البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نهاية مرحلة.. فهل تتبين للتونسيين طرق جديدة؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 959



الاعتذار يمسك بخناق القلم، فقد شاركنا في بث أمل كاذب، إذ بنينا على الظن ولم نتبين الوقائع، فالوقائع سفت أحلامًا كثيرةً وكشفت قصور التحليل بالرغبة رغم الحذر المعرفي. هذه ليست توطئة نص محبط، لكن تلمسًا جديدًا للوقائع ومحاولة تصحيح موقف معرفي أكثر مما هي استشراف وإن لم يخل الأمر عندنا دومًا من الأمل في حادثة غير نمطية نسجًا على موقف مسبق قبل الثورة، وكانت الثورة حدثًا غير نمطي لم نتوقعها أبدًا، فحدثت وأدخلت بلبلة على مسارات التحليل البارد وما زعمناه من الواقعية.

من أين تسرب إلينا الخطأ/الوهم؟
عندما صرخ العقل أن ما جرى في تونس يوم 25 يوليو/تموز2021 انقلاب على الديمقراطية، لم نكن محتاجين إلى علم الاجتماع لتوصيف الحدث، لكن أن يستهين الناس إلا قلة بعشر سنوات من الحرية المطلقة ويستبدلونها بالولاء لشخص واحد ليس له نزر من مخائل الذكاء، فإن التحليل اختلط بالأمل ودخل حسن الظن محل الحذر المعرفي.

فسرنا في الشارع نحسب أيام الانقلاب الباقية ولم نره إلا مترنحًا ويوشك أن يسقط، فلم نتوقع سهولة تخلي الناس عن حريتهم لأننا قسنا على الأقلية الحرة فكرًا وممارسةً وشعورًا، ولم نتوقع بكفاءة قوة الإسناد الخفي من داخل الأجهزة ومن خارج البلد للحركة الانقلابية، ليس لأننا لم نعرفها سابقًا أو لم نر فعلها في إسناد ديكتاتور مثل بن علي، بل لأننا قدرنا أن مكسب الحرية غال وأن التفريط فيه يعني الموت البطيء، كان هذا تقدير خاطئ أدخل علينا خطأً كبيرًا.

كان الدرس المصري قريبًا يستفز الوعي، ففي السنتين الأوليين للانقلاب المصري قال كثيرون إنه لن يعمر طويلًا، لكنه بقي وتمدد بقوة الإسناد الخارجي (العربي والغربي) المعادي للحرية والديمقراطية حتى وصلت يده إلى تونس فأنجز انقلابًا آخر.

وعندما تفطن قطاع واسع من مساندي انقلاب العسكر المصري إلى النتائج الكارثية على الحريات في مصر كان الوقت قد فات لاستئناف معركة الحرية، ونقيس فنجد الأمر متطابقًا بين الانقلابين وبين الشعبين، وهذا قياس عقلي يوسع زاوية النظر ويبحث عن تحديد المسؤوليات.

من أخطأ أكثر في حق الثورة والحرية؟
الاعتذار عن الإفراط في الأمل صار واجبًا لا يعيبنا، ولن نهتم اللحظة بالذين صعدوا شجرة البراءة يلقون التهم على الآخرين كما لو أن الثورة لم تؤت من قبلهم، وما زال كثير منهم يبيع وهم (الانقلاب يترنح) منتظرًا هبة شعبية يحركها الجوع ولا يساهم فيها لتعيده إلى سدة المجد على الرقاب بلا كفاءة ولا بصيرة، وبعضهم يتكلم من منفاه الاختياري تحت التكييف.

من الصعب إعادة بناء سلسلة الأخطاء الأساسية التي مهدت للانقلاب، فبعضها سبق وضع دستور 2014 وأثر فيه لحسابات زعاماتية فردية أبعد ما تكون عن روح الثورة وبعضها دخل انتخابات 2019 دون أدنى وعي بالمخاطر التي ظهرت بعد صدور الدستور وأهمها قدرة منظومة الحكم السابق على المناورة والبقاء فوق كل محاسبة أو عقاب.

هذا فضلًا عن فشل كل أنصار الثورة المدعين في وضع سياسة إعلامية ومؤسسات تحمي الثورة، بل وقع الجميع ضحية ماكينة إعلامية مدربة عبثت بهم وبأقدارهم باسم تجنب المقعد الشاغر، وحصص السخرية من الثورة نفسها تحسب بالآلاف وكان الأنصار يجلسون فاغري الأفواه في بلاتوهات يخرجون منها طراطير.

نترجم، الذين رفضوا النظام البرلماني في الدستور مهدوا للانقلاب والذين ترشحوا دون اتفاق على شخصية وازنة (بإجماع يتفق عليه قبليًا) لتحصد مقعد ثانيًا في الدور الثاني في رئاسيات 2019 مهدوا للانقلاب والذين منحوا بحضورهم مصداقية لإعلام الثورة المضادة صنعوا الانقلاب.

أما الخطأ الأكبر فكان الارتجاف أمام النقابة منذ اليوم الأول للثورة، فكانت النقابة ذراع السلطة غير المسلحة منذ العام 1955 وقد ضربت بها كل حراك شعبي وقطفت نتيجته، لكن تحت تأثير النقابة نفسها (ولها جهازها الدعائي المحترف) استبطن الجميع صورة نقابة حشاد، ولم يكن فيها من فرحات حشاد إلا الصورة معلقة في المكاتب.

وكان الجميع شهودًا على أن النقابة قبضت ثمن حشاد ورفضت تتبع الجناة الذين اغتالوه رغم اعترافهم بذلك بكل وقاحة المخابرات الفرنسية، لقد خربت النقابة الثورة بيدها وبيد أنصار الثورة أنفسهم، والعجب العجاب أن معارضي الانقلاب ما زالوا يأملون أن تنحاز النقابة إلى صفهم ولم يروا ولا أظنهم سيرون أنه لولا النقابة لما أفلح المنقلب في البقاء.

هل نبحث عن بداية جديدة؟
قدر كل مؤمن بالحرية أن يسعى إليها ونظن أننا نسعى ولا نعلم مقادير الإصابة في سعي ليس محل اتفاق.

نظن (وندعو والدعوة ليست من التحليل في شيء) إلى وقفة نقد ذاتي عميقة من كل من يحتفظ حتى اللحظة ببذرة إيمان بالحرية والتغيير، هذا النقد لا يكون مصيبًا ومقنعًا إلا بالعودة إلى البدايات والتعرف على مواضع الخطأ الفردي والجماعي.

الصراعات البينية بين الزعامات أودت بالأمل وأفقرت الثورة ومزية الانقلاب أنه قام بتصفية هذه الزعامات وثقب بالونات مجدها المزيف، ورغم أننا نرى بعضها مصرًا على البقاء والتصدر وإلقاء الحكمة على الغوغاء الجائعة، فإن كل يوم إضافي في تصدر هؤلاء لمشهد معارضة الانقلاب هو خدمة مجانية للانقلاب.

النقد الذاتي الوحيد المقبول من هؤلاء هو الانسحاب من المشهد، فلم يعد أحد يؤمن بهم ويسلم لهم القيادة وعليهم النظر في مراياهم الخاصة، ونعرف أن ليس لهم شجاعة الاعتذار.

مرحلة الانقلاب ستطول وهذا من الواقعية وليس من اليأس، فبيانات السفارات بعد الاستفتاء تقول ذلك رغم أن الواهمين (أو منتظري المعجزات) أولوها على هواهم (مستعيدين الانقلاب يترنح)، وكان عليهم ربطها بمقررات القمة الأمريكية الخليجية الأخيرة التي وضعت نقاطًا على حروف كثيرة، فالكيان الصهيوني يقود المنطقة وعلى الجميع الدخول في طابور التطبيع (لا فرق بين رئيس ديمقراطي حنون ورئيس جمهور شعبوي فوق البيعة).

تجارب التطبيع المعروفة خاصة بعد اتفاقية وادي عربة جلبت طفرة اقتصادية سريعة وقعت موقعًا حسنًا من نفوس جائعة مفقرة قبل أن تتكشف على حقيقتها، فالانقلاب يحتاج طفرة مماثلة ولن يضيره أن الجميع يصرخ بمعاداة التطبيع، رأس المال الفاسد الذي يجني وحده فوائد الانقلاب غير معني بمعركة قومية فأغلبه غطاء قانوني لشركات فرنسية قد تكون هي نفسها غطاء لشركات صهيونية.

الاستئناف يكون من بعيد بعد مراجعة شجاعة وبناء على مبادئ بسيطة، أولها لا يمكن بناء الديمقراطية في بلد محتل إلا بالربط بين التحرير والديمقراطية. كم سيدوم ذلك؟ المبدأ الثاني هو عدم الاستعجال بل المطاولة، وكل خطأ من الانقلاب سيصب في طاحونة أنصار الحرية ولو بعد حين، وانتظار أخطاء الخصم حق سياسي يعمل به الجميع.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، الثورة المضادة، إتحاد الشغل، اليسار الوظيفي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 1-08-2022   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
المولدي اليوسفي، رضا الدبّابي، سامح لطف الله، د - صالح المازقي، د- هاني ابوالفتوح، تونسي، رافد العزاوي، سعود السبعاني، محمد اسعد بيوض التميمي، مصطفي زهران، فتحي العابد، صالح النعامي ، عبد العزيز كحيل، د. أحمد محمد سليمان، محمد أحمد عزوز، العادل السمعلي، كريم السليتي، عواطف منصور، د - المنجي الكعبي، سلوى المغربي، عمار غيلوفي، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد الياسين، محمد يحي، طلال قسومي، ماهر عدنان قنديل، عبد الغني مزوز، سفيان عبد الكافي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، بيلسان قيصر، يزيد بن الحسين، إيمى الأشقر، مجدى داود، ضحى عبد الرحمن، محمود سلطان، صلاح المختار، د - الضاوي خوالدية، عبد الله الفقير، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد علي العقربي، سيد السباعي، د. أحمد بشير، أنس الشابي، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، حميدة الطيلوش، د. طارق عبد الحليم، أحمد ملحم، فهمي شراب، فوزي مسعود ، محمد عمر غرس الله، علي عبد العال، عراق المطيري، عبد الله زيدان، صلاح الحريري، جاسم الرصيف، ياسين أحمد، أبو سمية، الهيثم زعفان، صفاء العراقي، وائل بنجدو، سليمان أحمد أبو ستة، د- جابر قميحة، محمود فاروق سيد شعبان، سامر أبو رمان ، عزيز العرباوي، رافع القارصي، محمد الطرابلسي، إسراء أبو رمان، فتحي الزغل، المولدي الفرجاني، محمود طرشوبي، د - شاكر الحوكي ، نادية سعد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمد رحال، مصطفى منيغ، حسن عثمان، عبد الرزاق قيراط ، أحمد الحباسي، د. صلاح عودة الله ، حسني إبراهيم عبد العظيم، فتحـي قاره بيبـان، أحمد النعيمي، كريم فارق، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د.محمد فتحي عبد العال، أشرف إبراهيم حجاج، رشيد السيد أحمد، صفاء العربي، خبَّاب بن مروان الحمد، منجي باكير، رمضان حينوني، طارق خفاجي، عمر غازي، إياد محمود حسين ، حاتم الصولي، علي الكاش، محرر "بوابتي"، أحمد بوادي، محمد شمام ، صباح الموسوي ، د - مصطفى فهمي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، خالد الجاف ، سلام الشماع، الهادي المثلوثي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، يحيي البوليني، د - عادل رضا، الناصر الرقيق، مراد قميزة، د- محمود علي عريقات، محمد العيادي، د. عبد الآله المالكي، أ.د. مصطفى رجب، د - محمد بنيعيش،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة