في عصر العولمة، في زمن السماء المفتوحة، تتساقط علينا الفتن من الفضائيات كما ينهمر المطر غزيرا متتابعا، فما من بلدة من بلدان المسلمين إلا وتزخر بالأطباق والهوائيات التي تعبر عن غزوة شرسة تأتينا من الفضاء محملة بصنوف من الفتن ولقد تنبأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الواقع المرير، حين صعد قمة عالية فنظر في البيوت وقال: إني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع المطر. والحديث رواه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: أشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - على أطم من آطام المدينة، فقال: «هل ترون ما أرى؟ » قالوا: لا، قال: «فإني أرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر».
وإذا كان شراح هذا الحديث قد حملوا هذا على الفتن التي وقعت بالمدينة بعد مقتل عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان - رضي الله عنهما - لم يقع ببال أحد من أهل العلم قديما ولا خطر على قلبه أن تظهر مثل هذه القنوات، وأن تكون هناك شبكة للمعلومات تسع الدنيا بأسرها وتطل على الناس بالغث والسمين، والطالح والصالح.
التنصير يطل بوجهه القبيح
أصبح التبشير بالنصرانية في زماننا هذا سهلا ميسورا، مواقع للتبشير، وقنوات فضائية عديدة تنفق المليارات على التبشير المسيحي وتقتحم البيوت، ويشاهدها أبناؤنا وبناتنا من غير حرج، بل إن بعض هذه القنوات تتبنى منهج السب والطعن في القرآن الكريم وفي نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم - وتصفه بأقبح الأوصاف.
ونجد بعض المسلمين يشكو ويقول لماذا لا تردون على هذا الهجوم السافر على دين الله - عز وجل -؟
الـدجـالــون
نوع آخر من القنوات يقوم على الدجل والشعوذة ويستغل البسطاء من المسلمين فيوقعهم في ألوان من الشرك كبيره وصغيره، ويسطو على أموالهم بألوان من الخداع والتضليل، والمشاهدون يتهافتون على هذه القنوات كما يتهافت الفراش على النار يحوم حولها ويسقط في أتونها.
هذا مع أن ربنا- تبارك وتعالى -حذرنا هذا الدجل وأخبرنا أن السحرة يتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ويسعون للتفريق بين المرء وزوجه فقال - تعالى -: {ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون * واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولـكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} (البقرة: 101، 102).
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحذرنا إتيان الكهان ويقول: «من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ».
ويقول معاوية بن الحكم السلمي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «منا أناس يأتون الكهان. فقال - صلى الله عليه وسلم -: لا تأتهم».
قنوات تبث الفواحش والضلالات
وأكثر القنوات تبث المشاهد الخليعة والصور الفاضحة والأغاني الماجنة والأفلام والمسلسلات الهابطة، ولا بأس أن يتخللها برامج الأبراج وتوقع الحظ وادعاء العلم بما يكون في غد من أمور الغيب، وبرامج تفسير الأحلام، والقنوات التي تخاطب أطفالنا وتشكل عقولهم ووجدانهم، فضلا عن القنوات الرياضية، وبعض هذه القنوات لا يتم استقباله إلا بعد دفع اشتراكات مالية ومع هذا فالناس اليوم يتهافتون عليها بصورة أو بأخرى ويستوي في ذلك الفقراء والأغنياء ولكن الأعجب من هذا كله أن تجد قنوات للدعارة والجنس تدعو صراحة للممارسات المحرمة عن طريق التواصل بالهاتف، وإني لأعجب كيف تدخل هذه القنوات بيوتا تمتلئ بالشباب من الجنسين ذكورا وإناثا، وما الذي ينتظر يرجى من وراء هذا الخبث، وقد عادت صاحبات الرايات الحمر يقتحمن البيوت، وينشرن البغاء ويدخلن غرف النوم عبر هذه القنوات والفضائيات التي أصبحت «فضائحيات».
أضف إلى هذا كله قنوات البدع والضلال التي تروج للفكر الشيعي الرافضي وتنظر له.
ولكن الذي أدهشني أن أجد قناة تدعو للإسلام على الطريقة القاديانية أو الأحمدية وهي التي تدعى إم تي إيه MTA3 أي تليفزيون المسلم الأحمدي، وتبث بعدة لغات منها العربية، وهذا ما يدعونا للتعرف مجددا على هذه الطائفة وعلى ظروف نشأتها وتطورها وانتشارها والتبشير بها، وما يبث اليوم في هذه القناة، ما له وما عليه.
نشأة القاديانية:
القاديانية حركة نشأت في الهند، زعم مؤسسها أنه مجدد جاء برؤية جديدة لدين الإسلام، ومؤسسها هو مرزا غلام أحمد القادياني نسبة إلى بلدة يقال لها قاديان، ثم ادعى هذا المجدد أنه المهدي المنتظر والمسيح الموعود الذي يكون على يديه ظهور الدين والنصر المبين، ثم ادعى بعد ذلك أنه نبي يوحى إليه وأنه أفضل النبيين، وانقسم القاديانيون إلى قسمين، قسم يدعي نبوته، وقسم آخر يرفض دعوى النبوة ويراه مجددا وأنه هو المهدي المنتظر والمسيح الموعود، وهؤلاء هم جماعة لاهور الأحمدية، وهذا هو الذي يبشرون به وينشرونه من خلال القنوات الفضائية التي أنشئت في لندن، ثم بدأت البث باللغة العربية من خلال التليفزيون الإسلامي الأحمدي MTA
ولما مات غلام أحمد سنة 1908 بعد أن أسس جماعته بثمان سنوات بايعوا الخليفة الذي يسمونه أمير المؤمنين، وقد صنف تفسيرا للقرآن الكريم زعم فيه أن الله أوحى إليه بقوله - تعالى -: «اعملوا آل داود شكرا» بما يعني أنه سيصبح خليفة للمهدي، وزعيمهم الذي يلقبونه أمير المؤمنين اليوم يتحدث الإنجليزية بطلاقة ويخطب باللغة الإنجليزية، وإن كان يقرأ الآيات والأحاديث بلكنة عربية ركيكة، وله برنامج في هذه القناة بعنوان حديث إلى العرب.
لقد قرأت عن القاديانية كدعوة منحرفة عن الدين يحميها المستعمر ويشجعها، وتابعت الفتاوى العديدة التي حكمت بكفر منتحليها، من ذلك قرار رابطة العالم الإسلامي في جلستها المنعقدة بمكة المكرمة في ربيع الأول 1394هـ إبريل 1974م الذي أعلن كفر هذه الطائفة وخروجها عن الإسلام، وكذلك قرار البرلمان - مجلس الأمة - الباكستاني باعتبار القاديانية أقلية غير مسلمة.
القاديانية والتقية
ويبدو أن القاديانية قد أخذت عن الشيعة مبدأ التقية، أو أن القائمين على هذه القناة الفضائية ينتحلون فكر جماعة لاهور الذين لا يزعمون نبوة مرزا غلام أحمد لأنهم يرددون دائما هذا الشعار على قناتهم ونصه كالتالي:
إنا نحن مسلمون نؤمن بالله الفرد الصمد الأحد قائلين لا إله إلا هو، ونؤمن بكتاب الله القرآن، ورسوله سيدنا محمد خاتم النبيين، ونؤمن بالملائكة، ويوم البعث والجنة والنار، ونصلي ونصوم ونستقبل القبلة، ونحرم ما حرم الله ورسوله، ونحل ما أحل الله ورسوله، ولا نزيد على الشريعة ولا ننقص منها مثقال ذرة، ونقبل كل ما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن فهمنا أو لم نفهم سره ولم ندرك حقيقته.
ويوردون مع هذا البيان صورة لإمامهم مكتوب تحتها «الإمام المهدي والمسيح الموعود - عليه السلام -».
ملاحظات على برامج القناة
ومما لاحظته على البرامج التي تبثها هذه القناة ما يلي:
أولا: هذا البيان الذي يؤكدون فيه على إيمانهم بالله وبكتابه وبرسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - خاتم النبيين.
ثانيا: يعظمون أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقرون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم.
ثالثا: يعتبرون زوال الخلافة بعد الراشدين الأربعة حتى جددها خلفاء إمامهم.المهدي والمسيح الموعود.
رابعا: يردون على الشيعة الروافض، وسمعت أميرهم ينتقد قول الشيعة بزواج المتعة.
خامسا: يقدمون برنامجا حواريا يناقشون فيه عقائد النصارى ويردون على زكريا بطرس افتراءاته على الإسلام وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد افتتن كثير من عوام المسلمين بهذه القناة بسبب هذا البرنامج.
سادسا: يوافقون النصارى في عقيدة صلب المسيح إلا أنهم يقولون إنه لم يمت على الصليب بل توفاه الله ورفعه إليه وطهره من الكافرين.
سابعا: يناقشون بطريقة عقلية المعجزات الواردة في القرآن، ويزعمون أن البحر لم ينشق بعصا موسى وإنما سلك موسى طريقا في البحر يابسا فيه بعض الارتفاع للأرض كما قال - تعالى -: {ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى} (طه: 77).
ويقول لما سار فرعون في هذا الطريق جاء المد فأغرق فرعون، ولا أدري ماذا يصنعون بقول الله - تعالى -: {فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم } (الشعراء: 63).
ويقولون إن الهدهد في سورة النمل في قوله - تعالى -: {وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} (النمل: 20) رجل اسمه هدهد، والنملة امرأة اسمها نملة، وأن قول إبراهيم - عليه السلام- أرني كيف تحيي الموتى كناية عن استفساره كيف يدعو قومه ويحيي موات قلوبهم....إلخ.
ثامنا: يزعمون أن وعد رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - بعودة الخلافة على منهاج النبوة كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم يكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ثم سكت» يزعمون أن هذا الوعد قد تحقق بإمامهم المهدي ومسيحهم الموعود وأنه أعلن أن هذا الأمر سيبقى على الأقل لمدة ألف سنة.
ويقولون: زالت خلافة النبوة بمقتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وفقدت الأمة الخلافة، ولم يبق إلا خلافة المجددين على رأس كل مائة سنة يبعث الله للأمة من يجدد دينها، ثم جاءت الخلافة على منهاج النبوة بظهور الإمام المهدي والمسيح الموعود وستبقى على أقل تقدير ألف عام.
تاسعا: في موضوع السحر يقولون بقول المعتزلة ويقول قائلهم أكثر ما يقوله المعتزلة صحيح، وأكثر ما يقوله أهل السنة أو أكثر أهل السنة باطل، ويضعفون حديث البخاري في قصة سحر النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأخيرا.. بعد ما رأينا عوام المسلمين يفتتنون بمثل هذه القناة كان لا بد من التحذير، وأزعم أن كل ما ذكرته في هذا المقال مما شاهدته أو سمعته بنفسي لم ينقله لي أحد.
ولا يبقى في هذا الزخم الإعلامي إلا ما تبثه قنوات أهل السنة مثل: قنوات المجد، وقناة الحكمة، وغيرها، نفع الله بها ووفق القائمين عليها إلى ما يحبه ويرضاه.
الرويبضة.. والصحافة الصفراء!:
وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول: «سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة» قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتحدث في أمر العامة». صحيح ابن ماجه.
وقد سألني كثير من الناس الغيورين على الدين عما سطرته «الصحافة الصفراء»؛ من إساءات وبذاءات عن التوحيد وأهله، فقالوا: ألا ترد على هذه الصحيفة؟ قلت: لو كل كلب عوى ألقمته حجرا لكان وزن الذر مثقالا بدينار والله من وراء القصد.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: