لماذا تحتضن أوروبا المرتدين المسلمين، وتنسق أنشطتهم؟
د. باسم خفاجي المشاهدات: 8686
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لماذا تحتضن أوروبا المرتدين، وتنسِّق أنشطتهم، وتدعوهم إلى توحيد جهودهم؟
في إطار دعم مالي وإعلامي غربي لم يُعلَن عن مبرراته حتى الآن؛ أعلنت مجموعة من الجمعيات الأوروبية التي تم تأسيسها مؤخراً للمرتدين عن الإسلام عن عقد اجتماع لهم في لاهـاي بهـولندا في يوم الحادي عشر من سبتمبر 2007م تزامناً مع ذكرى أحداث سبتمبر 2001م للتعريف بمشروع (الإعلان الأوروبي للتسامح)، وهو إعلان دولي للتعريف بحقوق المرتدين عن الإسلام، ودعوة الإنسانية إلى الدفاع عن تلك الحقوق المزعومة. شاركت منظمات للمرتدين عن الإسلام من كلٍّ من ألمانيا وبريطانيا والسويد والنرويج والدانمارك وفنلندا في هذا الاجتماع؛ بهدف التأكيد على حقوق أولئك المرتدين.
هل هذا حدث منفرد؟ أم مقدمة لهجوم جديد على الإسلام؟ إننا نحذِّر أن العالم سيشهد في الفترة القادمة ضغطاً إعلامياً وفكرياً على العالم الإسلامي؛ ليس للحديث عن حكم الردة في الإسلام، أو موقف الدول والدعاة والمصلحين من مفارقة المسلم دينَ الإسلام فقط، وإنما ستنتقل الحملة حول موضوع الردة إلى مرحلة الهجوم، بمعنى: أن هناك من سيقود نقاش المرحلة القادمة لكي يتركز حول حقوق المرتدين، وكيف تضمن الدول العربية والإسلامـيـة للمـرتـد العيـش بأمان كـونه إنسـانـاً بلا دين، أو التحول إلى دين آخر دون أي تمييز ضده، وحق ذلك المرتد في انتقاد الإسلام تحت شعار حريات التعبير، وحقه كذلك في الحديث عن أسباب تركه وارتداده عن الدين الإسلامي، وكذلك تمكين المرتد من دعوة غيره إلى ترك الإسلام، إضافة إلى حق تكوين الجمعيات والمنظمات التي ترعى حقوق المرتدين في العالم الإسلامي والعربي..كل ذلك سينطلق تحت شعار التسامح (المزعوم) وحقوق المرتدين، فكيف سيكون موقفنا؟
إن هذا المقال لا يبحث قضية الردة أو الموقف الشرعي منها، فهذا تخصُّص أهل العلم والفقه، ولكنه يلفت الانتباه إلى تنامي ظاهرة محددة، واتخاذها أبعاداً ودلالات سياسية وفكرية وإعلامية لم تحدث من قبل، ومحاولة فهم أسباب الدعم الغربي غير المبرر لها.
• منظمات المرتدين:
تأسست في أوروبا وأمريكا خلال الفترة القصيرة الماضية مجموعة من الجمعيات والمنظمات تحت شعار (المرتدون عن الإسلام) أو (Ex-Muslims) وهي ما يمكن أن يترجم حرفياً بالمسلمين السابقين، وهي جمعيات بدأت في ألمانيا، ثم بريطانيا، وكذلك الدول الإسكندينا?ية، وأخيراً هولندا في مطلع شهر رمضان من هذا العام (1428هـ).الجمعيات تحمل أسماء متشابهة، مثل: (المجلس الألماني للمرتدين عن الإسلام)، أو (المجلس البريطاني للمرتدين عن الإسلام)، وهكذا.
هناك من سيسارعون في ربط هذا التسلسل من الأحداث وتكوين المؤسسات في العديد من بلدان أوروبا تحت الشعارات والمسميات والأفكار نفسها، وربطها بالمشروع الأمريكي في العداء للإسلام والهجمة الغربية على العالم الإسلامي وعلى الإسلام تحديداً.
أما المتشكّكون في وجود عداء غربي للإسلام في الآونة الأخيرة فقد يرفضون ذلك، ولكنهم سيجدون صعوبة في تفسير تتالي هذه الأحداث التي تركز على موضوع الردة، والتعامل مع المرتد ليس في أوروبا، وإنما في العديد من دول العالم الإسلامي أيضاً.. فمن يتابعون الساحة المصرية ـ على سبيل المثال ـ يعجبون للانتشار المفاجئ لقصص من تنصّروا، ومن يرغبون منهم في ترك الإسلام، ومن يناقشون حدَّ الردة، وعدم إمكانية تطبيقه أو حتى عدم مشروعيته في عالم اليوم.
كما أن الفضائيات العربية قد اهتمت أيضاً مؤخراً بالموضوع نفسه بشكل مبالغ فيه، وصاحب ذلك حملات إعلامية تناقش حدَّ الردة، وتدعو العلماء والدعاة والمصلحين إلى بيان موقفهم من حدِّ الردة، دون سبب واضح لطرح الموضوع في هذه الآونة تحديداً أو أسباب ذلك. المهم أن الجميع سواء كانوا من أنصار نظريات المؤامرة أو من المتشككين فيها لن يختلفوا أننا نشهد مشروعاً فكرياً منظماً ودولياً لفتح النقاش حول ترك المسلم دينَه، وحقوق من يترك الإسلام، بل وواجبات المجتمع تجاه ذلك.
• أسباب الحديث عن الردة:
هل ما يحدث هو مجرد مصادفة؟ أم أنه انعكاس لرغبة دفينة عند بعض المسلمين لترك الإسلام؟ أم أنه تشجيع من بعض المنظمات والدول الغربية للطامعين في الحياة الغربية أن يتركوا الإسلام ليلتحقوا بالغرب من أجل زعزعة الكيان المسلم؟ أم أننا نشهد انتقال موجة التنصير من العمل الصامت والخفي إلى مواجهة العالم الإسلامي علانية؟ كلها احتمالات يمكن أن نختلف أيضاً حولها، ولكننا لا بد أن نتفق على أهمية مواجهتها والتصدي لها.. نحن أمام ظاهرة تنمو بقوة في العامين الأخيرين، وهناك أصابع خفية تسهم في تحريك هذه الظاهرة وتسعى إلى الاستفادة منها.
ما هي معالم تلك الظاهرة؟ لقد ارتدَّ فرادى عن الإسلام منذ فجر الدعوة، وطوال القرون الماضية كانت ظواهر الردة في مجملها ظواهر فردية، وأغلبها كانت تحدث داخل المجتمعات الإسلامية دون تضخيم لها.. هناك من ارتدَّ دون أن يعلن ذلك، وهناك من أراد استغلال الردة لمكاسب دنيوية، ومؤخراً مع تزايد الحضور المسلم في الغرب ظهرت حالات لترك الإسلام بين بعض المهاجرين خارج العالم الإسلامي، والالتحاق بأديان أخرى منتشرة في الغرب دون أن تتحول إلى ظاهرة لها بُعْد سياسي أو اجتماعي أو فكري.. ولا شك أنها في كل الأحوال كانت أحداثاً فردية لم تتحول أبداً إلى ظواهر عامة أو اجتماعية على مرِّ تاريخ الأمة الإسلامية، والأهـم أنها كانـت في معظمها ـ وعبر القرون الماضية ـ لا تحمل أي دلالات سياسية أو فكرية مرتبطة بالولاء لأمم أخرى، وإنما تعبِّر عن خيارات شخصية عقدية فقط.
أما في الفترة التي أعقبت أحداث سبتمبر2001م، فقد بدأ موضوع الردة يأخذ بُعْداً سياسياً وفكرياً ملحوظاً وغريباً أيضاً. فقد اهتمت بعض دول الغرب بشكل خاص بمن يرتدون عن الإسلام أو من يهاجمونه بعنف.. رغم أن تلك الدول تؤكد دائماً تقديرها للإسلام وعدم محاربتها له. تكونت في الأعوام الأخيرة تحديداً فئة تتكاثر بشكل ملحوظ، وهي فئة تعلن عن ارتدادها عن الإسلام ليس فقط لأنه خيارها الشخصي، بل لأنه أيضاً يعبِّر عن موقف سياسي من الإسلام، وأحياناً لأنه يحقق مكاسب شخصية لمن يتركون الإسلام. تدعم بعض دول الغرب تلك الظاهرة بكل قوة على المستوى السياسي والفكري والإعلامي أيضاً، وهو ما يطرح تساؤلات مشروعة عن أهداف تلك الدول الغربية من ذلك.
• أوروبا ودعم المرتدين:
لقد بدأت تلك الحملة تتشكل منذ أكثر من عامين، ولكنها اتخذت أشكالاً هجومية ومباشرة في العام الأخير فقط. ففي منتصف عام 2005م انطلقت في جنيف حملة منظمة ضد الإسلام يقودها الناشط الصهيوني (ديفيد ليتمان) ويشارك فيها كُتّاب يهود ومسلمون مرتدون. واستهدفت الحملة وقتها الربط بين إهدار حقوق الإنسان وتعاليم الإسلام، وبين التطرف الإسلامي والمسلمين. شارك في ندوات تلك الحملة الكاتبة البنجالية المرتدة تسليمة نسرين والسوداني سيمون دينج ـ الذي تمَّ تعريفه بأنه رقيق سابق ـ والنائبة الهولندية في ذلك الوقت والتي أعلنت ارتدادها عن الإسلام إيان هيرسي علي. ثم حدثت حوادث فردية متعددة ولكنها إعلامياً منظمة لأشخاص يعلنون تحدِّيهم للإسلام والارتداد عنه، وصاحب ذلك حملات إعلامية متزامنة لاستخدام هؤلاء الأفراد للهجوم على الإسلام كما رأينا في حالة سلمان رشدي ووفاء سلطان.
ومؤخراً قامت تلك النائبة (هيرسي) ـ والتي تمَّ نزع جنسيتها الهولندية بسبب الكذب في الملفات التي تقدمت بها لنيل الجنسية ـ بإصدار كتاب من الولايات المتحدة فـي فـبراير عام 2007م بعنوان (كافرة)، وهو كتاب يروي ـ كما تقول ـ: (قصة انتقالها من الإيمان بالدين إلى الإيمان بالمنطق)، وأنها قد وجدت أن (الإسلام الحق يؤدي بالضرورة إلى الوحشية). وقد حصل الكتاب مؤخراً على المرتبة السادسة في قائمة (نيويورك تايمز) لأكثر الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة.
وفي ألمانيا قام مرتدّون بتأسيس منظمة (المجلس المركزي للمرتدين) في برلين في الأول من مارس من هذا العام (2007م) لمحاربة الإسلام، وأعلنت تلك المجموعة أنهم قد أسسوا المنظمة لتشجيع الألمان على نبذ الإسلام وانتقاد الهيئات الإسلامية في البلاد. وقالت (مينا أحدي) الإيرانية المولد: إنها أسست المجلس المركزي للمسلمين السابقين كونه مؤسسة تقاوم ثقل منظمات زعمت خطأ أنها تمثل 3. 3 مليون مسلم ألماني ـ على حد قولها. وأضافت قائلة عن هدف مؤسستها: (يتعين أن ننتقد تلك المنظمات «الإسلامية»، ويتعين أن ننتقد الإسلام الذي يحط من قدر المرأة.. هذا هو سبب إنشائنا هذه الحركة).
كما أكدت (أرزو توكير) ـ التي شاركت في تأسيس المجلس الجديد، والمولودة في تركيا ـ خلال مؤتمر صحفي مهاجمةَ الجمعيات الإسلامية، قائلة: إن (السياسات المتسامحة للحكومة الألمانية وللبلدان الأوروبية الأخرى تجعل المنظمات الإسلامية مقبولة في المجتمع وهذا يعـني أنها لا تتغـير). فليس المطلوب فقط التسامح مع نشـأة منـظمة للمرتدين، ولكن الأهم ـ كما بينت المتحدثة ـ عدم التسامح مع المنظمات الإسلامية؛ لأن التسامح لن يجعل هذه المنظمات تتغير! هذه ـ ببساطة ـ أجندة المرحلة القادمة كما نحسب.
• مشروعات المرتدين:
أما عن المشروعات المزمع القيام بها، بالنسبة لهذه المنظمات التي تجمع المرتدين؛ فهي كثيرة، وتحظى بدعم مادي أوروبي لا تفسير له ولا مبرر إلا العداء للإسلام. ومن هذه الأنشطة حملة بعنوان (لقد تخلينا عنه We’ve Given it Up)، وهو مشروع يهدف إلى توضيح صعوبات الارتداد عن الإسلام، ومساعدة المرتدين على القيام بذلك. كما تهدف المنظمة القائمة على هذا المشروع إلى توصية الحكومة الألمانية وغيرها من الحكومات الأوروبية بعدم استقبال المهاجرين من العالم الإسلامي على أنهم مسلمون، وإعطائهم الفرصة للاختيار قبل الهجرة. كما تهدف المنظمة أيضاً إلى توصية الحكومة الألمانية بعدم التعاون مع المنظمات الإسلامية الألمانية.
وتبع الإعلان عن جمعية المرتدين الألمانية ظهور المجلس البريطاني للمرتدين، وذلك في يونيو من عام 2007م ـ ولنلاحظ هنا التتابع المتتالي للأحداث ـ بهدف الدعوة إلى التصدي للمنظمات الإسلامية البريطانية؛ كما تذكر المتحدثة الرسمية باسم المنظمة (مريم نامازي). كما أوصت المنظمة منذ اليوم الأول للإعلان عن نشاطها أن تقوم الحكـومة البريطانية بمنع كل أنواع المساعدة المالية عن المنظمات الإسلامية العاملة في بريطانيا، وأن تتوقـف الحكومة البريطانية عن التنازلات للإسلام السياسي ـ على حد تعبيرهم. وتهدف المنظمة ـ كما تعبِّر من خلال مطبوعاتها ـ إلى كسر العُرْف السائد بين المسلمين بعدم الهجوم على عقائد الإسلام ومبادئه، وكذلك تحدِّي الأعراف السائدة بعدم الإعلان عن الارتداد عن الإسلام! وقد أعلنت كل من الدانمارك والسويد والنرويج وفنلندا عن وجود فروع للمجلس المركزي للمرتدين عن الإسلام أيضاً في تلك الدول خلال الأشهر الماضية.
كما أعلن مؤخراً أيضاً في الولايات المتحدة الأمريكية عن موقع (المرتدون عن الإسلام) وهو موقع يهاجم الإسلام، ويروي قصص المرتدين عنه، والبطولات التي يقومون بها في المجتمعات المسلمة من أجل الحفاظ على حقهم المزعوم في الردة، والإعلان عنها والمناداة بها ـ كما يؤكد الموقع. وعنوان الصفحة الأولى للموقع باللغة الإنجليزية هو (لقد تركنا الإسلام)، وتؤكد الصفحة أن نبينا محمداً - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن أن يكون رسولاً، وأن القرآن ليس من عند الله - تعالى -، وأن هدف المشاركين في الموقع هو الإعلان أن الإسلام ليس ديناً، وإنما هي دعوة كاذبة للإرهاب والتضليل، وأن المسلمين هم الضحية الأولى للإسلام، وواجب المرتدين بيان ذلك لهم وانتشال المسلمين من الإسلام. يقول الموقع: (هدفنا أن نعلِّم المسلمين، وأن ندعهم يرون الحقيقة. إننا لسنا ضد المسلمين، ولكننا ضد الإسلام. وإننا نعمل بجِدٍّ لكي نعود بالمسلمين إلى الإنسانية. إننا نهدف إلى محو الإسلام كي تتحرر شعوبنا)!
وأُعلن مؤخراً أيضاً عن موقع أمريكي يقوم بجمع آراء المرتدين من خلال استطلاع للرأي يسأل المرتد عن سبب الارتداد ورأيه في الإسلام، والصعوبات التي واجهته، ويتم وضع النتائج في الموقع لكي يطلع عليها كل من يهتم بالتعرف على تجارب المرتدين عن الإسلام. كما سيصدر في أمريكا في هذا العام أكثر من خمسة كتب حول الارتداد عن الإسلام، وتجربة الحياة بعيداً عن الإسلام.
أليس من اللافت للنظر أن الهمَّ الوحيد لكل المنظمات والمواقع التي سبق ذكرها هو الهجوم الشديد على الإسلام.. وليس فقط الحديث عن حقوق المرتدين؟ ومن اللافت للنظر أيضاً أنه رغم أن معظم هذه المنظمات والمواقع تتحدث بصوت سياسي وفكري مرتفع ومتناغم، إلا أنها جميعاً لم تتحدث عن الموقف من الحرب على المسلمين أو ما يسمى بالحرب على الإرهاب. إن كانت الردة عن الإسلام هي موقف سياسي من أجل الحرية والديمقراطية.. فهل ما يحدث على يد قـادة بعـض دول الغرب مـن احـتلال وظلم وقتل وإبادة لا يستحق أن يشار إليه ضمن الاهتمام بشؤون المسلمين كما يقولون في مطوياتهم: إنهم ليسوا ضد المسلمين ولكنهم ضد الإسلام؟!
• مواجهة موجة الردة:
إن العالم الإسلامي يشهد مشروعاً متكاملاً للهيمنة الغربية والأمريكية تحديداً. وهذا المشروع قد اختار الإسلام عدواً رئيساً يجب محوه وإزالته كي تنجح الهيمنة. اختار المخططون لهذا المشروع استهداف البنية التحتية للإسلام بهجوم متواصل ومباشر يهدف إلى الطعن في الإسلام، والحد من دور المسجد، وتشجيع الارتداد الفعلي والعملي عن الدين، والحد من التعاطف مع الإسلام أو مع من يدافعون عنه، والهجوم المتواصل والمتزايد على رموز الإسلام، وعلى رأسها نبي الأمة صلوات الله وسلامه عليه.
الهدف واضح وهو القضاء على دور الإسلام في مقاومة مشروع الهيمنة بصفته الدرع العقدي والفكري والاجتماعي الذي حمى الأمة عبر تاريخها الطويل. فهل سنسمح لموجة الردة أن تنتشر وأن يدعمها الغرب؟ أم نقوم بتوعية أبناء الأمة بما يُكاد لهم؟
إننا بحاجة إلى تكاتف جهود الدول والجمعيات الإسلامية والدعاة والمخلصين كافة من أجل إنشاء كيان يقاوم (الارتداد عن الإسلام)، ولا يسمح لشياطين الإنس والجن أن يخدعوا أبناء الأمة، أو أن يحاربوا دينها.. ليس عيباً أن نتكاتف من أجل حماية المسلمين من الأخطار الفكرية كما نتكاتف لحمايتهم من الأخطار العسكرية أو غيرها.
هناك من يريدون هدم الكيان المسلم من خلال إشاعة الفوضى الفكرية والعقدية بين أبناء الإسلام، والدعوة إلى الجرأة على النصوص من أجل (وَهْم التسامح والتعايش مع الآخر) كما يقولون.
سيحاول هؤلاء أن يجرّوا دعاة الأمة ثم علماءها إلى موقف يبرر الردة عن الإسلام ويدافع عنها. وإن نجحوا معهم في ذلك فستكون الخطوة التالية هي مطالبة الدعاة والمفكرين أنفسهم بدعم حقوق المرتدين، وستكون هذه الحقوق غربية المنشأ، وغربية التوجه، وغربية المقصد أيضاً، وسيقع بعض الصالحين في فخٍّ غربي يُنصب لهم الآن عندما يتحدثون عن التسامح مع المرتدين.
أؤكد في النهاية على حقوقنا الدولية. فكما أنه من حق بعضهم ـ طبقاً للقوانين الدولية ـ أن يقيموا المنظمات التي تشجع على الارتداد عن الإسلام، فلنا أيضاً كل الحق ـ من الناحية الدولية أيضاً ـ أن ننشئ المنظمات والجمعيات التي تحمي المسلمين من الارتداد.. فلماذا لا ننفق الجهود والأوقات في حماية المسلمين وتعريفهم الصحيح بدينهم وعدالته وسماحته؟ وإن كان حقاً لنا أن نجتمع دولاً ومنظمات ومساجد وأفراداً من أجل حماية المسلمين على كل الأصعدة والجبهات؛ فإنه واجب تحتمه المرحلة وهو أن نهتم تحديداً بحماية أبناء الأمة من الردة عن الإسلام، وأن نقاوم ونكشف زيف دعاوى التسامح والتعايش الغربي في هذا السياق.
أرى أن الأمة الإسلامية ستشهد موجة عداء مموَّلة وموجهة في الغرب تستهدف تشجيع الردة على الإسلام.
سيتساهل منا من سيؤكدون أن للإسلام ربّاً يحميه، وأن المسلمين أوعى من أن يخدعهم أحد أو يسهل لهم الخروج عـن الإسلام، وأن الحـقوق الدولـية لا بـد أن تراعى هنا، وألا نقع أسرى لنظريات التآمر على الأمة. كل ما سبق قد يكون وجيهاً، ولا مانع منه، ولكنني أتذكر في هذا السياق كيف حذَّرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الفتن، وكيف أخبرنا أن من الفتن ما يجـعل الحـليم حيران، وأن دور المسلم الذي يدعو الله ـ - تعالى -ـ عقب كل صلاة أن يقيَه ويحميه من (فتنة المسيح الدجال) أن يلحظ أن أصل فتنة الدجال هو تزيين خروج المسلم عن ملّة الإسلام.
لقد حذَّرنا النبي ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ تحديداً من هذا النوع من الفتن الذي نحذر منه في هذا المقال.. فهل يكون مشروع (حماية المسلمين من الردة) هو المشروع الذي تتكاتف حوله الأمة الإسلامية بمجموع قواها ومواردها وقدراتها بهدف نصرة الإسلام في المرحلة القادمة؟
ثم لماذا لا تُؤسّس جمعيات مضادة للاحتفاء وتشجيع الداخلين في الإسلام والمتبرِّئين من أديانهم السابقة، وهم كثر ولله الحمد، ولهم تجارب مفيدة توضح سموَّ الإسلام وعظمته، والترويج لهذا الأمر في مواقع إنترنيتية باللغات كلها؛ لأنه لا يفلُّ الحديد سوى الحديد، والله من وراء القصد.
كما نذكِّر بعض العلماء الذين جاؤوا بطروحات انهزامية في أبحاث لهم عن الردة، أمثال: د. جابر العلواني في كتابه (لا إكراه في الدين)، والكاتب جمال البنا حيث يزعمون أن القرآن لم يتحدث عن أي عقوبات دنيوية للمرتدّ، وأن ما ورد في نصوص السنة من قتل المرتدّ يجب قراءته ـ بزعمهم ـ في ضوء القرآن، وأنه لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل مرتدّاً، وأن القائلين بقتل المرتدّ من الفقهاء يخلطون بين الردة بمفهومها الشرعي والردة بمفهومها السياسي، وهذه الآراء انهزامية نذكِّر أصحابها ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ بخطورة توجهاتهم تلك حتى لا يكونوا مع أعداء الإسلام في خندق واحد، وهذا ما يطالبون به كما ورد ذلك بجلاء في هذا الملف.
ألا هل بلّغت؟ اللهم فاشهدْ!
----------------
د. باسم خفاجي: مدير وحدة الأبحاث والدراسات في المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة، باحث مهتم بشؤون الغرب وعلاقته بالعالم العربي والإسلامي.
02-06-2008
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785