ليست الجماعات الإسلامية وحدها التي قامت بمراجعات لأفكارها وممارستها، ولكن أغلب أصحاب النظريات الفكرية يفعلون ذلك؛ لأن الأفكار المجردة تبدو براقة، وتبني عالمًا مثاليًّا، ولا تنكشف ثغراتها وجوانب الضعف والقوة أيضًا فيها إلا عند التطبيق، وفي الحقيقة تعد المراجعة الفكرية دليلًا على الشجاعة الأدبية والأمانة العلمية، وذلك لأن أصحابها يقدمون المحصلة النهائية لتجربتهم للأجيال الحالية والقادمة، ولا يخجلون من الاعتراف بأخطائهم ليستفيد منها الآخرون.
وبينما تحاول المرأة العربية السير قدمًا على خطي الفكر النسوي الغربي، وتعلن عن مكافآت لمن يكتب أبحاثًا تؤكد المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، نجد رائدات الفكر النسوي الغربيات يتراجعن عن شطط أفكارهن، ويكشفن عن مواطن الخلل والضعف فيها.
وتعد (فرجينيا وولف) الروائية البريطانية الشهيرة في النصف الأول من القرن العشرين، من أوائل من تركن أثرًا في بلورة الفكر النسوي، ولها رواية شهيرة بعنوان (أن يكون للمرء غرفة وحده)، تتخيل فيها أن هناك أختًا لشكسبير وكانت أنبغ منه، ولكن النظام الاجتماعي السائد قمعها ودفن موهبتها، ولو قدر لها أن تأخذ فرصتها مثله في التعليم وممارسة الإبداع لتفوقت عليه.
وترد عليها اليوم واحدة من رائدات الفكر النسوي الغربي (باميلا وانتروب) فتقول: تساوت الفرص في التعليم والعمل وممارسة الإبداع أمام النساء والرجال، ولم يؤد ذلك إلى تفوق واضح في مجالات الإبداع المختلفة، وما زالت هناك ندرة ملحوظة في عددهن.
وتقول أخرى تدعى (دوروثي سايرز) في بداية مراجعاتها: (من العلامات المميزة لأي حركة مهما كان نبل مقصدها أن روادها يميلون نتيجة اندماجهم في الإثارة إلى فقدان القدرة على رؤية ما هو واضح)، وتشرح وجهة نظرها تفصيليًّا بعد ذلك بأن الفروق بين الرجل والمرأة أكثر وضوحًا من أن يتم تجاهلها أو إنكارها.
وتقول (برودنس ماكنتوش): هل نجبر المرأة على الخروج للعمل إذا فضلت رعاية البيت؟ وتتساءل ألا يعد عملها الشاق ـ كربة بيت ـ متعدد الجوانب والقابل للإبداع (مهنة ووظيفة)؟! وتحكي تجربتها الطريفة في تنشئة ابنها وابنتها بنفس الأسلوب لغرس روح المساواة لديهم، وتتعجب أن الولد كان يستخدم سيارة الإسعاف اللعبة كسيارة سباق ويصطدم بها في أرجل الكراسي، أما البنت فقد استخرجت الدمية الصغيرة التي كانت موضوعة داخل السيارة كأنها المريض، وظلت ترعاها وتحنو عليها وتغير ملابسها.
لن نسترسل طويلًا مع التجارب الغربية، ولنتعرف على وضع المرأة المسلمة في ضوء الشريعة، هناك مساواة حقيقية بين الرجل والمرأة أمام الله سبحانه وتعالى، وقد قال تعالى في كتابه العزيز: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].
لم يمنع كونها امرأة من أن تُضرب كمثال للمؤمنين جميعًا لصدق إيمانها وصلاح عملها، ولم يشفع لفرعون كونه رجلًا وملكًا بسبب كفره وسوء عمله، إذن المقياس الوحيد والعادل أمام الله سبحانه وتعالى هو الإيمان والتقوى وحسن العمل، أما في الدنيا فالفروق بين الجنسين تؤدي إلى اختلاف الأدوار؛ لكي يتم التكامل والتعاون بينهما، ويكلف كل منهما بالدور الذي يناسبه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كل ميسر لما خلق له) [متفق عليه، البخاري، (4949)، ومسلم، (6903)].
ونلاحظ أن الطالبات في مراحل الدراسة المختلفة يحققن نجاحًا ملحوظًا، وربما يتفوقن على الطلاب، ولكن بعد الزواج والإنجاب تميل المرأة فطريًّا للاستقرار في البيت لرعاية طفلها وشئون بيتها، وإذا كان وصف علماء النفس لصفات العامل الناجح أنه من يؤدي وظيفة يحقق ذاته من خلالها، ويعود بالنفع على مجتمعه؛ فإن ربة البيت وفقًا لهذه المعايير تؤدي أشرف الوظائف على الإطلاق، فهي تربي وتنشئ أجيالًا جديدة، وتوفر لأسرتها البيئة الملائمة للإنجاز.
كما أن (التعاون) هو السمة الأساسية للمجتمع المتماسك، وليست الأنانية التي تدفع كل فرد للسعي وراء نجاحه الشخصي على حساب المجموع، وبالتالي فإن المرأة المتفرغة لأسرتها هي في الحقيقة شريكًا أساسيًّا لكل النجاحات التي يحققها أفراد الأسرة، والأم هي المخلوق الوحيد التي تسعد لنجاح ابنها أكثر من نجاحها هي.
هناك الكثير من النساء اللائي حققن نجاحًا في مجالات جعلت منهن نجومًا تحت الضوء، ولكن لم يجلب لهن ذلك السعادة والاستقرار وراحة البال والضمير، والأهم رضا الله عز وجل، وهناك الغالبية العظمى من النساء اللائي يعشن في الظل ويشعرن بكل معاني السعادة والرضا، فهي تعيش في ظل زوج محب، وأبناء بررة، وأسرة متماسكة ناجحة، يحيطونها بقلوبهم، وتحتويهم في عينيها.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: