يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
التوسل بالجاه والحرمة
وأما القسم الثالث : وهو أن يقول اللهم بجاه فلان عندك أو ببركة فلان أو بحرمة فلان عندك افعل بي كذا وكذا فهذا يفعله كثير من الناس لكن لم ينقل عن أحد من الصحابة والتابعين وسلف الأمة أنهم كانوا يدعون بمثل هذا الدعاء ولم يبلغني عن أحد من العلماء في ذلك ما أحكيه إلا ما رأيت في فتاوي الفقيه أبي محمد بن عبد السلام فإنه أفتى أنه لا يجوز لأحد أن يفعل ذلك إلا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن صح الحديث في النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعنى الاستفتاء قد روى النسائي والترمذي وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم بعض أصحابه أن يدعو فيقول : ( اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك نبي الرحمة يا محمد يا رسول الله إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي اللهم فشفعه في ) ، فإن هذا الحديث قد استدل به طائفة على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته وبعد مماته قالوا وليس في التوسل دعاء المخلوقين ولا استغاثة بالمخلوق وإنما هو دعاء واستغاثة بالله لكن فيه سؤال بجاهه كما في سنن ابن ماجه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذكر في دعاء الخارج للصلاة أن يقول : ( اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ) قالوا ففي هذا الحديث أنه سأل بحق السائلين عليه وبحق ممشاه إلى الصلاة والله تعالى قد جعل على نفسه حقا قال الله تعالى : ( وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(الروم: من الآية47) ونحو قوله : ( كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً)(الفرقان: من الآية16) ، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له : ( يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ؟!) قال الله ورسوله أعلم ! قال : (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . ( أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟) فإن حقهم عليه أن لا يعذبهم ) ، وقد جاء في غير حديث كان حقا على الله كذا كذا كقوله من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين يوما فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد فشربها في الثالثة أو الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال قيل وما طينة الخبال قال عصارة أهل النار وقالت طائفة ليس في هذا جواز التوسل به وبعد مماته وفي مغيبه بل إنما فيه التوسل في حياته بحضوره كما في صحيح البخاري : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس فقال اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون وقد بين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنهم كانوا يتوسلون به في حياته فيسقون وذلك التوسل به أنهم كانوا يسألونه أن يدعو الله لهم فيدعو لهم ويدعون معه ويتوسلون بشفاعته ودعائه كما في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا دخل المسجد يوم الجمعة من باب كان بجوار دار القضاء ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يخطب فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائما فقال يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله لنا أن يمسكها عنا قال فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال : ( اللهم حوالينا ولا علينا اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر ) ، قال وأقلعت فخرجنا نمشي في الشمس ففي هذا الحديث أنه قال ادع الله لنا أن يمسكها عنا وفي الصحيح أن عبد الله بن عمر قال إني لأذكر قول أبي طالب في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث يقول :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فهذا كان توسلهم به في الاستسقاء ونحوه ولما مات توسلوا بالعباس رضي الله عنه كما كانوا يتوسلون به ويستسقون وما كانوا يستسقون به بعد موته ولا في مغيبه ولا عند قبره ولا عند قبر غيره وكذلك معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استسقى بيزيد بن الأسود الجرشي وقال اللهم إنا نستشفع إليك بخيارنا يا يزيد ارفع يديك إلى الله فرفع يديه ودعا ودعوا فسقوا فلذلك قال العلماء : يستحب أن يستسقى بأهل الصلاح والخير فإذا كانوا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان أحسن ولم يذكر أحد من العلماء أنه يشرع التوسل والاستسقاء بالنبي والصالح بعد موته ولا في مغيبه ولا استحبوا ذلك في الإستسقاء ولا في الاستنصار ولا غير ذلك من الأدعية والدعاء هو العبادة كما ثبت في الصحيح عن النبي والعبادة مبناها على السنة والاتباع لا على الأهواء والابتداع وإنما يعبد الله بما شرع لا يعبد بالأهواء والبدع قال تعالى أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله وقال تعالى ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الدعاء والطهور ) .
حكم من إذا أصابته نائبة أو خوف استنجد بشيخه
وأما الرجل إذا أصابته نائبة أو خاف شيئا فاستغاث بشيخه يطلب تثبيت قلبه من ذلك الواقع فهذا من الشرك وهو من جنس دين النصارى فإن الله هو الذي يصيب بالرحمة ويكشف الضر قال تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس:107) ، وقال تعالى : (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ) (فاطر:2) ، وقال تعالى : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الأنعام:40)(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:41) ، قال تعالى : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً) (الاسراء:56)(أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوراً) (الاسراء:57) .
فبين أن من يدعى من الملائكة والأنبياء وغيرهم لا يملكون كشف الضر عنهم ولا تحويلا فإذا قال قائل أنا أدعو الشيخ ليكون شفيعا لي فهو من جنس دعاء النصارى لمريم والأحبار والرهبان والمؤمن يرجو ربه ويخافه ويدعوه مخلصا له الدين وحق شيخه أن يدعو له ويترحم عليه فإن أعظم الخلق قدرا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه أعلم الناس بأمره وقدره وأطوع الناس له ولم يكن يأمر أحدا منهم عند الفزع والخوف أن يقول يا سيدي يا رسول الله ولم يكونوا يفعلون ذلك في حياته ولا بعد مماته بل كان يأمرهم بذكر الله ودعائه والصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وآله وسلم قال الله تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) (آل عمران:173)(فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران:174) .
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن هذه الكلمة قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار وقالها محمد صلى الله عليه وآله وسلم يعني وأصحابه حين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم ، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول عند الكرب : ( لا إله إلا الله العظيم الحليم لا إله إلا الله رب العرش الكريم لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش العظيم ) .
وقد ثبت أنه علم نحو هذا الدعاء بعض أهل بيته وفي السنن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا حزبه أمر قال : ( يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث ) وفي رواية : ( صلى ) وكلتاهما صحيحتان وروي أنه علم ابنته فاطمة أن تقول : ( يا حي يا قيوم يا بديع السموات والأرض لا إله إلا أنت برحمتك استغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك ) .
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح أبي حاتم البستي عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا قالوا يا رسول الله أفلا نتعلمهن قال ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن وقال لأمته إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يخوف بهما عباده فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة وذكر الله والاستغفار فأمرهم عند الكسوف بالصلاة والدعاء والذكر والعتق والصدقة ولم يأمرهم أن يدعوا مخلوقا ولا ملكا ولا نبيا ولا غيرهم ومثل هذا كثير في سنته لم يشرع للمسلمين عند الخوف إلا ما أمر الله به من دعاء الله وذكره والاستغفار والصلاة والصدقة ونحو ذلك فكيف يعدل المؤمن بالله ورسوله عما شرع الله ورسوله إلى بدعة ما أنزل الله بها من سلطان تضاهي دين المشركين والنصارى فإن زعم أحد أن حاجته قضيت بمثل ذلك وأنه مثل له شيخه ونحو ذلك فعباد الكواكب والأصنام ونحوهم من أهل الشرك يجري لهم مثل هذا كما قد تواتر ذلك عمن مضى من المشركين وعن المشركين في هذا الزمان فلولا ذلك ما عبدت الأصنام ونحوها قال الخليل عليه السلام : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)(ابراهيم: من الآية35) (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاس)(ابراهيم: من الآية36) .
أول ظهور الشرك
وفي الصحيح : ( إن أول ما ظهر الشرك في أرض مكة بعد إبراهيم الخليل من جهة عمرو بن لحي الخزاعي) الذي رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجر أمعائه في النار وهو أول من سيب السوائب وغير دين إبراهيم قالوا إنه ورد الشام فوجد فيها أصناما بالبلقاء يزعمون أنهم ينتفعون بها في جلب منافعهم ودفع مضارهم فنقلها إلى مكة وسن للعرب الشرك وعبادة الأصنام والأمور التي حرمها الله ورسوله من الشرك والسحر والقتل والزنا وشهادة الزور وشرب الخمر وغير ذلك من المحرمات قد يكون للنفس فيها حظ مما تعده منفعة أو دفع مضرة ولولا ذلك ما أقدمت النفوس على المحرمات التي لا خير فيها بحال وإنما يوقع النفوس في المحرمات الجهل أو الحاجة فأما العالم بقبح الشيء والنهي عنه فكيف يفعله والذين يفعلون هذه الأمور جميعها قد يكون عندهم جهل بما فيه من الفساد وقد تكون بهم حاجة إليها مثل الشهوة إليها وقد يكون فيها من الضرر أعظم مما فيها من اللذة ولا يعلمون ذلك لجهلهم أو تغلبهم أهواؤهم حتى يفعلوها والهوى غالبا يجعل صاحبه كأنه لا يعلم من الحق شيئا فإن حبك للشيء يعمي ويصم ولهذا كان العالم يخشى الله .
وقال أبو العالية : سألت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الله عز وجل : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ )(النساء: من الآية17) فقالوا : كل من عصى الله فهو جاهل وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب وليس هذا موضع البسط لبيان ما في المنهيات من المفاسد الغالبة وما في المأمورات من المصالح الغالية بل يكفي المؤمن أن يعلم أن ما أمر الله به فهو لمصلحة محضة أو غالبة وما نهى الله عنه فهو مفسدة محضة أو غالبة وأن الله لا يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليهم ولا نهاهم عما نهاهم بخلا به عليهم بل أمرهم بما فيه صلاحهم ونهاهم عما فيه فسادهم ولهذا وصف نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بأنه : ( يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ )(لأعراف: من الآية157) .
بيان حكم التمسح بالقبر وتقبيله وتمريغ الخد عليه
وأما التمسح بالقبر أي قبر كان وتقبيله وتمريغ الخد عليه فمنهي عنه باتفاق المسلمين ولو كان ذلك من قبور الأنبياء ولم يفعل هذا أحد من سلف الأمة وأئمتها بل هذا من الشرك قال الله تعالى : (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح:23)(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً )(نوح: من الآية24) وقد تقدم أن هؤلاء أسماء قوم صالحين كانوا من قوم نوح وأنهم عكفوا على قبورهم مدة ثم طال عليهم الأمد فصوروا تماثيلهم لا سيما إذا اقترن بذلك دعاء الميت والاستغاثة به وقد تقدم ذكر ذلك وبيان ما فيه من الشرك وبينا الفرق بين الزيارة البدعية التي تشبه أهلها بالنصارى والزيارة الشرعية
حكم وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وتقبيل الأرض
وأما وضع الرأس عند الكبراء من الشيوخ وغيرهم أو تقبيل الأرض ونحو ذلك فإنه مما لا نزاع فيه بين الأئمة في النهي عنه بل مجرد الإنحناء بالظهر لغير الله عز وجل منهي عنه ففي المسند وغيره أن معاذ بن جبل رضي الله عنه لما رجع من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما هذا يا معاذ فقال يا رسول الله رأيتهم في الشام يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم ويذكرون ذلك عن أنبيائهم فقال كذبوا يا معاذ لو كنت آمرا أحد يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها يا معاذ أرأيت إن مررت بقبري أكنت ساجدا قال لا قال لا تفعل هذا أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل قد ثبت في الصحيح من حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى بأصحابه قاعدا من مرض كان به فصلوا قياما فأمرهم بالجلوس وقال : ( لا تعظموني كما تعظم الأعاجم بعضها بعضا ) ، وقال : (من سره أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ) ، فإذا كان قد نهاهم مع قعوده وإن كانوا قاموا للصلاة حتى لا يتشبهوا بمن يقومون لعظمائهم وبين أن من سره القيام له كان من أهل النار فكيف بما فيه من السجود له ومن وضع الرأس وتقبيل الأيادي .
وقد كان عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه وهو معدود من الخلفاء قد وكل أعوانا يمنعون الداخل من تقبيل الأرض ويؤدبهم إذا قبل أحد الأرض وبالجملة فالقيام والقعود والركوع والسجود حق للواحد المعبود خالق السماوات والأرض وما كان حقا خالصا لله لم يكن لغيره فيه نصيب مثل الحلف بغير الله عز وجل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت ) متفق عليه ، وقال أيضا : ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) فالعبادة كلها لله وحده لا شريك له: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( إن الله يرضى لكم ثلاثا أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم ) .
وإخلاص الدين لله هو أصل العبادة ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشرك دقه وجله وحقيره وكبيره حتى أنه قد تواتر عنه أنه نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها بألفاظ متنوعة تارة يقول : ( لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ) ، وتارة ينهى عن الصلاة بعد طلوع الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وتارة يذكر أن الشمس إذا طلعت طلعت بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ونهى عن الصلاة في هذا الوقت لما فيه من مشابهة المشركين في كونهم يسجدون للشمس في هذا الوقت وأن الشيطان يقارن الشمس حينئذ ليكون السجود له فكيف بما هو أظهر شركا ومشابهة للمشركين من هذا وقد قال الله تعالى فيما أمر رسوله أن يخاطب به أهل الكتاب : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران:64) .
وذلك لما فيه من مشابهة أهل الكتاب من اتخاذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله ونحن منهيون عن مثل هذا ومن عدل عن هدي نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وهدي أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى ما هو من جنس هدي النصارى فقد ترك ما أمر الله به ورسوله وأما قول القائل : ( انقضت حاجتي ببركة الله وبركتك) فمنكر من القول فإنه لا يقرن بالله في مثل هذا غيره حتى أن قائلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما شاء الله وشئت فقال : ( أجعلتني لله ندا ما شاء الله وحده وقال لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم ما شاء محمد ) . وفي الحديث : أن بعض المسلمين رأى قائلا يقول : نعم القوم أنتم لولا أنكم تنددون أي تجعلون لله ندا يعني تقولون ما شاء الله وشاء محمد فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك .
وفي الصحيح عن زيد بن خالد قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر بالحديبية في إثر سماء من الليل فقال : ( أتدرون ماذا قال ربكم الليلة ؟ ) قلنا : الله ورسوله أعلم ! قال : (قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب ) ، والأسباب التي جعلها الله أسبابا لا تجعل مع الله شركاء وأندادا وأعوانا وقول القائل ببركة الشيخ قد يعني بها دعاءه وأسرع الدعاء إجابة دعاء لغائب وقد يعني بها بركة ما أمره به وعلمه من الخير وقد يعني بها بركة معاونته له على الحق وموالاته في الدين ونحو ذلك وهذه كلها معان صحيحة وقد يعني بها دعائه للميت والغائب إذ استقلال الشيخ بذلك التأثير أو فعله لما هو عاجز عنه أو غير قادر عليه أو غير قاصد له متابعته أو مطاوعته على ذلك من البدع المنكرات ونحو هذه المعاني الباطلة والذي لا ريب فيه أن العمل بطاعة الله تعالى ودعاء المؤمنين بعضهم لبعض ونحو ذلك هو نافع في الدنيا والآخرة وذلك بفضل الله ورحمته .