(إن) حقبة "الحملة الصليبية المعاصرة" ـ التي أعلنها الرئيس الأمريكي "بوش ـ الصغير" عقب أحداث 11 سبتمبر سنة 2001 م .. () لم تكن إلا بعثا "لثقافة الكراهية السوداء" هذه ـ ثقافة الإساءة إلى الإسلام ورموزه ومقدساته ـ ولم تكن بداية لهذه الإساءات .. أو استثناء في تاريخ الغرب مع الشرق الإسلامي .. أو ثمرة لتشدد إسلامي سقط فيه بعض المسلمين ـ كما يظن ويتوهم الذين لا دراية لهم بالتاريخ .. تاريخ ثقافة الكراهية السوداء ، التي تبلورت واستكنت في التراث الغربي تجاه الإسلام ورسوله .. والتي ضربنا عليها الأمثال ..
وفي هذه الحملة الصليبية المعاصرة .. قرأنا وسمعنا وشاهدنا العديد من الافتراءات الغربية ضد الإسلام ورسوله .. وضد أمة الإسلام وحضارة الإسلام ..
• فجون أشكروفت ـ وزير العدل الأمريكي ـ يسب إله المسلمين ورب العالمين .. فيقول :
"إن المسيحية دين أرسل الرب فيه ابنه ليموت من أجل الناس .. أما الإسلام فهو دين يطلب الله فيه من الشخص إرسال ابنه ليموت من أجل هذا الإله" ! (11)
ولقد نسى هذا الرجل أن "قيمة" الفداء والشهادة والاستشهاد قد عرفتها المسيحية ـ رغم أن مملكة المسيح ليست في هذا العالم ـ فقدم الآلاف من المسيحيين الشرقيين ـ إبان القهر الروماني ـ أرواحهم وأرواح أبنائهم من أجل الإله !! ..
• والجنرال الأمريكي وليام م . ج. بويكن ـ نائب وزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" .. يخطب في إحدى الكنائس ـ وهو بزيه العسكري ـ فيسب إله المسلمين .. ورسولهم .. ويقول :
"إن إلهنا أكبر من إلههم .. إن إلهنا إله حقيقي ، وإله المسلمين صنم .. وإنهم يكرهون الولايات المتحدة الأمريكية ، لأنها أمة مسيحية يهودية ، وحربنا معهم هي حرب على الشيطان .. وإن الإسلام دين شيطاني وشرير" ومحمد هو الشيطان نفسه" !! (12)
• والقس الأمريكي "بات روبرتسون" ـ رئيس التحالف المسيحي الأمريكي .. يعم السباب ليشمل الإسلام والمسلمين .. فيقول :
"إن الإسلام هو دين الإرهاب .. دعا إلى العنف .. وإن أمريكا بحاجة إلى إنذار ضد خطر المسلمين الذين يكرهون أمريكا ويحاولون تدمير إسرائيل" ! (13)
• واللورد الإنجليزي "جورج كيري" ـ كبير أساقفة كانتربري السابق ـ يعم السباب على الثقافة الإسلامية ـ متجاهلا أنها هي التي تأسست عليها النهضة الأوروبية ـ فيقول :
"إن الثقافة الإسلامية استبدادية وتفتقر إلى المرونة .. وهي لم تساهم في التاريخ .. وإن الدول الإسلامية لم يتقدم شيئا للثقافة عبر القرون" ! (14)
• والقس الأنمريكي " فرانكلين جراهام" ـ الذي ترأس حفل القسم الدستوري لجورج بوش ـ الصغير ـ وأحد زعماء اليمين الأمريكي ، يصف الإِسلام بأنه :
"دين شيطاني ، وشرير" !
• والقس الأمريكي "جيري فاين" ـ وهو من زعماء اليمين الدين ـ يسب نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول :
"إن محمد هو الشيطان نفسه" !
• أما المستشرق الصهيوني "برنارد لويس" .. فإنه يفتري على القرآن الكريم "وعلى منظومة القيم والأخلاق الإسلامية .. فيقول :
"إن النظام الأخلاقي الذي يستند إليه المسلمون مختلف عما هو في الحضارة اليهودية المسيحية [الغربية] ـ وإن آيات القرآن تصدق على ممارسة العنف ضد غير المسلمين" ! (15)
.. وهو يتناسى ويتغافل عن أن القرآن قد أوجب "البر" والقسط في التعامل مع المخالفين الذين لا يعتدون على الإسلام والمسلمين {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} ـ الممتحنة : 8
وأن هذا القرآن قد نهى عن العدوان ، ولم يشرع القتال إلا صدا للعدوان {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} البقرة : 19
• أما وزير الداخلية الألماني "أوتو شيلي" .. فلقد سب وأهان عقيدة الإسلام والمسلمين فقال :
"إن عقيدة الإسلام هي هرطقة وضلال" ! (16)
• أما الروائي الفرنسي "ميشيل هويلبيك" .. فلقد اغترف من "مخزون ثقافة الكراهية السوداء" . المستكن في التراث الغربي .. مستخدما ذات العبارات التي عرفتها العصور الأوروبية الوسطى .. فوصف الإسلام بأنه :
"دين ظهر في الصحراء ، وسط الأفاغي والجمال والحيوانات المفترسة من كل نوع" !
ووصف المسلمين بأنهم :
"حقراء الصحراء" !!
وقال عن القرآن الكريم .,. وعن الإسلام :
"إن قراءة القرآن مثيرة للتقزز ! .. وإن الإسلام دين عدواني ، لا متسامح ، يجعل الناس أشقياء تعساء" ! (17)
* * *
وفي إطار وسياق هذه "الحملة الصليبية المعاصرة" شهدنا أيضا :
1 ـ الرسوم الدانماركية : في سبتمبر 2005 م ـ التي أساءت الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فصورته في صورة الإرهابي الذي يعتم بعمامة هي عبارة عن قنبلة على وشك الانفجار !! ..
وهي الرسوم التي أعيد نشرها في العديد من الصحف الغربية في يناير 2008 م ـ ثم دعا وزير الداخلية الألماني ـ في 27 فبراير 2008 م ـ من تكرار نشرها ـ مرة ثالثة ـ في صحف بلاد الاتحاد الأوروبي !!
2 ـ وإساءة بابا الفاتيكان "بنديكتوس السادس عشر" إلى الإسلام ورسوله ـ في محاضرته بجامعة ريجنسبورج الألمانية ـ بمدينة "رابتسبون" في 12 سبتمبر 2006 ، وهي المحاضرة التي افترى فيها على الإسلام ،فقال إنه دين لا عقلاني !!
كما افترى فيها على رسول الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ فزعم أنه لم يأتي بأي خير !! وأنه قد آمر بنشر دينه بالسيف والعنف ، كما وصف القرآن بأنه تعليمات وأوامر اللئام" . (18)
3 ـ وفي سبتمبر 2007 م اندلعت مظاهرات التخويف من الإسلام ـ ضد "أسلمة أوروبا" ـ في كثير من المدن الأوروبية .. وشاركت في هذه المظاهرات الأحزاب النازية الجديدة ـ المحظورة قانونا ـ بعد أن غضت الطرف عن مظاهراتها هذه حكومات بلادها "الديمقراطية" !!
4 ـ وفي 2007 م منحت ملكة بريطانيا "الكاتب" سلمان رشدي ـ الذي اشتهر بازدراء رسول الإسلام .. وبيت النبوة ، منحته الملكة "وسام الفارس" !!
5 ـ وفي 13 أكتوبر 2007 م ، تلقى الفاتايكان رسالة من "مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي" بالأردن ـ وقع عليها 138 عالما ومفكرا إسلاميا ـ تدعو الفاتيكان إلى الحوار ، وصولا إلى "كلمة سواء" .. فجاء رد الفاتيكان على هذه الدعوة مهينا لعقائد الإسلام والمسلمين ، إذ قال الناطق باسمه :
"إن الحوار مع المسلمين صعب ، لأنهم يؤمنون أن القرآن من عند الله" !!
6 ـ وفي يناير سنة 2008 م ، منح رئيس الجمهورية الفرنسية "نيكولاي ساركوزي" ـ وهو يهودي الأصل ـ جائزة "سيمون دي بوفوار" [1908 ـ 1986 /] لـ "تسليمة نسرين" ـ البنجلاديشية التي احترفت الطعن في عقائد الإسلام والمسلمين !!
7 ـ وفي مارس سنة 2008 م ، عرض الفيلم الهولندي ـ الذي يسيئ إلى القرآن الكريم ويفتري عليه .. وعنوانه : "الفتنة : القرآ، الفاشي" !!
8 ـ وفي ذات الشهر ـ مارس 2008 ، وفي مهرجان عيد الفصح ، بميدان كنيسة القديس بطرس ، في الفاتيكان ، وعلى مشهد من الجماهير ، وعدسات التصوير التي تنقل المشهد إلى العالم ـ وجه البابا ينديكتوس السادس عشر لطمة إلى العالم الإسلامي ، عندما عمد ـ بنفسه !! ـ الصحفي "مجدي علام" والذي تربى في بيوت الكاثوليك ومدارسهم ـ في مصر ـ ولم يعرف عنه ـ من قبل ـ الانتماء إلى الإسلام !! وساعة ئذ قطع التلفاز الإيطالي إرساله ليبث "لطمة" البابا للمسلمين !!
9 ـ وبعد الفيلم الهولندي "الفتنة .. القرآن الفاشي" ، عرض ـ بهولندا ـ فيلم آخر ، يسيئ إلى رسول الإسلام ـ عنوانه : "الرسول .. هتلر" !!
10 ـ وحتى الكادرينال "المثقف ـ المستنير" د. هانس كينج ، صاحب كتاب [المشترك بين الثقافات] ـ أبى إلا أن يسهم بسهمه في الافتراء على الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم ـ فقال :
"لا شك أن مسألة العنف هي مشكلة رئيسية في الإسلام .. وأن النبي محمدا لم يكن رجل دولة فحسب ، بل كان أيضا قائدا عسكريا (جنرالا) !! .. خاص حروبا عسكرية .. وأن هناك عصرا مبكرا في الإسلام قد تم فيه واقعيا محو المسيحية من الوجود في بلادها الأصلية" ! (19)
نعم .. قال الكادرينال "المثقف ـ المستنير" هذا الكلام .. متجاهلا حقائق التاريخ ، التي شهد عليها ـ وبها ـ كبار أساقفة النصرانية الشرقية .. وأعلام علماء الاستشراق الغربي ـ الذين شهدوا بأن سماحة الإسلام ـ وفتوحاته ـ هم اللذان أنقذا النصرانية الشرقية من القهر الروماني لعقائدها ، والاغتصاب لكنائسها وأديرتها ، والإبادة لمعتنقيها ..
• لقد كان الأسقف القبطي "يوحنا النقيوس" ـ وهو شاهد العيان على الفتح الإسلامي لمصر ـ هذه الحقيقة ، فقال :
"إن الله ـ الذي يصون الحق ـ لم يهمل العلام ، وحكم على الظالمين ، ولم يرحمهم ، لتجرئهم عليه ، وردهم إلى أيدي الإسماعليين ـ [العرب والمسلمين] .. ثم نهض المسلمون وحازوا كل مدينة مصر .. وبأمر الله الذي يأخذ أرواح حكامهم .. مرض هرقل ومات ..
وكان عمرو بن العاص [50 ق . ه ـ 43 هـ ، 574 ـ 664 م] يقوي كل يوم في عمله ، ويأخذ الضرائب التي حددها ، ولم يأخذ شيئا من مال الكنائس ، ولم يرتكب شيئا ما ، سلبا أو نهبا ، وحافظ عليها [الكنائس] ـ طوال الأيام ..
.. ودخل الأبنا "بنيامين" [39 هـ ـ 659 م] بطرك المصريين مدينة الإسكندرية ، بعد هربه من الروم العام 13 ـ [أي العام الثالث عشر من تاريخ هروبه ـ بعد أن أقضه الفتح الإسلامي] ـ وسار إلى كنائسه ، وزراها كلها .. وخطب فقال : لقد وجدت في الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدهما ، بعد الاضطهادات والمظالم التي قام بتمثيلها الظلمة المارقون" ..
وكان كل الناس يقولون هذا النفي ، وانتصار الإسلام ، كان بسبب ظلم هرقل الملك ، وبسبب اضطهاد الأرثوذكسيين .. وهلك الروم لهذا السبب ، وساد المسلمون مصر.. " (20)
هكذا شهد الأسقف ـ القبطي الأرثوذكسي ـ يوحنا النقيوس على أن الفتح الإسلامي هو الذي أنقذ النصرانية الشرقية .. وحرر بطركها الوطني .. وكنائسها وأديرتها .. وردها إلى أصحابها .. وحافظ عليها طوال الأيام ..
• وبعد ستة قرون من الفتح الإسلامي ، وقيام الدولة الإسلامية الجامعة ـ في رعيتها ـ لألوان الطيف الدين .. وخبرة التعايش بين النصرانية ـ بمذاهبها المختلفة ـ وبين الإسلام .. كرر ذات الحقيقة بطريك السريان "ميخائيل الأكبر" [1126 ـ 1199 / ] وبطريك أنطالية اليعقوبي ، وصاحب كتاب الحوليات في تاريخ الكنيسة والشرق ، فقال :
"إن إله الانتقام ، الذي تفرد بالقوة والجبروت ، والذي يديل دولة البشر كما يشاء ، فيؤيتها من يشاء ، لما رأى شرور الروم ، الذين لجأوا إلى لاقوة ونهبوا كنائسنا ، وسلبوا أدريانا في كافة ممتلكاتهم ، وأنزلوا بنا العقاب في غير رحمة ولا شفقة ، أرسل إلينا أبناء إسماعيل من بلاد الجنوب ليخلصنا على أيديهم من قبضة الروم .. ولما أسلمت المدن للعرب ، خصص هؤلاء لكل طائفة الكنائس التي وجدت في حوزتها .. ولم يكن كسبا هينا أن نتخلص من قسوة الروم وأذاهم وحنقهم وتحمسهم العنيف ضدنا ، وأن نجد أنفسنا في أمن وسلام". (21)
فالأسقف يوحنا النقيوس ـ شاهد العيان على الفتح الإسلامي ـ يصف هذا الفتح بأنه "إنقاذ" للنصرانية الشرقية ولكنائسها وأدريتها وأهلها ، والبطريك مخيائيل الأكبر يرى بعد ستة قرون من هذا الفتح ـ أنه كان "الخلاص" للنصرانية والنصارى من القهر والنهب والإبادة الرمانية" .
• كذلك شهد بهذه الحقيقة ـ حقيقة سماحة الإسلام ودولته وحضارته مع الآخر الديني ـ العلامة الإنجليزي "سير . توماس أرنولد" [1864 ـ 1930 م] ـ صاحب كتاب "الدعوة إلى الإسلام" ـ فقال :
"إنه من الحق أن نقول : إن غير المسلمين قد نعموا ، بوجه الإجمال ، في ظل الحكم الإسلامي ، بدرجة من التسامح لا نجد لها معادلا في أوروبا قبل الأزمنة الحديثة" . (22)
* * *
لكن .. ورغم نصاعة هذه الحقيقة .. وبالرغم من هذه الشهادات النصرانية على سماحة الإسلام .. ورسوله .. وأمته .. ودولته .. وحضارته .. وفلقد شاركت في الإساءة إلى الإسلام .. وكتابه .. ورموزه .. ومقدساته .. مؤسسات .. ومنظمات .. وكنائس .. وقديسون .. وكتاب .. وشعراء .. مثلوا كل ألوان الطيف الغربي من المتدينيين .. إلى العلمانيين .. ومن الليبراليين إلى الفاشيين .. ومن البابا إلى رسامي الكاريكاتير !!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: