البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. الكِبر السياسي يدمر البلد

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 773



لا نجد وصفا مناسبا للحالة السياسية التونسية هذه الأيام سوى أن الجميع مصاب بحالة من الكِبر تمنعهم جميعهم، سلطة ومعارضة، من النظر إلى قصورهم وعجزهم، فلا يتنازل منهم طرف لصالح البلد والناس الذين تستمر معاناتهم في تدبير الضروري من الأقوات.

نلاحظ وجود تلك الفئة من الناس التي لا تهتم بما يجري حولها وتهز كتفيها ماضية في سعيها إلى سعادتها الخاصة، وهي نفس الفئة التي لم تفرح بالثورة ولم تحزن لانكسارها، وهذه الفئة تُظهر الآن سلوكيات تتخذها السلطة ذريعة للاستمرار في غيّها. فهذه الأفواج المتلاحقة نحو الشطوط والنُزل والمهرجانات ومتع الصيف عامة تُشعر الناظر من الخارج بأن كل شيء يسير على ما يرام، إنها فئة ذوي الرواتب؛ خاصة التي يقترض بعض أصحابها على رواتب الشتاء ثمن متع الصيف.

كِبر السلطة ليس غفلة
هذه الفئة الاستهلاكية ليست كاشفة بما يكفي لحالة البؤس التي تتردى فيها فئات هشة فقدت كل أمل في الخروج من طوابير الخبز اليومية، وكِبر السلطة هنا أنها لا تريد أن ترى الهوامش التي تتسع من حولها. مؤشرات الاقتصاد كلها تعري العجز العام، فالأسعار في ارتفاع مستمر والمواد الضرورية مفقودة ولا يبدو أن هناك حلا سريعا يفرج الأزمة.

أخبار القروض الخارجية غير مبشرة والنظام أو بالأحرى الرئيس الماسك بكل السلطات لا يجد منفذا نحو السوق المالية الخارجية، أما الاقتراض الداخلي فقد توقف تقريبا لأن البنوك التجارية فقدت السيولة وهذه أخبار متداولة في غير القنوات الرسمية.

كل هذه المؤشرات تتجمع لتجعل الحل السياسي يسبق الحل الاقتصادي، والحل السياسي يمر بالضرورة بالحديث مع المعارضة بكل أطيافها بمن فيها القيادات القابعة في السجون. مثل هذا الحديث يعني في بعض جوانبه التراجع عن تجميع السلطة في يد شخص واحد، ثم سماع عقول لم تغادر البلد ترى الحل السياسي ينطلق من هذه النقطة.

لكن هل يسمع الرئيس المطلق لحديث العقل السياسي ويذهب إلى اتفاقات سياسية؟ على يقين تام من أن الكِبر الذي يملأ رأس الرئيس لا يسمح له بأي تراجع عقلاني عن مساره الذي يزيّن له ما يفعل، بل تصدر منه عبارات موحية بأنه يوحى إليه.

كِبر المعارضة أكبر

المعارضات الكثيرة وصلت إلى يقين أنها لن تفلح في إزعاج النظام/ الرئيس. فهي أولا شتات بلا أحجام في الشارع، وهي ثانيا واقفة عند التشنيع على الرئيس وحكومته مثلها مثل أي مدون هاو في الفيسبوك؛ فلا اقتراحات ولا مشاريع سياسية. وفي الأثناء أيقنت هذه المعارضات أنها لا تزن ريشة في الشارع دون حزب النهضة، لكنها عند وضع ميزانها تجد أن أي اقتراب من حزب النهضة يخسرها مكاسب سياسية قدمها لها الانقلاب وخلاصتها تحجيم النهضة وتفتيت قدراتها، وهي مكاسب لم تصل إليها بجهدها رغم أنها وصلت إلى تحالف مع الفاشية في البرلمان وفي الشارع. وهذا الأمر يعيدها إلى نقطة الصفر التي كانت فيها قبل الانقلاب، لذلك فهي تكابر أن تعترف بأن توحيد صفوف المعارضة مع حزب النهضة هو الكفيل بإعادة امتلاك الشارع والذهاب به إلى وضع حد للانقلاب.

ونخال بيقين أن طيفا واسعا من المعارضة الآن كامن يتربص بأحد أمرين؛ إما عطف الانقلاب عليه وإفاضة بعض خيره على كوادرها فالتغيير الحكومي تم والمناصب متاحة، أو انتظار سقوط النظام من تلقاء نفسه للظهور في لحظة الصفر كقوى إنقاذ من الأزمة، وطبعا استحضار خطاب مقاومة الإرهاب الذي يعني في تونس مقاومة عودة النهضة، ثم تسويق أنفسهم للخارج (الفرنسي منه خاصة) كقوى تقدمية ديمقراطية معادية للرجعية والظلامية.. إلى آخر الأسطوانة التي عاش منها بن علي ربع قرن.

هذا الكِبر السياسي على الجانبين يدمر البلد ويجعل حياة الناس ضنكا، لكن طرفيه يعيشانه بيقين تام بأنه الحل الوحيد كي لا تظهر في الصورة قوى إسلامية تعرف كيف تستفيد من صندوق انتخابي.

تونس السياسية واقفة هنا، لا مجال لأي حل سياسي يُشرك حزب النهضة وأحزمته في الحل، وحتى الشخصيات السياسية التي تجاوزت هذا الموقف الاستئصالي ممنوعة من الكلام ومحاصرة في قوتها وبعضها في السجون.

عنق الزجاجة مغلق أيضا

النظام/ الرئيس يقتات من فرقة معارضيه.. كتبنا هذا مرات كثيرة وأظن أنه صار يقينا عند كثيرين ربما وصلوا إليه من طرق مختلفة، ولا نعلم موقف القوى الصلبة مما يجري فهذه منطقة ممنوعة وتعوزنا حولها المعطيات لذلك لا يمكننا وضع موقفها في سياق تحليل.

لكن كل ذي نظر يرى أن البلدة "حابسة وتمركي"، وهي عبارة تونسية تصف وجع راكب التاكسي الذي وقع في زحمة سير فلا هو يتقدم فتخف الكلفة ولا عداد التاكسي يتوقف ويرحمه.

وقد كانت هناك فكرة رائجة عن قدرة النخب السياسية التونسية في إيجاد توافقات وعقد صفقات وتوليد مخارج من عنق الزجاجة لكن الرئيس سد عنق الزجاجة أيضا، والطيف الاستئصالي رمى الزجاجة في البحر. هذه القدرة توقفت ولا تبدو النخب قادرة على توليد مخرج، ورئيس الحكومة الجديد لم يأت لحل أزمة فلا ماضي له ولا قدرة معروفة تسمح له بذلك.

كنا نتحدث طيلة فترة عشرية الحريات عن العودة السياسية التي تنهي عطلة الصيف وتفتح النقاشات في الشأن العام مع بداية شهر أيلول/ سبتمبر، ونحن نرى شهر أيلول/ سبتمبر يقترب ولا حديث عن عودة سياسية، بل تتواتر أخبار المساجين المرضى الممنوعين من الأطباء.

وحتى الذين كانوا ينتظرون حلا من الخارج نراهم مذهولين من حجم ردة الفعل على انقلاب النيجر وغضب الديمقراطيين الأفارقة على عسكر النيجر الانقلابي، لكن لا أحد في تونس تذكر موقفا شجاعا للأفارقة الديمقراطيين فجأة من انقلاب تونس. لقد تذكر الجميع أنه ليس لتونس يورانيوم لمفاعلات فرنسا، ولذلك لا أحد اهتم بكسر عنق الزجاجة في تونس لتأمين خروج التونسيين نحو الهواء النقي.

بقي أن نذكّر بأن شهر أيلول/ سبتمبر هو موسم زراعة الجزر الشتوي، والتونسيون يحبون الجزر كثيرا مثل أرانب الحكايات ووجوه استعمال الجزر عندهم متعددة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-08-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- جابر قميحة، طارق خفاجي، المولدي الفرجاني، عبد الله زيدان، سليمان أحمد أبو ستة، العادل السمعلي، حسن الطرابلسي، أحمد الحباسي، خبَّاب بن مروان الحمد، مجدى داود، محمد الطرابلسي، كريم فارق، مصطفى منيغ، عمر غازي، ماهر عدنان قنديل، إيمى الأشقر، أنس الشابي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سلوى المغربي، جاسم الرصيف، عراق المطيري، حاتم الصولي، عزيز العرباوي، يحيي البوليني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، تونسي، أشرف إبراهيم حجاج، فتحي الزغل، د - المنجي الكعبي، حسن عثمان، عمار غيلوفي، حميدة الطيلوش، محمد عمر غرس الله، خالد الجاف ، يزيد بن الحسين، رمضان حينوني، د. عادل محمد عايش الأسطل، رافد العزاوي، عبد الله الفقير، ياسين أحمد، د. عبد الآله المالكي، د. طارق عبد الحليم، محمد الياسين، د. أحمد بشير، عبد الغني مزوز، محمد يحي، سلام الشماع، د - الضاوي خوالدية، د - محمد بن موسى الشريف ، سعود السبعاني، رحاب اسعد بيوض التميمي، الهادي المثلوثي، د. مصطفى يوسف اللداوي، سفيان عبد الكافي، د - صالح المازقي، د - عادل رضا، أحمد بوادي، محمود طرشوبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمود سلطان، صلاح المختار، علي عبد العال، أحمد ملحم، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - شاكر الحوكي ، د - مصطفى فهمي، مصطفي زهران، محمد اسعد بيوض التميمي، أحمد النعيمي، سيد السباعي، د. أحمد محمد سليمان، فهمي شراب، رافع القارصي، د- هاني ابوالفتوح، إسراء أبو رمان، بيلسان قيصر، محمد علي العقربي، أ.د. مصطفى رجب، د. خالد الطراولي ، د- محمد رحال، صباح الموسوي ، الناصر الرقيق، كريم السليتي، رضا الدبّابي، مراد قميزة، رشيد السيد أحمد، ضحى عبد الرحمن، المولدي اليوسفي، صالح النعامي ، محمود فاروق سيد شعبان، نادية سعد، د - محمد بنيعيش، صفاء العراقي، فتحي العابد، سامح لطف الله، محمد العيادي، فتحـي قاره بيبـان، فوزي مسعود ، عبد الرزاق قيراط ، د- محمود علي عريقات، إياد محمود حسين ، محمد شمام ، منجي باكير، أبو سمية، صفاء العربي، د.محمد فتحي عبد العال، محرر "بوابتي"، صلاح الحريري، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد أحمد عزوز، وائل بنجدو، طلال قسومي، عبد العزيز كحيل، سامر أبو رمان ، الهيثم زعفان، د. صلاح عودة الله ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عواطف منصور، علي الكاش،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة