يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
التأريخ لحركة تحرير المرأة التي بدأت في مصر، والتي انتشرت منها في جميع البلاد العربية والإسلامية يرتبط بالحملة الفرنسية التي جاءت إلى مصر عام 1789 م وحملت معها الأفكار التي تحض المرأة على التحرر والتمرد. وقد جاء الفرنسيون بنسائهم معهم، فكن يسرن في الشوارع سافرات، يركبن الخيول والحمير ويسوقونها سوقا عنيفا مع الضحك والقهقهة ويداعبن سائقي الحمير وحرافيش العامية. فاتخذنهم النساء الأسافل من المصريات قدوة وصرن يقلدهن ويفعلن مثلهن، وحينما دخل الفرنسيون حي بولاق وفتكوا بأهلها وغنموا أموالهم، أخذوا ما استحسنوه من النساء والبنات أسيرات عندهم، فألبسوهن زي نسائهم...
هذا ما سجله الجبرتي مؤرخ هذه الحقبة من تاريخ مصر.
ولما جاء محمد على، ورغم أنه لم يؤسس مدارس حكومية لتعليم البنات، إلا أنه استقدم نساء أوربيات لتعليم بناته في قصره، ثم قلده بعد ذلك علية القوم.
- وكان أول كتاب يحمل دعوة لتحرير المرأة هو كتاب مرقص فهمي (المحامي النصراني) عام 1894 م وكان بعنوان "المرأة هي الشرق" وقد دعا فيه إلى نزع الحجاب وإباحة الاختلاط وتقييد الطلاق، ومنع الزواج بأكثر من واحدة.
- وفي عام 1899م أصدر قاسم أمين كتابه الأول "تحرير المرأة" أكد فيه أن حجاب المرأة الذي كان سائدا حينئذ ليس من الإسلام، وأن الدعوة إلى السفور ليست خروجا على الدين ونصوص الشرع.
- وفي عام 1900م أصدر قاسم أمين كتابه الثاني "المرأة الجديدة" الذي كرر فيه أفكاره السابقة ودعا إلى سفور المرأة.
و كانت كتابات قاسم أمين – على حد قول كثير من الباحثين الإسلاميين والعلمانيين – بتشجيع من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول ولطفي السيد.
دور الاستعمار والنصارى
وظلت الحركة النسائية في مصر والمتمثلة في تعليم النساء والدعوة إلى سفورهن ونزع الحجاب والتحرر من أحكام الشريعة الإسلامية مرتبطة بالجاليات الأجنبية وبالاستعمار، فقد أنشئ في مصر عام 1835م أول مدرسة أجنبية للبنات على يد المستر ليدز ( وهو أحد المنصرين الإنجليز).
- ثم أسست راهبات المحبة مدرسة لتربية البنات عام 1846م وأسست الراهبات الفرنسيسكان مدرسة للبنات بالقـاهرة عام 1859م، ومدرسة ثانية ببولاق عام 1868م، ومدرسة ثالثة بالمنهورة عام 1872م.. وتكبدت هذه المدارس الكثير من المتاعب من أجل جذب بنات المصريين إليها.
ومما ساهم في تأجيج حركة تحرير المرأة، ظهور موجة من المطبوعات النسائية بدأت عام 1892م حينما أصدرت هند نوفل مجلة "الفتاة".. وهند تنتمي إلى أسرة لبنانية أقامت بالإسكندرية وتخرجت من إحدى مدارس الراهبات بها.
- وفي عام 1896 م ظهرت مجلة نسائية أخرى هي "الفردوس" لصاحبتها لويزا حابلين التي جاءت مع عائلتها من الشام، وفي آخر عام 1896 ظهرت مجلة "مرآة الحسناء" التي أصدرها "سليم سركيس"، وفي بداية القرن العشرين أنشأت "لبيبة هاشم" مجلة "فتاه الشرق" وكانت تباع في مدارس مصر وسوريا ولبنان.
كما أصدر اتحاد النساء المصريات عام 1925 م مجلة "المصرية" وأصدرت رابطة فتيات النيل مجلة "المرأة الجديدة".
رجال صالون نازلي فاضل
نظمت الأميرة "نازلي فاضل" صالونا ثقافيا لأصدقائها من المثقفين المصريين الذين يؤمنون بحركة تحرير المرأة.. وكان من أهم أعضاء هذا الصالون الشيخ "محمد عبده"، و"سعد زغلول" و"قاسم أمين".
والغريب أن هذا الثلاثي هو الذي قاد حركة التحرير هذه... فالقيادة الثقافية كانت لقاسم أمين، والقيادة الدينية كانت للشيخ محمد عبده، والقيادة السياسية كانت لسعد زغلول، وقيادة قاسم أمين معروفة من خلال تفجيره المعركة بكتابيه "تحرير المرأة" و"المرأة الجديدة"..
وكثير من المحققين يذهب إلى أن كتاب "تحرير المرأة" هو بقلم وفكر الشيخ محمد عبده، ولكنه فضل أن يتوارى خلف اسم صديقه قاسم أمين، ومن هؤلاء المحققين د. محمد عمارة في تحقيقه للأعمال الكاملة للشيخ محمد عبده.
وهناك محققون آخرون يرون أن كتاب "تحرير المرأة" نبت في حديقة أفكار الشيخ محمد عبده، وبه عبارات للشيخ كتبها عن حقوق المرأة في مقالات مجلة "الوقائع المصرية"... وفي تفسيره لآيات أحكام النساء.
أما الزعيم السياسي "سعد زغلول" فلم يترك فرصة يروج فيها لتحرير المرأة إلا اغتنمها، لدرجة أنه اشترط على النساء اللواتي كن يحضرن لسماع خطبه أن يزحن النقاب عن وجوههن، ثم كان هو أول من نزع الحجاب عن المرأة المصرية عندما دخل في إثر عودته من المنفي إلى سرادق المستقبلات من النساء فاستقبلته هدى شعراوي بحجابها، فمد يده ونزع الحجاب عن وجهها وهو يضحك واتبعتها النساء فنزعن الحجاب بعد ذلك.
وكذلك فعلت زوجته "صفية زغلول"، ابنة مصطفي فهمي باشا، رئيس الوزراء وقتئذ، وأشهر صديق للإنجليز عرفته مصر.
هدى شعراوي والاتحاد النسائي
هدى شعراوي هي ابنة محمد سلطان باشا الذي خان الثورة العرابية وكان يرافق الإنجليز عند دخولهم القاهرة محتلين، وقد اشتركت هدى شعراوي في ثورة 1919م... وأسست الاتحاد النسائي في عام 1924م بعد عودتها من مؤتمر الاتحاد النسائي الدولي الذي عقد في روما 1922م... والذي نادى بمجمل مبادئ حركة تحرير المرأة المعروفة. وقد مهد هذا الاتحاد لعقد مؤتمر الاتحاد النسائي العربي عام 1944م... الذي رحبت به الولايات المتحدة وبريطانيا.
-على خطى هدى شعراوي
وكانت "سيزا نبراوي" صديقة هدى شعراوي زميلتها على درب الحركة النسائية وأكملت المشوار بعدها، ثم جاءت "درية شفيق" التي سافرت إلى فرنسا وإنجلترا وحصلت على الدكتوراه وشكلت بعد عودتها حزب "بنت النيل" عام 1949م بدعم من السفارتين الأمريكية والبريطانية، وكان لها حضور بارز بعد الثورة في هذا المجال.
وعلى خطى "هدى شعراوي" جاءت د. "سهير القلماوي" التي تربت في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وتنقلت بين الجامعات الأمريكية والأوربية ثم عادت للتدريس في الجامعات المصرية.
ثم جاءت "أمينة السعيد" التي رأست مجلة حواء... وكانت جريئة في الهجوم على أحكام الإسلام والأعراف الإسلامية.
وورثت د. "نوال السعداوي" الراية.. وهي أكثر تطرفا في الهجوم على كل ما ينتسب للإسلام بصلة.. ومن جملة خرافاتها أن الحج شعيرة وثنية.
في مواجهة حركة تحرير المرأة
وقف الأزهر ضد ما في حركة تحرير المرأة من تصادم مع الشريعة الإسلامية... فكان مع تعليم المرأة، ولكنه لم يكن مع خروجها واختلاطها بالرجال، كما وقف ضد الدعوة إلى حظر تعدد الزوجات وتقييد الطلاق.
ومنذ أن ظهرت دعوة قاسم أمين للعلن عارضها نفر من ذوي الاتجاه الوطني مثل الزعيم مصطفي كامل الذي رأى أن أفكار قاسم أمين ضد الشريعة الإسلامية وتخدم الاستعمار الإنجليزي.. كما ألف الاقتصادي المصري الكبير محمد طلعت حرب كتابه "تربية المرأة والحجاب" للرد على قاسم أمين وتفنيد أفكاره التي لا تخدم التحرير الوطني.
قاسم أمين تاجر شنطة
الأدبية والكتابة الإسلامية "صافيناز كاظم" تعترض على وصف قاسم أمين بأنه "محرر المرأة".. لأنه كان مشغولا بقضية التغريب أكثر من انشغاله بقضية تحرير المرأة.
في كتابي قاسم أمين "تحرير المرأة" و "المرأة الجديدة" قال إن مصر كان أمامها طريقان: محاكاة أوروبا أو العودة إلى الإسلام... وقد اختارت مصر محاكاة أوروبا... فهو لم يقل التمثل بأوروبا أو الإقتداء بالنماذج الطيبة هناك.. وإنما قال "محاكاة".. وفي كل كتابات قاسم أمين كانت هذه هي نقطة اهتمامه الرئيسية. وكان لابد أن يكون هناك لافتة براقة لقضية التغريب وهى قضية المرأة... لأن قاسم أمين كان "تاجر شنطة" ثقافية ولم يكن صاحب رؤى أصيلة، والبداية الإسلامية الصحيحة في قضية المرأة بدأها الشيخ حسن البنا... فقد كانت هناك جمعية "السيدات المسلمات" التي كانت ترأسها الداعية زينب الغزالي... فمد لها يده لدمج العمل، لأنه لا شيء اسمه الرجال وحدهم والنساء وحدهن... وقد كانت هذه لفتة ذكية ومتطورة من حسن البنا.
بينما كانت بداية قاسم أمين خطأ.. كانت بداية "ملك حفني ناصف" بداية صحيحة.... وكانت معاصرة لقاسم أمين.. وكانت دائماً تهاجم دعوته... وكان لها برنامج بديل ومتكامل في تهذيب المرأة المصرية وتطويرها وتعليمها.
دور استعماري مشبوه
أما د. "سعاد صالح" ـ أستاذة الفقه بجامعة الأزهر ـ فترى أن حركة تحرير المرأة تحمل الكثير من الأفكار المعادية للإسلام... ورموز هذه الحركة وضعوها في مواجهة الإسلام، فلم يحرصوا أن يكونوا متوافقين مع تعاليم الإسلام، فقد تصوروا أن الإسلام هو مصدر لقهر المرأة وإذلالها. ومشكلتهم أنهم لم يفهموا الإسلام وتعاليمه فهماً عميقاً متكاملاً... وفي الوقت الذي أصدر فيه قاسم أمين كتابيه اللذين دشن بهما أفكار الحركة... في هذه الأثناء.. ألّف الإيطالي "أومتليو جوريو" كتابه "ثورة النساء في الإسلام" ووصف كتابي قاسم أمين أنهما ذوى طابع ثوري خطير... وقال إن تعاليم القرآن في موضوع المرأة أحفظ لكرامتها من أفكار قاسم أمين.
فالإسلام حض على تعليم المرأة ومشاركتها في جوانب الحياة المختلفة وحذر في ذات الوقت من الاختلاط المحرم وعدم الحياء، ونحن نعترف بأن الأمة تعرضت لعصور جهل وظلام كثيرة نتيجة بعدها عن الدين، ولم تأت – كما يزعم هؤلاء – بسبب تمسكها بالدين، ورثت الأمة فيها بعض العادات التي ألصقها القوم بعد ذلك بالإسلام وهو منها بريء.
وحينما جاء الاستعمار كان كل همه هو تفكيك الأسرة المسلمة التي كانت أساس تماسك المجتمع الإسلامي. فعملوا جاهدين على تصدير أفكارهم في هذا الشأن إلينا... والعجيب أنهم لم يملوا في ذلك.. فما زالوا حتى الآن يتحدثون عن قهر الإسلام للمرأة وينادون بحقوق الإنسان وحقوق المرأة في المجتمعات الإسلامية على المنهج الغربي المنحرف.
الصحوة الإسلامية رد طبيعي
الدكتورة "نادية هاشم" ـ أستاذة الفقه بجامعة الأزهر ـ مازالت متفائلة، ولا يقلقها ما تطرحه حركة تحرير المرأة، وحجتها في ذلك الديناميكية الهائلة للإسلام، على مقاومة الضغوط والتغلب عليها، فرغم شراسة الحملة لتمرير ما يسمونه بقضية تحرير المرأة منذ وصول الحملة الفرنسية على مصر وحتى الآن، أي قرابة مئتي عام.... لم يفلحوا إلا في القليل، وكانت الصحوة الإسلامية التي اجتاحت العالم العربى والإسلامي، بل ووصلت إلى المجتمعات الأوروبية نفسها، خير رد على مخططاتهم.
فالفتاة العربية المسلمة بعد أن تعلمت وأصبحت طبيبة ومهندسة ومحامية وأستاذة في الجامعة ومعلمة وطالبة في الجامعة، وفي المرحلة الثانوية ارتدت الحجاب وضربت بأفكار حركة تحرير المرأة عرض الحائط، بل ووصل الحجاب إلى فرنسا وألمانيا ومختلف أنحاء أوروبا وأمريكا فلم يجد القوم إلا القوانين المقيدة للحريات لمواجهة الحجاب.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: