البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: لحظة الصراحة في مواجهة الانقلاب

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 766



نعاين انطلاق معارك التموقع في مرحلة ما بعد الانقلاب، ونعاين علامتَين بارزتَين في هذه المعارك القديمة المتجددة؛ أولًا استعادة النقابة لأسلوبها المعهود منذ الثورة بالضغط بواسطة تعطيل مؤسسات القطاع العام الحيوية، من أجل التموقع وتحصيل مكاسب سياسية غير نقابية، وتشتيت بقية الطيف الديمقراطي المعارض للانقلاب منذ البداية حول من يكون رقم واحد في الساحة والحكم، وهو ما يوحي بعودة إلى الأجواء السياسية التي سبقت الانقلاب، أي الاستقطاب التقليدي، ولا نتبيّن أن الفاعلين السياسيين قد فهموا الدرس واستوعبوا أثر خسران الديمقراطية عليهم وعلى البلد عامة.

موجة إضرابات سياسية أخرى
الذريعة المعلنة لموجة الإضرابات التي انطلقت منذ منتصف مارس/ آذار هي إجبار حكومة الانقلاب على تطبيق اتفاقيات سبق لحكومات سابقة التوقيع عليها، ويبدو الأمر سليمًا من وجهة نظر قانونية باعتبار مبدأ استمرار الدولة (بقطع النظر عن الأسماء في الحكومة).

لكن النقابة تعرف أكثر ممّا تعرف الحكومات أن الاتفاقات السابقة قد أُمضيت تحت التهديد بإيقاف عمل الحكومة والدولة، وكانت إمضاءات تحت الإكراه، والنقابة تعرف أيضًا أن الحكومة الحالية واقفة بالدولة على حافة الإفلاس، وأن خزانتها فارغة، وأن أي أثر مادي لهذه الاتفاقيات سيفاقم العجز.

اللافت في الأمر أن النقابة قد سكتت عن هذه الاتفاقيات ولم تطالب بتفعيلها طيلة الشهور الثمانية الأولى للانقلاب، بل وقفت مع الانقلاب وحكومته حتى تبيّن لها أن الحديث عمّا بعد الانقلاب قد صار حقيقة، وأن "الحقائب"، أعني المكاسب، قد تهيأت للتوزيع بعده.

لذلك عادت تمارس سياسة الابتزاز بواسطة مؤسسات القطاع العام الخاضعة لها، والتي استعملتها دومًا لتعطيل المرافق الحيوية العامة، وحصّلت بها من المكاسب ما لم تحصّله طيلة تاريخ الدولة الحديثة.

لقد حصل الانقلاب على الهدنة الاجتماعية التي طالما طالبت بها الحكومات السابقة ولم تنلها، ونالها الانقلاب دون أن يطلبها فعلًا، لكنه لم ينظر إلى النقابة نظرة الرضا، ولم يمنح التيارات السياسية الساكنة فيها أي مكاسب سياسية، خاصة أنه لم يخض حرب الاستئصال السياسي التي تعيش هذه التيارات من أجلها.

ظلت النقابة تعرض خدماتها على الانقلاب وتراود عن نفسها، لكن مؤشرات الأزمة (الاقتصادية والاجتماعية) انكشفت لكل ذي بصيرة، وصار يقينًا أن الانقلاب إلى زوال (مسألة وقت ليس أكثر)، لذلك وجب التموقع في مكان يدرُّ الفوائد القديمة منها طبعًا، مثل حقائب وزارية ثابتة صارت ملكًا للنقابة عُرفًا لا قانونًا.

الإضرابات الحالية ليست موجّهة للانقلاب إذًا، بل لكل من تسوّل له نفسه التقدم للحكم بعده بأية طريقة تكون. النقابة هنا وتستطيع أن تخرِّب إن لم تحصل على ما تريد، وبعض من هذه الرسالة موجّه للخارج قبل الداخل، باعتبار أن تونس تمرّ بمرحلة صفر سيادة وقرارها الاقتصادي خاصة ليس بيدها.

المعارضة تائهة وراء نرجسيات الزعماء
خطاب الشارع الديمقراطي المعارض للانقلاب لم يقدِّم الجديد في مسيرة 20 مارس/ آذار، بل راوح مكانه إذ ردّد الجمل التوصيفية نفسها التي قيلت في المظاهرة السابقة.

يُظهر الخطباء شجاعة كبيرة في مواجهة التزييف الذي يمارسه الانقلاب، لكن خارطة الطريق لما بعده لم تنكشف للمتابع، والسبب في تقديري هو المراهنة على تجميع أوسع ما يمكن من الطيف السياسي المعارض، بحجّة الخروج من الاستقطاب التقليدي على الأُسُس الأيديولوجية التي حكمت على الثورة بالفشل.

هذا هو رهان المشروع سياسيًّا، وهو رهان ضروري أيضًا، لكنه لن يتقدم بالمعارضة خطوةً، وذلك لبقاء زعامات كثيرة، وفي مقدمتها السيد نجيب الشابي، في مكانها المتخيَّل كزعامات ضرورة.

عمق الشارع المعارض للانقلاب هو حزب النهضة وأنصار الدكتور المرزوقي المخلصين وشباب ائتلاف الكرامة، ويتقدمهم طيف متنوع من الديمقراطيين غير الملتزمين حزبيًّا.

وهؤلاء هم العمق الشعبي لحكومة الترويكا (2012-2014)، وهم العمق الحقيقي الذي صوّت لقيس سعيّد عام 2019 قبل أن يتحول إلى أهم طيف يعارضه، ويظن هؤلاء أن شخصًا مثل نجيب الشابي يمكن أن يكون غطاء ديمقراطيًّا يكسر الاستقطاب التقليدي ويخرج العملية السياسية من معارك الأيديولوجيا، لكن السيد نجيب (وهو فرد بلا جمهور يتبعه) يعرف نقطة الضعف هذه ويستغلها بأبشع الصور الممكنة، إنه يريد لهذا الطيف أن يقدِّم له السلطة على طبق ليحقق ما يتوهّمه حقًّا طبيعيًّا في الزعامة.

هذه المكانة المتوهمة والمبنية على مطامع شخصية تعطِّل معارضة الانقلاب، وتحوِّل خشيتها من الاستقطاب إلى عائق سياسي ميداني، وتدفعها إلى تأجيل الخروج النهائي الفعّال ضد الانقلاب، ولا أراها ستمتلك شجاعة مصارحة الشارع بجمل واضحة تبيّن ما يجري في كواليس المعارضة.

وأعتقدُ أن هذا الوهن الذاتي سيجدُ في موجة الإضرابات الابتزازية الجارية حجّة لمزيد التأجيل، إذ لا يخفى على أحد أن النقابة تكرِّس هذا الاستقطاب برفضها أي تنسيق مع المعارضة، لأن النهضة موجودة في المعارضة.

اللحظة تقتضي جملًا سياسية صريحة
الخوف من الاستقطاب هو خوف نهضوي انتقل إلى بقية الطيف المعارض فأربكه، لذلك نعتقد أن اللحظة السياسة تقتضي نصًّا سياسيًّا مختلفًا، يقوم على مفردات واضحة، أولها أن معارضة الانقلاب حق سياسي مشروع للجميع وليس مطلبًا نهضويًّا يروم استعادة السلطة، وأن الاستقطاب الذي حاصر حزب النهضة وحكومة الترويكا عمل من أعمال الإجرام السياسي الذي يجب أن يواجَه في الشارع وبقوة الشارع، والهروب أمامه يسمح له بالتمدد في الفراغات التي يخلقها الخوف أو التذرُّع بحماية الدولة من الاحتراب الأهلي، وهذا ما جرى منذ الثورة.

لقد قدّم الانقلاب (دون أن يعلم) خدمة جليلة لمن يعارضه فعلًا، لقد كشف الأحجام والأوزان، وتبيّن أن الاستقطابيين الذين هم استئصاليون بالقوة لا وزن لهم في الشارع، ويمكن معاملتهم بنفس الاحتقار والاستهانة اللذين عاملهم بهما الانقلاب، لنقلها بصراحة: "لا يخاف من اليسار التونسي المتطرف والشبيحة إلا من هو أجبن منهم سياسيًّا".

هذه جملة أولى، أما الثانية فهي أن النقابة أداة الانقلاب الحقيقية وليست في موقع معارضته أبدًا، والمراهنة على تنسيق معارضة الانقلاب مع النقابة أو عدم الاشتباك معها (كما يحاول حزب النهضة ذلك) هو رهان خاسر وغزل منكوث.

والثالثة هي التحلي بشجاعة آن أوانها، فالخروج على الانقلاب عمل من أعمال الثورة لا يمكن ترذيله أو المزايدة عليه بالديمقراطية والوطنية، ولا يمكن الخشية من نعته بنعوت استئصالية لم يعد لها محل من الخطاب.

لقد فرز الانقلاب الساحة وكشف الوجوه والنوايا، ومن لم يبنِ على هذا الفرز لا يستحق أن يكون في أي مكان من الساحة السياسية، والجملة الأخيرة هي إنَّ أفضل ما تفعله زعامات سياسية انتهى عمرها السياسي فعلًا الانسحاب بكرامتها من الساحة، حيث أسمائها تنفر قومًا كثيرًا من الالتحاق بساحات معارضة الانقلاب.

الجملة الخاتمة هي الساحة خلف قصر الانقلاب مفتوحة لفعل تأسيسي يستعيد العملية الديمقراطية على قواعد ثابتة، وإذا واصلت المعارضة الديمقراطية تردُّدها، فإن الفاشية ستسبق الجميع وتفرض قواعد لعبتها.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-03-2022   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الرزاق قيراط ، عبد الغني مزوز، عمر غازي، محمد الطرابلسي، محمد اسعد بيوض التميمي، د - صالح المازقي، عمار غيلوفي، د. أحمد محمد سليمان، د - محمد بن موسى الشريف ، الناصر الرقيق، عبد الله زيدان، حسن الطرابلسي، عبد الله الفقير، د - المنجي الكعبي، حاتم الصولي، أحمد النعيمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد بوادي، الهيثم زعفان، أبو سمية، صفاء العراقي، رافع القارصي، سامر أبو رمان ، جاسم الرصيف، إيمى الأشقر، رافد العزاوي، د. طارق عبد الحليم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أشرف إبراهيم حجاج، ياسين أحمد، محمود فاروق سيد شعبان، رشيد السيد أحمد، فتحـي قاره بيبـان، ضحى عبد الرحمن، محمد أحمد عزوز، كريم السليتي، مجدى داود، د. أحمد بشير، د - شاكر الحوكي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ماهر عدنان قنديل، د. خالد الطراولي ، صلاح الحريري، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - الضاوي خوالدية، د- محمد رحال، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمود علي عريقات، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد العيادي، د. صلاح عودة الله ، محمد شمام ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مصطفى منيغ، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - مصطفى فهمي، عواطف منصور، صباح الموسوي ، صالح النعامي ، سفيان عبد الكافي، سلام الشماع، أ.د. مصطفى رجب، نادية سعد، د.محمد فتحي عبد العال، علي عبد العال، محرر "بوابتي"، عزيز العرباوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمود سلطان، وائل بنجدو، فهمي شراب، مصطفي زهران، فتحي العابد، يحيي البوليني، رمضان حينوني، يزيد بن الحسين، حميدة الطيلوش، د- جابر قميحة، الهادي المثلوثي، كريم فارق، سيد السباعي، أحمد ملحم، محمد عمر غرس الله، مراد قميزة، إياد محمود حسين ، د- هاني ابوالفتوح، سلوى المغربي، خالد الجاف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، علي الكاش، إسراء أبو رمان، صلاح المختار، حسن عثمان، سعود السبعاني، سامح لطف الله، محمود طرشوبي، رضا الدبّابي، صفاء العربي، د - محمد بنيعيش، د - عادل رضا، منجي باكير، فتحي الزغل، تونسي، محمد الياسين، فوزي مسعود ، أنس الشابي، محمد يحي، عراق المطيري، العادل السمعلي، أحمد الحباسي، د. عبد الآله المالكي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، طلال قسومي، المولدي الفرجاني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة