البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ما الفائدة من جيوش عربية؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 378



فئتان من المؤمنين تقتتلان في السودان في هذه اللحظة، فمن الباغية منهما لننصر التي وقع عليها البغي؟ لا أحد من المؤمنين بالصلح يمكنه أن يفتي لنا في الباغي والضحية، الجميع يكبّر ويطلق النار ويقول قتيلي شهيد وقتيل خصمي في النار. الجنة والنار توزع الآن في السودان بين مؤمنين يقتتلان.

لن نخوض في الغيب فلسنا مؤهلين للفتيا، بل نغرق في واقع عربي عفن بفعل الجيوش العربية. سبعون عاما أو يزيد من الجيش العربي في كل قُطر عربي ولا معركة تحرير، بل معارك تحطيم الشعوب بفعل من ظن بهم خيرا لواجب الدفاع والحماية والبناء. من أين نبدأ؟ من مغرب الأمة أم من مشرقها؟ كم قتلت الجيوش العربية من مواطنين عرب ليسوا إلا إخوتهم وأبناء عمومتهم؟ ولصالح من تم القتل والسحل باسم الوطن؟ وإلى متى يستمر دور جيوش تحمل أكداسا من أوسمة علقتها على صدروها ولم تخض حربا ضد عدو يراه الجميع ويخشاه ويتخفى خلف التوازن الاستراتيجي مع العدو؟

يعجزنا تعداد فشل الجيوش العربية وبطولاتها أيضا

نرتب الوقائع مند الاستقلال (منتصف الخمسينات)، نبحث عن انتصارات عربية قادتها جيوش عربية ورثت معظمها مجاهدي حركة التحرر الوطني، ومنها كوّنت نواتاتها الأولى نقارن حرب المقاومين الأفراد أو العصابات الصغيرة بحرب الجيوش فنقول ليت الأقطار المستقلة اتخذت لها عصابات حربية تنادى في الملمات، فالجيوش تحولت بسرعة خارقة إلى أجهزة بيروقراطية تتفنن في قمع شعوبها.

نبدأ من جيش مصر ونكمل بآخر بطولات جيش السودان، ونمرّ في الطريق بجيش البعث السوري وبطولاته في حماة وبجيشي المغرب والجزائر وهما متقابلان على جبهة الصحراء مند ستين عاما، فلا الحرب خيضت وحسمت الخلاف ولا السلم انتصر.

لا نسجل في أبواب أمجاد الجيوش العربية انتصارا واحدا بل حروبا بينيّة وأخرى أهلية تنادي لها الجيوش، لا بل ترافقها فتاوى الجهاد في سبيل الله وتصمت وقت الحرب ألسنة الإعلام فلا تخدش حياء الجيوش بسؤال عن جدوى ما تفعل الجيوش. والمثال حاضر أمامنا اللحظة، إذ لم نقرأ لإعلامي سعودي يجادل في مشروعية حرب بلاده في اليمن.

الحقيقة أن قائمة الخزي طويلة واستعراضها يفقد جدواه، فنختصر: الجيوش العربية عبء على أوطانها تسرق قوتها في تسليح غير مجد وتقمع شعوبها بأيديها أو بواسطة مدنية تصطنعها، ولا تخوض حرب تحرير رغم أن الأعداء متربصون على الحدود.

الجيوش العربية هي الثورة المضادة

منذ انقلاب عسكر الجزائر على أول تجربة انتخابية تعددية في التسعينات تبينت الأدوار الجديدة للجيوش العربية؛ منع الشعوب من الوصول إلى الحكم الديمقراطي، ولو اقتضى الأمر ارتكاب مذابح. ما فعله الجيش المصري بالتجربة الديمقراطية هو من جنس ما قام به جيش الجزائر قبله، والذرائع دائما متوفرة وهي واحدة: مقاومة الإرهاب الإسلامي. ولم يُطرح السؤال فهو ممنوع: أيهم الإرهابي؟ الإسلامي الذي يسعى إلى الصندوق الانتخابي وينتصر به، أم العسكري الذي يحطم الصندوق ويفرض نفسه بنهر من الدم بل يحرق الناس أحياء في الشوارع؟ وآخر المساهمين في تحطيم التجارب الديمقراطية الوليدة هو الجيش التونسي الموصوف سابقا بالحياد السياسي.

كيف تحولت الجيوش العربية من جيوش تحرير إلى أدوات تخريب أوطان؟ لن نظفر بالإجابة، لكن لو نظرنا في المعارك التي هربت منها أو تحاشتها هذه الجيوش سنفهم من يمسك لجام هذه الجيوش في كل قُطر عربي ونظنه واحدا بمسميات مختلفة.

لقد تحاشت هذه الجيوش دوما معارك التحرير ولم تتورع عن محق شعوبها، فلقد نشأنا على خريطة لوطن عربي كبير يروجها عَبَدة البوط العسكري من القوميين؛ تبدأ من لواء الإسكندرون السوري الذي ضاع في تقسيمات ما بعد الحرب الأولى إلى منطقة الأهواز التي يحتلها الفرس (أو سبتة ومليلة في المغرب التي يحتلها الإسبان). لم تحرر جيوش العرب هذه المناطق المحتلة بل فقدت غيرها، فصاحب الإسكندرون على الخريطة لا يجرؤ على رفع عينيه نحو هضبة الجولان المحتلة، وهو ماكث ينتظر التوازن الاستراتيجي ويسلط جيشه الجبار على الإخوان المسلمين في حماة، وكانت أرفع بطولات جيشه المشاركة الفعالة في تحطيم جيش العراق؛ جيش العراق نفسه الذي هرب من الأهواز ليتشطر على الكويت. أما جيش السودان فقد خسر جنوب السودان وخاض حربه مع مصر على حلايب وشلاتين.

من استفاد من بطولات الجيوش العربية؟ إنه الكيان الغاصب والذي قيل لنا إن الجيوش أنشئت وسُلّحت من أجل طرده وتحرير المقدسات. هذه الجيوش لم تخض تلك الحرب بل منعت الشعوب من التطوع فيها ولو لرمي الحجارة. هذا الكيان يمسك شكيمة هذه الجيوش ويحدد لها مجالات فعلها في الداخل وفي الخارج (مثل أن ترجم السعودية اليمن لتخريب ثورته).

لنتخلّ لمرة عن ترويج حديث البطولات المزيف مثل أوسمة قادة هذه الجيوش. من يسلح هذه الجيوش ومن يدربها يحسن برمجتها لتقوم بدور محدد: حماية الكيان الغاصب أولا من الشعوب العربية التائقة رغم المسافات إلى معركة تحرير ومعركة ديمقراطية. وما حرب السودان الجارية إلا فصل إضافي يؤكد أن هذه الجيوش هي فصائل مسلحة من الخونة، نعم نكتبها بحسرة هذه الجيوش تخون أوطانها وتدمرها. فأفضل ما برعت فيه هو منع شعوبها من الديمقراطية، وهي تفعل ذلك باسم حماية الشعوب من الاختراق الصهيوني عبر وسائل الديمقراطية، أي والله هذا الكلام يقال في إذاعات كثيرة وفي صحف مشهورة. فمن جيش مصر وصحفه وزبانيته من الصحفيين خرجت عبارة الربيع العبري لتصير المطالبة بالديمقراطية جريمة يحرق صاحبها حيا بالنار في الشوارع.

إذن لن نأسى على حال السودان فجيشه يكتب فصلا آخر من فصول تدمير السودان. لو كان لنا أن نحمي المدنيين البؤساء في رمضان ولكن اليد قصيرة فنكتفي بالتمني.

نصل فقط إلى سؤال فلسفي: ما جدوى الجيوش العربية في أوطانها؟ لماذا تنفق من أجلها كل تلك الأموال تسليحا وتمويلا؟ لقد عاشت هذه الشعوب بعبء حمل الجيوش على أكتافها، ولو أُنفق على تعليم هذه الشعوب الهائمة وتشغيلها ما أنفق على جيوش كسولة تصنع كعك العيد لكان خيرا لها.

في حضيض يأسنا من استعادة الديمقراطية في وقت قريب نكتب بوعي أن بعض فضل الربيع العربي علينا أن رأينا من وراء ستائر الدعاية الصفيقة أن ليس للعرب جيوش وإنما مليشيات مسلحة (جنجويد عربي شامل ومنتشر كالطاعون)، مليشيات مدربة لقتل شعوبها تعرف أكثر من غيرها أن الديمقراطية تعريها وتفضح أدوارها وتهيئ الشعوب لمستقبل بلا جيوش مزيفة. فقد قاتلت الشعوب قوى الاستعمار بإرادتها قبل أن تسلط على رقابها جيوش نظامية مدربة عند المحتل القديم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الجيوش العربية، تونس، السودان، مصر، اليمن، سوريا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-04-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
إيمى الأشقر، حسن عثمان، علي الكاش، وائل بنجدو، محمد اسعد بيوض التميمي، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الله زيدان، فتحـي قاره بيبـان، د- هاني ابوالفتوح، أبو سمية، د - محمد بن موسى الشريف ، مصطفى منيغ، مجدى داود، محمود سلطان، عزيز العرباوي، د. أحمد بشير، سيد السباعي، محرر "بوابتي"، منجي باكير، فتحي العابد، صباح الموسوي ، محمد العيادي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد الياسين، عمر غازي، ماهر عدنان قنديل، د - الضاوي خوالدية، خبَّاب بن مروان الحمد، جاسم الرصيف، علي عبد العال، أشرف إبراهيم حجاج، إياد محمود حسين ، محمود فاروق سيد شعبان، د.محمد فتحي عبد العال، حاتم الصولي، د. صلاح عودة الله ، د - صالح المازقي، العادل السمعلي، محمد شمام ، حسن الطرابلسي، سلوى المغربي، سلام الشماع، نادية سعد، يزيد بن الحسين، رمضان حينوني، صلاح المختار، صفاء العربي، عبد الغني مزوز، أحمد بوادي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - شاكر الحوكي ، عمار غيلوفي، د - المنجي الكعبي، د. خالد الطراولي ، رشيد السيد أحمد، الهادي المثلوثي، د. أحمد محمد سليمان، د- محمد رحال، المولدي الفرجاني، د - محمد بنيعيش، ياسين أحمد، صلاح الحريري، مراد قميزة، محمد عمر غرس الله، عبد الله الفقير، د. طارق عبد الحليم، أحمد النعيمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، تونسي، محمود طرشوبي، سامر أبو رمان ، رافد العزاوي، أحمد الحباسي، صالح النعامي ، محمد أحمد عزوز، حميدة الطيلوش، د- جابر قميحة، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ضحى عبد الرحمن، د - عادل رضا، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الهيثم زعفان، سفيان عبد الكافي، سامح لطف الله، د. عبد الآله المالكي، أ.د. مصطفى رجب، عراق المطيري، رافع القارصي، د- محمود علي عريقات، محمد يحي، فهمي شراب، يحيي البوليني، أحمد ملحم، فتحي الزغل، د - مصطفى فهمي، عبد الرزاق قيراط ، الناصر الرقيق، صفاء العراقي، رضا الدبّابي، إسراء أبو رمان، سعود السبعاني، كريم السليتي، خالد الجاف ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عواطف منصور، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد الطرابلسي، كريم فارق، أنس الشابي، مصطفي زهران، فوزي مسعود ، طلال قسومي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة