وإن كانت الحملة في هذه المرة أشد ضراوة بسبب ضغط الغربي لتفصيل إسلام أمريكي يناسبهم، مدعومة بترسانة إعلامية هائلة، تضخ الشبهات ليل نهار، وتصطاد بتفنن مهني أمثال أولئك المميعين الحقيقيين للدين، كي تبرزهم أمام أجيال الأمة على أنهم النخب الفكرية الواعية المستنيرة، وبأنهم الفقهاء العصريون الذين تحتاجهم الأمة، إلا أنني على يقين وإيمان، بأنها موجة سراب، وهوجة زائفة لا تلبث أن تتراخى وتموت، وستلحق بأخواتها كثيرات ممن انتهين في أرفف التاريخ، كعلامات شائهة سوداء تعود إليها الأجيال للتندر والعظة.
تعالت الأصوات بعد أحداث 11 سبتمبر بضرورة "عصرنة" الدين وتجديد أحكام الإسلام، ولمس المجتمع والنخب المثقفة تصاعد وتيرة هذا التنادي في وسائل الإعلام المتنوعة.
ومع تعدد هذه الأصوات وانطلاقها من أمكنة مختلفة، اختلط مفهوم التجديد، وتاهت حدوده وتفاصيله، بل وحتى كنهه. أهو تجديد في أحكام الإسلام ليتناسب وذائقة العصر بما يريده الغربي منا، أم حلحلة "مداميك" الفقه الذي جمد منذ قرون، وبث الحراك الفقهي المتنوع عبر مدارسه العديدة، بما يقول به البعض. وهل لهذا الأمر ضوابط ومرتكزات علمية راسخة تقوم عليه، أم أن الأمر مجرد تمييع لأحكام الإسلام للتفلت منه؟
لا شك بأن كثيرين ممن طالبوا بتجديد دماء الفقه، وحثوا الفقهاء بالفتوى في هذه النوازل المتتالية على الأمة، و"عصرنة" الفقه على أصوله الشرعية، هم ممن يريدون الخير لهذه الأمة، وهم محبون لهذا الدين، راغبون في أن يسود حياة المجتمعات الإسلامية.
يقابل هؤلاء أصواتٌ اتخذت شعار التجديد غرضا للطعن في أحكام الدين، ومحاولة للالتفاف على الأحكام الشرعية التي تسيّر حياة الناس. ووقتما طولبت هذه الفئة الأخيرة بتبيان ضوابطهم ومرتكزاتهم العلمية التي على أساسها يبنون فكرة التجديد، إذا بنا أمام خلط عجيب وأسس هشة، رابطها جميعا الهوى عياذا بالله. فرجل مثل محمد شحرور يجيز العلاقة بين أي رجل مع أية امرأة خارج الحياة الزوجية بشرطين اثنين: ألا تكون المرأة متزوجة، وان تتم الممارسة المحرمة في خلوة!!..أي تجديد هذا ستتقبله الفطرة السوية التي لم تتلوث بهذا الهوى الطاغي..
دونكم مثال آخر، في المفتى الجهبذ جمال البنا، وهو لا يرى باسا في القبلات بين الشباب والشابات، وقبلهما المفكر المستنير جدا حسن حنفي يصف رمي الجمرات بأنها أعمال من بقايا الوثنية..وقائمة طويلة من مفكرين لا ينتهون، كلهم يريد الالتفاف على أحكام الإسلام بدعوى التجديد والعصرنة، وسننتهي مع هؤلاء ذات يوم بدين له أحكام صورية لا يربطها إلا هوى هؤلاء النفر..
على مدى تاريخنا الإسلامي، تكرر أمثال هؤلاء، وحفظ الله لنا الدين بعمقه وتألقه وبهائه وأحكامه، التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها. وإن كانت الحملة في هذه المرة أشد ضراوة بسبب ضغط الغربي لتفصيل إسلام أمريكي يناسبهم، مدعومة بترسانة إعلامية هائلة، تضخ الشبهات ليل نهار، وتصطاد بتفنن مهني أمثال أولئك المميعين الحقيقيين للدين، كي تبرزهم أمام أجيال الأمة على أنهم النخب الفكرية الواعية المستنيرة، وبأنهم الفقهاء العصريون الذين تحتاجهم الأمة، إلا أنني على يقين وإيمان، بأنها موجة سراب، وهوجة زائفة لا تلبث أن تتراخى وتموت، وستلحق بأخواتها كثيرات ممن انتهين في أرفف التاريخ، كعلامات شائهة سوداء تعود إليها الأجيال للتندر والعظة.
-------------
عبد العزيز محمد قاسم
المشرف على ملحق (الدين والحياة) بصحيفة عكاظ السعودية
29-04-2008
alasr.ws
Warning: mysql_fetch_array(): supplied argument is not a valid MySQL result resource in /htdocs/public/www/actualites-news-web-2-0.php on line 785