عولمة المرأة
قراءة في الإيديولوجية النسوية الجديدة
كمال حبيب المشاهدات: 9506
عولمة المرأة أي جعلها كائناً عالمياً يمكـن وصفه بأنه كائن فوق الحكومات أو كائن عابر للقارات.. ولجعلها كائناً عالمياً كان لا بد مـن عقـد المؤتمرات الدولية وتوقيع المعاهدات والاتفاقيات العالمية التي تلزم الحكومات بحقوق هذا الكائن، وتمثل توصيات المؤتمرات الدولية والمعاهدات والاتفاقيات العالمية المرجعية العالمية الجـديـدة التي يمكن وصفها بأنها "أيديـولوجية نسوية" لها قوة الأيديولوجيات السياسية التي عرفها القرن الماضي ثم انهارت وخبت وماتت.
وكما كان يحدث بالنسبة للأيديولوجيات السياسية والفكرية فإن الأيديولوجية النسوية الجديدة يراد لها أن يكون معتنقوها في كل العالم وفي كل الدول والشعوب وفي كل الأعمال؛ فإنها الوسيلة الجديدة لغزو العالم وشعوبه، وهي الدين الجديد الذي يُراد للعالم أن يتوحد خلفه ويدين به: بيد أن الخطر في هذه الأيديولوجية والدين الجديد يكمن في أن الذي يُبشر بها ويدعو إليها هو النظام العالمي الجديد الذي حقق ما اعتبره انتصاراً نهائياً وعالمياً للفكر الغربي العلماني، ويريد أن يفرض هذا الدين والأيديولوجية بالقوة على العالم كله بحيث تكون هناك قوة عالمية واحدة ومرجعية كونية واحدة وإنسان عالمي واحد، وتنهار كل الحدود والقيود والحصون أمام هذه القوة العالمية الجديدة والمنفردة بحيث تصبــح إرادتهــا ورغباتهــا ومصالحهــا مُسلَّـمـاً بهـــا ومُرحَّباً بقدومها بلا أي عوائق من الدين أو اللغة أو اللون أو الجنس أو القومية أو الثقـافـة. أي أن المرجعية الكونية الجديدة هي بديل لكل ما عرفته الأمم والأجناس البشرية مـن ثقافات وتاريـخ وصراعـــات وأفكار؛ بحيث يغــدو كل هـذا ذكـــرى بلا قيمـــة ولا معنى، وتصبح القيمة والمعنى في المرجعيـة الـكـونـيـة البديلة والجديدة التي يتحوَّل البشر جميعاً فيها عبيداً للإله الذي قررها، وهو النظام العالمي الجديد.
كما أن خطر هذه الأيديولوجية البديلة يتمثل أيضاً في اقتحام مناطق كان يُنظر إليها باعتبارها خاصة أو شخصيـة وينظم أوضاعها بشكل أساسٍ الدينُ والتقاليد والأعراف المحلية والثقافات الخاصة، أي أن الاقتحام والهدم لهذه الأيديولوجية ينال مناطق متصلة بالهوية والثقافة والوجود وهي محور الكيان الإنساني والوجود البشري. ويقف وراء هذه الأيديولوجية فكر شيطاني يريد أن يجعل من الأخلاق فوضى ومن الفاحشة شيوعاً وذيوعاً.
وتستمد النسوية الجديدة جذورها الفكرية من الماركسية الحديثة "حيث تعتبر أن خطأ الماركسية القديمة هو اللجوء إلى الأساليب الاقتصادية لبناء مجتمع لا طبقي؛ بينما اللجوء إلى الأسالـيـب الاجـتماعية هو السبيل الوحيد لمجتمع خالٍ من الطبقات والميول الطبقية، وتمثل "الأسرة" والأمومة في نظر "الماركسية الحديثة" ـ التي تستمد النسوية أفكارها منها ـ تمثل السبب وراء نظام طبقي جنسي يقهر المرأة لا يرجع إلا لدورها في الحمل والأمومة.
وإذا كانت السنن الكـونية ـ الطبيعية عندهم ـ هي التي اقتضت هذا الاختلاف البيولوجي فلا بد من الثورة على هـذه الـسـنـن ـ الـطـبـيعية ـ والتخلص منها بحيث تصبح الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة فروقاً اجتماعية مـتصلة بالأدوار التي يؤديها كلٌّ من الرجل والمرأة وليست متصلة بالخواص البيولوجية لكل مـنـهـما؛ ومن ثَمَّ فإذا قام الرجل بوظيفة المرأة وقامت المرأة بوظيفة الرجل فإنه لن يكون هناك ذكــر وأنثى وإنما سيكون هناك نوع "جندر" وهذا النوع هو الذي سيحدد طبيعة دوره في الحـيـاة بحيـث يجوز للأنثـى أن تمــارس دور الذكــر والعكس، وبحــيث لا تكـون هناك أســرة بالمعنـى التقليـــدي ولا أبنــاء ولا رجل ولا امرأة، وإنما أسر جديدة شاذة وأبناءٌ نتاج للتلقيح الصناعي؛ فأي فكر شيطاني ذلك الذي تتبناه "النسوية الجديدة"؟! وأي قوة تجعل من الأمم المتحدة وأمريكا والغرب تتبنى هذا الفكر الشيطاني لفرضه على العالم؟!! إنها تعبير عـن إرادة لا نقول علمانية وإنما إلحادية لتحويل الوجود البشري وجوداً بلا قيمة ولا معنى تـنـتـفـي معه العناية من استخلاف الله للإنسان في الأرض. وفي الواقع فإن هذا الفكر الإجرامي لـيـس خطراً على المجتمعات الإسلامية فحسب ولكنه خطر على الحضارة الإنسانية ذاتها؛ لكن المجتمعات الإسلامية تأتي في القلب من معتقد هذا المخطط الإجرامي البديل والجديد.
أدوات المرجعية الجديدة:
الإعلان الـعـالـمـي لـحـقوق الإنسان الذي تم إرساؤه عام 8491م يمثل البذرة الأولى لهذه المرجعية الجديدة التي طـرحـت موضوع الأسرة والمرأة قضية عالمية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكن ضجيج القضايا السياسية والاقتصادية على دول العالم الثالث في هذا الوقت غطى على الجانب الاجتماعي والثقافي المتصل بالأسرة والمرأة والأحوال الشخصية؛ فمنذ عام 0591م حاولت الأمم الـمـتـحدة عقد الدورة الأولى لمؤتمراتها الدولية حول المرأة والأسرة بعنوان: "تنظيم الأسرة" لكن الـحـكـومة المصرية في العهد الملكي قاومته بقوة، وأخفق المؤتمر الذي كان يترأسه ماركسيٌّ صهيوني، ثـم عاودت الأمم المتحدة مرة ثانية تطلعها في بناء المرجعية النسوية الجديدة، فعقدت مؤتمراً في المكسيك عام 5791م ودعت فيه إلى حرية الإجهاض للمرأة والحرية الجنسية للمراهقيـن والأطفال وتنظيم الأسرة لضبط عدد السكان في العالم الثالث، وأخفق هذا المؤتمر أيضاً، ثم عقد مؤتمر في "نيروبي" عام 5891م بعنوان: "استراتيجيات التطلع إلى الأمام من أجل تقــــــــدم المرأة" ثم كان مؤتمر القاهرة للسكان والتنمية الذي عقد في سبتمبر 4991م، وأخيراً كان مــؤتـمـر المرأة في بكين الذي عُقد عام 5991م تحت عنوان: "المساواة والتنمية والسلم" وهو المؤتمر الــذي ختمت به الأمم المتحدة القرن الماضي، وانتهت إلى الشكل النهائي للمرجعية الجديدة والـبـديـلـة التي يراد فرضها على العالم والتي تهدف بكلمة واحدة إلى "عولمة المرأة".
وعولمة المرأة هو الجانب الاجتماعي والثقافي في "العولمة" الذي تسعى الأمم المتحدة وأمريكا وأوروبــــا إلى فرضه على بقية العالم خاصة العالم الثالث. والتوصيات والوثائق التي توقع عليها الـدول والحكومات الأعضاء في الأمم المتحدة تعتبر ملزمة لها، كما أن الأمم المتحدة تقوم بكل هـيـئـاتـها ومؤسساتها بتنفيذ ما جاء في توصيات هذه المؤتمرات الدولية ووثائقها بما في ذلك المراقـبــــة والمتابعة لمدى الـتـزام الدول والحكومات بها. كما أن المنظمات غير الحكومية الممثلة في الأمــم الـمـتـحــــدة تمثل قوة ضغط في دولها لمراقبة التزام هذه الدول بقرارات الأمم المتحدة وتوصياتها ومتابعة ذلـك، وهي فـي هـــــذا تشبه "جواسيس للأمم المتحدة" في دولها.
ولا تكتفي الأمـم المتحدة بذلك وإنما تعقد مؤتمرات مع الأطراف الحكومية والمنظمات غير الحـكـــــومـيــة كل سنة أو سنتين للتأكد من الالتزام الحكومي بالمرجعية الكونية البديلة والخضوع للنظام العالمي الجديد؛ فهناك مؤتمر سنوي يطلق عليه مؤتمر السكان + 1 أو + 2 أو + 3 وهكذا حتى يأتي موعد المؤتمر الدولي القادم للسكان عام 2004م. وأيضاً بالنسبة لمؤتمر بكين(1) قد عُقد بكين + 4 في الهند وسوف يعقد مؤتمر للمرأة أيضاً عام 2005م أي بعد عشر سنوات من مؤتمر المرأة الذي عُقد فـي بـكـين، أي أن هناك آلية دولية لها طابع الفرض والإلزام والمتابعة تتدخل في الشؤون الداخلية للدول لتطلب منها الالتزام بما وقعت عليه؛ وهذه الآلية يمكن أن تمارس الإرهاب بفرض العقوبات الدولية على الدول التي ترى الأمم المتحدة أنهــا غير ملتزمــة؛ كما أن هـــذه الآلــيــة تمــارس الإغراء بمنــح معونات أو قروض أو ما شابه إذا التزمت بمقررات الشرعية الجديدة.
ومن ثَـمَّ فــإن ما يجـــري في مصــر أو المغــرب أو الأردن بـشــأن تغيير قوانين الأحـــوال الشخصية أو العقوبات هو جزء من الالتزام بالأجندة الدولية التي وافقت هذه الدول عليها في المؤتمرات الدولية وليس تعبيراً عن حاجة داخلية لشعوب هـــــذه الدول. فحق المرأة في فسخ عقد الزواج، وحقها في السفر هي وأولادها بلا قيود، وحقها فـي الـمـواطـنـــة الذي يستخدم ستاراً لمساواتها مع الرجل في الإرث والطلاق وعدم الخضوع لسلطة ـ أي رفـــض القوامة ـ وإقامة علاقات ود وصداقة خارج نطاق البيت والعائلة، كل هذه القضايا كانــت مطروحة باعتبارها جزءاً من أجندة دولية للتسليم بالدخول في طاعة النظام العالمي الجديد والإقرار بالالتزام بالدين النسوي البديل.
وفي الواقع فإن كل ما سيحدث في هذا الإطار سيكون مثل تأسيس "المجلس القومي للمرأة" فـي مـــصــر(2) الذي يضم الوجوه النسوية المصرية التي تدعو للأيديولوجية الجديدة بلا خجل أو حياء.
وهذه الوجــوه النسوية هي انعكاس للفكر الغربي النسوي؛ حيث تشعر تجاه المرأة الغربية بالنقص، وتشعر أن الالتحاق الفكري بها سوف يعوض هذا النقص لهن ـ كما يبلغ النقص بهذه الــوجــــــــوه حد كراهية الدين الإسلامي ونظمه الاجتماعية وقوانينه في الاجتماع والأسرة؛ وهم في ذلـك أشــــبــه "بالـلامنتمي" ومن ثَمَّ فهذه الوجوه تعبر عن حالة نفسية مرضية؛ ورفعها إلى مستوى التـخـطيط والحديث عن قضايا المرأة ليس سوى خضوع للقوى الدولية الخارجية التي تحب أن يعبر عـــن أوضاع المرأة في العالم الإسلامي النسوةُ اللاتي يرددن الأفكار الغربية ويبشرن بالأيديولوجية النسوية الجديدة.
وثيقة بكين .. مفردات المرجعية الجديدة:
وبالعودة إلى وثيقة بكين التي تمثل منتهى الـفـــكــر النسوي الجديد نجد مخططاً واضحاً لتدمير الأسرة والمرأة، وتدمير الحضارة البشرية ذاتها، ويبدو لنا أن الحضارة الغربية تريد أن تدمر الحضارات الأخرى وعلى رأسها الحضارة الإســــلامـيـة بعد أن شارفت هي على الـهــــــلاك والتدمير والفوضى بسبب خضوعها للأفكار النسوية والــشــــذوذ الـجـنـســي والأخلاقي(2).
ومن الـمـؤكـد أن الجانب الثقافي والاجتماعي الذي يراد فرضه على الحضارات الأخرى ـ والإسلامية عـلـى رأســـــهـــــا ـ هـــو جزءٌ مما أطلق عليه "صموئيل هنتنجتون": "صراع الحضارات" هذه الوثيقة ـ وهي في حقـيـقـتـهـــــــــا تمثل مخططاً ـ تحاول فرض مصطلح "النوعGender" بدلاً من كلمة Sex والتي تشير إلـى الـذكــر والأنثى ـ أما النوع فمعناه رفض حقيقة أن الوضع البيولوجي هو المصير لكل فرد، ورفض حقـيـقـة أن اختلاف الذكر والأنثى هو من صنع الله ـ عز وجل ـ وإنما الاختلاف ناتج عن التـنـشـئــة الاجـتـمــاعية والأسرية والبيئة التي يتحكم فيها الرجل. وتتضمن هذه النزعة فرض فكرة حق الإنسان في تغيير هويته الجنسية وأدواره المترتبة عليها، ومن ثَمَّ الاعتراف رسمياً بالشواذ والمخنثـيـن والـمـطالبة بإدراج حقوقهم الانحرافية ضمن حقوق الإنسان ومنها حقهم في الزواج وتكوين أسر والحصول على أطفال بالتبني أو تأجير البطون. وتطالب الوثيقة بحق المرأة والفتاة في التمتع بحـــرية جنسية آمنة مع من تشاء وفي أي سن تشاء وليس بالضرورة في إطار الزواج الشرعي؛ فالمهم هو تقديم المشورة والنصيحة لتكون هذه العلاقات (الآثمة) مأمونة العواقب سواء من ناحية الإنجاب أو من ناحية الإصابة بمرض الإيدز.
وتطالب "وثـيـقـــة بكين" الحكومات بإعطاء الأولوية لتعزيز تمتع المرأة والرجل ـ بالكامل وعلى قدم المساواة ـ بجـمـيــــع حقوق الإنسان والحريات بدون أي نوع من التميز وحماية ذلك، ويدخل ضمن هذه الحقوق والحـــرياتِ: الحريــاتُ الجنسية بتنويعاتهــا المختلفــة والتحكـم في الحمــل والإجـهــــــاض وكـل ما يخالف الشرائع السماوية، وتطالب الوثيقة الحكومات بالاهتمام بتلبية الحاجـــات التثقيفية والخدمية للمراهقين ليتمكنوا من معالجة الجانب الجنسي في حياتهم معالجة إيجــابية ومسؤولة، وتطالب بحق المراهقات الحوامل في مواصلة التعليم دون إدانة لهذا الحمل السِّفَاح.
ولا تتحدث "وثيقة بكين" عن الزواج من حـيــــث إنه رباط شرعي يجمع الرجل والمرأة في إطار اجتماعي هو الأسرة؛ وإنما ترى أن الزواج الـمـبـكتر يعوق المرأة، ومن ثَمَّ فهي تطالب برفع سن الزواج وتحريم الزواج المبكر. ولا ترد كلمة "الــــوالدين" إلا مصحوبة بعبارة "أو كل من تقع عليه مسؤولية الأطفال مسؤولية قانونية" في إشــــــارة إلى مختلف أنواع الأسر المثلية، ولا تستخدم الوثيقة عبارة الزوج وإنما الشريك أو الزميل.
وتخاطب وثيقة بكين المرأة الفرد وليست المرأة التي هي نواة الأســــرة، ولذا فالمرأة العاملة هي المرأة المعتبرة؛ أمَّا المرأة العاملة داخل البيت ـ ربة الأسرة ـ فـيُـنـظــــر إليها باعتبارها متخلفة وخارج السياق الدولي الجديد؛ لأنها لا تمارس عملاً بمقابل، ولأنها ربطت نفسها بالزوج والأولاد والأسرة، ولذا فعبارة: "الأمومة" وردت حوالي ست مرات؛ بينما كلمة: "جندر" جاءت ستين مرة وجاءت كلمة "جنس" في مواضع كثيرة. إن وثـيـقــــة بكين التي أصبحت "مقررات بكين" ووقعت عليها 081 دولة هي أساس المرجعية الكونـيــــة البديلة والتي أشارت بوضوح إلى أن الدين يقف عائقاً أمام تحقيق هذه المقررات، ولذا ناشـــــدت المقرراتُ المؤسساتِ الدينيةَ لكي تساعد على تحويل مقررات مؤتمر بكين إلى واقع ـ أي أن تصبح المؤسسات الدينية أحد أدوات المرجعية الكونية الجديدة التي يتبناها النظام العالمي ويسعى لفرضها على العالم. وهنا لا بد من تأمُّل دور بعض المؤسسات الدينية الإسلامية في الموافقة على تمرير المطالب التي تفرضها الأجندة الدولية مثل حق الزوجة في السفر بدون إذن الـزوج وكــــذا الأولاد القُصَّر بمــــا في ذلك البنات. والمثير أن تستخدم الوثيقة كلمة (المساواة) للتعبير عن إزالة الاختلافات بين الرجل والمرأة، وتستخدم (التنمية) للتعبير عن الحرية الجنسية والانفلات الأخلاقي، وتستخدم كلمة (السلـم) لمطالبة الحكومات بخفض نفقاتها العسكرية وتحويل الإنفاق إلى خـطــــط التـخــريب والتدمير للأيديولوجية النسوية الجديدة؛ حيث تلزم مقررات بكين الحكومات المحلية بتـنـفـيــذ الأهداف الاستراتيجية للنظام العالمي الجديد فيما يتصل بإقرار الأيديولوجية النسوية الجـديــدة، وذلك بمساعدة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
هذه هي المفردات الجديدة والمقررات التي يسعى النظام العالمي الجديد لفرضها أيديولوجية كــونية على العالم. وبالطبع فإنه يستهدف من وراء ذلك ضرب مواطن القوة في الحضارات المختلفة معه.
وبالــنـسـبـــة للـحـضـارة الإسلامية فلا يزال الدين الإسلامي يمثل مرجعية للناس ونظاماً لحياتهم خاصة في مسائــل الأسرة والأحوال الشخصية وفي مسائل الفكر والثقافة والاعتقاد وهو ما يزعج الأمم الـمـتـحــــدة والغرب؛ إذ إن المسلمين يمثلون ملياراً وربع مليار نسمة، والعالم الإسلامي بإمكاناته وثرواته وأهله يهدد النظام العالمي الجديد بفقدان سيطرته عليه ما بقي الإسلام حاكماً للـجـــوانــب الاجتماعية والثقافية وللهوية، ولذا لا بد من تسديد الضرب إلى الصميم للقضاء على الهوية الإسلامية وعلى النظم الاجتماعية التي أثبتت أنها القلعة التي حمت العالم الإسلامي من السقوط والانهيار، ولذا فإن الصراع مع الغرب انتقل من السياسي والاقتصادي إلى الديني والثقافي والاجتماعي المتصل بالهوية والوجود؛ وهو ما يتطلب وعياً جديداً وأدوات جديدة؛ كما يتطلب يقظة ومقاومة.
إن الإنسان: الرجل، والمرأة، والأطفال، والأسرة هم المقصودون بالهجمة العالمية الجديدة وهم المقصودون بالمرجعية الكونية البديلة للنظام العالمي الجديد؛ وعلى عالمنا الإسلامي أن ينتفض ويستيقظ؛ فإن وجودنا مرتـبــط بمدى ارتباطنا بكلمة: "مسلمين" اسماً وفعلاً؛ وإلاَّ فالاستبدال كما قال ـ تعالى ـ: (($وإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)) [محمد: 83].
--------------
الهوامش :
(1) الدعوة لتخصيص مقاعد للنساء في البرلمانات هو عنوان لندوة تقوم بها جمعية تنمية الديمقراطية. ومسألة المشاركة السياسية للمرأة هي أحد بنود الأجندة الدولية، والتي قد تشهد تدخلاً لفرض نسبة مقاعد للنساء في الانتخابات العامة.
(2) يواجـــه الـعـالـم الـغــربـي في أوروبا حالة من العقم؛ حيث أدى الانحلال الأخلاقي والشذوذ إلى عدم تعويض الأجـيـــــال العجوز بأجيال جديدة من المواليد ـ كما أن مؤسسة الأسرة تواجه الانقراض هناك؛ حيث ترتفع نسب الطلاق والامتناع عن الزواج، كما ترتفع نسبة الأولاد غير الشرعيين، وترتفـع نـسـب الإلحاد، والمثير أن ذلك كله يتناسب تناسباً طردياً في حالة الدول ذات الوضع الرفاهي الأعلى، وفي أمريكا حيث يتمرد المهاجرون من آسيا والشرق الأوسط ودول أمريكا اللاتيـنـية على برامج تنظيم الأسرة وهو ما يحافظ على إبطاء شيخوخة المجتمع الأمريكي، وبالنظر إلى الأرقام التي تنفقها أمريكا على الانحلال الأخلاقي نصاب بالدهشة؛ فهي تقدم ما مجموعه 600 مليار دولار في عام 2020م لتبني الأطفال غير الشرعيين، وتقديمُ المساعدات العائلية والطبية سوف ترتفع إلى تريليون دولار عام 2030م، وأظن أن الدمار الذي أصاب الغرب يريد أن يشاركه فيه العالم كله خاصة المسلمين ـ كالزانية التي تود أن لو صار الجميع مثلها.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: