يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
لا أتكلم، هنا، لأضع قواعد لأحد ولكنّني أساهم بما استطعت في أن أقول رأيي بعيدا عن أيّ وصاية من جهتي على غيري أو من جهة غيري عليّ.
نحن في سياق معركة تحرير الديمقراطية من الانقلاب.. وتلك هي معركة استقلالنا الثاني.. والعبارة للرئيس الدكتور محمّد المنصف المرزوقي.
الانقلاب زائل لا محالة.. والحديث هنا ليس عن زواله بل عن ضرورة التسريع بالخلاص منه لأنّه عبء ثقيل على الإنسان والحياة لا على السياسة والاقتصاد فقط.
فكيف نستردّ ديمقراطيتنا؟
لا بدّ من أن نسمّيَ الأشياء بأسمائها بعيدا عن المخاتلات التي كان لها دور كبير في التنكيل بالديمقراطية الناشئة. وأن نسميَ الأمور بأسمائها إنّما يعني أن نقول بوضوح ما يلي بعيدا عن كلّ تعمية أو غموض:
1. المنقلب، المتغلّب بقوّة السلاح، لا ينبغي أن يكون طرفا في حوار يهدف إلى استرجاع الدولة لأن الحوار قاعدة من قواعد الديمقراطية وهذا المنقلب عدوّ لدود للديمقراطية ولكلّ حوار.. وعدوّ للدولة التي لا يرى منها غير وجهه والسلاح الذي يرفعه في وجه كلّ من خالفه.. وليت أنّ له رأيًا يُخالَفُ. بل هو عدوّ للإنسان أصلا.. يجيع الناس ويمنع عنهم الدواء لأجل إنفاذ مشروعه الهلاميّ. وهو مستعد لإحراق الشعب لأجل أن يستقرّ له الحكم.. وليرى وجهه في المرآة.
2. اتحاد الشغل كان منذ اليوم الأوّل من الثورة عدوّا لها منحازا إلى المخلوع انحيازا مطلقا لا مراء فيه.. وبعد أن هرب المخلوع اختار أن يكون جزءا من الأزمة فعمل على تعطيل العمل والتنكيل بالحكومات المتعاقبة وتعكير المجال وإفساد السياسة وخلط الأوراق والتفصّي من كلّ المسؤوليات. وما هذا الانقلاب إلّا ثمرة لما زرعه الاتحاد من أزمات بالبلاد. الاتحاد شريك الانقلاب ولا ينبغي أن يكون طرفا في الحوار.
3. الأحزاب المجهرية التي غيّبها الشعب تلك التي حين تركها الناخبون في عتمة المشهد استسلمت لقدرها ولم تتحرّك خطوة واحدة في اتجاه تطوير خطابها وتحسين أدائها لخوض الاستحقاقات اللاحق، وهاهي تنتهز فرصة الانقلاب وتنتظر اختلاط الأوراق ليكون لها، خارج الشرعيّة الانتخابيّة، دور في الكعكة السياسية القادمة إذا سقط الانقلاب في شرّ أعمال المنقلب.
4. حركة الشعب وحزب التيار الديمقراطي كلاهما شريكان للمنقلب عاملان له. هذان الحُزبيان رضيا بأن يكونا خادمين لدى التجمعية الفاشية العائدة لتعفين المناخ السياسي وتهيئة المجال لهذا الانقلاب البغيض الذي لم يحلّ مشكلة واحدة من مشاكل البلاد العالقة بل عمل على مراكمة الأزمات لتعميم الخراب وإيقاع الفوضى حتّى يمهّد لنظامه الجماهيري "الحشد- شعبي" الهلاميّ.. هذانا الحزيبان هما عنوانان من عناوين الأزمة ووجب إخراجهما من المشهد دفعة واحدة ومنعهما من ادّعاء تمثيل الديمقراطية. إلّا أن يعودا بأصوات الناخبين على قاعدة قانون انتخابيّ جديد بعتبة معتبَرة وبالتخلّي عن قانون "آخر البقايا". هذان الحزيبان هما من البقايا، والبقايا مواقعها في العتمة أو خلف المشهد لا في مقدّمته.
5. حركة النهضة هي الحزب الذي عليه تعويل الديمقراطيّة وهو الضامن لصيانتها، بل لا ديمقراطية دون حزب حركة النهضة ولا معنى لحوار لا تكون لها فيه الصدارة. المؤسسات التي كانت في البلاد مؤسسات شرعيّة منتخبة والانقلاب عليها إنّما هو انقلاب على النهضة تحديدا. وكلّ من يقول غير ذلك فهو كاذب أو مراوغ. الانقلاب كان لأجل إبعاد حركة النهضة عن المشهد لاعتبار إيديولوجي استئصالي أو لاعتبار سياسيّ من هؤلاء الذين لا يريدون ديمقراطية حقيقية تحميها أحزاب تدافع عنها وتحتمي بها.. بل ديمقراطية محاصصات. وإذا لم تستقم ديمقراطية السياسة فلا أمل في تحقيق العدالة في المجتمع.
6. العرب لم يعرفوا الديمقراطية.. ويوم أدخلتهم ثورات شعوبهم إلى نادي الدول الديمقراطية وجدوا الحركات الإسلامية في الصدارة. غير أنّ أدعياء للديمقراطية الخطابيّة لم ينجحوا في إخفاء خشيتهم من أن تعرف البلاد العربية نهضتها المؤجَّلة تحت عنوان حركات إسلامية يُعمل على استئصالها منذ عشرات السنين من أنظمة سياسية لا جامع بينها محاربتها بقوّة الدولة وإقامة المعتقلات لأجل إنزال أبنائها بها. كبرياء هؤلاء الديمقراطيين الأدعياء وغرورهم وكسلهم وعجزهم عن تحيين أفكارهم تمنعهم من القبول بديمقراطية يشارك فيها إسلاميون عملوا على استئصالهم فضلا عن ديمقراطية تقوم عليهم.
7. كان يمكن لو احتكم الفرقاء إلى العقل أن يمتحنوا الإسلاميين بالديمقراطية ويحاكموهم إلى صدق الخطاب ونجاعة الإنجاز ويعتمدوهم في صاينة ديمقراطيتهم الخصيبة، لكنّهم بدل ذلك اختاروا قتل الرضيع وأمّه معا حتى ترتدّ البلاد إلى هذا المشهد المروّع الذي يسوقها إليه انقلاب غاشم بقيادة منقلب "غشيم" يعتمد سياسة الأرض المحروقة وذلك كلّ إنجازه. المنقلب مأمور بإحراق الأرض لتغيير صبغتها وزراعتها بما لا علاقة له بانتظارات الشعب من حرية ومن كرامة وطنية.
8. أن يكون الناس منصرفين إلى خبزهم اليوميّ منشغلين بطعام عيالهم لا يعني أنّهم تحوّلوا إلى دوابّ يُستدَرّ غباؤها بتوفير الطعام لها كما لو أنّ الطعام جيء به إليها من ضيعة ورثها المنقلب عن أبيه فهو يتصدّق عليهم منها. الطعام مطلوب والعدالة مبتغى ولكنّ الطعام بلا حرية مذلّة ولا إمكان لعدالة منقطعة عن الديمقراطية.
9. هذا المنقلب خارج كلّ المعادلات: فلا حرية أبقى ولا أمكن من طعام. سلب الحرية والغذاء كليهما ليكون أسوأ منقلب في التاريخ. نافورة فشل مريع.
10. نستردّ ديمقراطيتنا بإنشاء مصالحة بين الأسماء ومسمياتها بعيدا عن المكابرة الغبيّة والعناد القاتل. الديمقراطية نظام سياسيّ يقوم على الاختيار الحر المباشر. الشعب هو الذي يختار من يحكمه. وعلى الجميع التسليم بحكم الشعب ولو واختار الأبالسة ليحكموه. وليس لأحد أن يدّعيَ وصاية على الشعب أو أن يزعم حكمة ليست له. الديمقراطية ليست مدينة فاضلة ولا هي جنة الخلد الموعودة ولذلك قامت على التداول. فإذا أخفق حاكم جاء غيره ليصلح ما أفسده حتّى يستقيم الأمر. ولن يستقيم لبلادنا أمر حتّى يتعاون الناس على إقامة البنيان وأن يتحلّوا بالنضج بعيدا عن عبث الصبيان الذي يمثله المنقلب وأعوانه والميحطون به. هؤلاء يرفضون النضج لأنّهم لا يملكون آلته ولا يصبرون على واجبات الراشدين. الديمقراطية شرطها العقل وجندها العقلاء. والعقل مناط التكليف. والعقلاء، وحدَهم، هم المكلّفون.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: