الحصار الذي فرضه على غزة الصهاينة والأمريكان ومعهم أوروبا الصليبية، وللأسف بمشاركة أطراف عربية، والذي استمر قرابة عامين من أجل إنهاك شعب غزة وإعناته ودفعه للانفضاض عن حماس، وفي نفس الوقت معاقبة حماس ومن يدعمها على خيار وفكر المقاومة والجهاد، هذا الحصار الظالم هو نوع من الحرب بل من أشد أنواع الحروب، وعلى أقل تقدير هو حرب ابتدائية وتمهيدية من أجل إنهاك الناس وإضعاف مقاومتهم وتجويعهم وإمراضهم حتى إذا وقعت الحرب وتم شن العدوان تسقط غزة بسهولة.
المخطط إذًا صهيوني صليبي، وهو حلقة من حلقات الحروب الصليبية الصهيونية ضد الأمة العربية الإسلامية، فالنوايا الأمريكية والغربية باتت واضحة عن أي وقت مضى، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدما اتضحت أبعاد الحملات الصليبية الحديثة على يد بوش الابن.
فقبل ذلك كانت واشنطن تتحرك بشيء من الحياء والخبث وفي إطار الأمم المتحدة إلى تأتمر بأوامرها، وضمن هذا جاء حصارها على ليبيا وضربها وحصارها للعراق الذي استمر قرابة 15 سنة، أما بعد أحداث سبتمبر فقد تغير الوضع فلم تعد أمريكا في حاجة إلى غطاء دولي لشن الحرب على الإرهاب. ومن يومها صار العداء واضحاً ضد ما هو إسلامي سواء بالتأييد المكشوف والعلني والصريح للإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة إلى حد وصف شارون بأنه رجل سلام، وبمساعدة الفلبين في ضرب الجماعات الإسلامية لديها، وكذلك إرسال القوات الأمريكية إلى جورجيا لمواجهة المسلمين الأبخاز …الخ.
ولا عجب في هذا، فالغرب يعتبر الإسلام أنه بعد سقوط الشيوعية أصبح هو العدو الأول للصهيونية وأمريكا، وعلماء الغرب أنفسهم يقولون ذلك ومنهم صموئيل هنتنجتون الذي يقول إن الصراع القادم إنما هو بين الإسلام والغرب، وكذلك ريتشارد نيكسون في كتابه انتهزوا الفرصة حيث قسّم العالم العربي والإسلامي إلى ثلاث قوى الأولى موالية لأمريكا ولا تشكل خطورة والثانية القوة القومية والثالثة الأصولية الإسلامية، ومارجريت تاتشر أثناء رئاستها للحكومة البريطانية أكدت ذلك ومعها سكرتير عام حلف شمال الأطلنطي.
لكننا ينبغي أن نعلم أنه لو لم تكن الأمة فيها حياة لما قال الغرب ذلك، إن الانتفاضة الفلسطينية الأولى استمرت 7 سنوات وعلى أثرها جلست إسرائيل في مؤتمر مدريد، فالغرب يدرك مواطن القوة في الأمة ويريد أن يجعلها تحت السيطرة والحصار والاحتواء المستمر حتى لا تخرج من القمقم وتستعيد دورها الرسالي والتاريخي مرة أخرى.
إن موازين القوى عكست نفسها على المنظمات الدولية وحتى الميثاق في الأمم المتحدة أفرزته موازين القوى، فالدول التي أعدت الميثاق هي الدول التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية، وهذه الدول احتفظت لنفسها بمكان متميز في الأمم المتحدة، فمن ناحية هي أعضاء دائمة داخل مجلس الأمن الدولي ومن ناحية أخرى فإنها تملك حق الفيتو.
ومجلس الأمن يتكون من 15 عضواً منها 5 أعضاء دائمين، ولو أن 14 دولة وافقت على اتخاذ إجراء معين فإنه يتم إفشاله عن طريق استخدام حق الفيتو من إحدى الدول دائمة العضوية، وبالتالي فإن دولة واحدة تستطيع أن تشل إدارة المجتمع الدولي، وهذا معناه أن القانون الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية لا يمكن أن يعاقب دولة كبرى وإنما يعاقب فقط الدول الصغرى.
وعندما كان النظام الدولي ثنائي القطبية قبل انهيار الاتحاد السوفيتي أدى إلى أشياء حميدة وأخرى غير حميدة. فمن الأشياء غير الحميدة أنه أدى إلى شلل مجلس الأمن وخاصة بعد عدة اعتداءات حدثت من الدول الكبيرة مثل تدخل الاتحاد السوفيتي في المجر عام 1956 وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1958 وتدخل الولايات المتحدة في عدة دول في أمريكا اللاتينية، وفشل مجلس الأمن بسبب استخدام حق الفيتو ولم يتمكن من تأدية وظيفته وهي الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، ولم تتخذ تدابير ولا عقوبات اقتصادية باستثناء ما حدث في روديسيا وجنوب أفريقيا لظروف خاصة، وكانت عقوبات محدودة النطاق ولم تلزم بها دول كثيرة وخاصة الدول الغربية.
إن الأمم المتحدة في ظل النظام العالمي الجديد وبعد عام 1991 اتخذ سلوكها ثلاثة أنماط في إدارة الأزمة الدولية ،الأول هو النمط الاستبعادي: فهناك أزمات طويلة تهدد السلم والأمن الدوليين مثل الصراع العربي الإسرائيلي ولكن الأمم المتحدة كانت فيه مستبعدة تماماً .. رغم أن إسرائيل ارتكبت وترتكب كل يوم عدواناً وتنتهك الاتفاقات التي وقعت عليها ولم تستطع الأمم المتحدة أن تفعل شيئاً لا في البحث عن التسوية ولا في مقاومة العدوان.
والثاني هو النمط الافتعالي حيث تقحم الأمم المتحدة نفسها في أزمات لم تكن من اختصاصها مثل أزمة ليبيا وفرض العقوبات عليها لمجرد أن دولتين أخريين وجهتا اتهامات ضدها، في حين أن التصرف السليم كان إحالة الأمر إلى محكمة العدل الدولية لأن المشكلة لها جوانب قانونية .. وإلا فلماذا تم إنشاء محكمة العدل الدولية؟. كما أن اتفاقية مونتريال لسلامة الطيران المدني وأمريكا وبريطانيا وليبيا دول موقعة عليها، والمادة 14 فيها تلزم أطرافها أنه لو حدث نزاع بينهم فإنهم مطالبون باللجوء لمحكمة العدل الدولية. أما ما حدث من مجلس الأمن فكان تغليب الاعتبارات السياسية على الاعتبارات القانونية.
والثالث كان نمط الأزمات التي تنظر فيها الأمم المتحدة وتتخذ فيها إجراءات متشددة أو غير متشددة مثلما حدث في الصومال والبوسنة حسب موازين القوى. وبالتالي فإن قضية العقوبات لها علاقة بموازين القوى في المجتمع الدولي وهناك خلل في هذه الموازين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
والمسئولية تقع بشكل أو بآخر على الدول العربية في قضية حصار الدول العربية والإسلامية، فالحصار المفروض على غزة شاركت فيه بل وقادته مصر، ولو لعبت مصر دولاً إيجابيًا ما كان هناك حصار على غزة.
والدول العربية أيضًا التي فشلت في تسوية أزمة احتلال العراق للكويت عربياً وإرغام العراق على الجلاء عن الكويت وبالتالي إخراجه من المصيدة، هذه الدول مسئولة عن الحصار الغربي الذي استمر طويلاً على العراق، ولو أدار العرب الأزمة بطريقة مسئولة لما دخلوا وأدخلوا العراق معهم في هذه المصيدة.
والمسئولية تقع على الدول العربية في قضية الحصار الذي استمر طويلاً على ليبيا، ولو توافرت الإرادة لكسر العرب الحصار وهم يحيطون بليبيا من كل جانب، لكن الدول الإفريقية كان لها الكلمة وتحركت وامتلكت الإرادة وكسرت الحصار وفضحت الدول العربية المتخاذلة والمستسلمة.
وبالنسبة للعقوبات التي فرضت لفترات غير قصيرة على السودان فإن مصر كانت هي السبب فيها حيث طالبت السودان بتقديم المتهمين في مؤامرة اغتيال الرئيس مبارك في أثيوبيا، وبعد أن صفت الأجواء بين مصر والسودان واقتنعت مصر بموقف السودان أخبرت بذلك مجلس الأمن كي يرفع العقوبات عن السودان.
إن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على السودان والتي منعت عنها المعونات قبل أن يصدر قرار الأمم المتحدة رقم 1044 الذي يأمر السودان بتسليم المتورطين في محاولة اغتيال الرئيس مبارك في أديس أبابا، هذه العقوبات جعلت السودان تخسر 20 مليار دولار وارتفعت الأسعار نتيجة لهذا 100% سنوياً، وزاد التضخم وانهار الجنيه السوداني وحدث نقص حاد في السلع الأساسية.
وبالنسبة للحصار الذي كان مفروضًا على ليبيا فقد كلفها خسائر قدرها 24 مليار دولار نتيجة الحصار الجوي والعقوبات الاقتصادية المشددة، والقانون الدولي يجعل محاكمة المجرمين في بلدهم أو في مكان وقوع الجريمة إذا ضبطوا فيه، وليس هناك دولة تسلم جنسيتها لدولة أخرى، فالدولة صاحبة الجنسية لها اختصاص أساسي بالعقاب.
لكننا قبل أن نتحدث عن الحصار الغرب الصليبي الصهيوني على العالم العربي والإسلامي، علينا أن نشير إلى أن الدول العربية والإسلامية محاصرة من الداخل وهو حصار أشد وطأة من الحصار الخارجي الذي يكون محكومًا بالقانون الدولي رغم التطبيق الانتقائي. وأول نوع من الحصار الداخلي هو أن الحكام العرب يقفون في خندق والشعوب العربية تقف في خندق آخر، وهذا فرض تشرذماً وتفككاً جعل الدول العربية عاجزة عن القيام بدورها، والجامعة العربية فشلت في القيام بدورها نتيجة هذا التشرذم.
كما أن هناك حصار التبعية وهو تبعيتنا للغرب وحصارنا بالهيمنة الغربية ضدنا ومن أجل ذلك لا تتخذ الدول العربية قراراها بحرية.
كما أن هناك حصار الحكم غير الديمقراطي الحر، فليس هناك تداول سلطة ولا مجالس نيابية ولا محليات، والرئة الوحيدة التي تتنفس منها وهي الصحافة يتم ضربها بين الحين والآخر. وهناك أيضاً حصار الفقر والجوع فنصف مواطنينا يعيشون تحت خط الفقر.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: