البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

هل نسي العالم الحرب على الإرهاب؟

كاتب المقال حسن أبو هنية - الأردن   
 المشاهدات: 566



على مدى العقدين الماضيين شكل مصطلح "الإرهاب" كلمة مفتاحية مهيمنة لفهم توجهات السياسة التدخلية الأمريكية للهيمنة في حقبة العولمة، وأصبحت مفردة "الإرهاب" كلمة سحرية تحدد طبيعة الصراعات والتحديات والمخاطر دون تعريف المقصود بـ"الإرهاب" ومساءلته وتحديد ماهيته. وبعد أن ارتكزت استراتيجية الولايات المتحدة خلال العقود الأربعة للحرب الباردة، على احتواء قوة الاتحاد السوفييتي، فقد أدى انهيار المنظومة الاشتراكية إلى بروز حالة فراغ، سرعان ما ملأته الولايات المتحدة باستراتيجية "الحرب العالمية على الإرهاب" بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001، حيث بدأت بشن سلسلة من الحروب الغامضة الممتدة في الزمان والمفتوحة على المكان، من أفغانستان إلى العراق، وتمددها إلى أكثر من ستين دولة بذريعة حرب الإرهاب، وفجأة مع صعود الصين كقوة عالمية عادت الولايات المتحدة منذ عام 2017 إلى الحديث عن "منافسة القوى العظمى"، وتراجعت أهمية حرب الإرهاب.

عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي بدأ في 24 شباط/ فبراير الماضي، والذي بدا للوهلة الأولى وكأنه حرب إقليمية ذات نطاق محدود سرعان ما اتسع نطاقها، بات الحديث عن "الإرهاب" في طي النسيان، وهو ما يكشف عن استخدام استراتيجية الحرب على الإرهاب ذريعة للهيمنة والسيطرة، ذلك أن ما يطلق عليه "الإرهاب" في واقع الأمر بات أكثر خطراً وانتشاراً وتوسعاً مما كان عليه سابقاً، وكما قُدم "الإرهاب" الذي ربط بالإسلام كأساس لكافة الشرور، تُتهم روسيا اليوم بأنها أسّ الكوارث وسبب الأزمات في العالم، من أزمة الغذاء إلى اختلالات أمن الطاقة إلى ارتفاع الأسعار والتضخم، وصولاً إلى تنامي العسكرة وإعادة بناء حلف "الناتو" وتوسيعه.

فرضت الولايات المتحدة رؤيتها حول الحرب على الإرهاب، ومارست إرهابا منظما ضد أي دولة أو مؤسسة أو شخصية تشكك في مشروعية وجدوى الحرب على الإرهاب، ومولت بسخاء جهود مكافحة الإرهاب. وتحت ذريعة حرب الإرهاب تمت عملية صناعة الإرهاب، والآن يقال لنا إن الحملة الدولية على الإرهاب لم تحقق سوى انتصارات تكتيكية وقتية، دون تحقيق نجاحات استراتيجية مستدامة. والحقيقة أن نهج مكافحة الإرهاب الخاطئ والكارثي أدى إلى خلق بيئة مثالية لتجذر الإرهاب، فقد استثمرت الجهادية العالمية بقيادة القاعدة هذه الأسباب وتحولت من مجموعة صغيرة في أفغانستان إلى شبكة عالمية واسعة ممتدة.

لم تقتصر سردية "مكافحة الإرهاب" على تبرير سياسات التدخل والهيمنة الأمريكية والغربية، فقد استخدمت دول كثيرة وخصوصاً في الشرق الأوسط سردية مكافحة الإرهاب للانقلاب على الديمقراطية واستهداف المعارضة وخنق حرية التعبير، حتى أن لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان استحدثت في العام 2005 منصب المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، كما تمت الإشارة إلى استغلال بعض الدول لنظام مجلس مكافحة الإرهاب، الذي يترك لكل دولة تحديد من هو "الإرهابي" و"غير الإرهابي".

إن عملية التلاعب بتحديد ماهية الإرهاب وهوية الإرهابي ليست جديدة، فلطالما أسبغت الدول صفة "إرهابي" على خصومها لنزع الشرعية عنهم، وهذا ما فعلته فرنسا الاستعمارية مع كافة المقاومات خلال حروبها في الجزائر والهند الصينية، وقد وصفت الولايات المتحدة الجبهة الوطنية لتحرير جنوب فيتنام (المعروفة باسم فيت كونغ) بـ"الإرهابية". وفي الحالة الفلسطينية ثمة إجماع أمريكي حول هوية "الإرهابيين"، إذ يتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن الفلسطينيين هم مرتكبو الأعمال الإرهابية، بينما اعتبروا أن الإسرائيليين هم دائما ضحايا الإرهاب، وليسوا مرتكبيه.

رغم الانتقادات التي طالت حقل "دراسات الإرهاب"، لا تزال الولايات المتحدة والغرب يتحكمان في هذا المجال، الذي تنصب جهوده على "الإرهابيين" الذين يعرفون كأعداء للقوى الغربية المختلفة، بينما يطمس الحديث عن "الإرهاب" الذي تستخدمه الدول الغربية أو حلفاؤها كوسيلة للسيطرة والهيمنة. وقد لجأت الولايات المتحدة والغرب لاستخدام القوة خارج البلاد تحت شعار "التدخل الإنساني" و"مكافحة الإرهاب"، ولذلك فإن الحرب والقوة مكون رئيس من مكونات هوية الولايات المتحدة والغرب.

وإذا كانت حروب الغرب الأوروبي الاستعمارية الإبادية جليّة، فإن الولايات المتحدة منذ إعلان الاستقلال عام 1776 شنت وشاركت في أكثر من 200 حرب، ومنذ عام 2001، واصلت الولايات المتحدة شن الحروب تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، والتي أودت بحياة أكثر من 900 ألف شخص، بينهم 387 ألف مدني، في أفغانستان والعراق وغيرها من الأماكن، فضلاً عن عشرات الملايين من اللاجئين والنازحين.

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا اختفى مصطلح الإرهاب، فمن روجه واستخدمه لم يعد يكترث للرطانات البلاغية، وأخذ ينهل من معجم مختلف، ولكن لتحقيق ذات الأهداف في الهيمنة والسيطرة. فالمجتمع الدولي وهو تعبير يشير في حقيقته الى الدول الغربية استثمر صدمة هجمات 11 أيلول/ سبتمبر لتعبئة الرأي العام ضد عدو جديد أطلق عليه "الإرهاب، وهو مفهوم يشير دوماً إلى الإسلام والمسلمين. وما يطلق على نفسه المجتمع الدولي يمارس اليوم على روسيا نفس الأساليب التي استخدمت في حرب الإرهاب، وفي كلا الحالتين (هجمات أيلول/ سبتمبر والغزو الروسي)، فإن الحدثين يرمزان إلى كبرياء عالم غربي تعرض للمس. رقم هاتف هذا الغرب هو رقم البيت الأبيض حسب عبارة الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبريه، فهو المكان الوحيد الذي تؤخذ فيه "القرارات الغربية".

بعد مرور نحو عشرين عاماً على هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، وتحول البيئة الجيوسياسية بظهور الصين كمنافس استراتيجي، شرعت الولايات المتحدة بإعادة النظر في معنى الحروب بلا نهاية ضد الإرهاب، وفي سياق التحول ادعت أمريكا أن الإرهاب الدولي أقل خطورة بكثير مما كان يشاع، إذا قورن بالمنافسة بين الدول، وعند مقارنته بالعنف الذي يمارسه المتطرفون المحليون اليمينيون أو وباء كوفيد-19، وهو ما أفضى إلى الانسحاب من أفغانستان وما سيفضي إلى الانسحاب من الشرق الأوسط.

ورغم أن الدراسات النقدية للإرهاب أكدت على مدى سنوات على ظاهرة تضخيم خطر الإرهاب على الأمن العالمي، وعلى سوء استخدام ذريعة الحرب على الإرهاب وأنه لا يعدو عن كونه عنفا سياسيا وشددت على إرهاب الدولة، فقد أصرت الولايات المتحدة على قمع الأصوات النقدية واعتبرتها مساندة ومبررة وميسرة للإرهاب.

خلاصة القول أن سردية "مكافحة الإرهاب" التي شكلت بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر إحدى قضايا الأمن الدولي القليلة التي توافق فيها الغرب مع روسيا والصين على مدى أكثر من عقدين في الأمم المتحدة، باتت في طي النسيان بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وعادت سردية التنافس بين الدول، وهو ما يكشف أن الحرب على الإرهاب لم تكن سوى ذريعة للهيمنة والسيطرة، ذلك أن ما يسمى الإرهاب أصبح أقوى وأكثر توسعاً مما كان عليه، لكن الأجندة الغربية بقيادة الولايات المتحدة هي التي تبدلت باتجاه ما تعده مخاطر على هيمنتها وأمنها ومصالحها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الإرهاب، الحرب على الإرهاب، أمريكا، داعش، التنظيمات الجهادية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-07-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد الحباسي، صباح الموسوي ، فهمي شراب، فتحـي قاره بيبـان، صفاء العراقي، الناصر الرقيق، منجي باكير، مصطفي زهران، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - المنجي الكعبي، عبد الله الفقير، د - شاكر الحوكي ، محمود طرشوبي، أشرف إبراهيم حجاج، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الرزاق قيراط ، محمد شمام ، د - محمد بن موسى الشريف ، حسن الطرابلسي، محمد عمر غرس الله، كريم السليتي، فوزي مسعود ، علي الكاش، إيمى الأشقر، صلاح المختار، أحمد النعيمي، أحمد بوادي، محمد الطرابلسي، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، عبد الغني مزوز، المولدي الفرجاني، محرر "بوابتي"، الهادي المثلوثي، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، أبو سمية، سعود السبعاني، الهيثم زعفان، ياسين أحمد، تونسي، د - محمد بنيعيش، سامح لطف الله، يزيد بن الحسين، د - عادل رضا، د. عادل محمد عايش الأسطل، صالح النعامي ، جاسم الرصيف، رافد العزاوي، رافع القارصي، د- محمود علي عريقات، رمضان حينوني، عراق المطيري، محمد العيادي، سلام الشماع، حميدة الطيلوش، محمد أحمد عزوز، وائل بنجدو، محمود سلطان، صلاح الحريري، د. خالد الطراولي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، العادل السمعلي، محمد يحي، رضا الدبّابي، نادية سعد، فتحي الزغل، د. ضرغام عبد الله الدباغ، يحيي البوليني، د- محمد رحال، صفاء العربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسن عثمان، مصطفى منيغ، د - صالح المازقي، أ.د. مصطفى رجب، ماهر عدنان قنديل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د.محمد فتحي عبد العال، محمود فاروق سيد شعبان، إسراء أبو رمان، سفيان عبد الكافي، رشيد السيد أحمد، عبد الله زيدان، طلال قسومي، كريم فارق، سليمان أحمد أبو ستة، د- جابر قميحة، أحمد ملحم، مجدى داود، خالد الجاف ، د- هاني ابوالفتوح، د. صلاح عودة الله ، عمار غيلوفي، د - الضاوي خوالدية، سلوى المغربي، عزيز العرباوي، سيد السباعي، ضحى عبد الرحمن، د - مصطفى فهمي، سامر أبو رمان ، فتحي العابد، د. أحمد بشير، أنس الشابي، إياد محمود حسين ، عواطف منصور، د. عبد الآله المالكي، مراد قميزة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي عبد العال، حاتم الصولي، محمد اسعد بيوض التميمي، خبَّاب بن مروان الحمد، عمر غازي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة