العجفاء ذات الجلود حين تتعرى، دلالة الجرأة وغياب الرد
فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 1748
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
انتشرت صورة مستفزة لامرأة عجفاء متعرية، وتبين أنها من أولئك اللواتي يأتين الانحرافات الأخلاقية بزعم الفن، وهي في ذلك مثلها مثل عموم نبت الزقوم الذي زرعته منظومة فرنسا منذ عقود ورعته فلما استوى واستغلظ وآتي أكله سلمته أجهزة التشكيل الذهني بتونس فاستحوذوا على هياكل المستوى الثقافي فانتهبوها بينهم و أغرقوا دور الثقافة بعموم من يماثلهم وصدوا من ليس منهم من أن يطأها أو أن يطال حقه الذي يفترض أن يناله كتونسي من تمويلات أعماله أو طباعة كتبه، وأصبحت المهرجانات بؤر انحرافات لا تكاد تعرض فنا إلا لماما
ولما اطمأنت فرنسا على نبتها و أنه استقل في فاعليته عنها ونافسها في ما تريده بل وتفوق، إذ نبت الزقوم هذا يكره الإسلام كما تكرهه فرنسا أو يزيد وهو يكره لغة تونس العربية كما تكرهها فرنسا أو يزبد، فلما كان ذلك تركت فرنسا هؤلاء دوننا يتجرؤون ويحتقرون، فيتبولون علينا كل حين من دون رد منا، نحن أولاء فارغي الأفواه، المبهوتين، كأنما نساق للموت من شدة سكوننا، الذين نكاد ننازع الجماد في سلبيتنا ولا نكاد نرتقي لبعض الحيوانات إذ تنتفض دفعا للعدوان وصونا للحرمة
وهذه المرأة العجفاء تقبل على انحرافاتها باطمئنان لافت ولكنه اطمثنان الواثق من غياب من ينازعها أمرها ويسائلها عن سقطاتها
سنبحث في ما يلي دلالة هذه الجرأة، ودلالة غياب الردود
دلالة الجرأة
كيف لامرأة تتعرى باطمئنان وتروج لذلك في مجتمع يفترض أنه مسلم
1- يستعمل مفهوم الفن كأداة لتمرير الانحرافات الأخلاقية المستفزة، فالفن بهذا المعنى وعاء وظيفي تستعمله منظومة فرنسا لتمرير مشاريعها الاقتلاعية المغالبة للتونسيين
2- تتحرك منظومة فرنسا تحت غطاء مغالطات تتفرع من زعم فاسد يقول بتجانس المجال المفاهيمي (1) للتونسيين عموما، وينتج عن ذلك أن معاني المفاهيم متجانسة، أي أن مفهوم الفن مثلا له نفس المعاني لدى كل الناس، ولما كانت منظومة فرنسا هي من تملك وتتحكم في أدوات تشكيل الأذهان من تعليم وإعلام وثقافة، فإنها تريد أن تقول للتونسيين أن تحديداتها هي لمعاني الفن مقبولة من التونسيين، فيصبح التعري والانحرافات الأخلاقية التي تراها منظومة فرنسا فنا، فنا أيضا لدى التونسيين يلزمنا قبوله
وهذا منهج شنيع نتيجته ما نعرفه من تفكك اجتماعي وترهل أخلاقي مؤسف، أساسه القبول بأن منظومة فرنسا التي تحكم تونس هي وباقي التونسيين سواء وان ما تقرره يقبله التونسيون، وهذا افتراض غير صحيح
منظومة فرنسا غير باقي التونسيين، منظومة فرنسا كيان غريب أنشأته عدوتنا فرنسا ورعته ونما وتفرغ لخدمتها وخدمة مشروع الإلحاق بها، وهو كيان خياني كان يفترض تفكيكه بعيد خروج الجنود الفرنسيين لا تقويته، ولما حدث أننا عجزنا للأسف ولم نفكك منظومة فرنسا فعلى الأقل أن نكون واعين بأنها كيان غريب عن التونسيين مفاهيمها غير مفاهيمنا وواجبنا السعي للتخلص منها وتفكيكها في المستوى اللامادي أي تحرير أدوات تشكيل الأذهان التونسية منهم أي التعليم والإعلام والثقافة
وعليه فما تنتجه منظومة فرنسا من اللاماديات يجب الابتعاد عنه والتحذير منه لا الإقبال عليه، أي أن المنتوجات الفنية والإعلامية وبرامج التعليم كلها يجب رفضها ما دامت تحت إشراف منظومة فرنسا
3- كنت برهنت من قبل (2) أن الموجودات اللامادية أساسا لا يصح عقلا تعريفها، وإنما ما يحصل أن عمليات ضبطها تحكمات ومصادرات مفهومية لا تصح إلا داخل حقل مفاهيمي واحد متجانس أي أن معاني المفاهيم تدور في حقل تعريفات واحد
هذا يعني أن مفهوم الفن لا قيمة له إلا داخل حقل مفاهيمي متجانس، ولما كانت تونس يشقها حقلان مفاهيميان كبيران احدهما حقل مفاهيمي لمنظومة فرنسا ثم حقل مفاهيمي آخر يقابله ويغالبه، كان معنى ذلك أن الفن لا يمكن أن يكون ذا معاني متجانسة لدى كل التونسيين، وبدقة أكبر فإن الفن كما تفهمه منظومة فرنسا ليس الفن كما يفهمه بقية التونسيين، بل ولايجب أن يكون نفسه
وعليه فإن المجال الفني بتونس يحب أن يقع تحريره من أيدي منظومة فرنسا الغريبة عنا إن كنا تريد أن نستهلك فنا يدور في مجالنا المفاهيمي و إلا كنا تبعا للغير في بلدنا
غياب الرد
1- هناك ردود تقول بلوم المرأة تلك عن إسرافها أي هو لوم في مستوى مقدار الفعل وليس طبيعة الفعل واتجاهه
الحسم في الردود يجب أن يكون حول المواقف من الحقل المفاهيمي الذي تتحرك منه، فإن أنت كنت تعتبر ما تقوم به تلك المرأة فنا فأنت في صف منظومة فرنسا وأداة اقتلاع للتونسيين، وإلا فالأمر محسوم أنها نبت زقوم يجب صدها، لأننا نحن مشكلتنا ليس في تعري تلك المرأة في تلك الصورة تحديدا، لأنها أساسا صورة خائبة، وإنما الإشكال في أبعاد فعل التعري، أنه أنطلق من احتقار ومغالبة للمجال المفاهيمي للتونسيين، لا يهمنا بعدها إن تعرت قليلا أو كثيرا كما يرى لائموها المتجانسون فكريا معها
2- غياب الرد لدى المفترضين أنهم ينتمون للحقل المفاهيمي المستهدف من منظومة فرنسا، أي عامة التونسيين، سببه كما أرى أنه تشويش ذهني يقع لهم في مستوى المفاهيم، وذلك نتيجة القصف الذهني الذي تعرضوا له طيلة عقود، جعلهم يقبلون أن تحكمهم منظومة فرنسا وتأثر فيهم ويقبلون ما تروجه وتقرره من مفاهيم بل و يتخلون عن مفاهيمهم ويستبدلونها بمفاهيم أتباع فرنسا ومنها مفهوم الفن
إذن القصف الذهني المتصل لعقود انتج عجزا عن الفعل وهو ما نعيشه ونرى نتيجته حد أن يرتع هؤلاء مطمئنين في احتقارهم لنا
3- في مستوى غياب الردود، نجد السلطات القضائية، إذ كان يفترض أن تحال هذه المرأة على قطب مكافحة الإرهاب، لأن ما فعلته تحريض على الإرهاب، حيث أنها اعتدت على هوية التونسيين وعملت على إشاعة الفاحشة بينهم، وهذا يؤكد ادعاءات الجماعات المسلحة التي تقول أنها تحمل السلاح لأن الإسلام يحارب بتونس، وهي بتعريها واشاعتها الفاحشة تؤكد أقوال حاملي السلاح حيث أنها تحارب الإسلام ولا احد منعها أو أوقفها بالقانون، فهي كمن يصب الماء في طواحينهم، وبهذا فهي تقف بصفهم وتشجعهم موضوعيا وضمنيا
ثم إن هذا التفسير يحب أن يستعمل لإيقاف والإحالة على قطب الإرهاب كل أولئك الذين حولوا المهرجانات لعلب ليلية من خلال حفلات التعري والاعتداء على الذوق إذ هم بصدد تأكيد قول أن الإسلام يحارب في تونس
--------
(1) لفهم مصطلح المجال المفاهيمي، ينظر للمقالات التي شرحت فيها ذلك، وتتناول الفرز العقدي، من مثل مقال: الفرز العقدي واسترجاع المجال المفاهيمي: في فهم أسباب هواننا أمام منظومة فرنسا (3)
https://myportail.com/articles_myportail.php?id=10209
(2) ينظر لمقال: التحكم في التعريفات كأداة لضبط المعاني وصناعة الفرد التابع: نموذج تعريف الفن
https://myportail.com/articles_myportail.php?id=10292
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: