البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

ماذا بقي من الأحزاب التونسية بعد الانقلاب؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 659



لولا الخشية من أن ننسب للمنقلب ذكاء لا يملكه لقلنا إن نظريته في التحلل الطبيعي للأحزاب سليمة، فالمشهد الحزبي في تونس تذرر بسرعة حتى لم نعد نسمع في الساحة الحزبية إلا أسماء ما تبقى من القواقع. إن تقدم التجربة الديمقراطية الغربية بواسطة التكتلات الحزبية المتنافسة، والتي نقلدها مرغمين بصفتها التجربة الأسبق، تعلمنا برغم التجربة التونسية المبتدئة أن الديمقراطية غير ممكنة بدون أحزاب. لكن التجربة التونسية الآن وهنا تدفعنا إلى طرح أسئلة: أين الأحزاب التونسية التي تنوي التقدم بالديمقراطية وتتجاوز خطاب الشعوبية القائلة بفناء طبيعي للأحزاب؟

هل كانت هناك أحزاب فعلا؟

لعله كان مجازا جميلا أن نقول إنه كانت في تونس حياة حزبية فعلية قبل الانقلاب. فمن حسن الظن أو من الغفلة أن نعتبر أسماء 230 حزبا كانت أحزابا فعلية، لقد كانت مجموعات من الأصدقاء المتفقين على أفكار متداولة بين الجميع؛ اختاروا لها أسماء أحزاب وسرعان ما تلاشت وبقيت أسماء قليلة شاركت في الانتخابات، وقد استفادت من نظام الانتخاب بأكبر البقايا فدخل بعضها البرلمان. ونعتقد أن ذلك النظام قد منح الحياة الحزبية بعض حياة لم تستمر بمجرد سقوط القانون.

جرف الانقلاب إذن بذرة الحياة الحزبية فلم يمكن لنا أن نتوقع تطورها في الظروف العادية لبدايات الديمقراطية التعددية، والآن اندثرت جميع الأسماء أو كادت إلا ذكرى.

كنا نعرف قبل الانقلاب أن الحزيبات ضعيفة خارج البرلمان، وكانت أعلى أصواتها المسموعة أصوات كتلها النيابية. فحزب مثل قلب تونس (الثاني من حيث الحجم في برلمان 2019) لم يكن إلا كتلة نواب انقسمت منذ دخولها للبرلمان بسبب الموقف من التحالف البرلماني مع حزب النهضة. قبل ذلك كان حزب التكتل قد تلاشى منذ انتخابات 2014 ولم يبق منه إلا الاسم الفارغ، أما الحزب الجمهوري فهو السيد عصام الشابي وبعض الشباب الذي لا يفلح في التحرك بعد مؤسسه. وتعرض حزب التيار إلى هزة قصمت ظهره نتيجة موقف الزوجين عبو من الانقلاب. أما حزب الحراك (حزب الرئيس المرزوقي) فيعيش بالرصيد الرمزي والأخلاقي للمرزوقي ويحرك اسمه في الساحة بمنح مقره لجبهة الخلاص.

ولكن وجب القول إن كل هذه الأسماء لا تتجاوز مقاهي العاصمة أو غرفها المكيفة (لستر الحجم الضئيل)، فإذا اجتمعت وهي لا تجتمع لفرقة كبيرة بينها لا تفلح في تسيير مظاهرة باستقلال عن جمهور حزب النهضة الذي به بقية باقية من حياة؛ تبدو لمن يقيس الأعمار والحالة الصحية خلاصة للبؤس السياسي.

حزب النهضة القوقعة الأخيرة

رغم ذلك نرى أنه لم يبق في المشهد إلا حزب واحد هو حزب النهضة، وفي هذا الواقع المجرف يجب أن نطرح السؤال بصيغة دقيقة: كم بقي من حزب النهضة نفسه؟ وهل يعدو كونه الآن ذكرى حزب أو خيال مآتة أو قوقعة متحجرة، يتماسك بالذكرى أكثر مما يتماسك حول مشروع سياسي؟

كان الحزب قد بدأ يفقد مشروعه وسبب وجوده قبل الانقلاب، فمشاركته في السلطة بما اقتضته من التسليم لخصومه بمطالبهم على حساب مشروعه الأول؛ أكلت من رصيده كحزب هوية ولم تقدم له هوية بديلة رغم بالون الإسلام الديمقراطي الذي أطلقه رئيسه. ابتعد عنه الطيف المتشدد دينيا، وكانت آخر أفواج الخارجين جماعة ائتلاف الكرامة التي زايدت عليه في المسألة الدينية ثم كانت استقالة مجموعة المائة بعد الانقلاب، فضلا عن استقالات فردية في الصف الأول مثل السيد الجلاصي. ونرى الحزب يتهرّب من إنجاز مؤتمر يكشف اضمحلاله وقد يؤدي إلى تلاشيه.

تغيير التكتيكات داخل السلطة وحولها أفقده الاستراتيجية المؤسسة، فلم يبق للحزب امتداده الشعبي الذي ظنه كثيرون حقيقة واقعة بعد انتخابات 2011.

والآن بعد الانقلاب لم يبق إلا الزعيم المؤسس يختصر الحزب في شخصه وفي مجموعة من الموالين له؛ عن قناعة أو عن حنين أو عن مصلحة يحسن الزعيم تدبيرها. وقد ثبت أن الذين يستجيبون لدعوات التظاهر منذ الانقلاب يتناقصون بسبب غياب الأفق السياسي للتحركات (وهو ما لم يفلح الزعيم في تدبيره حتى اللحظة).

وفي الوقت الذي ظن أن الوقت يأكل من رصيد الانقلاب، أكل كل رصيد الحزب، والأمر الوحيد الثابت أن الحزب لم يفقد أعداءه، بل لعلهم يزدادون ويرون فرصة الإجهاز عليه تقترب. لذلك يوالون الضربات للزعيم لأنه آخر الروابط الجامعة لمن تبقى حوله، لقد حالوا بينه وبين ذراعيه القويين، البحيري والعريض. وفيما نقرأ الآن من دعاية مضادة (بعضها يصدر من داخل الحزب نفسه)، فإن الغنوشي هو سبب الانقلاب لا ضحيته.

ماذا بعد هذا التجريف؟

إقفار الحياة السياسية ليس قانونا اجتماعيا يُثبت نظرية الموت الطبيعي للأحزاب كما يهلوس بذلك الانقلاب، بل هو عمل من أعمال الاعتداء على الديمقراطية بقوة الدبابة.

وجب أن نقول وبصوت جهير أن الأحزاب لم تكن في مستوى إنشاء ديمقراطية بعد عهد طويل من القمع، وأنها استنزفت جهدا في احتراب بيني بهدف وحيد هو استئصال الإسلام السياسي بمسمياته، ولم يتطور خيالها وعملها إلى تجاوز حزب النهضة (والأحزاب الدينية) ببناء كيانات أقدر منه على الإقناع والبناء والتجاوز. لقد كانت أحزابا لمحاربة حزب لا لبناء بدائل، ومن هنا كان مقتلها وكان عمل الانقلاب هو تعريتها ودفعها إلى الموت. فمن سيخرج حيا بعد الانقلاب؟

إنها مرحلة الاستبدال

نطوف حول هذه الفكرة/ المرحلة ونجد عليها أدلة مؤثرة. ثابت أول لدينا وبسهولة كبيرة، تجريف الحياة الحزبية جزء من عمل الانقلاب وليس قانونا اجتماعيا، وثابت ثان هو أن الأحزاب وفرت فرصة تذويبها بعجزها عن تخيل حياة سياسية ديمقراطية. والنتيجة إقفار الحياة السياسية من كل نشاط حزبي بنّاء، رغم المظاهرات الدورية التي تتحول إلى مظاهرات رفع عتب أو في أفضل حالاتها مظاهرات تحريك لا تغيير.

سنتان من الانقلاب (دون ما قبله من مؤشرات ممهدة) كانتا كافيتين لتعترف الأحزاب أنها قد فقدت قدرتها على العمل بعد أن فقدت رؤيتها للمستقبل، وكانت كافية لاستئناف نشاطها من مكان آخر يتأسس على نقد تجربتها وتشخيص عجزها ثم الخروج إلى وجود جديد بعقل سياسي جديد. لم يحدث ذلك فمنحت وقتا أطول للانقلاب ليفعل ما يشاء، بما في ذلك تحويلها إلى عدو للشعب.

هذا العجز علامة نهاية نخبة ونهاية مرحلة وسؤال عن المستقبل لن تجيب عليه هذه الأحزاب بنخبها المستنفدة. من يحل بعدها؟ ما زلتُ عاجزا عن تجميع مؤشرات عن المستقبل.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-04-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رشيد السيد أحمد، فتحي الزغل، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العراقي، سفيان عبد الكافي، محمد الياسين، د - صالح المازقي، د - محمد بنيعيش، محمود فاروق سيد شعبان، محمود سلطان، الهادي المثلوثي، ماهر عدنان قنديل، محمد أحمد عزوز، المولدي الفرجاني، د - عادل رضا، د- محمد رحال، صالح النعامي ، طلال قسومي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رافد العزاوي، فوزي مسعود ، محمد الطرابلسي، رافع القارصي، صلاح الحريري، يحيي البوليني، د. عبد الآله المالكي، أحمد الحباسي، حميدة الطيلوش، صباح الموسوي ، عراق المطيري، تونسي، حاتم الصولي، ياسين أحمد، علي عبد العال، كريم السليتي، أنس الشابي، أشرف إبراهيم حجاج، محرر "بوابتي"، د- هاني ابوالفتوح، فتحـي قاره بيبـان، ضحى عبد الرحمن، فهمي شراب، د. خالد الطراولي ، مصطفي زهران، الهيثم زعفان، طارق خفاجي، عواطف منصور، صلاح المختار، د- محمود علي عريقات، د. أحمد بشير، بيلسان قيصر، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود طرشوبي، محمد شمام ، محمد علي العقربي، إسراء أبو رمان، أحمد ملحم، كريم فارق، نادية سعد، سامح لطف الله، د. صلاح عودة الله ، د- جابر قميحة، د - مصطفى فهمي، عبد الرزاق قيراط ، رضا الدبّابي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - المنجي الكعبي، محمد العيادي، مجدى داود، عبد الغني مزوز، صفاء العربي، د - محمد بن موسى الشريف ، مراد قميزة، محمد اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد بوادي، خالد الجاف ، محمد عمر غرس الله، مصطفى منيغ، د. أحمد محمد سليمان، حسن عثمان، فتحي العابد، رمضان حينوني، سليمان أحمد أبو ستة، إياد محمود حسين ، سلوى المغربي، منجي باكير، إيمى الأشقر، عبد الله زيدان، د - شاكر الحوكي ، محمد يحي، سيد السباعي، حسن الطرابلسي، د - الضاوي خوالدية، يزيد بن الحسين، سلام الشماع، أحمد النعيمي، عبد الله الفقير، وائل بنجدو، جاسم الرصيف، أبو سمية، سعود السبعاني، الناصر الرقيق، العادل السمعلي، عبد العزيز كحيل، عمار غيلوفي، عمر غازي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي الكاش، عزيز العرباوي، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، سامر أبو رمان ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د.محمد فتحي عبد العال،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة