كانت المرأة، وستظل ركنًا ركينًا في المجتمع المسلم، مَن أراد رفعته وإعماره، راح يزينها بمكارم الأخلاق، ويتمم حسنها بالعفة والدين، ومن أراد غير ذلك سلك اتجاهًا عكسيًّا، ومنذ بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - وإلى أن تقوم الساعة جعلت المرأة، الفتنة الأشد ضررًا على الأمة الإسلامية، رغم أنها كأمٍّ وزوجة خيرُ معينٍ للمرء على دينه، وكم من يدٍ للإسلام على المرأة، فلقد بُعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قومٍ يعدون إنجاب نسائهم للبنات مصيبةً عظيمة، وبليةً جسيمة، حتى كانوا يعزون من رُزق بنتًا، فيقولون: "آمنكم الله في عاركم، وكفاكم مؤنتها، وصاهرتم القبر".
فنعى عليهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - فعلهم هذا، وبيَّن سفه عقولهم، قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }، وقال تعالى: { قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }، وقال سبحانه: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ}.
وقد عاشت المرأة في عالمنا الإسلامي قرنًا عصيبًا، انتقلت فيه من الحجاب الكامل إلى التبرج التام، بل وما بعد التبرج، وقد عبَّر أحد رسامي الكاريكاتير عن التغيير في أزياء النساء، خلال هذا القرن ما بين عامي: 1905 و2005، فكانت الأولى بالنقاب ثم الحجاب ثم التبرج بدرجات متفاوتة ثم الحجاب مرةً أخرى وأخيرًا النقاب، ومثلما خرجت في القاهرة تظاهرة انتهت بخلع الحجاب، منذ أكثر من ثمانين عامًا، هاهي تظاهرات التمسك بالحجاب اليوم تخرج في باريس، أشهر عواصم العلمانية.
والمتابع اليوم لأحوال المرأة لن يخطر بباله ما مر بقضاياها من مناورات ومقامرات - وكل دعوى يغلفها إدعاء الحرص على المرأة والمجتمع - فتعليم المرأة كان من فرط الحرص على مصلحتها والسفور (وهو مجرد كشف الوجه) كان لتحرير المرأة حتى أسموا ذلك الميدان، الذي شهد تظاهرات النساء التي نحن بصدد ذكرها بميدان التحرير، وإلا فأي تحرير قصدوا؟!
والمتابع اليوم لن يدرك أبعاد الصراع، الذي حمي وطيسه في بلادنا، طوال نصف قرن حول المرأة وحجابها، ودعمته أفلام وروايات لا نزال نشاهدها إلى اليوم، ومن لم يسمع بـ"سي السيد" زوج الست أمينة، ولعله يعتقد أن التطور الذي زعموه مضى تلقائيًّا حسب تطورات الزمان، ولن يدرك أن الذي جرى ليس من التطور في شيء، بل هي خطة محكمة وأمر بُيِّت بليل، لكن حيوية الأمة قلبت السحر على الساحر، وظهر النقاب في الجامعة، التي بدءوا حربهم ضده فيها، كانت المرأة قبل عام 1919 حريصةً على تقاليد أسلافها، تعرف مهمتها في الحياة، وليس للمرأة من دورٍ في الحياة أعظم من أن تكون السكن والملاذ بما حباها الله من صبرٍ وحنو ورحمة.
وهذا ما يراه العقاد حين قال: المجتمع معركة ضروس، والنساء آسيات جروحه وجابرات كسوره، فكيف به وقد طرحت آسياته المراهم واللفائف وتبدلن بها الخناجر والقذائف، ثم برزن للنضال بين المناضلين ـ أعوذ بالله ـ إن المجتمع؛ ليكون ساعتئذٍ كأنه قطيع من الذئاب قد أضراه الجوع والسعار، فانبعث عاديًا عاويًا، فما الذي أرادوه بها؟! التعليم! كان في نساء ذلك الزمان شاعرات وأديبات، السفور! لم تكن مصيبة المرأة في حجابها، بل المصيبة في خلعه، لكنهم جعلوها مصيبة، وحاربوها بكل وسيلة، لكن الذي يجدر بنا تأمله بعدما جرى المقدور أن أقلامًا كثيرة حاربت هذا التحرر، ونافحت عن مقدسات الأمة، ومثلما رأينا المنتقبة اليوم، وهي ترجم بالحجارة من الأولاد الصغار كذلك كانت المتبرجة الأولى.
* ومن بين الذين نافحوا وردوا على ما سطره قاسم أمين:
1- الدفاع المبين في الرد على قاسم أمين - عبد المجيد خيري.
2- المرأة المسلمة ـ فريد وجدي.
3- تربية المرأة والحجاب ـ طلعت حرب.
4- الاحتجاب ـ عبد الله جمال الدين.
لكن ما مدى الصلة بين الاستعمار والحركة النسائية؟ بحسب ما أثبته أحد الكتاب أن صلةً خفية كانت تربط الاستعمار بزعيمات الحركة النسائية، أمثال: هدى شعراوي ابنة محمد بك شعراوي، أحد الضباط الذين خانوا أحمد عرابي، ودرية شفيق، التي ماتت منتحرة، وكانت لها صلات مشبوهة بالاستعمار، ولها صورة شهيرة مع مندوبة "إسرائيل" في أحد مؤتمرات الحركة النسائية، لكنني أحسب أنني عثرت على ما يزيد هذه الشكوك قوة من بين ألفاظ وكلمات بعضهن، مثلما يقول الله تعالى: {وَلَتَعْرِفَنّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ...}، فقد حكت هدى شعراوي، أنها كتبت في تقرير الحركة النسائية للجنة ملنر: "... فنحن نحتجُّ على الطريقة، التي يعامل بها الجنود الإنجليز السيدات في تظاهراتهن في ظروفٍ مختلفة، ونود أن نبلغك نوع الأثر السيئ، الذي أوجدته هذه المعاملة في نفوسنا، ولا نظن أن المعروف عن شهامة الإنجليز وتأدبهم في معاملة السيدات من قديم الزمن، قد تلاشى أو ظل محفوظًا للسيدات البريطانيات وحدهن فقط".
فهل هذه لغة الخطاب اللائقة بأعداء الأمة؟ أم أنه إظهار عفوي لعاطفة ما نحو الإنجليز، وماذا تنتظر "مناضلة" مثلها حين تخرج في مظاهرة تندد بالاحتلال؟ (ليتها حظيت بشهامة المصريين مع تظاهرات نسائية أمام نقابة الصحافيين في يوم 25 مايو 2006).
وتحكي في موضعٍ آخر: "... وكان المفروض أن تبدأ التظاهرات من بيت سعد، ولا أدري إن كان هناك تدبير مبيت، وعند بيت سعد وجدنا أنفسنا محاصرين بالجيش البريطاني، كأنه كان في انتظارنا هناك"، هاهي تشكك فيمن كان معها فإن نجت هي من شبهة العلاقة بالأعداء، فهي تتهم غيرها، ولكن ما هي قصة تلك التظاهرة؟ إنها تظاهرة نسائية خرجت من أمام بيت الأمة ـ منزل سعد زغلول ـ وأخذت تهتف ضد الاستعمار، حتى إذا بلغت ميدان الإسماعيلية ـ وقد سمي بعدها بميدان التحريرـ وقعت تحت حصار القوات البريطانية، فإذا بالنساء يخلعن النقاب ويلقينه تحت أقدامهن، ثم تنفضُّ التظاهرة، ويبدو أن أحد المغرضين قد أدخل في أذهانهن، أن النقاب فرض بأوامر إنجليزية! (خلعته صفية زغلول قبلهن في عام 1921حينما عاد سعد زغلول من منفاه، واستقبلته مصر كلها استقبال الغزاة الفاتحين، وكانت معه صفية زغلول التي قالت له: "ألم يحن الوقت؛ لكي أنزع هذا البرقع الأبيض"، فاستشار واصف غالي، الذي أشار عليه بألا تكون هي البادئة بنزع الحجاب، وإذا بسعد يقول: هذه ثورة انزعي حجابك!! ومثلها تمامًا، وبنفس الشكل فعلتها زوجة ملك أفغانستان ظاهر شاه، ألم أقل لك: إنه أمر مبيت بليل! {أتواصوا به؟}.
ولكن، لم يذكر عن هذه الحركة النسائية أية أنشطة بخلاف القضايا المعلنة مثل: السفور ـ تعليم المرأة في المدارس الحكومية ـ حق المرأة في العمل ـ محاربة فكرة تعدد الزوجات، وانفراد الرجل بالتطليق أو تحريمه نهائيًّا إلا للضرورة.
وسوف تلاحظ أن امتداد هذه القضايا سيصبح التبرج الكامل، وإبراز كل ما تريد المرأة إبرازه، ثم التعليم والاختلاط والصداقة، حتى وصلنا لأدق آيات العفة عند المرأة كما يحكي د. محمد قطب، ثم أصبح الحق في العمل كل عمل حتى ما يحتاج للعضلات والشجاعة، كالشرطة مثلاً، وحتى العمل السياسي، وصار للمرأة نسبة في تشكيل الوزارة!.
ووصلت الجهود الأمريكية إلى حد الإمامة في صلاة الجمعة! أليست هذه حالة من الهوس؟ وتأمل معي ما استجدَّ من حلقات هذا المسلسل: ختان المرأة!! ويكأن المرأة تعيش في رغد لا يكدره سوى الخطر، الذي يمثله الختان ـ فلا عبرة بمخاطر العنوسة، ولا الاغتصاب، ولا العنف مع الزوجات، ولا الأمية، ولا الجهل الديني، ولا البدع والشركيات، ولا التبرج.
لقد كانت الحاجة ماسة؛ لبزوغ حركة تصحيح صادقة ومن قلب المجتمع المسلم، لكن لو قامت حركة نسائية إسلامية، ومن داخل المجتمع.. فماذا سيكون مجال اهتمامها؟! ـ وهل كانت ستلقى الدعم والذيوع، الذي تمتعت به هذه الحركة المشبوهة؟ بلى، قد قامت فعلاً، وفي نفس توقيت الحركة النسائية إياها التي نتحدث عنها، فماذا وعى الناس من أخبارها؟ وأين عضواتها من ذيوع صيت هدى شعراوي ودرية شفيق؟ ـ إنها جمعية الأخوات المسلمات، عرفن ما عانته المرأة المسلمة آنذاك، فأعلنت أهدافها المتمثلة في:
1- بث التعاليم الدينية التي تساعد على تنشئة الأخت الصالحة وإعانتها على القيام بواجباتها وأعمالها.
2- تعليم الأخت المسلمة حقوقها وواجباتها في البيت، وأسس تربيتها لأولادها.
3- محاربة الجهل والبدع والخرافات المنتشرة عموما في الأحياء الشعبية والقرى.
4- المساهمة في دعم الأسرة اجتماعيًّا واقتصاديًّا.
وقد تم تكوين عدة لجان تتبع هذه الجمعية ـ بلغت 50 لجنة ـ منها فرقة لتعليم الحياكة والتطريز وتسويق المأكولات وفرقة للتوعية الصحية والمساعدة في المستشفيات والملاجئ، وكانت لهذه الجمعية مجلة اسمها "النهضة النسائية" لكن هذا كله ذهب مع إلغاء الدولة لنشاط الإخوان المسلمين في عام 1949م.
لسنا نشك في حاجة المرأة إلى حركة ترعى حقوقها فتخدم بذلك المرأة والأسرة والدولة لا ليدمر الأمة بل ليقوي بناءها، والإسلام صاحب أقوى حركة لإصلاح المجتمع، وما حقوق المرأة أعظم من إنقاذها من الوأد، وتوريثها من مال أبيها بعدما كانت مالاً يورث، وتعليمها حتى صار فيهن أمثال عائشة بنت أبي بكر التي روت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من كل أصحابه الرجال فيما عدا أبي هريرة رضي الله عنه.
لقد عرف الإسلام للمرأة مكانة أعظم مما تعطيه الحضارة الغربية، التي تكفر عن خطاياها في حق المرأة التي لم تكن تعتبرها بشرًا، فقد كان في التاريخ الإسلامي صحابيات وتابعيات وشاعرات وفقيهات ليس في تاريخ أوروبا معشار عددهن ولا عرفت في تاريخها أدنى تكريم للمرأة – حتى جان دارك كانت تتزيَّا بزي الرجال. وأما عن الحقوق التي يزعمونها للمرأة في أوروبا "ففي الحقيقة لقد كانت هذه المرأة ضحية من ضحايا المجتمع الذي - حررها - فقذف بها إلى المصنع والمزرعة، وقال لها: "عليك أن تأكلي من عرق جبينك"، في بيئة مليئة بالأخطار، فتركها في حرية مشئومة ليس لها ولا للمجتمع فيها نفع، ففقدت الشعور بالعاطفة نحو الأسرة، وأصبحت بما ألقي عليها من متاعب العمل صورة مشوهة للرجل، أين هذا من الإسلام الذي فرض لها نفقة على الزوج والوالد وحث على إكرامها بنتا وزوجا وأمًّا.
ومن يزايد على ما كفله الإسلام للمرأة من حقوق، لقد بشر النبي - صلى الله عليه وسلم - مَن أكرم ابنته، وأعطاها حقها، ولم يفضل عليها الولد، فقال: "من كانت له أنثى، فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده - الذكر - عليها، أدخله الله تعالى الجنة" وأعجب من هذا ما كان منه - صلى الله عليه وسلم - في بعض مجالسه، فبينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - يحدثُ أصحابه، إذ جاء صبي، حتى انتهى إلى أبيه – في ناحية القوم – فمسح رأسه، وأقعده على فخذه اليمنى، فلبث قليلاً، فجاءت ابنة له، حتى انتهت إليه، فمسح رأسها، وأقعدها على الأرض، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فَهَلاَّ على فخذك الأخرى، ألا سويت بينهما؟) فحملها الرجل على فخذه الأخرى. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (الآن عدلت).
هل تدرك المرأة المسلمة حاجتها اليوم لأن تعي ماذا أريد بها في تلك الدعاوى التي عرفت بتحرير المرأة؟! وهل تستطيع المرأة اليوم بعدما وصلت إلى درجات عالية في الوعي أن تنشئ حركةً نسائية تنبع من داخلنا وتحقق رغباتنا؟! هل لها أن تقول كلمة الفصل في كل قضاياها العالقة بعدما كابدت العمل مع الرجل جنبًا إلى جنب لأكثر من نصف قرن، وخالطته في الجامعة والعمل، فخرجت بعشرات الآلاف من القضايا عن الزواج العرفي وإثبات النسب و العديد من المشكلات الاجتماعية!
20-07-2008
shareah.com
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785