البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ماذا بعد اعتقال الغنوشي؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 662



ها قد اعتقل زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي وبتهمة مثيرة للسخرية.. كل التونسيين سمعوا تصريح الغنوشي (ولم يكن تصريحه إلا تفاعلا مع فكرة جوهرها تصالح مع الانقلاب)، واستعادوا تاريخ خطاباته الداعية إلى التهدئة والتسويات السياسية التي توحد ولا تفرق، وتُعلي الحلول السياسية غير العنيفة. والكل عرف أن التسجيل المعتمد كحجة إدانة قد تم التلاعب به قبل أن يقدم للتحقيق، لكن المحاكمة ماضية في طريقها والمحامون يملكون النص الأصلي. هل ازداد النظام قوة بعد اعتقال الغنوشي؟ سؤال اللحظة: ماذا استفاد النظام/ الانقلاب حتى الآن؟

اعتقال فيه هروب من الأزمة الاقتصادية

لم يحتج الأمر إلى ذكاء كبير لتعرية نية عارية أن الاعتقال يمثل هروبا من المشكل الجاثم فوق تونس وشعبها الحائر. حتى اللحظة بدت خسارات الانقلاب من الاعتقال أكثر من مكاسبه، فالأسعار لم تنخفض والناس في الضنك الذي سبق الاعتقال، بل إن أسعار السندات التونسية انخفضت سريعا كرد فعل على الاعتقال، والدينار في سقوط حر أمام الأورو (العملة التي نستورد بها حاجيات البلد). هذا فضلا عن حملة تضامن غير مسبوقة في تاريخ تونس مع شخصية سياسية تونسية اكتشف الانقلاب بلا شك حجمها ومكانتها خارج البلد، فالاعتقال صغّر المنقلب وأكبر الغنوشي وهو خارج السلطة.

لا يبدو أن الانقلاب يقدر حجم خساراته وهو ماض قدما في المحاكمة، بل تدبر قضية أخرى بلا دليل ضد الغنوشي لم يجد المحقق بدا من إسقاطها في جلسة تحقيق واحدة، لذلك فإن تأويل سلوك النظام/ الانقلاب يحتاج أن يقرأ بشكل مختلف.

هذا الاعتقال مكمّل أو يأتي في نفس سياق عدم الاعتراف بهزال منجزات الانقلاب؛ كعدم اعترافه بفشل انتخاباته بعد فشل الاستفتاء وبعدم الاعتراف بدستوره في الداخل والخارج. أي أنه يقوم باستبعاد المعارض الأثقل وزنا من أمام مشروعه السياسي بتغيير هيئة الدولة نحو نظام مستقر فقط في ذهن صاحبه. وقد أتى بنفس التأني، فالمنقلب غير مستعجل في إنجاز مشروعه وغير مهتم بما يجري حوله، وهو لا يتحسس الرفض العام الذي عبرت عنه كل الأطياف المعارضة، ويصر على فرض أمر واقع بلا أفق سياسي رغم الأزمة.

الاعتقال تدبير استئصالي

قبل الاعتقال قامت قوات أمنية من أسلاك مختلفة بتدريبات تصدي لشارع ثائر (بما يكشف أنه كانت هناك تحضيرات مسبقة للاعتقال قبل إعداد التهمة)، لكن الشارع ونعني جمهور حزب الغنوشي فوّت الفرصة مرة أخرى واحتمل الضربة ولم يخرج للمواجهة، مما أفرغ الاعتقال من مضمونه الاستفزازي وترك القوات المستعدة في تسلل. لكن هذا لا يعفي الأجهزة (أو شقوقا داخلها)، كما لا يعفي غيرها من رغبة البحث عن مصادمات تبرر بها تهيئة المزيد من الأسباب لفرض برنامج الانقلاب بالقوة. ما فائدة الأجهزة من إثارة الفوضى؟ وهل كان الصدام مع شارع النهضة سيوفر حلا اقتصاديا؟

لا يبدو لنا أن الانقلاب مشغول فعلا بالأزمة (كأنها تقع في بلاد أخرى)، بل إنه يعمل على التعفين وبث الاضطراب ليعيش منه. وتبدو لنا الأجهزة الموالية مساهمة في هذا المسعى، وهو ما يعري القوى الكامنة داخل الانقلاب ويعري رغباتها وأجنداتها الخاصة من داخل الانقلاب نفسه.

نزداد يقينا كل يوم ومع كل خطوة يخطوها النظام أن هناك أجندات فئوية داخل أجندة المنقلب؛ أهمها أجندة الاستئصال التي يقودها يسار استئصالي لا يخجل من إسناد الانقلاب بوجه عار.

ونرجح بيقين أنه بعد الحادث الصحي الذي تعرض له الرئيس في رمضان، وبعد استفحال الأزمة الاقتصادية، أن المحيطين به من اليسار قد أيقنوا بأن الانقلاب لم يعد يملك الوقت لتنفيذ أجندتهم الاستئصالية التي من أجلها وقفوا معه، فهم يسارعون إلى تنفيذ أجندتهم بقطع النظر عن نتائجها الآنية.

إن أي حادث صحي آخر أو انفجار اجتماعي فجئي قد يتركهم في العراء ويخرج حزب النهضة ورئيسه منتصرين (وبقاؤهم أحياء بعده يمثل انتصارا كبيرا من وجهة نظر استئصالية).

ولأن حزب النهضة بعد أن نظم معارضة سلمية وتحرك بشكل مدروس (معارضة متأنية) ولم يخرج بعد الاعتقال للمواجهة وحده، فإن فرص الاستئصال على طريقة ابن علي قد قلت أو انعدمت، لذلك يأتي اعتقال الرأس المدبر كآخر ضربة متاحة بواسطة الأجهزة.

لغنوشي يربح حتى بموته

ماذا بعد الاعتقال والمحاكمة؟ كثيرون يطرحون السؤال الآن، حتى ألد أعداء الغنوشي وجدوا في اعتقاله من قوى الانقلاب مكسبا له. ستكون هناك محاكمة والملف الفارغ سيزيد في تبرئة الغنوشي وفضح منظومة الانقلاب، فيكسب في سجنه ما خسرته في حريته.

ورغم أن هناك استبشار طروب من أنصار الغنوشي بالتعاطف الدولي الكبير مع زعميهم (وقد رمّم ذلك عزائمهم ووفّر لهم راحة نفسية مؤقتة)، إلا أن المكسب الكبير من الاعتقال هو توفير مخرج مريح للغنوشي من الجثوم على رأس الحزب وهو الأمر الذي كان يسبب أزمة استبدال قيادي تأخر وتعقّد، وأدى إلى انقسامات وانسحابات وزانة من الحزب (أهمها انسحاب مجموعة المائة وتأسيسهم لحزب آخر).

لقد قام الحزب بتكليف الدكتور منذر الونيسي على رأس الحزب وبشكل سلس (ربما كان البعض ينتظر أزمة زعامة لم تحصل)، وفوق ذلك فإن خروج القائد الأول من موقع القائد إلى موقع الشهيد لا يمكن إلا أن يساهم في تجميع مكونات الحزب وتقوية لُحمته الداخلية، خاصة بالنظر إلى تراث المظلومية التي تعيش منه حركات الإسلام السياسي منذ عقود طويلة.

إن الزغاريد التي سمعناها في المعسكر الاستئصالي بعد الاعتقال لا تعدو كونها تعزية عن خيبة أصحابها وجهلهم بقوة الدفع التي تلقاها الغنوشي وحزبه بهذا الاعتقال (الشهادة). الإسلاميون يظنون أن مثل هذا الاعتقال هدية ربانية، وربما حلم الغنوشي بالشهادة بعد طول عناء (جهاد) سياسي، لذلك سنسمع بعدها تحريضا إيمانيا على المزيد من الصبر والتريث وعدم الرد على أي استفزاز أمني، بما يزيد في بلبلة الصف الاستئصالي.

ولنلخص تخفيفا، الاعتقال لن يحل أزمة الانقلاب المالية والاجتماعية، وسينظف حزب النهضة وزعيمه من كراسات التهم التي ألصقت بهما منذ عودتهما من المنافي ومشاركتهما في السلطة. وسيكشف للطيف المعارض أهمية حزب النهضة ووزنه وفائدة هذا الصف في الاقتراب منه والاعتماد على جمهوره المسالم، وهي نتيجة عرضية ولكن مهمة جدا، فمحاولة التفريق بين الصف المعارض والنهضة تؤدي حتى الآن نتيجة عكسية تماما. هذا فضلا عن أصداء إيجابية بلغت الجميع، فالخارج المتربص بالبلد متفاجئ بضبط النفس النهضوي بعد اعتقال الزعيم وهي أرصدة مضافة للحزب وزعيمه، إذ حولته إلى ورقة أساسية من ورقات الحل الذي لن يكون استئصاليا.

لن نقول إن الانقلاب كان في غنى عن هذا الاعتقال فليس للانقلاب عقل يحتكم إليه، لكنه خطوة أخرى متخبطة جنى منها حزب النهضة والغنوشي مكاسب كبيرة جعلتهما جزءا من الحل المستقبلي لا عقبة في طريقه.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، حركة النهضة، قيس سعيد، راشد الغنوشي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-04-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خالد الجاف ، صباح الموسوي ، د. خالد الطراولي ، بيلسان قيصر، نادية سعد، د.محمد فتحي عبد العال، طارق خفاجي، إسراء أبو رمان، مراد قميزة، صلاح المختار، عبد الغني مزوز، د - المنجي الكعبي، الهيثم زعفان، عواطف منصور، سامر أبو رمان ، صلاح الحريري، د. عادل محمد عايش الأسطل، علي الكاش، رشيد السيد أحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، صالح النعامي ، عبد العزيز كحيل، د - شاكر الحوكي ، سلام الشماع، وائل بنجدو، محمد العيادي، تونسي، عراق المطيري، أحمد ملحم، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. طارق عبد الحليم، منجي باكير، د - صالح المازقي، خبَّاب بن مروان الحمد، أبو سمية، سعود السبعاني، د - مصطفى فهمي، عبد الرزاق قيراط ، جاسم الرصيف، سيد السباعي، أحمد بوادي، أ.د. مصطفى رجب، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، كريم فارق، إيمى الأشقر، الناصر الرقيق، عزيز العرباوي، سامح لطف الله، فتحي العابد، د. صلاح عودة الله ، محمود سلطان، يزيد بن الحسين، طلال قسومي، صفاء العراقي، سليمان أحمد أبو ستة، د - محمد بنيعيش، محمد علي العقربي، كريم السليتي، رافع القارصي، عمر غازي، المولدي اليوسفي، محمد أحمد عزوز، د. عبد الآله المالكي، سفيان عبد الكافي، محمد عمر غرس الله، المولدي الفرجاني، د- محمد رحال، محمود طرشوبي، رمضان حينوني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمود فاروق سيد شعبان، حاتم الصولي، رضا الدبّابي، محمد شمام ، ضحى عبد الرحمن، محمد الياسين، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، إياد محمود حسين ، مصطفى منيغ، أحمد الحباسي، مجدى داود، د- هاني ابوالفتوح، العادل السمعلي، يحيي البوليني، محرر "بوابتي"، أحمد النعيمي، فوزي مسعود ، ماهر عدنان قنديل، أنس الشابي، محمد يحي، د- محمود علي عريقات، عبد الله الفقير، محمد الطرابلسي، صفاء العربي، د - عادل رضا، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله زيدان، سلوى المغربي، فتحـي قاره بيبـان، الهادي المثلوثي، د- جابر قميحة، فتحي الزغل، حسن الطرابلسي، أشرف إبراهيم حجاج، رافد العزاوي، مصطفي زهران، حسن عثمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد بشير، عمار غيلوفي، حميدة الطيلوش، د - محمد بن موسى الشريف ، د - الضاوي خوالدية، فهمي شراب، د. أحمد محمد سليمان، ياسين أحمد، علي عبد العال،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة