البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الذكرى الثالثة للانقلاب

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 304



ترك لنا درويش عنوانا عن أثر الفراشة استعاره من حكمة أجنبية عن أثر الفراشة لا علاقة لها بالشعر، ولكنها حكمة اقتصادية. بودنا أن نكتب عن أثر فراشة يرف جناحها في مكان مجهول فيصيبنا فيئها في تونس، لكن اللحظة وضعتنا في موضع الحديث عن أثر البعوضة وهي حشرة فاقدة لكل علامات النُبل وأبعد ما تكون عن الرومانسية. إنها الصورة السالبة لصورة الفراشة، إنها صورة الانقلاب في مواجهة الحرية.

كم بودنا أن نكتب قصصا عن رفرفة أجنحة فراشات الحرية، لكننا في موضع الكتابة عن سموم البعوض السياسي التونسي الذي يمتص دم البلد ويكابر بعناوين السيادة الوطنية. سأطوف حول أسباب فشل المعارضة السياسية التونسية في إسقاط الانقلاب، وهذا من أثر البعوض.

الذكرى الثالثة للانقلاب التافه

قريبا يكتب الانقلاب ذكرى حركته الثالثة ونراقب أنه لن يحتفل بشيء سوى فشله، وسيقول أنصاره جُمَلَهم المعتادة: إنها حركة تصحيح، وسيرجموننا بمفردات الخطاب السيادي المشتقة من القاموس القومجي الذي دمر أمة كاملة منذ سبعين عاما.

دخلنا الأسبوع الأول من شهر تموز/ يوليو بصفوف طويلة أمام المخابز. في الأرياف النائية في الشمال (دون الجنوب) يتدبر الناس أمرهم بقمح قليل حصدوه ولم يبيعوه، لكن سكان الحواضر وأغلبهم من الموظفين يشقّون في الحصول على غذائهم. سيتم حل الأمر بحمولة قمح مجلوبة بقرض حفظ الحياة الذي يمنحه الأوربيون لكي لا ينهار بلد بجوارهم فيصلهم أثر البعوض، لكن الأزمة ستظهر في قطاع المحروقات خلال أيام قليلة.

النقد الأجنبي لم يعد يفي بحاجيات التونسيين والانقلاب يمارس تقنية نقل الأزمة من قطاع حيوي إلى آخر والناس يلهثون خلف المعيش الأدنى، تماما مثل هذا الرجل الذي أشاهده يدرب كلبه على التقاط صحن فيرسل الصحن في اتجاهات مختلفة والكلب يلهث ليعيد له الصحن، دون أن يفهم لماذا يجري أصلا خلف صحن بلاستيكي وصاحبه مستقر في مقامه لا يشقى. كل هذا الفشل يضع معارضي الانقلاب في ورطة أخلاقية ورمزية وينسف في الواقع كل مصداقية يمكن منحها لهم. ليس أفشل من انقلاب 25 تموز/ يوليو في تونس إلا من يعارضه، فلماذا يفشلون؟

معارضة أصغر من انقلاب

من باب التنكيد السياسي يمكن القول بثقة مطلقة إن الخائفين من الديمقراطية قد صنعوا الانقلاب لكننا لن نعود إلى الجُمل الأولى، لقد حصل انقلاب بلا مشروع وظل يتنفس بلا سردية مقنعة لكن سبب بقائه الحقيقي هو أن معارضيه أصغر منه وأقل قيمة على الأرض.

لقد كان واضحا منذ الشهر الأول أن هناك معارضتين للانقلاب؛ واحدة تصطنع لنفسها صفة التقدمية والثانية معارضة إسلامية (مؤلفة خاصة من حزب النهضة وائتلاف الكرامة) ويصفها الشق الأول بالرجعية (هكذا بدون أسباب). وكان التفكير في توليف المعارضتين في عمل مشترك ضد الانقلاب ينتهي إلى حقيقة أن يعود الإسلاميون إلى التأثير السياسي. هذا أمر يرفضه التقدميون فينتهون إلى إسناد الانقلاب، وفي أقل الأمور سوءا يفضلون السكوت على فظاعات الانقلاب على الديمقراطية لكي لا يعود الإسلاميون إلى حقهم في المشاركة. هذه بعوضة المعارضة السامة التي نرى أثرها في صفوف البحث عن الخبز أمام المخابز.

بعد إطلاق "مواطنون ضد الانقلاب" وهم طليعة مفكرة ومناضلة مبادرة معارضة تجمع ولا تفرق، تسلل إلى جوارهم السيد نجيب الشابي مقدما تاريخه النضالي الشخصي (الذي لم يجلب له إلا فضيحة انتخابية لما تقدم للرئاسيات سنة 2014). من أجل التجميع فسح له المؤسسون المكانة الأرفع، ومفاوضاته غير المعلنة مع حزب النهضة وضعته على رأس معارضي الانقلاب، فاستحوذ على مبادرة مواطنون وعلى جمهور حزب النهضة وإسنادها السياسي، لكن أين حمل السيد نجيب جبهة الإنقاذ؟ مجد صغير بلا أفق وفي الوقت الضائع.

كان السيد عز الدين الحزقي، أحد شيوخ اليسار التونسي، قد تحرر من الموقف الاستئصالي وشارك من موقع متقدم في معارضة الانقلاب (ضمن مبادرة مواطنون) لكنه لم ينجح في إحداث اختراق في الجبهة الاستئصالية، فبقي فردا عالي الهمة وبلا وزن ميداني رغم أنه يقف كل أسبوع على باب السجن ليزور ابنه ووريثه.

البعوضة السامة لها سيفان؛ سيف الاستئصال الذي يُظهر استعدادات لقتل الإسلاميين وسيف المعارضين الذين كلما رغبوا في رفع صوتهم حسبوا مكاسب الإسلاميين من وراء ذلك فيصمتون. هنا تمتد صفوف الناس أمام المخابز وعلى لسان كل فرد منهم حفظ الحد الأدنى المعيشي. جوع الناس ليس ناتجا عن الانقلاب فحسب، بل عن عجز المعارضة عن رسم أفق بديل وتقديم أفكار تجعل الناس يعودون إلى الاهتمام بالشأن العام والمشاركة فيه.

في الأشهر الأخيرة وبعد أن تم سجن زعيم حزب النهضة تراجع الإسلاميون إلى منطقة الدفاع عن أجسادهم المستباحة، فماتت جبهة الإنقاذ وماتت المعارضة برمتها وانتعش الانقلاب ومد المنقلب قدميه في الفراغ العظيم. معارضة تقدمية تعيش بجمهور رجعي، إذا صمت "الرجعيون" ولم يقبلوا بوضع القربان الديمقراطي انكشفت المعارضة في تلاشيها السريع وفي مقدمتها سي نجيب. هذا الفشل يظهر في طوابير الخبز وقريبا في طوابير الوقود.. تونس في العالم لم تعد تساوي جناح بعوضة.

الخطاب السيادوي السفيه مسيطر هذه الأيام في تونس ليغطي على الاتفاقيات المذلة في مسائل تتعلق بالهجرة السرية. خضوع بلا ثمن إلا وعود كاذبة بالتمويل لم يشعر الناس بها في طوابير الخبز، رغم ذلك فإن الانقلاب يمد ساقيه ويقطع الأمل في الغد.

ونقول بعد تفاؤل طفولي إن الانقلاب باق رغم أزماته لأن معارضيه مصابون بجرثوم الاستئصال، ولن يشفوا.. لقد قرأنا عن ذبابة التسي التسي التي كلما لدغت جسدا (بشرا أو حيوانا) أصابته بوهن النوم فيظل يذوي كشمعة حتى ينطفئ. معارضة الانقلاب أصابتها بعوضة التسي التسي الأفريقية فهي تذوي رغم انطفاء أنوار الانقلاب، وهذا تعبير مجازي فليس لأي انقلاب نور إنما عتمة تغلق أبواب المستقبل.

أثر البعوضة إن الانقلاب وهو يفشل يحمل معه كل الفاشلين من معارضيه وهذه جملة متفائلة.. تكسر السياق.

----------
وقع تغيير العنوان الاصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-07-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ياسين أحمد، عواطف منصور، رحاب اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، د. عبد الآله المالكي، د- هاني ابوالفتوح، سيد السباعي، المولدي الفرجاني، د - عادل رضا، محمد الطرابلسي، سلام الشماع، رمضان حينوني، د - المنجي الكعبي، د. أحمد محمد سليمان، محمود طرشوبي، وائل بنجدو، عبد الرزاق قيراط ، عمر غازي، الهادي المثلوثي، مجدى داود، محمود سلطان، منجي باكير، صلاح المختار، صفاء العربي، محمد اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، نادية سعد، د. خالد الطراولي ، عبد الله زيدان، أحمد الحباسي، صلاح الحريري، محمد عمر غرس الله، محمود فاروق سيد شعبان، د. أحمد بشير، محمد الياسين، محمد يحي، د. صلاح عودة الله ، أشرف إبراهيم حجاج، د- محمد رحال، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فوزي مسعود ، محمد شمام ، تونسي، عزيز العرباوي، حاتم الصولي، ضحى عبد الرحمن، د. مصطفى يوسف اللداوي، إياد محمود حسين ، د - الضاوي خوالدية، حسن الطرابلسي، سامح لطف الله، كريم السليتي، فهمي شراب، حسن عثمان، طلال قسومي، رشيد السيد أحمد، حسني إبراهيم عبد العظيم، سعود السبعاني، سلوى المغربي، صباح الموسوي ، سليمان أحمد أبو ستة، مراد قميزة، الهيثم زعفان، عبد الله الفقير، خالد الجاف ، رافع القارصي، د - محمد بن موسى الشريف ، مصطفى منيغ، أحمد بوادي، الناصر الرقيق، جاسم الرصيف، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. طارق عبد الحليم، د - محمد بنيعيش، أنس الشابي، أحمد النعيمي، سامر أبو رمان ، محمد العيادي، صالح النعامي ، مصطفي زهران، د - مصطفى فهمي، صفاء العراقي، عبد الغني مزوز، د. كاظم عبد الحسين عباس ، علي الكاش، ماهر عدنان قنديل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رافد العزاوي، د- محمود علي عريقات، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد ملحم، إسراء أبو رمان، د- جابر قميحة، العادل السمعلي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أبو سمية، د - صالح المازقي، فتحـي قاره بيبـان، يزيد بن الحسين، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحي الزغل، أ.د. مصطفى رجب، كريم فارق، يحيي البوليني، حميدة الطيلوش، عمار غيلوفي، سفيان عبد الكافي، إيمى الأشقر، فتحي العابد، محرر "بوابتي"، علي عبد العال، عراق المطيري، محمد أحمد عزوز،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة