البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الغُبن الديمقراطي العربي

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 579



لا يمكن للمرء أن يكتب بحياد عن الانتخابات التركية التي جرت يوم الرابع عشر من أيار/ مايو 2023، فالإعجاب بسلاسة العملية الانتخابية وشفافيتها مبهر ويثلج صدر الصديق ويغيظ صدر العدو المتربص، وما أكثر أعداء الانتخابات الشفافة النزيهة خاصة من مدعي الديمقراطية. أما إذا كان المتابع مواطنا عربيا (مواطن عربي هذه تعبير مجازي لربط الكلام فقط) فإن الإعجاب يتحول إلى قهر ماحق تنزف منه الأفئدة دما. سيكتب كثير من أنصار أردوغان مقالات مزدهية بانتصاره (ولو أنه معلق حتى الآن بالدور الثاني)، لذلك لا نظن أننا نضيف شيئا في هذا الاتجاه خاصة وأن كواليس الانتخابات وألاعيبها ليست ملقاة على قارعة الطريق، لذلك فإن المقارنة بين ما فعل الأتراك ببلدهم وبسياسته وما يصيب العربي من حكامه يفرض مقارنة موجعة وسننوح على أنفسنا هنا.

التاريخ القريب

على الورق النظري الذي ندرّسه للطلبة في العلوم السياسية، نجد أن هناك تلازما بين نِسب التعليم (التمدرس) وبين التقدم على طريق الديمقراطية، فارتفاع المؤشر الأول يهيئ للمؤشر الثاني بترابط سببي. في المقارنة على الأرض نجد نسب التعليم في بلدان مثل سوريا ولبنان ومصر وتونس سبقت النسب التركية تاريخيا.

قياس الثروة الوطنية بين بلدان العرب وتركيا يكشف غنى عربيا (حتى بدون ثورة النفط العربية) ومكابدة تركية إلى حدود العقدين الأخيرين. وهنا أيضا يوجد ترابط سببي بين الثروة (النظرية) وبين ممهدات الديمقراطية، لكن النتائج على الأرض مختلفة، فالثروة اتخذت لها طريقا نحو تركيا كأن بينها وبين العرب خصام قديم، والثروة حملت الديمقراطية فصارت مكسبا لعوام الناس؛ كلما أمعنوا في الديمقراطية زادت ثروتهم الفردية والجماعية، فضلا عن السيادة والموقع بين الدول والمشاركة في سياسات العالم من موقع فعّال وغير منفعل.

اتضحت معادلة بسيطة لكل ذي بصيرة: الديمقراطية رفعت نسب التعليم فارتفع الإقبال على الشأن العام بواسطة الصندوق الانتخابي، وزادت الثروة فاستقر النظام وحصل المطلوب سياسيا: دولة قوية ومؤثرة. هذه هي المعادلة الغائبة عربيا والتي كانت تمر أمام أنظار كل عربي (عنده قلب حي) وهو يتابع الانتخابات في تركيا. لماذا هم هناك ينجحون فيما نفشل هنا كأننا وُلدنا لنفشل فقط؟

لا يمكن التعلل بالعداء الغربي

نشترك مع الأتراك في أننا جميعا مصنفون لدى الغرب الديمقراطي (أضف القوسين) شعوبا شرقية متخلفة لا يستقيم أمرها إلا بدكتاتور غاشم، ولم نُخلق للديمقراطية، وهذا خطاب عمره مائتا عام، وقد تسلط على تركيا ما لم يتسلط على العرب مجتمعين (وكان بعض ما سلط عليها انتقام تاريخي وثأر من حقبة هيمنة الخلافة العثمانية على أوروبا). لذلك فإن أي عربي يبرر الفشل الديمقراطي العربي بهذه الضغوط وحدها هو ذهن كسور وإرادة ميتة.

لم تُهدَ الديمقراطية لأي شعب يتمتع بها الآن، لقد كانت كل تجربة ثمرة نضال طويل. ولا داعي للقول إن دور الغرب معاداة الديمقراطية خارجه، لقد صار هذا ثابتا تاريخيا بل سبق حتى الاحتلال المباشر (كانت الديمقراطية حينها لفظا فلسفيا فقط).

والعرب أسسوا الدول الحديثة وبنوا مؤسسات الحكم، لكنهم حوّلوا دولهم إلى إقطاعات للحكام. والمثير للحيرة هو صبر الشعوب على غياب الديمقراطية وتهربهم من دفع كلفة السير إليها، وهو الثمن الذي دفعه الأتراك بلا حساب، وآخر الأثمان كان التصدي للدبابات الانقلابية بصدور عارية، وانتخابات أيار/ مايو هي ثمرة مباشرة لذلك الدم الذي سارت عليه آخر دبابة انقلابية في تركيا، فيما العرب يُظهرون حتى الآن استعدادات لتقبيل خشم الدبابة والركون إلى الحذاء العسكري.

العداء الغربي للديمقراطية في العالم العربي وفي غيره (ليس ذلك العداء خاصا بالعرب لننظر إلى أفريقيا) حقيقة عاناها الأتراك ولم يخشوها، فلماذا نتخذها ذريعة لقبول الديكتاتوريات الفاسدة؟

الربيع العربي ما زال يَعِد بالأمل

تعزية حلال رغم الأفق المُدلهمّ بالسيسي وقيس سعيد وحفتر وبشار الأسد وشنقريحة الجزائري. آخر صف يقف معاديا للديمقراطية في البلدان العربية المقهورة بعد صف طويل رحل الربيع العربي برموزه إلى غياهب النسيان، لكن أنظمتهم أفلحت في الارتداد به إلى ما قبله. غير أن الوعد الديمقراطي ما زال قائما بقوة، علما أن الأتراك الديمقراطيين، ونسمي أردوغان باسمه، وقف إلى جانب الربيع العربي ودعمه وراهن عليه، وكانت وقفته من أسباب معاناته الانتخابية الأخيرة.

كانت لحظة الربيع فارقة، وقد كشفت أن الاستعدادات للديمقراطية في البلدان العربية واقع قائم وليست عملا مخالفا لطبيعة الأشياء كما يوهم بذلك الغرب المعادي، وأن المعاناة أيضا واقع قائم (وهل تُهدى الديمقراطية؟)، وأن المقاومة أمر مطلوب اهتداء بمعاناة الفرد التركي الذي رسّخ تجربته رغم أن العدو واحد.

كيف نستثمر في الاستعدادات اهتداء بالتجربة التركية؟ هنا درس عظيم وجب ثني الركبة والتعلم منه بصبر وأناة، وأول هذه الدروس هو أن معركة الديمقراطية هي معركة تحرر وطني بالأساس.

التحرر الوطني بالديمقراطية

إعادة بناء النظرية السياسية العربية حول ثابتين أساسيين: بناء الديمقراطية لا ينفصل عن معركة التحرر الوطني، والتحرر الوطني يبني الديمقراطية. وهما عنصران متلازمان لا يمكن تحقيق أحدهما دون الآخر، فالديمقراطية لا تكون في بلدان بلا إرادة سياسية مستقلة، هذه حقيقة توصلنا إليها وكتبنا فيها كثيرا والانتخابات التركية تعيدنا إليها للتذكير والاعتبار. ولا معنى للسؤال أيهما يسبق الآخر، فهما متلازمان يحققان بعضهما كشرط تلازم اشتعال النار بوجود الحطب أو نزول الغيث بوجود رطوبة في الجو.

لقد "دبستنا" الأنظمة في خطاب استقلال مزيّف، لكنها عاشت من العمالة حتى ماتت بها وجمّدت شعوبها وروّجت لنا ما أمَرها حُماتها الغربيون بترويجه: إن الشعوب غير مؤهلة للديمقراطية ووجب حكمها بالحديد والنار، ولكن كل الدروس وآخرها الدرس التركي تثبت العكس. التحرر الوطني يسير جنبا إلى جنب مع بناء الديمقراطية، وخطاب ترتيب الأولويات هو خطاب منافق يؤجل الضروري ليستمر القمع.

الدرس التركي الأهم هو أن التركي يبني ديمقراطيته ويتصدى بها للاستعمار الغربي الذي لم يقصر في حربه على التجربة بمساريها السياسي الاقتصادي والتحرري، كلما زاد في قوة البناء الديمقراطي كلما حرر مناطقه وإرادته الاقتصادية وفرض نفسه فاعلا دوليا يُحسب لدولته كل حساب. لقد تبيّن الرشد الديمقراطي من الغي السياسي العربي، فمن أراد التعلم فالدرس مجاني ومتاح على كل وسائل الإعلام.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تركيا، الإنتخابات، العالم العربية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-05-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - محمد بنيعيش، حاتم الصولي، محمد الطرابلسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - المنجي الكعبي، أحمد النعيمي، حسن الطرابلسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الهادي المثلوثي، عمار غيلوفي، رحاب اسعد بيوض التميمي، أشرف إبراهيم حجاج، د. أحمد محمد سليمان، حميدة الطيلوش، ياسين أحمد، سليمان أحمد أبو ستة، د. أحمد بشير، محمد شمام ، عبد العزيز كحيل، محمد عمر غرس الله، حسن عثمان، خبَّاب بن مروان الحمد، مصطفى منيغ، رضا الدبّابي، عبد الرزاق قيراط ، أحمد الحباسي، نادية سعد، محمود سلطان، يزيد بن الحسين، فتحـي قاره بيبـان، صباح الموسوي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، طلال قسومي، د- هاني ابوالفتوح، د - مصطفى فهمي، د. عبد الآله المالكي، صالح النعامي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، كريم فارق، الناصر الرقيق، علي الكاش، صفاء العربي، سامر أبو رمان ، محمود فاروق سيد شعبان، فهمي شراب، أحمد بوادي، رافع القارصي، يحيي البوليني، سعود السبعاني، العادل السمعلي، بيلسان قيصر، أحمد ملحم، عواطف منصور، مجدى داود، وائل بنجدو، د.محمد فتحي عبد العال، د. مصطفى يوسف اللداوي، الهيثم زعفان، محمد يحي، سفيان عبد الكافي، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد علي العقربي، محمود طرشوبي، عبد الله زيدان، كريم السليتي، فوزي مسعود ، د. طارق عبد الحليم، محمد العيادي، محمد الياسين، سلام الشماع، طارق خفاجي، رشيد السيد أحمد، إسراء أبو رمان، علي عبد العال، أ.د. مصطفى رجب، أبو سمية، عزيز العرباوي، رافد العزاوي، صلاح الحريري، عبد الله الفقير، د- جابر قميحة، المولدي اليوسفي، د- محمود علي عريقات، محمد أحمد عزوز، د. خالد الطراولي ، ماهر عدنان قنديل، مصطفي زهران، د. ضرغام عبد الله الدباغ، منجي باكير، تونسي، سامح لطف الله، عمر غازي، صلاح المختار، عراق المطيري، محمد اسعد بيوض التميمي، إياد محمود حسين ، رمضان حينوني، د - شاكر الحوكي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محرر "بوابتي"، د- محمد رحال، أنس الشابي، مراد قميزة، إيمى الأشقر، سيد السباعي، جاسم الرصيف، المولدي الفرجاني، عبد الغني مزوز، سلوى المغربي، ضحى عبد الرحمن، د - صالح المازقي، صفاء العراقي، د. صلاح عودة الله ، د - عادل رضا، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - الضاوي خوالدية، فتحي العابد، خالد الجاف ، فتحي الزغل،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة