الإعلام الديني بتونس، وحتمية التحول لأدوات دعاية
نموذج إذاعة "الزيتونة"
فوزي مسعود
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 13411
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا شك ان التونسيين ممن يلتقط إذاعة "الزيتونة" للقرآن الكريم، قد ألفوا تلك المداخلة المكررة في نفس التوقيت من كل يوم، وذلك بعيد السابعة صباحا، حيث ماانفكت الإذاعة تورد يوميا الحديث الضعيف التالي، وهو حديثُ عثمان بن عفان لابن مسعود رضي الله عنهما: ألا آمر لك بعطائك ؟ قال : لا حاجة لي به، قال: يكون لبناتك. قال: إني قد أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة ؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ كل ليلة أو قال في كل ليلة سورة الواقعة لم تصبه فاقةٌ أبداً"، وتورد إذاعة الزيتونة الحديث مختصرا، بصياغة عن ابن مسعود، قال لنهاية الحديث.
أحاديث ضعيفة:
وبداية فالحديث ذاته ضعيف، ولا يعرف مصداقية إذاعة تقدم محتويات مبنية على أحاديث موضوعة أو ضعيفة، ويحق للتونسي ان يطرح السؤال التالي: هل تفعل هذه الإذاعة ذلك متعمدة بتقديمها الأحاديث الضعيفة والموضوعة، أم إنها عاجزة على تبيان صحة الأحاديث من بعضها، فان كانت إذاعة الزيتونة تقدم متعمدة أحاديث موضوعة وضعيفة لتمرير محتوياتها، فان ذلك يعني هدم الأسس المبنية عليها أي اذاعة للقران من حيث انه يفترض فيها الحد الأدنى من الصدق والأمانة، وأما إن كان المشرفون على الإذاعة لا يعرفون بضعف المحتويات التي يقدمونها، فان ذلك يعطي فكرة على كفاءة الإطار العلمي العامل بها، كما يؤشر على ضعف التجاوب الشعبي مع هذه الإذاعة، وإلا فلا يتصور أن خريجي المعاهد العلمية الدينية بتونس (الزيتونة بدرجة أولى) ليس منهم من يعرف أمر ضعف هذا الحديث، وعدم تنبيههم للإذاعة لهذه النقطة، يعني عدم متابعتهم لها، وهو مايصب في معنى ضعف التجاوب الشعبي مع هذه الإذاعة.
فالأحاديث التي تتحدث عن فضل سورة الواقعة في طرد الفقر موضوعة أو ضعيفة بمختلف متونها، والحديث الذي يكرر يوميا بإذاعة الزيتونة بالتحديد ضعيف.
قال السَّرِيّ بن يحيى -أحد رواة الحديث-: وكان أبو فاطمة -مولىً لعلي؛ ويُروى أبو طيبة وأبو ظَبْيـَة- لا يدعها كل ليلة.
هذا الحديث مداره على (السري بن يحيى) وقد اختُلف عليه في إسناده على خمسة أوجه؛ فهو حديثٌ مضطرب لايصح، وقد ضعفه الإمام أحمد وأبوحاتم وابنه والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي والألباني وغيرهم . يُنظر في تخريجه:المطالب العالية للحافظ ابن حجر ( 15 /307- 312) والسلسلة الضعيفة للشيخ الألباني (1/ 457 رقم 289).
ليس يعنينا في الحقيقة تبيان ضعف الحديث من صحته، والحديث المعني ظاهر ابتداء انه ضعيف أو موضوع لأنه ببساطة يناقض الإسلام كلية، من حيث إلغائه لأسس التكليف وهي السعي، باستعاضته عن ذلك بتلاوة سورة من القرآن كما يزعم واضعو الحديث، وهذا المنطق هو الذي جعلني اجزم باستحالة صحة هذا الحديث وهو ما كان فعلا حينما قمت ببحث بسط تبينت من خلاله أن الحديث فعلا موضوع أو ضعيف على حسب السند.
وإنما بينا ذلك لإبراز عدم جدية القائمين على هذه الإذاعة، وان هذه الأخيرة أصلا لا يصح اعتبارها إذاعة للقران كما هو متعارف عليه في أماكن أخرى، وإنما يتعلق الأمر بوسيلة للدعاية ولتمرير الواقع.
فهم آليات العمل
لنحاول فهم بعض من طرق استهداف إذاعة الزيتونة للمستمعين التونسيين، من خلال عينة تكرار هذا الحديث بدرجة أولى:
- يكرر الحديث يوميا بعيد السابعة صباحا بدرجة أولى (وقد يكرر في أوقات أخرى، ولكن هذا لا ينفى الملاحظة التي نحن بصددها)، وذلك لان هذا التوقيت هو الأجدى لاستهداف اكبر عدد ممكن من المستمعين، حيث يكون اغلب الناس ساعتها متجهين لأعمالهم صباحا، وهو موضع اكبر احتمال لسماع الإذاعة (بالسيارات الخاصة أو سيارات التاكسي).
- تكرار محتوى معين وفي توقيت معين، يعني وجود قصد استهداف المستمعين، ولما كان الاستهداف يتعلق بمحاولة الإقناع بقبول الفقر من بعض الأوجه من حيث محاولة العمل على توجيه الناس لمخارج مفتعلة للبحث عن حلول للمشاكل الاقتصادية (الفقر)، كانت معنى ذلك أن إذاعة الزيتونة، تعمل بخلفية اقناع بالواقع وليس إقناع بمبدئ أو فكرة إسلامية ما.
- لما كان الغرض من عملية استهداف الناس هو محاولة الإقناع بشيء ليس من الإسلام، وإنما اقناع بقبول الواقع كان معنى ذلك ان اذاعة الزيتونة لا تعمل على تناول متون اسلامية الا كواسطة لتمرير الواقع والاقناع بقبوله، من خلال تذليل اكبر عامل توتر ورفض لدى الناس وهو البعد الاقتصادي (الفقر).
- إذا أخذنا العاملين: الواقع والمتون الإسلامية، ونظرنا لعلوية أي منهما في البرامج التي تقدمها إذاعة الزيتونة، فإننا نرى أن الإذاعة تجعل من الواقع عاملا ثابتا، بينما المتون الإسلامية هي المتغيرة، وثبات الواقع لدى إذاعة الزيتونة يعني ضمنيا انه عنصر مقبول ويجب القبول به، بينما تغير المتون الإسلامية (الاحاديث والقصص..) يعني أنها أدوات للإقناع بالواقع.
- والإقناع بالواقع، يتخذ مستويات متنوعة، منها تلك المبنية على زرع السلوكيات السالبة، ومنها تلك المبنية على زرع السلوكيات الموجبة.
- فمن العمليات الدعائية الموجبة التي تقوم بها إذاعة الزيتونة، عملها على دعوة الناس وتذكيرهم بفضل الصدقات والبر بالأرحام والتسامح وغير ذلك من الفضائل، وهي أفعال جيدة في ذاتها، ولكنها قد تكون سلبية نسبة لإطار اشمل، وهو حين تكون هذه المساعي كأدوات كبح عن حقوق أخرى، أو وسائل تعمية عن واجبات أخرى، فالتسامح جيد مع من يستحق التسامح، ولكن ذكر التسامح في موضع قصص الفساق والسكيرين للإيحاء ضمنا بوجوب التسامح مع أمثال هؤلاء بواقعنا، يصبح مجرد مسعى دعائي موجب لأهداف الإذاعة.
- ومن العمليات الدعائية السالبة، يمكن أن نذكر سعي الإذاعة لوأد المواقف المفترضة، ومن ذلك يمكن ذكر عملية ترديد الحديث الموضوع حول فضل سورة الواقعة في طرد الفقر، من حيث انه مسعى يهدف لإلغاء موقف وهو التذمر من الأوضاع الاقتصادية التي يحس التونسيون بوطأتها، فهذه العملية الدعائية لا ترمي من خلالها لجعل الناس يقومون بموقف (كما كان الحال مع موضوع التسامح المزعوم في حالات أخرى)، وإنما المطلوب هنا هو السكون، اي عدم التحرك، والقبول بواقع التردي الاقتصادي، والقيام بدل ذلك بترديد تلاوة سورة بزعمهم حتى يذهب الفقر.
- وبالتالي فعمليات الإقناع بالواقع، لا تعدو أن تكون عمليات تخدير، مستعملة المتون الإسلامية، وهو معنى الاستعمال الوظيفي للإسلام.
استحالة إمكانية وجود إعلام إسلامي بتونس، وحتمية تحوله لأدوات دعاية
سنبرهن هنا على استحالة وجود إعلام إسلامي بمجتمع يهان الإسلام في بعض جوانبه، ولا يرتكز للإسلام كمرجعية في كل مناشطه، وهو الحال بتونس، كما سنبرهن على أن وجود إعلام يدعي ذلك في انطلاقته (بقطع النظر عن صدقه في ادعائه)، لا ينفك أن يتحول إلى أداة دعائية بعد حين:
- إذا افترضنا أن الإذاعة المعنية (أي إذاعة) تعمل وفق الإسلام، فمعنى ذلك أنها لن تأتي بما يخالفه، ولن تسكت على مايخالفه مما قد تراه من منكرات بالواقع محل عملها.
- إذا افترضنا أن هناك إذاعة إسلامية اصطدمت بواقع يعج بالمنكرات، فموقفها لا يخلو من إحدى الحالات التالية: أما القيام بالواجب الشرعي وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأما السكوت
- أما القيام بواجب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف، فدونه الصعاب والعراقيل، وأما السكوت، فهو مؤشر على ضعف موقف لدى الإذاعة ناتج عن سبب ما.
- إذا أخذنا الأمر من جهة قيمة الأفعال: فالقيام بالواجب هو الفعل الدائم الايجابي، بينما السكون والصمت فإنه فعل سالب، وقد يتحول لفعل دائم من الجهة المقابلة أي فعل دائم سلبي.
- إذا أخذنا الأفعال من جهة تواصلها: فالقيام بواجب النهي عن المنكر فعل متواصل في الزمن، والسكوت موقف محايد لا يمكن أن يتواصل، والفعل السلبي (التخلي عن واجب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف والقيام أحيانا بما يناقضها) فعل متواصل في الزمن.
- ولما كان تواصل الأفعال زمنيا يحكمه عوامل الكبح أو المساعدة، فان عوامل الكبح والإعاقة التي تعترض مواقف النهي عن المنكر بمجتمع كتونس، تنتهي بان تحيل تلك الأعمال لسكون، بينما يمثل هذا المجتمع بما يعج به من منكرات وإعلاء من القائمين عليها، رافدا للأفعال السالبة المساعدة للمنكرات.
- وإذن فأي وسيلة إعلام إسلامية يمكن ان تقوم بمجتمع كتونس حاليا، لا تنفك إما أن تتلاشى (تلقائيا آو بفعل ضغوط أهل الباطل)، وأما إن أرادت البقاء، فانه يلزمها أن تتحول للطرف المقابل..
- ولما كان الطرف المقابل للحق، هو الطرف المتمكن من الواقع، فان المواقف التي ستدعو إليها وسيلة الإعلام التي انطلقت على أنها إسلامية وانتهت للطرف المقابل، لن تكون إلا منتجة لأعمال بما يرضي القائمين على ذلك الواقع، وهو مايعني في النهاية تحولها لمنتجة لأعمال الترويج للواقع القائم ولتسويقه.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
9-07-2008 / 13:13:40 ابو سمية
ناجحة بالنسبة لمن؟
قد تكون اذاعة الزيتونة ناجحة، ولكن ناجحة بالنسبة لمن؟
ولاشك ان المستفيد من نجاحها هو الذي سيشجع على اذاعات اخرى من نفس النوع.
الشيئ المؤكد هو ان الاذاعة لو نجحت فعلا في بث الاسلام الصحيح بين الناس لما افرح ذلك الكثير من الأطراف المؤثرة بتونس، وبالتالي لعملوا على إغلاقها، ولن يفكروا بالطبع او لن يسمحوا لمشروع اذاعة اخرى للقران الكريم
9-07-2008 / 13:13:40 ابو سمية