البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل تعالج الساحات العربية أعطابها على ضوء صمود غزة؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 550



حتى أكثر أحباب المقاومة لم يكونوا يتوقعون صمودها حتى اليوم المائة من حرب طوفان الأقصى. لقد تجاوزت بكفاءتها وشجاعتها قدرة أنصارها على تخيل صمودها، ولقد راهن كثير من أعدائها على انهيارها في الأسبوع الأول في الشهر الأول ثم في الشهر الثاني ثم الثالث وكانوا في انتظار إعلان الاستسلام، لكن مؤشرات كثيرة تفيد في هذه اللحظة أن العدو هو من يبحث عن مخارج تجنبه إعلان هزيمة صريحة، والأمريكي الذي جاء منتصرا ومهددا يوم التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر يأتي الآن مخلوع القلب لينقد ما يمكن إنقاذه من الكيان الذي تهشم جيشه وانهارت عزيمته وصار يحصي مصابيه ومعوقيه ويخفي أرقام قتلاه حتى عن جمهوره البائس.

لن نكتب في تمجيد المقاومة ولكن نعرج من ساحة الصمود في غزة على ساحات عربية ميتة ونطرح السؤال: هل تعدل هذه الساحات من خذلانها وتنتصر بصمود غزة على نفسها وتعيد بناء خطط المستقبل لقوم منتصرين؟

غزة معركة قومية خذلها قومها

لست من صاغ بديهة أن معركة تحرير فلطسين هي معركة تحرير أمة محتلة بشكل مباشر وغير مباشر، ولست من ربط مصير النهوض العربي بتحرير فلسطين. هذه بديهة تربت عليها الأجيال وصنعت خيالها النضالي منذ النكبة بل ربما قبل النكبة، لذلك لم يكن مستغربا أن تنتظر غزة من أهلها (العرب) أن ينصروها بما في أيديهم من معونة ومن موقف سياسي، وهي تفتح الجبهة المؤدية إلى التحرير.

في المقابل، ظهرت الساحات العربية مشتتة منقسمة على نفسها يائسة من احتمال النصر، وقال كثير من نخبها "العين لا تقاوم المخرز". واستُحضرت في هذه الساحات كل الخلافات الأيديولوجية حول طبيعة المقاومة ومشروعها البعيد المدى كمهرب من الاستحقاق التضامني التاريخي مع معركة حريات وتحرير، وهي النقاشات التي سارت دوما بالتوازي مع الحديث عن فلسطين. وحتى اليوم المائة نراقب جمود هذه الساحات إلا من جمهور طيب وعاجز ومشتت بتشتت النخب التي تركت مكانها القيادي وانصرفت إلى همومها الصغيرة؛ كأن ليس هناك حرب إبادة بالجوار.

المصابون بالأمل (المزمن) انتظروا مع تقدم الحرب وصمود المقاومة تغييرا في مواقف النخب التي أتخمت بحديث الحرية والتحرير منذ سبعين عاما، ولم نسمع من يقول هناك أمل بعد كل هذا الصمود. هل نقول هو الفرز التاريخي يجري أمامنا ونعتبره جزءا من النصر الذي حدث في المربع الصغير غزة الوحيدة؟

لا نميل في هذه الساعات الحاسمة إلى التعالي وإصدار الأحكام الأخلاقوية عن الصامتين وعن المتخاذلين، ولكننا لا يمكن أن نمر بجانب هذا الصمت الرسمي والنخبوي ولا نراه عجزا عن الاستثمار في هذا الصمود. إنه صمود مخيف يؤدي بالقوة إلى إعادة توضيح الصفوف والمواقع عملا على مستقبل قام اللحظة على انتصار حاسم.

الساحات العربية معطوبة

هذه ليست خلاصة عاطفية سريعة، بل يقين ثبت خلال مائة يوم (ولنا عليه أدلة مما قبل حرب الطوفان). وقد أملنا فيه تغييرا او علاجا شجاعا لكننا الآن أمام الحقيقة؛ هذه الساحات تحتاج إلى حرب طوفان داخلية بعيدة طبعا عن استعمال السلاح في بينها، ولكنها تحتاج أقوى من السلاح الحربي بل سلاح الشجاعة الاخلاقية والسياسية.

أهم عطب في هذه الساحات هو العطب الاستئصالي الذي ينعت المقاومة بالرجعية في قمة فعلها التقدمي (وهل تقدمية أفضل من حرب تحرير؟). وجب أن يظهر من النخب التي تزعم الحداثة والتقدمية والقومية من يقول بصوت شجاع لقد حررت غزة العرب وعليهم أن يرتقوا لمستوى حربها/ نضالها (لا داعي لأن يستعمل لفظ الجهاد فهذا لفظ يؤلم التقدميين)، وأن المكتسب في غزة هو مكاسب عربية تؤسس لوطن عربي حر يعاد فيه النظر في مسلمات ترسخت بالعجز بأنه لا يمكن التخلص من كيان محتل. لقد تهشم الكيان الذي يحتل كل الرقعة العربية، وسقط وانتهى دوره المعطل لكل إنجاز اقتصادي وسياسي بالضرورة ديمقراطي تحرري.

والبداية واضحة لكل ذي ضمير حي؛ الحرب الاسئتصالية ضد الإسلاميين في كل الرقعة العربية.. الحرب التي خربت الربيع العربي والتي أدت إلى الانقلابات والردة الفضيحة عن مكاسب الحرية والديمقراطية؛ وصلت نهايتها ولم يعد لها مبرر أخلاقي أو سياسي.

الإسلاميون جزء مكين وركن حصين من هذه الأمة، وقد خاضوا الحرب المطلوبة عربيا في غزة وانتصروا وما من داع فعلي لتصنيفهم كيانا غريبا او هجينا. يبدأ الأمر بقليل من الحياء، ولا داعي للاعتذار المنافق عما سلف من استئصال بثته القوى الاستعمارية بين الصفوف. غزة تطلب الآن وهنا من النخب السياسية والفكرية العربية من اليسار والقوميين والحداثيين عموما بداية جديدة؛ تبني على نصرها في حرب الطوفان (وما زالت فيه مراحل قاسية لكنها تراكم ولا تتراجع). فما من حداثة أفضل/ أحدث ولا أجمل ومن من قومية أعلى من نصر غزة.

إصلاح العطب عبر القبول بلعبة الديمقراطية

خريطة واضحة.. لحظات الديمقراطية القصيرة بعد الربيع العربي أثبتت لكل ذي نظر أن طريق التحرر العربية الشامل لا يحتاج سلاح غزة ضد عدو واضح، بل سلاح الديمقراطية ضد الدكتاتورية الذي ترسخه الأنظمة العميلة للكيان (التي تعيش بإسناده وتخدمه ضد مصالح شعوبها)، وفي ذهني بلدان شمال أفريقيا ومصر تحديدا.

في لعبة الديمقراطية الطويلة النفس أكثر من الحرب المباشرة ينتهي الاستئصال ويدار الحوار السياسي بروح انتصارية وبأمل في المستقبل؛ يقبل فيه الجميع نتيجة الاختيار الشعبي عبر الصندوق الانتخابي، ثم يكون نقاش وصراع سياسي حول البدائل والتفاصيل التي تقترحها الحاجة في كل مربع قُطري. وتبدأ عملية التعايش المضنية بين المختلفين حول البدائل والتصورات المستقبيلة، ولكن بوسائل الديمقراطية لا بالاستقواء بالأنظمة التي انكشفت كلها كأداوت في يد العدو؛ لا نفرق بين أحد منها ولو تظاهر بخطاب ثوري مغدور في العمق.

هنا تبدأ غزة نظريا في إصلاح أعطاب الساحات العربية، فإن لم تستجب فقد لحق بها ما لحق بالعدو من هزيمة (فلم تهزم غزة العدو وحده بل هزمت النخب والأنظمة التي تحميه وتكون غزة عمليا قد حسمت معركتها في غزة وحسمت معركة التحرير في الأقطار العربية)، وعلى من بقي في الساحات أن يواصل المعركة في اتجاه تحرير إرادة الجمهور المقهور.

ولا نود القول: من لم يكن مع غزة لن يكون مع الأمة، ولكن من كان ذا نظر يرى أن النصر في غزة حُسم في النخب التي ترفض رؤية حقيقة هذا الانتصار القومي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 12-01-2024   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الرزاق قيراط ، منجي باكير، صباح الموسوي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سلوى المغربي، د - صالح المازقي، محمد علي العقربي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، تونسي، د. صلاح عودة الله ، سليمان أحمد أبو ستة، د - مصطفى فهمي، فتحي الزغل، أشرف إبراهيم حجاج، د. أحمد بشير، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فهمي شراب، رحاب اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، ضحى عبد الرحمن، إياد محمود حسين ، نادية سعد، الهيثم زعفان، فتحـي قاره بيبـان، إسراء أبو رمان، كريم السليتي، مراد قميزة، أحمد النعيمي، ياسين أحمد، مصطفى منيغ، رشيد السيد أحمد، مجدى داود، حسن الطرابلسي، سفيان عبد الكافي، إيمى الأشقر، كريم فارق، أحمد الحباسي، حسني إبراهيم عبد العظيم، صفاء العربي، محمود طرشوبي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سامر أبو رمان ، أحمد بوادي، محمد شمام ، حاتم الصولي، د - محمد بن موسى الشريف ، عواطف منصور، سعود السبعاني، محرر "بوابتي"، محمد اسعد بيوض التميمي، فتحي العابد، طارق خفاجي، فوزي مسعود ، ماهر عدنان قنديل، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د. مصطفى رجب، صلاح الحريري، رمضان حينوني، عبد العزيز كحيل، وائل بنجدو، د- محمود علي عريقات، عزيز العرباوي، يزيد بن الحسين، طلال قسومي، حسن عثمان، عبد الله زيدان، د - شاكر الحوكي ، رافع القارصي، د. أحمد محمد سليمان، صفاء العراقي، بيلسان قيصر، أحمد ملحم، صلاح المختار، محمود سلطان، عبد الله الفقير، عمار غيلوفي، د - المنجي الكعبي، العادل السمعلي، د - الضاوي خوالدية، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود فاروق سيد شعبان، محمد عمر غرس الله، حميدة الطيلوش، د - عادل رضا، المولدي اليوسفي، رضا الدبّابي، محمد يحي، خالد الجاف ، سيد السباعي، سامح لطف الله، أبو سمية، علي الكاش، محمد الطرابلسي، د.محمد فتحي عبد العال، محمد أحمد عزوز، أنس الشابي، رافد العزاوي، محمد العيادي، عمر غازي، د. خالد الطراولي ، يحيي البوليني، الناصر الرقيق، صالح النعامي ، د- جابر قميحة، د - محمد بنيعيش، د. عادل محمد عايش الأسطل، عراق المطيري، محمد الياسين، الهادي المثلوثي، مصطفي زهران، عبد الغني مزوز، د- محمد رحال، د. طارق عبد الحليم، د. عبد الآله المالكي، المولدي الفرجاني، د- هاني ابوالفتوح، علي عبد العال، جاسم الرصيف،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة