الدكتور ابو فراس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 8650
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشبه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ) صدق الله العظيم
يطلق رجال السياسة على حركات أو مراحل أو أمر ما، بأنه تاريخي. وهنا يعني الأمر ودرجة ملائمته لقوانين التطور التاريخية. ولكن السياسيون ليسوا دائماً علماء، ليسوا علماء تاريخ أو سياسة، بل على العكس من ذلك، إذ نادراً ما يكون السياسيون علماء، وتلك مسألة يجري نقاشها من عهد أفلاطون وحتى يومنا هذا. ولطالما كانت مدار محادثات بين علماء السياسة والتاريخ.
ولا يخفي القادة السياسيون، (اقصد بالضبط رجال الحكم)، تبرمهم وضيقهم من رجال العلم، بسبب اعتراض العلماء على أحكام وقرارات قادة السياسة. فرجل السياسة يميل على اعتماد أدوات ووسائل لا يقيم لها عالم السياسة وزناً خطيراً، وله، لرجل السياسة، وسائل لإدراك رأي الناس وميولهم وقبولهم وسخطهم، لا يعترف بها العلماء. ورجل السياسة يميل إلى الأدلة المادية والعقلية. وفي قراره على قدر من المغامرة والمجازفة، قليلاً أو كثيراً، معتمداُ على شجاعته الفردية وحكمته وبعد نظره، وزعامته الفذة وكاريزما لا يقصر المنافقون في تعداد جوانبها...الخ، فيما يميل عالم السياسة أو التاريخ إلى اعتماد معطيات واقعية يمكن حسابها بدقة قدر الامكان. وليس نادراً ما سمعنا أن حاكماً ضاق ذرعاً بنصائح مستشار (يحيط رجال السياسة عادة أنفسهم بعلماء ولكنهم لا يصغون إليهم)، لم يحسن أسلوب إسداء النصح فأدى به ذلك سفيراً في دولة نائية ! هذا إن كان حائزاً على رضا الله والوالدين !!
ورجال السياسة الفرس يتمتعون بالدهاء وبطول النفس، المطاولة. وتلك نتيجة للمزاج الشرقي المحب للتأجيل والتأني، كما للطقس الطعام ولأشياء أخرى كثيرة منها على سبيل المثال: الأمثال الكثيرة التي تساق كحكم وعبر تحث على التأجيل والزيادة والاستزادة في التأكد، وما إلى ذلك.
ولكن على الرغم من ذلك، فالزعيم السياسي الفارسي يبدأ بفقد صبره عندما يكون على قاب قوسين أو أدنى من قرص الحلاوة، وفقدان الصبر يتميز بعدة مظاهر منها: يفقد التركيز على دقة أداء الدور المسند إليه فيحاول تجاوزه، حينئذ يتلقى ما يعيده على موقعه وتذكيره بأنه ما هو سوى لاعب ضمن فريق، وللفريق كابتن يتميز بغلظة القلب وقلة الحياء عندما يتعلق الأمر بالأعمال، وما ينجم عنه أيضاً أن يتعجل هذا الخطأ هتك سر قبل أوانه.
ولكن الخطأ الأكبر والأعظم يتمثل بتقديرنا بالقراءة الخاطئة للمعطيات التاريخية وبالتالي التوصل إلى استنتاجات خاطئة. ويركب هوس العظمة العقل الفارسي فلا يعد يستطيع الفكاك من جنون العظمة، ومع تشجيع النظارة، وهي عملية تسخين رائعة يمارسها الفرس بإتقان ما فيه عيب سوى أنه كما هو سريع المفعول، فإنه سريع التبخر والزوال أيضا. ليتحول المشروع السياسي المكتوب بإتقان على الورق، وربما كانت بدايته حسنة الأعداد والإخراج، وحتى التمثيل، ولكن الأمر ينتهي في آخر الأمر إلى كوارث.
والسر الخطير الذي هتك أخيراً، بعد ناور الفرس حوالي خمسة عشر عاماً للحفاظ عليه، بل واستطاعوا أن يغشوا الكثير من الناس، وممارسة للباطنية هم مبتدعوها، استطاعوا أن يغشوا بممارسة سياسة التشكي والتظلم وتوزيع التهم، ولكن في النهاية فإن حبل الكذب قصير، وسالت الأصباغ على وجوه الممثلين، وإن عليهم أن يخضعوا لاستجواب التاريخ، ومن ثم لقراراته القاسية، لكن العادلة !
اليوم صار شبه معلناً حتى لمن ينظر للأمور بعين واحدة ! بروز محور واشنطن، تل أبيب، طهران. هناك نظرية قديمة وشائعة، في التحقيق والتحقق. والنظرية تقول: من المستفيد ؟... والحقائق أمامنا تصرخ وتضج. ومن نافلة الكلام أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى من أجل مصالحها، بل تقاتل، بل تسفك دم مواطنيها من دافعي الضرائب ومن الناخبين، ومن البديهي أنها تفعل ذلك لمصلحتها هي وليس لمصلحة غيرها، بما في ذلك اقرب حلفائها، الإنكليز مثلاً، وقد شاهدنا ذلك بوضوح تام. وعلى الآخرين، حلفاء مشاركين كانوا، أم مساهمين، أو حيوانات قمامة، من ضباع وثعالب وأبناء آوى، وإبداء الأدب، وانتظار الدور في التمثيل والتنفيذ وأخيراً تنظيف ميدان الوليمة، وأخيراً تناول حصته من الحفلة، دون تذمر أو استياء.
فمن المستفيد ؟
والحق، فإن الفرس نفذوا الدور على وضاعته، وإن ليس بدقة الصهاينة أو الإنكليز، ولكن مع ذلك لم يطردهم مدير العمل لإدراكه تشوقهم أداء هذا الدور. فعندما يتعلق الأمر بعداء العرب والإسلام، يتململ في قلب الفرس لوعة قديمة، وإذا صاحب ذلك تحرك فعلي فلا يطيق الفرس صبراً، أما إذا أنطوى الأمر على إيذاءهم، فأنهم يفقدون كل حلم وصبر واتزان، وهذا ما فعلوه عام 1991، ولكنهم أساؤا التنفيذ وتلقوا العقاب، وتحلوا بعدها بآخر قطرة صبر في دكاكين الصبر ليلعبوها بدقة، وهكذا كان.
ومع ذلك، في مستهل مرحلة ما بعد الجولة الأولى، فارقتهم كل أمكانية أن يبدو بمظهر الرزين المحترم، وها هم يلعبون الدور برداءة مخجلة، وها هو أمامنا محور: واشنطن/ تل أبيب/ طهران. فهم يطرحون أنفسهم بجلاء كمستفيدين وحيدين في ميدان لعبة الأمم المعاصرة في القرن الواحد والعشرين.
والغريب المدهش، أن المتتبع لمعارك الفرس عبر التاريخ، يلاحظ أنهم يخوضون معاركهم السياسية والعسكرية، بنمط واحد، وتنتهي معاركهم على ذات الوتيرة والنمط، أسلوب لا يستطيعون منه فكاكاً، وليس غواية بالنتائج الكارثية، بل أن الفرس يعاندون من عقد نفسية دفينة غائرة في العمق، ولسباب شتى فهم يشعرون أنهم في علبة مغلقة لا بد من النفاذ منها، ولكن كيف ؟ ذلكم هو السؤال الجوهري !
نعم، هناك أسلوب الانفتاح على دول الجوار بكافة الاتجاهات وإقامة صلات ودية على أساس احترام مصالح الجميع. ولكن أنى ذلك والفرس قد اعتادوا أن ينالوا ما يريدون عنوة أو خلسة سيان، ولكن ليس نهاراً جهاراً وعلى رؤوس الأشهاد وبرضى جميع الأطراف، فتلك تبدو صعبة على من يعاني عقدة الزعامة والعظمة والغطرسة، وادعاء ما لا يملك.
قادت هذه العقد والمشاعر إلى عداء للعرب لم يجدوا منه خلاصاً لم يخفف من غلواءه حتى الإسلام. تلك العقدة/الأزمة، الصامتة الكامنة حيناً، والصاخبة الصارخة أحياناً كثيرة. فهم اعتقدوا أنهم إن أدخلوا بدعهم الزرادشتية والمزدكية إلى الإسلام، بأنهم سيصنعون إسلاماً على طريقتهم، أو يحمل نكهة الديانات الفارسية، بأنه سيكون شيئاً ليس عربياً خالصاً، وهنا فقط بالكاد سيكون شيئاً مقبولاً لهم !
وأخطأ الفرس هذه المرة تماماً فالإسلام ليس عربياً، أو بالأحرى ليس موجهاً للعرب فقط، بل هو موجه لأقوام لم تكن مكتشفة بعد يوم نزل الإسلام، كالأمريكيتين مثلاً، نعم شرف الله عز وجل، العرب بحمل الشعلة الأولى، وهو بلا شك شرف عظيم نحمد الله سبحانه، ونتقبل بسرور ما ينجم عن هذا التكليف الإلهي، من خير وشر وليس من الضروري أن نتحدث عن اختيار الله لهذه الأمة، فتلك إرادة إلهية غير خاضعة لمجادلة بني البشر.
ويحلو للفرس فهم الحقائق على الطريقة التي تحلو لهم، وبها يفسرون الآيات القرآنية، أما الأحاديث فهم لا يتورعون، اختراع ما يناسب أطروحاتهم منها، معتقدين، أن طالما أن الأمر يتحمل الدس على الحديث، فلما لا ؟
وقد حضرت مرة مناسبة من هذه وكنا في مجمع أوربي نتبادل وجهات النظر ونشرح للأوربيين وجهات نظرنا ونحاول تصحيح بعض ما ألقاه الأعلام الصهيوني فيهم من سموم، فإذا بي أسمع فارسياً من خلفي يصب الافتراءات على القرآن وعلى أحاديث الرسول (ص)، قائلاً أن الرسول قد تنبأ بانتصار الروم، كما أنه تنبأ بقدوم قوم من الشرق ينقذون الإسلام ويصف هؤلاء القوم على أنهم الفرس. فقمنا بإيضاح: أن نصر الروم هو أمر ألهي قد ورد في القرآن :" غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون " 3 ت الروم)، والرسول(ص) لم يتنبأ بشيء من هذا بل إن آية تنص :" قل لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب " 50 الأنعام).
ويختلط الجهل بالتزوير عند الفرس في تفسيرهم للقرآن، ليس بسبب جهلهم أو ضعف معرفتهم باللغة العربية، بل بسبب عدم دراستهم القرآن واكتفائهم بحفظ الأدعية، وما إلى ذلك، ثم هناك الآفة الأخطر المتمثلة بالتأويل الفاسد القرآن، وهي من الكبائر أن يفتروا على الله كذباً والعياذ بالله: " ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعي الإسلام " 7 ـ الصف).
ثم أن فارسياً آخر يدعي العلم، ويدعو الناس للجهالة، ويسيء للإسلام حيال الأوربيين بتزويره أحداث ومداخلات صلح الحديبية، حتى استقر رأي الرسول على عبارة :" باسمك اللهم " فأدعى الفارسي أن العرب في الجاهلية لم يكونوا يعرفون الله. فأوضحنا للجمع الأوربي، أن العرب كانوا يعرفون الله ولكنهم كانوا يشركون به، متخذين من الأصنام والأوثان والأحج&;;#1575;ر زلفى يتقربون بها لله تعالى. فأحتج الفارسي على كلامنا، فسألته أمام الحضور: قل لي ما كان اسم والد الرسول(ص). وأمتنع الفارسي، ولم يشأ أن يعترف إلا بعد أن أحرجه الحضور. وهذا الفارسي هو رجل له أهميته الثقافية والسياسية. وتلك أمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون.
وبوسع كل لبيب أن يشاهد بوضوح جلي في أي محفل ثقافي أو فكري أو سياسي في أوربا كيف يغتم بل ويتوسل الفارسي أي مناسبة تحتمل التهجم والافتراء على العرب والإسلام، ويستوي في هذا جهلتهم ومثقفيهم وعلمائهم وقادتهم السياسيين، وليس الأمر بسوق حقائق موضوعية، بل هي توليفة أكاذيب مدهشة يعتني الفارسي اشد العناية بخلطها وتزويق حديثه والتذلل لمحدثيه ليمرر أكاذيبه وافتراءاته، ولكن هيهات له ذلك، فالناس أذكى من أن يجرعوا عنوة السموم الفارسية مذاقة في عسل رخيص مر.
إنهم يحاولون دون توقف، منذ الحركة الشعوبية، بل قبلها، منذ أن أقدم أبو لؤلؤة الفيروزي على فعلته، وله اليوم في بلاد فارس نصب مهيب ! ، يحاولون بأساليب وطرق شتى أن يوقفوا شعاع أطلقه الله سبحانه: " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون " 32 ـ التوبة).
-----------
ملاحظة: الدكتور ابو فراس هو كاتب عراقي، فضل عدم نشر اسمه (الذي امدنا به) لدواع أمنية كما قال
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: