البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ماذا ربحت الديمقراطية العربية بإقصاء الإسلاميين؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 344



ماذا ربحت الديمقراطية العربية بإقصاء الإسلاميين؟.. هذا سؤال سابق لأوانه، بل هو سؤال حرام عند من حارب الإسلاميين وأقصاهم من كامل تجارب بناء الديمقراطية في البلدان العربية، وقد يجد فيه الإسلاميون تعزية عن آلامهم وخيبتهم، لكنه لم يكتب لأي من هؤلاء إنما نحاول النظر في التجربة لعلّنا نعثر على سبب الخيبة الكبرى، التي جعلت المواطن يختار بين نموذج السيسي وقيس سعيّد ويتظاهر بالتفاؤل أن في بلده صندوق اقتراع، وأن مسرحية الانتخابات تجري في الأقطار بشكل دوري.

ونحن نقف على عتبة صندوق اقتراع في تونس ونختار بين الكوليرا والطاعون للمرة الثانية، ننظر فنرى الإسلاميين مغيَّبين بل ممنوعين من المشاركة ومن الكلام. ونخصّص السؤال على الحالة التونسية لنعمّم لاحقًا ماذا ربح التونسيون، وتجربة البناء الديمقراطي خاصة من منع الإسلاميين من المشاركة.

التجربة التونسية مثال عن الإقصاء المنهجي
منذ اعتصام القصبة 2 في ربيع 2011 وظهور الإسلاميين من خلفها بحجم وازن، في ما سُمّي بصلاة الجمعة الحاسمة، بدأت آلة الإقصاء تشتغل بشكل منهجي لمنعهم من الاستيلاء على الثورة وعلى مخرجاتها، رغم أنه لم تصدر منهم أية نوايا بالاستيلاء، فكانت حكومة الباجي المؤقتة، وكانت لجنة بن عاشور التي وضعت قانونًا انتخابيًا على مقاس إقصائي بحيث لا يفوز الإسلاميون فيها بأغلبية، وكانت اتضحت الصورة في الداخل وخاصة في الخارج: ليس لغير الإسلاميين جمهور ينافس به في الصندوق.

لكن توافقات كثيرة حصلت بفضل تنازلات جبارة من الإسلاميين أنفسهم، فانطلق مسار التغيير بمشاركة مضبوطة، وأفرزت في الأخير نوعًا من الاستقرار الهشّ وانتهت بدستور مقبول، ثم كانت انتخابات 2014 التي رسّخت القانون الانتخابي الإقصائي وأعادت ثقل المنظومة البائدة إلى الحكم، لكن الحياة الديمقراطية ظلت ممكنة وإن شابتها حرب إعلامية وشيطنة تضع كل الأوزار على الإسلاميين، وتعفي شركاءهم الفائزين بالرئاسات الثلاث.

كانت فترة متّسمة باستيلاء غير ديمقراطي على مفاصل الإدارة، تقابله تنازلات لا تنتهي من الإسلاميين حفاظًا على المسار من الانكسار. وكان لليسار في هذه المرحلة دور حاسم في تنفيذ الأجندة الإقصائية، بواسطة نقابته التي تحولت إلى حزب سياسي يعطّل كل فعل وكل حركة، دون طرح السؤال لماذا أو السؤال ماذا سيربح البلد ومسار بناء الديمقراطية من إقصاء الحزب الأكبر في البلاد من المشاركة؟

رغم ذلك لم يندثر الإسلاميون، وحافظوا على كتلة متماسكة فازت كحزب أول في انتخابات 2019. نتيجة ضاعفت الإقصاء المبرمَج، فانتهى المسار بانقلاب وعادت منظومة الحكم إلى تصفية الإسلاميين بنسق أقل من نسق مجزرة بن علي، لكن نتيجته الظاهرة الآن أن الإسلاميين أُخرجوا تمامًا من دائرة الفعل، وحُشروا في زاوية الدفاع عن وجودهم الجسدي.

وفي هذه اللحظة يستعد البلد لانتخابات رئاسية لا يمكن بأية حال أن يشارك فيها الإسلاميون لا بالترشيح ولا بالتصويت، وقد تبيّن منذ مرحلة التزكيات أن كل من لم يتحدث بإقصائهم في المستقبل تم إسقاطه من غربال الهيئة الانتخابية، بما يكشف النية المكشوفة أصلًا أن في مرحلة 2024-2029 لن يكون للإسلاميين من مكان إلا السجون والمنافي. أما عن فائدة البلد والديمقراطية من ذلك فسؤال حرام.

مسار عربي يتجاوز الحالة التونسية
إنما نذكر من تنفعه التذكرة أن مسار إعدام الإسلاميين وإقصائهم من المشاركة السياسية هو مسار عربي شامل يمكن الرجوع به إلى الخمسينيات، وقد تراكمت فيه الممارسات في كل قطر، وبلغ الأمر أن القانون السوري يحكم بالإعدام على من يُشتبه في انتمائه إلى جماعة الإخوان. ولقد ترسخ تاريخ الجماعات الإسلامية ومن سار سيرتها كتاريخ مطاردات، شملت حربًا أهلية في الجزائر بعد أن أخطأت منظومة الحكم بتنظيم انتخابات، وشملت حتى الانقلاب على انتخابات في الأرض المحتلة فازت بها حركة حماس.

استمر الوضع بعد الربيع العربي يشارك الإسلاميون في فورة الحماس الثوري، فيفوزون بجزء مؤثر من السلطة (حالة تونس ومصر وليبيا) فيتم الانقلاب عليهم بشكل مباشر (مصر) أو بشكل متدرّج (تونس) أو بتقسيم البلد (ليبيا). وتكون النتيجة ركنهم على جنب لتستمر السياسة دونهم، ويظلون في حالة دفاع عن وجودهم الأدنى كبشر محرومين من حقوقهم في المشاركة.

من المستفيد من ذلك؟ هنا نجد أنفسنا مضطرين لقول لا نشك في صحته: منظومات الحكم في الأقطار العربية تتوافق بشكل كلي في إقصاء الإسلاميين مع مطلب الدول الغربية التي تحارب الإسلاميين في بلدانهم، ويتضح الأمر أكثر في حالة المستعمرات الفرنسية السابقة، التي لا تخفي فيها فرنسا عداءها المطلق للحركات الإسلامية وللإسلام عامة (وهي تقود حربًا أوروبية غربية على هذه الجبهة). وقد زادت حرب الطوفان في توضيح الصورة، فالحرب تشن في غزة على حركة حماس بصفتها حربًا على إسلاميين أكثر من كونها على حركة تحرير.

حرب شاملة وعامة وطويلة ودموية تجري منذ الخمسينيات حتى الآن، والأغرب أنها تجري تحت مسمّيات بناء الديمقراطية في الأقطار العربية. والنتيجة؟ إسلاميون معذّبون في الأرض، وديمقراطية مثيرة للشفقة بل للقرف.

الصورة الأخيرة من المشهد التونسي
مشهد انتخابي يتحمّس له كثيرون، حتى أن الداعين للمقاطعة مرتبكون أمام حماس الطبقة السياسية. لكن في غياب كلّي للإسلاميين يبدو المشهد مثلومًا ثلمًا كبيرًا. حزب النهضة الإسلامي ممنوع من الحركة وبغير حكم قضائي، أُغلقت مقراته المركزية والمحلية، ووُضعت قيادات الصف الأول في السجون من دون اتهامات، بما عطّل ماكينة الحزب وشتّت كتلته الناخبة.

فكان قرار الصمت التام عن الترشيح وعن التزكيات، ونراه يقاطع انتخابات لا تعد بأي تغيير. ولكن السؤال الجوهري لم يطرحه أحد، ولا نراه يطرح علنًا ماذا بقي في الساحة السياسة من قوة فاعلة بعد تغييب الإسلاميين، أو بصيغة أقل تعقيدًا هل ربح الديمقراطيون الذين أقصوا الإسلاميين شيئًا من فعلهم الإقصائي؟

لقد انكشف الديمقراطيون بكل أطيافهم كجماعات سياسية صغيرة جدًّا قائمة على زعامات فردية بلا جمهور، فأكثرهم شعبية لا يجمع مظاهرة بـ 100 شخص، وهم يرون جمهور حزب النهضة المحايد ويحرضونه على معارضة في الشارع، لكنهم لا يجدون الشجاعة للحديث معه كشريك صاحب حق، بل يغازلونه كوسيلة نقل مجانية إلى بغيتهم. وهنا ينكشفون أكثر كقوى استئصالية لا تؤمن بحق الناس في الاختيار إلا إذا اختاروهم، بما يضرب العملية الديمقراطية في العمق.

انتخابات تونس في عام 2024 لن تكون انتخابات ديمقراطية، لا لأن المنقلب يصرّ على خوض السباق وحيدًا، بل لأن المشهد برمّته مطعون بعقل استئصالي، وما يفعله المنقلب هو الاستفادة دون دفع أي ثمن من إقصاء الإسلاميين، المنافس الحقيقي الذي يملك الشارع أو يمكنه أن يزن في الصندوق.

نختصر، لقد تمّ منع الإسلاميين من الوجود ومن المشاركة، فانعدمت فرص تطوير الديمقراطية، ونعمّم النتيجة بلا عناء على مصر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب، ونرى المستفيد الأول من كل ذلك أنه الغرب الاستعماري قبل النخب المحلية التي تمارس الاستئصال بالوكالة منذ 70 عامًا.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، إنقلاب قيس سعيد، فرنسا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-08-2024   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد الياسين، د. طارق عبد الحليم، محمد علي العقربي، المولدي الفرجاني، محرر "بوابتي"، وائل بنجدو، د- محمد رحال، يزيد بن الحسين، ماهر عدنان قنديل، د. خالد الطراولي ، محمد العيادي، أحمد ملحم، خالد الجاف ، سامر أبو رمان ، حسن الطرابلسي، رشيد السيد أحمد، صفاء العراقي، فتحي العابد، تونسي، سعود السبعاني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رافد العزاوي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. أحمد بشير، علي الكاش، رافع القارصي، محمود فاروق سيد شعبان، عراق المطيري، عبد الغني مزوز، سلام الشماع، حميدة الطيلوش، أحمد الحباسي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الله زيدان، الناصر الرقيق، عمار غيلوفي، الهيثم زعفان، أبو سمية، سامح لطف الله، د - محمد بن موسى الشريف ، منجي باكير، د- جابر قميحة، أنس الشابي، د- محمود علي عريقات، د - صالح المازقي، عبد العزيز كحيل، أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، طلال قسومي، صالح النعامي ، صباح الموسوي ، إسراء أبو رمان، مصطفى منيغ، محمد عمر غرس الله، علي عبد العال، صلاح الحريري، د- هاني ابوالفتوح، طارق خفاجي، د - شاكر الحوكي ، د.محمد فتحي عبد العال، سفيان عبد الكافي، حسني إبراهيم عبد العظيم، إيمى الأشقر، بيلسان قيصر، فتحـي قاره بيبـان، د. صلاح عودة الله ، مجدى داود، محمد الطرابلسي، د - عادل رضا، مصطفي زهران، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمود طرشوبي، صلاح المختار، ضحى عبد الرحمن، محمد أحمد عزوز، د - الضاوي خوالدية، صفاء العربي، محمود سلطان، إياد محمود حسين ، عزيز العرباوي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سيد السباعي، أ.د. مصطفى رجب، رضا الدبّابي، أشرف إبراهيم حجاج، عمر غازي، رمضان حينوني، حاتم الصولي، فتحي الزغل، جاسم الرصيف، حسن عثمان، كريم السليتي، د. أحمد محمد سليمان، محمد اسعد بيوض التميمي، عواطف منصور، المولدي اليوسفي، د - محمد بنيعيش، العادل السمعلي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد يحي، كريم فارق، ياسين أحمد، يحيي البوليني، د. مصطفى يوسف اللداوي، مراد قميزة، نادية سعد، سليمان أحمد أبو ستة، محمد شمام ، الهادي المثلوثي، أحمد النعيمي، عبد الله الفقير، عبد الرزاق قيراط ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فوزي مسعود ، فهمي شراب، د. عبد الآله المالكي، د - مصطفى فهمي، سلوى المغربي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة