمراء من الجور فيحكمون في بعض قضائهم بما يخالف الشريعة عمدا إلى الهوى، أو جهلا بالحكم. والخوارج من مذهبهم أن مرتكب الكبيرة كافر فهم يجادلون يريدون من أبي مجلز أن يوافقهم على ما يرون من كفر هؤلاء الأمراء ليكون لهم عذراً فيما يرون من الخروج بالسيف. وهذان الأثران رواهما الطبري وكتب عليهما أخي السيد محمود شاكر تعليقا نفيسا جدا فرأيت أن أثبت هنا نص الرواية الأولى للطبري ثم تعليق أخي على الروايتين.
"فروى الطبري عن عمران بن حيدر قال: أتى أبي مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس فقالوا: يا أبا مجلز أرأيت قول الله تعالى: ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون؟ أحق هو؟ قال:نعم، قالوا: ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الظالمون، أحق هو؟ قال: نعم، قالوا: ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الفاسقون، أحق هو؟ قال: نعم، قالوا: يا أبا مجلز، فيحكم هؤلاء بما أنزل الله (يريدون الأمراء الظالمين من بني أمية) قال: هو دينهم الذي يدينون به وبه يقولون، واليه يدعون، فإن تركوا منه شيئا عرفوا أنهم قد أصابوا ذنباً، فقالوا لا والله ولكنك تفرق! قال: أنتم أولى بهذا مني (يعني أنهم هم الخارجين لا هو) لا أرى، وأنتكم ترون هذا ولا تحرّجون" فكتب أخي السيد محمود بمناسبة هذين النصين:
الله إني أبرأ إليك من الضلالة، وبعد، فإن أهل الريب والفتن ممن تصدوا للكلام في زماننا هذا، قد تلمس المعذرة لأهل السلطان في ترك الحكم بما أنزل الله وفي القضاء في الدماء والأموال والأعراض بغير شريعة الله التي أنزلها في كتابه وفي اتخاذهم قانون أهل الكفر شريعة في بلاد الإسلام. فلما وقف على هذين الخبرين، اتخذهما رأيا يرى به صواب القضاء في الدماء والأموال والأعراض بغير ما أنزل الله وأن مخالفة شريعة الله في القضاء العام لا تكفر الراضي بها والعامل عليها. والناظر في هذين الخبرين لا محيص له من معرفة السائل والمسئول، فأبو مجلز (لاحق بن حميد الشيباني الدوسي) تابعي ثقة وكان يحب عليا وكان قوم أبي مجلز وهم بنو شيبان من شيعة علي يوم الجمل وصفين، فلما كان أمر الحكمين يوم صفين، واعتزلت الخوارج، كان فيمن خرج على علي طائفة من بني شيبان ومن بني سدوس بن شيبان بن ذهل، وهؤلاء الذين سألوا أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس وهم نفر من الإباضية..... هم أتباع عبد الله بن إباض من الحروروية (الخوارج) الذي قال: إن من خالف الخوارج كافر ليس بمشرك! فخالف أصحابه ...
ومن البين أن الذين سألوا أبا مجلز من الإباضية إنما كانوا يريدون أن يلزموه الحجة في تكفير الأمراء لأنهم في معسكر السلكان، ولأنهم ربما عصوا أو ارتكبوا بعض ما نهاهم الله عنه، ولذلك قال في الأثر الأول: فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم قد أصابوا ذنبا، وقال في الخبر الثاني: إنهم يعملون بما يعملون وهم يعلمون أنهم مذنبون"
وإذن، فلم يكن سؤالهم عما احتج به مبتدعي زماننا من القضاء في الدماء والأموال والأعراض بقانون مخالف لغير شرع الإسلام، ولا في إصدار قانون ملزم لأهل الإسلام، بالإحتكام إلى حكم غير الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهذا الفعل إعراض عن حكم الله ورغبة عن دينه وإيثار لأحكام الكفر على حكم الله سبحانه وتعالى، وهذا كفر لا يشك أحد من أهل القبلة على اختلافهم في تكفير القائل به والداعي له.
والذي نحن فيه اليوم، هو هجر لأحكام الله عامة دون استثناء وإيثار أحكام غير حكمه، في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في شريعة الله ....فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام أن سنّ حاكما حكما جعله شريعة ملزمة للقضاء بها ..
وأما أن يكون كان في زمان ابي مجلز أو قبله أو بعده حاكم حكم بقضاء في أمر جاحدا لحكم الله أو مؤثرا لأحكام أها الكفر على أهل الإسلام (وهي حال اليوم من آثر أحكام الكفر علىأحكام الإسلام) فذلك لم يكن قط، فلا يمكن صرف كلام أبي مجلز والإباضيين إليه، فمن احتج بهذين الأثرين وغيرهما في بابهما، وصرفها عن معناها، رغبة في نصرة السلطان، أو احتيالا على تسويغ الحكم بما أنزل الله وفرض على عباده، فحكمه في الشريعة حكم الجاحد لحكم من أحكام الله، أن يستتاب، فإن أصر وكابر وجحد حكم الله ورضي بتبديل الأحكام، فحكم الكافر المصر على كفره معروغ لأهل هذا الدين" أحمد محمود شاكر" انتهى نص أحمد ومحمود شاكر جزاهما الله خيرا عميماً والجاهل بقدرهما عليه أن يسأل عنهما فهما علمين من أعلام الحديث واللغة العربية والتفسير لا يجاريهما أحد من أهل هذا الزمان ولا يكاد القرضاوي أن يقرض بعلمه طرف علومهما.
وانظر رحمك الله فهو يقول باستتابة من يتخذ هذه الآثار لنصرة السلطان ممن يدعي العلم (من أمثال بعض الجماعات الإسلامية في كتاب "دعاة لا قضاة" إذ استشهدوا بهذه الآثار على الوجه الذي ذكره محمود شاكر) لا باستتابة السلطان إذ لا محل لإستتابته وحكمه معروف لمن له عقل.
"بل الواقع عنده أنهم لم يدخلوا الإسلام قط حتى يحكم عليهم بالردة، إن دخول الإسلام إنما هو النطق بالشهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وهم لم يفهموا معنى هذه الشهادة، لم يفهموا أن "لا إله إلا الله" منهج حياة للمسلم، تميزه عن غيره من أصحاب الجاهليات المختلفة، ممن يعتبرهم الناس أهل العلم والحضارة. أقول: تكون هذا الفكر الثوري الرافض، داخل السجن، وخصوصا بعد أن أعلنت مصر وزعيمها عبدا لناصر، عن ضرورة التحول الاشتراكي، وحتمية الحل الاشتراكي، وصدر "الميثاق" الذي سماه بعضهم "قرآن الثورة"! وبعد الاقتراب المصري السوفيتي، ومصالحة الشيوعيين، ووثوبهم على أجهزة الإعلام والثقافة والأدب والفكر، ومحاولتهم تغيير وجه مصر الإسلامي التاريخي."
هذا إغراض وتلميح بما رماه به خصومه من ملحدي مصر من أن آرائه "المتطرفة" مرجعها إلى العذاب الذى رآه على يد النظام، لا إن آرائه تحمل في ذاتها حقاً! حيلة رخيصة للتخلص من مواجهة الموضوع ذاته، بتحويل النظر إلى ظروف صاحبه الصعبة وإلقاء ظلالا للشك على موضوعية الآراء من هذا الباب، ولكن هيهات هيهات، فهناك من هم متيقظون لهذه التكتيكات المغرضة، فأين النقد الموضوعي للجمل التي ذكرت يا شيخ قرضاوي؟ أين دليلك من الكتاب والسنة على عدم صحتها (عدا الحديث عن ظروف سيد في السجن وتجربته وعن ظلم عبد الناصر والثورة!!!)؟
هنالك رأى سيد قطب أن الكفر قد كشف اللثام عن نفسه، وأنه لم يعد في حاجة إلى أن يخفيه بأغطية وشعارات لإسكات الجماهير، وتضليل العوام.
"هنالك رأى أن يخوض المعركة وحده، راكبا أو راجلا، حاملا سيفه "ولا سيف له غير القلم" لقتال خصومه، وما أكثرهم. سيقاتل الملاحدة الجاحدين، ويقاتل المشركين الوثنيين، ويقاتل أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ويقاتل المسلمين أيضا، الذين اغتالتهم الجاهلية، فعاشوا مسلمين بلا إسلام! وأنا برغم إعجابي بذكاء سيد قطب ونبوغه وتفوقه، وبرغم حبي وتقديري الكبيرين له، وبرغم إيماني بإخلاصه وتجرده فيما وصل إليه من فكر، نتيجة اجتهاد وإعمال فكر أخالفه في جملة توجهاته الفكرية الجديدة، التي خالف فيها سيد قطب الجديد سيد قطب القديم.. وعارض فيها سيد قطب الثائر الرافض سيد قطب الداعية المسالم، أو سيد قطب صاحب "العدالة" سيد قطب صاحب "المعالم". ولقد ناقشت المفكر الشهيد في بعض كتبي في بعض أفكاره الأساسية، وإن لامني بعض الإخوة على ذلك، ولكني في الواقع، كتبت ما كتبت وناقشت ما ناقشت، من باب النصيحة في الدين، والإعذار إلى الله، وبيان ما أعتقد أنه الحق، وإلا كنت ممن كتم العلم، أو جامل في الحق، أو داهن في الدين، أو آثر رضا الأشخاص على رضا الله تبارك وتعالى. ونحن نؤمن بأنه لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل أحد غيره يؤخذ من كلامه ويرد عليه، وأن ليس في العلم كبير، وأن خطأ العالم لا ينقص من قدره، إذا توافرت النية الصالحة، والاجتهاد من أهله، وأن المجتهد المخطئ معذور، بل مأجور أجرا واحدا، كما في الحديث الشريف، سواء كان خطؤه في المسائل العلمية أو العملية، الأصولية أم الفروعية، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما. وأخطر ما تحتويه التوجهات الجديدة في هذه المرحلة لسيد قطب، هو ركونه إلى فكرة "التكفير" والتوسع فيه، بحيث يفهم قارئه من ظاهر كلامه في مواضع كثيرة ومتفرقة من "الظلال" ومما أفرغه في كتابه "معالم في الطريق" أن المجتمعات كلها قد أصبحت "جاهلية". وهو لا يقصد بـ "الجاهلية" جاهلية العمل والسلوك فقط، بل "جاهلية العقيدة" إنها الشرك والكفر بالله، حيث لم ترضَ بحاكميته تعالى، وأشركت معه آلهة أخرى، استوردت من عندهم الأنظمة والقوانين، والقيم والموازين، والأفكار والمفاهيم، واستبدلوا بها شريعة الله، وأحكام كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم."
وماذا في هذا من خلاف للحقيقة، إن هذه المجتمعات - لا أفرادها الذين يعيشون فيها- قد ارتضت الحكم بغير ما أنزل الله (هل في شك من ذلك؟) واستبدلت شريعته (هل في شك من ذلك؟) وحاربت أولياءه من الدعاة إلى الله (هل في شك من ذلك؟) وهي بهذا قد ارتضت شرائع الكفر في نظمها وإن لم يكفر أفرادها وهو ما لم يدعيه سيد أبدا – أي كفر الأفراد بعامة – أما كفر الأنظمة فلا يشك فيها مسلم يؤمن بالله ورسوله وفيه بقية من عقل! الأمر هنا هو لم التعجب دون إيراد الأدلة على نقض هذا الكلام، والإعتماد على إدارة المآقي في العيون وكأنما جاء الرجل بما استقرت الشرائع على خلافه؟ تكتيك رخيص مرفوض!
وعلى هذا، ليس الناس في حاجة إلى أن نعرض عليهم نظام الإسلام الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو السياسي، أو القانوني، ونحو ذلك؛ لأن هذه الأنظمة إنما ينتفع بها المؤمنون بها، وبأنها من عند الله. أما من لا يؤمن بها، فيجب أن نعرض عليه "العقيدة أولا" حتى يؤمن بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، وبالشريعة حاكمة."
قال سيد أن على الدعاة أن ينهضوا بدعوة الناس إلى فهم كلمة التوحيد والتركيز عليها حيث أن مثل هذا الواقع المرير قد يكون قد زعزع المستقرات من المعاني في عقول الكثيرين، وأن ما أن ينجاى الصدأ عن القلوب بفهم أبعاد التوحيد الحقة فإن الصراع سينحسم أسرع ألف مرة مما لو اصطنعنا الحديث عن عدالة الإسلام ورحمة الإسلام وغيرها من الأبعاد الإجتماعية ..
"وهذا ما أشار إليه في كتابه "المعالم" وفصله في كتاب "الإسلام ومشكلات الحضارة". وشبه مجتمعاتنا اليوم بمجتمع مكة في عهد الرسالة، وأن الرسول لم يعرض عليه النظام والتشريع، بل عرض عليه العقيدة والتوحيد."
وماذا في هذا الفرض إن كان لم يعلن تكفير الأفراد عامة بل هو مجرد استنتاج من هؤلاء البشر ينبني على أنه دعا إلى الدعوة إلى التوحيد وتجديده في النفوس، كما فعل وهذا دوران في الدليل (أو دور الدليل) كما يقول أصحاب علم الجدل والمناظرة لا محل للتوسع فيه هنا على أي حال، وقد فعل ذلك محمند بن عبد الوهاب من قبل حين دعا إلى نبذ عبادة القبور وإلى التحاكم للشريعة فهل كان هو كذلك من مكفّري الأمة؟؟
"كما رأى عليه رحمة الله أن لا معنى لما يحاوله المحاولون من علماء العصر لما سموه "تطوير" الفقه الإسلامي أو "تجديده" أو "إحياء الاجتهاد" فيه؛ إذ لا فائدة من ذلك كله ما دام المجتمع المسلم غائبا، يجب أن يقوم المجتمع المسلم أولا، ثم نجتهد له في حل مشكلاته في ضوء واقعنا الإسلامي. وقد ناقشت أفكاره عن "الاجتهاد" وعدم حاجتنا إليه قبل أن يقوم المجتمع الإسلامي، في كتابي "الاجتهاد في الشريعة الإسلامية" وبينت بالأدلة خطأ فكرته هذه. وكما ناقشت الشهيد سيد قطب في رأيه حول قضية "الاجتهاد" ناقشته في رأيه في "الجهاد" وقد تبنى أضيق الآراء وأشدها في الفقه الإسلامي، مخالفا اتجاه كبار الفقهاء والدعاة المعاصرين، داعيا إلى أن على المسلمين أن يعدوا أنفسهم لقتال العالم كله، حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون! وحجته في ذلك آيات سورة التوبة (أليس في سورة التوبة وآياتها حجة كافية!!!)، وما سماه بعضهم "آية السيف" (بعضهم الذي يذكره الشيخ بصيغة المبني للمجهول لخفض ذكره هو ابن القيم وابن كثير وغيرهما من عتاة المفسرين! فتأمل!) ولم يبال بمخالفة آيات كثيرة تدعو إلى السلم، وقصر القتال على من يقاتلنا، وكف أيدينا عمن اعتزلنا ولم يقاتلنا، ومد يده لمسالمتنا، ودعوتنا إلى البر والقسط مع المخالفين لنا إذا سالمونا، فلم يقاتلونا في الدين، ولم يخرجونا من ديارنا، ولم يظاهروا على إخراجنا."
سبحان الله العظيم !! الشيخ يقول بمنتهى الصراحة أن القرآن يخالف بعضه بعضاً!!! أيقصد في قوله "مخالفة آيات كثيرة" أي مخالفتها لآيات سورة التوبة؟ وهو الواضح من السياق، أم مخالفتها لفهم سيد لآيات التوبة ولم يأت هنا بدليل على الفهم الصحيح لآيات التوبة واكتفى بأن هناك الكثير مما يخالف (الله أعلم ماذا!؟) لآيات التوبة!!!!!! ويلغي في الوقت نفسه جهاد الطلب وهو مما استقر عليه الشرع بل من المعلومات من الدين بالضرورة كما في سيرة الرسول صلى الله ليه وسلم وسير خلفائه الأبرار، وأين قتال الفرس والروم من جهاد من اعتدى علينا؟ ولكنه الهوى الذي يردي بصاحبه!!
هذه الآيات حق لا شك فيها ولكن هي في موضعها من التطبيق حسب الظروف والأحوال، فالأمر أمر مرحلية هذه الأحكام وتنزيلها على مناطاتها.
"والأستاذ سيد رحمه الله يتخلص من هذه الآيات وأمثالها بكلمة في غاية السهولة أن هذه كان معمولا بها في مرحلة، ثم توقف العمل بها، والعبرة بالموقف الأخير، وهو ما يعبر عنه الأقدمون بالنسخ، وقولهم (من هم الذين تعنيهم بقولك – وقولهم - ولا تأخذ برأيهم وتلقي به عرض الحائط وتذكرهم بالمبني للمجهول يا شيخ، هم أعلام التفسير على مرّ العصور!! ثم تأخذ على سيد ظلما أنه هاجم بعض المحدثين من العلماء وأشباههم!!!!) في هذه الآيات: نسختها آية السيف."
لا إله إلا الله !! سيد لم يتخلص من هذه الآيات بقوله بالنسخ، بل إن قرأت كتبه تعلم أنه مما أْخذ على سيد في بعض أقواله أنه لا يرى النسخ في القرآن بشكل عام. بل أنت تخلصت من آية السيف في التوبة حتى بدون دعوى النسخ إذ لا يصح نسخ المتأخر بالمتقدم، ولكن تخلصت منها دون دليل!!)
"ولا أدري كيف هان على سيد قطب -وهو رجل القرآن الذي عاش في ظلاله سنين عددا يتأمله ويتدبره ويفسره- أن يعطل هذه الآيات الكريمة كلها، وأكثر منها في القرآن، بآية زعموها آية السيف؟ وما معنى بقائها في القرآن إذا بقي لفظها وألغي معناها، وبطل مفعولها وحكمها؟!"
مرة أخرى لمن لا يفهم من المرات الأولى! لم يلغها سيد ولكنه رآى بحق أن كل آية تعمل في مناطها، فآيات كفوا أيديكم لها مناط تعمل فيه، وآيات أذن للذين ظلموا لها مناط تعمل فيه، وآيات وقاتلوا الذين يقاتلونكم لها مناط تعمل فيه وآيات قاتلوا المشركين كافة لها مناط تعمل فيه، فأين الخلاف في هذا يا فقيه عصرك!!
"ويقول الشهيد رحمه الله: إننا لا نفرض على الناس عقيدتنا، إذ لا إكراه في الدين، وإنما نفرض عليهم نظامنا وشريعتنا، ليعيشوا في ظله، وينعموا بعدله. ولكن بماذا نجيب الناس إذا قالوا لنا: إننا أحرار في اختيار النظام الذي نرضاه لأنفسنا، فلماذا تفرضون علينا نظامكم بالقوة؟ إن كل شيء يجرعه الإنسان تجريعا رغم أنفه يكرهه وينفر منه، ولو كان هو السكر المذاب، أو العسل المصفى!."
نقول لهم ما قاله لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أوحى اليه ربه: أن لا وألف لا: لن نرضى بنظام يحكم الناس غير نظام الله إن كنا قادرين على تغييره، أما إن كنا لا نقدرعلى تغييره، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها!!!
"وما الحكم إذا كنا نحن -اليهود أو النصارى أو الوثنيين- أصحاب القوة والمنعة، وأنتم الضعفاء في العدة أو الأقلون في العدد؟ هل تقبلون أن نفرض عليكم نظامنا ومنهج حياتنا؟ كما هو شأن أمريكا اليوم، وتطلعاتها للهيمنة على العالم؟."
لا حاجة للإستفتاء في هذا فهذا هو الواقع يا فقيه الأمة، إذ إنهم يفرضون نظامهم علينا فرضا أم أن هذا أمر لم تلاحظه، أم تدعى أن اليهود والنصارى يتركون المسلمين يحكمون بشريعتهم، وأين يحدث هذا في العالم، ما هذا الخلط والخبط؟
"ومما ننكره على الأستاذ سيد رحمه الله أنه يتهم معارضيه من علماء العصر بأمرين: الأول: السذاجة والغفلة والبله، ونحو ذلك مما يتصل بالقصور في الجانب العقلي والمعرفي. والثاني: الوهن والضعف النفسي، والهزيمة النفسية أمام ضغط الواقع الغربي المعاصر، وتأثير الاستشراق الماكر مما يتعلق بالجانب النفسي والخلقي. والذين يتهمهم بذلك هم أعلام الأمة في العلم والفقه والدعوة والفكر، ابتداء من الشيخ محمد عبده، مرورا بالشيخ رشيد رضا، والشيخ جمال الدين القاسمي، والشيخ محمد مصطفى المراغي، والمشايخ: محمود شلتوت، ومحمد عبد الله دراز، وأحمد إبراهيم، وعبد الوهاب خلاف، وعلي الخفيف، ومحمد أبو زهرة، ومحمد يوسف موسى، ومحمد المدني، ومحمد مصطفى شلبي، ومحمد البهي، وحسن البنا، ومصطفى السباعي، ومصطفى الزرقا، ومحمد المبارك، وعلي الطنطاوي، ومعروف الدواليبي، والبهي الخولي، ومحمد الغزالي، وسيد سابق، وعلال الفاسي، وعبد الله بن زيد المحمود، ومحمد فتحي عثمان، وغيرهم من شيوخ العلم الديني. هذا فضلا عن الكتاب والمفكرين "المدنيين" الذين لا يحسبون على العلوم الشرعية، من أمثال: د. محمد حسين هيكل، وعباس العقاد، ومحمد فريد وجدي، وأحمد أمين، ومحمود شيت خطاب، وعبد الرحمن عزام، وجمال الدين محفوظ، ومحمد فرج، وغيرهم وغيرهم في بلاد العرب والمسلمين."
الأستاذ سيد لم يذكر أحدا باسم، وهو تكتيك رخيص أن تضع على فم الرجل أسماء ناس من الناس لتستعدى عليه المشاعر، وإنما هو قال أن هناك الكثير من المسلمين "الطيبين" ووضع كلمة الطيبين بين قوسين، ليدل بها على غفلة عند البعض أو إغراض عند البعض أو ترخص عند البعض، ومن هذه الشخصيات ما فيها كل هذا بالفعل، ولكن تسمية الناس هي من عمل القرضاوي لا من عمل سيد، فسيد أكبر من مثل هذا الصغار.
"وقد حدثني الأخ د. محمد المهدي البدري أن أحد الإخوة المقربين من سيد قطب -وكان معه معتقلا في محنة 1965م- أخبره أن الأستاذ سيد قطب عليه رحمة الله، قال له: إن الذي يمثل فكري هو كتبي الأخيرة: المعالم، والأجزاء الأخيرة من الظلال، والطبعة الثانية من الأجزاء الأولى، وخصائص التصور الإسلامي ومقوماته، والإسلام ومشكلات الحضارة، ونحوها مما صدر له وهو في السجن، أما كتبه القديمة فهو لا يتبناها، فهي تمثل تاريخا لا أكثر. فقال له هذا الأخ من تلاميذه: إذن أنت كالشافعي لك مذهبان: قديم وجديد، والذي تتمسك به هو الجديد لا القديم من مذهبك. قال سيد رحمه الله: نعم، غيرت كما غير الشافعي رضي الله عنه. ولكن الشافعي غير في الفروع، وأنا غيرت في الأصول!. فالرجل يعرف مدى التغيير الذي حدث في فكره. فهو تغيير أصولي أو "إستراتيجي" كما يقولون اليوم."
هذا حوار سخيف وقصة عقيمة لا دلالة فيها، فإن كتب سيد القديمة تمثل فكرا غير إسلامي بالمعنى الدعوي، بل فكر كفكر العقاد ومحمد حسين هيكل ممن أسماهم القرضاوي نفسه "الكتاب المدنيين الذين لا يَُـعَدّون على العلوم الشرعية"، من هذا المنطلق تخلى سيد عن كتبه القديمة وتبنى كتبه الحديثة وهو حين يقول أنه غير في الأصول يقول أنه غير في فهمه الخاص للأصول كما غـّير الشافعي في إجتهاده في الفروع، والشافعي لم يقصد أنه غير الفروع ذاتها بل غير إجتهاده هو، كذلك سيد يقصد أن الأصول كانت وستظل دائما كما هي ولكنه أدرك حقيقتها، لا كما يحاول شيخ الأمة القرضاوي أن يوحي أن سيد يغيّر في أصول دين هذه الأمة!!!
تحدثت عن عالـمِ جــللٍ***حديثا عارِ عن الحيـاءِ
تروّج سلعة مضمونـها***عرفناه من قبلَ بالإرجاءِ
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: