الا تدلونا يانيرين ولائكم للحاكم ام البلد ام الطائفة ام لغاسل الدماغ الأجنبي
بلاسم جواد الدفتري
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 615
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
ما زال هناك خلط بين الانتماء والولاء، عند كثير من الأفراد والمجتمعات، فهم لا يميزون بين الانتماء والولاء، ولا يفرقون بين هذين المعنيين، رغم أن الانتماء أقوى ارتباطاً بالأرض والوطن والهوية، فمثلاً الانتماء راسخ في جذور الجغرافيا والتاريخ والبيئة، وضارب في أعماق معنى الولاء الحقيقي للوطن، وبشكل لا يتزحزح أمام عاديات الزمن.. لكن البعض يخلط ويقول: ولائي للشخص الفلاني أو الدين أو المذهب أو الطائفة أو العائلة والقبيلة.. يُضعِف الإيمانَ ويمس بالانتماء لهوية الوطن والإخلاص له!
والولاء، كما تقول قواميس اللغة، يعني: القرب، والمحبة، والصداقة، والنصرة.. وهو يشير كمصطلح إلى تلك الرابطة العاطفية التي تربط الفرد بفئة أو جهة أو مؤسسة أو فكرة أو مذهب أو معتقد.. وبما أنها رابطة عاطفية فإنها تكون عن اختيار وعن رضا، ولا يقوم الدليل عليها إلا من خلال آثارها بخلاف الانتماء الذي يقوم على أسس ووقائع محددة ومعروفة سلفاً. وهناك تعريف جامع واضح، موجز وبليغ، لمفهوم الولاء، قاله الفيلسوف الأميركي جوزيا رويس، الذي يرى أن الولاء هو «إخلاص شخص لموضوع إخلاصاً طوعياً وعملياً غير مشروط». ويمكن أن نستشف من هذا التعريف خصائص الولاء، فهو في أصله عاطفة وشعور يتمثل في الإخلاص، إلا أنه شعور تترتب عليه آثار عملية، ولا يعتد به ما لم يتحول إلى واقع وسلوك، ثم إن هذا الإخلاص يكون طوعياً وعن اختيار ورضا، ولا يمكن أجبار أحد عليه، وهو إخلاص غير مشروط. بمعنى أن الولاء قيمة يتبناها الشخص لذاتها، وليس من أجل منفعة شخصية. ولا شك أن الولاء يتجه إلى موضوع معين، فقد يكون ولاءً لدين أو وطن أو جماعة أو فئة أو شخص أو مؤسسة أو مهنة أو فكرة ما. (صحيفة «الرأي» الأردنية، 2-10-2014).
وكثير من مناهجنا التربوية في العالم العربي تعلم مادة الوطنية، لكنها لا تفرق بين الانتماء والولاء، وربما يكون هذا قد أتى من خلفيات تاريخية وعائلية أو قبلية قبل تكوين الدول الحديثة، خلفيات فرضها الواقع في زمن مضى وأندثر وتلاشى، لذلك لابد الآن من التركيز على مثل هذه المفاهيم وإشاعة ثقافة المكان والولاء للوطن والأرض والشعب.. فهذا أكثر ثباتاً وتجرداً وإخلاصاً للتشبث بالأرض والتمسك بوحدة الوطن وهويته، وليس الولاء للحزب أو الطائفة أو شيخ الدين، لذا لابد أن يتلازم الانتماء للوطن مع الولاء لقيادته في كل الحالات والمقاييس والأدبيات، لأن الانتماء الحقيقي هو الالتصاق بالأرض والانسجام والتناغم في بوتقة هوية الوطن والانصهار والذوبان فيها، فـ«الدين لله والوطن للجميع»، والانتماء صفة نكتسبها بحكم الولادة والمنشأ في نفس المكان أو حتى الإقامة الدائمة، لذلك فهو صفة غير قابلة للتجزئة والتشرذم. والانتماء في اللغة يتضمن معنى الانتساب للأرض والدفاع عنها، ويشير في المصطلح غالباً إلى تلك الرابطة الوثيقة بهوية الوطن بغض النظر عن الأيديولوجيا المتغيرة وتوجهاتها الفئوية الضيقة.
يعود ذلك الى سنوات الحرب العراقية الإيرانية، حين أطلقت وسائل الاعلام العراقية على عدوها الإيراني تسمية "الفرس المجوس" جامعة فيه القومية والدين.
وكانت تلك الوسائل قبل ذلك الحدث، تستعير مفردات أخرى لتصنيف اعدائها الداخليين، فهي قد صنفت الحركات الإسلامية الشيعية بالعمالة لإيران، والشيوعيين بالعمالة لموسكو، وسبق ذلك، عمالة اليهود لدولة إسرائيل.
كانت تلك التسميات والتصنيفات تستهدف ضرب الخصم والاجهاز عليه، من خلال تحشيد وتأليب الرأي العام ضده، اجترارا لصور نمطية سابقة على الحدث حتى لو كانت تعود لآلاف السنين.
لم يكن ذلك واردا قبل العام 1979 عام الثورة الايرانية، وتحويل الدولة من اتجاهها القومي الى الاتجاه الديني الإسلامي وتحديدا الشيعي، وهي "ايران" التي كانت قد احتلت الجزر الإماراتية في بداية السبعينات وظهور تسمية الاحتلال الإيراني نسبة الى التسمية الجغرافية.
في كل حادثة يكون الشيعة طرفا فيها يتم الغمز في وسائل الاعلام من جهة الولاء الشيعي لأوطانهم التي يتواجدون فيها، حتى لو كانوا يمثلون الأكثرية في تلك الأوطان "العراق–البحرين" اعتمادا على تلك الخطابات التي لازالت طرية وفاعلة في الذاكرة والوعي الجمعي العربي والإسلامي.
وهم، أي "الشيعة" مطالبون دائما بإثبات هذا الولاء على العكس من بقية المذاهب او الجماعات الاثنية الأخرى في نفس تلك الأوطان.
فلا يطالب السني بإثبات ولائه لوطنه، لأنها تعتبر مسألة محسومة بالنسبة له، طالما هو الذي يحدد بوصلة الولاء لجماعته التي ادمنت الحكم، وبالتالي يكون الولاء نابعا من خضوع الجميع لهذا الحكم.
لكن هناك مفارقة واضحة وجلية في مثل هذا القطع واليقين بالنسبة للسنة، وهي ان الحاكم لا يمكن ان يكون الوطن ويختزل فيه، كما نعرف ذلك في الادبيات السياسية وفي تصنيفات الباحثين لمسائل الدولة والحاكم والوطن.
وربما سؤال يطرح نفسه، يعيد صياغة العبارة السابقة: هل ان دولنا من المحيط الى الخليج، وحتى خارج هذا الحيز الجغرافي، وهي الدول الإسلامية، قد استكملت بنى دولتها الوطنية لكي يصار الى مطالبة المحكومين بالولاء لأوطانهم؟
لو ألقينا نظرة فاحصة لاتجاهات الولاء في مجتمعاتنا العربية والمسلمة ماذا نجد؟
في جميع تلك المجتمعات نجد ولاءاتها تتوزع على القبيلة والمنطقة والمذهب، فهي مجتمعات لازالت تسود فيها العصبيات العشائرية، ولازالت تسيطر عليها الانشدادات المناطقية، وتحركها بالدرجة الأساس التوجهات المذهبية.
وكأن كل تلك الانتماءات الفرعية هي تعويض عن فقدان البنى الوطنية لدولها، وهي ارتداد سابق لتشكل الدولة بما وصلت اليه في مناطق أخرى من العالم.
ما المقصود بالولاء في تلك المجتمعات؟
انه الولاء للسلطة الحاكمة، وما عدا ذلك في حالة الرفض والخروج عن ذلك الولاء تصبح التهمة جاهزة بضعف الروح الوطنية والعمالة للخارج والتخابر مع العدو والطابور الخامس.
طيلة عقود طويلة اختبر الشيعة تلك التهم في اوطانهم، وكانوا مطالبين بإثبات ولاءهم الذي هو في حقيقته يجب ان يكون ولاء للسلطة.
نقطة أخرى اجد ان من الأفضل اثارتها في هذه السطور، وهي علاقة الشيعة بمراجعهم ورموزهم الدينية..
كثيرا ما توجه أيضا أصابع الاتهام للشيعة بأنهم يوالون أشخاصا من خارج حدود بلدانهم، او من جنسيات أخرى، كما هو الحال في العراق كمثل لهذه التهم الجاهزة فيما يتعلق بجنسيات المراجع في النجف الاشرف وبعضهم الموجودين في قم المقدسة او في مناطق أخرى "لبنان – السعودية – البحرين".
لا يعرف من يوجه التهم ذات اليمين وذات الشمال، او هو يعرف ذلك، لكنه يريد ان يحجب الحقيقة التي يعرفها عن الاخرين، ان مسائل التقليد للمراجع والتقدير للرموز الدينية الشيعية، تنبع بالدرجة الأساس من ان أولئك المراجع وتلك الرموز هي عابرة للانتماءات الجغرافية والقومية، وهي تخضع لانتخاب حر من قبل جمهور المقلدين لهؤلاء العلماء،.
بداية القول، لا بد من التأكيد على أن الولاء للأشخاص بالنسبة للوطنيين يتوجب أن ينحصر «فقط» في رموزنا السياسية التي تمثل نظامنا الحاكم وولاة أمرنا الذين أمرنا الله ورسوله بطاعتهم.
وعليه أول الولاء الوطني يكون للوطن ورموزه على رأسهم جلالة الملك حفظه الله، وسمو رئيس الوزراء، وسمو ولي العهد، وما دونهم يتغير الولاء في مفهومه تجاه الأشخاص.
ما أعنيه هنا أسقطه على واجبات المواطن تجاه وطنه من خلال عمله، وفي مسؤوليات وظيفته، وأين يكون «ولاؤه المؤسسي» بعد ولائه الوطني.
مفهوم الولاء المؤسسي فهمه مغلوط تماماً لدى شرائح عديدة، كثير منهم يظن أن الإخلاص في العمل يكون محصوراً في الإخلاص للمسؤول، في التودد له، في التحول لفرد في جوقة المديح له، بغض النظر إن كان مسؤولاً صالحاً أو عكسه طالحاً.
هذا فهم خاطئ وخطير، مكمن خطورته يتمثل بـ«انحراف» الهدف الأصلي من العمل وخدمة الوطن وتنفيذ رؤية قيادة البلد في عملية التنمية والتطوير.
حينما أعمل في وظيفة ما بالحكومة، لا بد وأن أفهم أولاً أنني أقوم بواجبي كمواطن، وأن هناك «قسماً» وإن لم يكن مكتوباً، يتمثل بإخلاصي التام لوطني ولرؤية قيادتي، ولتنفيذ التوجهات التي تتسق مع رؤية البلاد وقيادتها.
الإخلال في واجبي كموظف هو إخلال في ولائي المؤسسي وهو ما يؤثر على ولائي الوطني، إذ من يحب وطنه ويخلص له، عليه أن يعكس ذلك على أدائه وتصرفاته وعطائه.
المشكلة حينما يعمد بعض المسؤولين لقياس إخلاص وتفاني الموظف بنسبة ولائه وانصياعه التام للمسؤول، وهنا لا بد من استيعاب مسألة مهمة جداً، تتعلق بتركيبة المسؤولين، فمنهم من هو شخص يستحق الثقة، يعمل بجد وإخلاص، وبـ«ضمير حي»، يضع توجيهات القيادة نصب عينيه، ويضع البحرين أمامه في كل شيء، بالتالي حكمه على الموظفين يكون بناء على تلكم المعايير المتلخصة في التفاني والجد والاجتهاد والعمل المنتج الذي يفيد القطاع ويخدم الناس.
وهناك للأسف من المسؤولين من يحارب الموظفين إن لم يعلنوا ولاءهم المطلق له، إن لم يسايروه في عملهم وإن كان خاطئاً ووفق آلية عمل غير صحيحة، يطبق المعادلة التي تقول «إن لم تكن معي، فأنت ضدي».
الكارثة المؤلمة تحصل، حينما تُظلم جموع كبيرة من الموظفين لأنهم ليسوا من «جوقة» المسؤول، ولأنهم لا يعملون لأجله بل لأجل قطاعهم ووطنهم، هنا يضيع حق المخلص، ويسطع نجم المتملق والمنافق وقارع الطبول للمسؤول.
صلاح البلد يكون بصلاح قطاعاتها، وصلاح هذه القطاعات يكون بصلاح مسؤوليها، المسؤولين الذين يعززون الولاء المؤسسي ويشددون على العمل المنتج للموظفين.
ندعو الله أن يصلح المسؤولين، لينصلح معهم موظفوهم، وبالتالي تكون البلاد وأهلها المستفيدين أولاً وأخيراً.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: