البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس بلد لا يتعلم من أزماته

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1268



يوشك قلب البلد أن يتوقف عن النبض. لقد تحول البلد برمّته إلى حالة مرضية. لم يجد معها بثّ جمل متفائلة. وهناك شعور عام تضاعفه وسائل إعلامية مجرمة بأن البلد يقف على حافة المجاعة. نشبت بعض المعارك الصغيرة في مواقع مختلفة أمام المخابز. مصانع المواد الغذائية (المعجنات، وهي وجبة تونسية رئيسية) تشكو نقص التزويد وتهدِّد بتسريح العمال.

يهدِّد الرئيس بمحاربة الاحتكاريين، لكن مؤشرات النقص في التزويد واضحة. المدخر الغذائي في تونس نفد أو يكاد، وسوق القمح في العالم تشتعل بفعل الحرب في أوكرانيا. والصابة التونسية تتأخر حتى شهر أغسطس/ آب، هذا إذا نزلت أمطار كافية حتى نهاية الربيع.

ماذا سيأكل التونسيون حتى نهاية حرب تجري في آخر الأرض؟ يجيب الضالعون في السخرية السوداء "سيأكلون الاستشارة"، فالرئيس ما زال يدعو إلى المشاركة ولم يحصّل نصف مليون مشارك قبل موعد 20 مارس/ آذار، وهو التاريخ الذي أعلنه للبدء في مرحلة تحضير الاستفتاء. لكن أين المعارضة؟

حديث الاحتكار
الرئيس ماضٍ في مشروعه لا يلوي علي شيء، وأرجّح أنه سيعلن يوم 20 مارس/ آذار نجاح الاستشارة، وفي أقل الاحتمالات سوءًا سيمدِّد لنفسه الأجل حتى يفلح في إعلان رقم يغطي الفشل. لم ينتبه إلى أن الاستشارة صارت استفتاء على حكمه وعلى شخصه، وهو يمعن في شيطنة عدة جهات لا يسميها بالاسم لكنه يصطنع بها وضع الضحية المسكين، فيقول إنهم يعطّلون مشروعه.

لقد أعلن الحرب على محتكري المواد الغذائية، لكنه لم ينتبه أو تجاهل أن الناس في سوق إنتاج الغذاء يعرفون نفاد الاحتياطي الغذائي، ولديهم مؤشراتهم الخاصة مهما روّج الإعلام الموالي للرئيس حديث الاحتكار والفساد.

لقد وضع خطابه عن الاحتكار في السياق نفسه الذي وضع فيه سابقًا حديث احتكار تلاقيح الكوفيد-19 (المؤامرة الخبيثة من الخصوم الفاسدين ضد السيد نظيف)، وتبيّن للناس أنه كان يخفيها ليخلق أزمة ثم يحلّها بطريقة المنقذ العبقري الجبار.

لقد قام كثيرون بالربط بين الخطابَين والحركتَين، لكن سوق القمح العالمية هذه المرة ليست بكرم سوق التلاقيح (لا أحد يتبرّع بالقمح هذه الأيام)، وعليه مواجهة الحقيقة، فلا وجود لشياطين محلية تفسد على الرئيس حكمه، هذه اللعبة السمجة قضت على الاستشارة، واستطلاعات الرأي المسرَّبة من جهات مختلفة تقول إن شعبية الرئيس نزلت تحت الـ 30%.

هناك سؤال يدور في كل المجلس: "كيف سينهي الرئيس مدته؟"، وكثير من الردود على السؤال تأتي: "لقد انتهت مدته". لكن مَن البديل؟ وهل يوجد بديل فعلًا في المشهد السياسي التونسي؟

غيّ سياسي
المعارضة في غيها، سعيدة بانهيار شعبية الرئيس. ورغم أن شحّ الغذاء واضطراب السوق يمسّان قواعدها السياسية، فإنها تظهر علامات فرح على قرب نهاية مرحلة قيس سعيّد، دون أن تفصح عن وجوه بديلة ولا عن خطة للخروج من الأزمة التي خلقها، وهي أزمة متعددة الأبعاد ليست أزمة الغذاء سوى جزء منها.

نجمع أخبارًا كثيرة عن عقد جلسة للبرلمان برصيد كافٍ، والبدء في استعادة سلطة الدستور على مجريات العمل السياسي بدءًا بإلغاء أوامر الرئيس وخاصة المرسوم رقم 117، ومحو أثره القانوني على مؤسسات الدولة.

لكن مع هذه الأخبار نجمع أخبارًا مضادة تفيد بأن مكونات برلمانية ما زالت تعيش زمن الابتزاز السياسي والمقايضات القديمة، فهي تضع شروطًا على حزب النهضة الذي يشكّل عصب البرلمان (والأحرص على عودته).

يبدو أن هذا الجدال الذي انطلق منذ إضراب الجوع الذي نظّمه حراك "مواطنون ضد الانقلاب" في شهر يناير/ كانون الثاني، قد عمر طويلًا وأن الحسم لن يكون غدًا، فالمعارضة لم تتّفق على عمق الأثر التخريبي للانقلاب، وإن كانت تبدع في ذمّه من وراء الحواسيب.

هناك من يأتي النهضة طلبًا لمنصب بعد الانقلاب مروّجًا لعبقرية سياسية فذّة، وهناك من يأتيها طلبًا لعدم محاسبة محتملة من أجل الانحياز للانقلاب ذات يوم، ويبدو أن هناك نهضويين يريدون تصفية حسابهم مع زعيمهم بعزله في البرلمان ليسهل عزله في الحزب.

كل هذه معارك ما قبل الانقلاب لم يتمَّ حلها أو تأجيلها لذلك نصنّفها في الغي السياسي. هذا الغي يكشف أن الساحة السياسية لم تستوعب الدرس، وأنها تحمل أمراضها فيها نحو مرحلة قادمة، وهذا سرّ سعادتهم بالأزمة التي ستريحهم من الانقلاب دون أن يبذلوا في إسقاطه جهدًا حقيقيًّا.

لسان حال كثير ممن انحاز ضد الانقلاب في الأشهر الأخيرة يقول الشيء ونقيضه: "ما قبل الانقلاب كان سيّئًا، ولكن نريد أن نستعيد الخريطة كما كانت قبله، ونحفظ فيها مواقعنا وأدوارنا ومنافعنا في قادم الأيام"، وهذه علامة غباء سياسي قلّ نظيرها.

ترويج الوهم الكسول
هناك حديث رائج يسمح لأصحابه بالاطمئنان، أن الانقلاب سيسقط بقليل من الضغط الداخلي (مظاهرات كيوت وصور سلفي)، ثم يقوم الأصدقاء الأمريكيون بفتح بوغاز التمويل الدولي، عبر السماح لأصدقاء تونس (قطر وتركيا تحديدًا) بضخّ المساعدات المالية والاستثمارية، ودليلهم أن الأصدقاء الأمريكيين هم من حاصرَ الانقلاب ويحاصره بقطع التمويل في هذه المرحلة، ولعمري أن هذا مجرد وهم قاتل يكشف روحًا كسولة وجبانة.

إنه وهم يتجاهل مقدمات مهمة، أبرزها أن الانقلاب ما كان ليحدث لولا تخطيط أمريكي أو في الأقل غضّ نظر عنه، وأنه في جوهره استثمار أمريكي يعمل على ما بعده دون دفع كلفة كبيرة، وإذا كان هناك حصار فعليّ للانقلاب (بغية إسقاطه) فإنه لن يكون بلا مقابل بعده، أي أن مَن سيأتي بعده سيقدم ثمنًا يريده الأمريكيون في تونس وربما في المنطقة.

هذا الثمن تتجاهله المعارضة بكل أطيافها، وتتعمّد التمويه عليه حتى يحين، وهو ثمن له وجهان، أولهما أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة سيكون فيها شارع متنمّر يشارك فيه أنصار الانقلاب الخائبون (بعد أمل كبير في الحكم وحدهم)، وثانيهما رهن سيادة البلد للجهات المموِّلة (إن وُجدت فعلًا وبالصفة التي توهّمها معارضو الانقلاب)، إنه ثمن من السيادة الوطنية.

يحتاج الأمريكيون إلى مواقع أقدام ثابتة عسكريًّا في شمال أفريقيا، في إطار معركة مفتوحة مع التوسع الروسي والصيني في أفريقيا، وقد وضعوا قدمًا بعد ويريدون المزيد، ويحتاجون إذا تكرموا بالاستثمار إلى بيئة استثمارية بلا قيود سيادية، يكون مدخلها تفكيك مؤسسات القطاع العام التي تُعتبر ممولًا رئيسيًّا للموازنة (رغم خرابها الداخلي).

من ينتظر الدعم الأمريكي لإسقاط الانقلاب سيحكمون طبقًا لهذا الهوى الأمريكي، ومهما كان النقد الذي نوجّهه لأداء المؤسسات العمومية ودور النقابات الفاسدة في تخريبها، فإن تفكيكها بأمر خارجي (ونظنّه يكون تحت تهديد وابتزاز غير أخلاقي) سيكون امتهانًا كبيرًا لسيادة البلد الذي ستسلَّم قيادته لإرادة خارجية مشغولة بمصالحها لا بمصالح البلد.

جمهورية موز قادمة؟ إننا نراها رأيَ العين ويمكننا توزيع الاتهامات أو المزايدة. هل كان البلد مستقلًّا لنبكي على الاستقلال والسيادة؟ لقد كانت ثورته طلبًا للاستقلال والسيادة، ولكن لنختم بجملة مفيدة: كان درس الانقلاب الأهم هو أن الشعب الذي لا يحوّل ثورته السياسية إلى ثورة اقتصادية ينتهي رهينة بيد من ينتج القمح، ولقد حوّلت الصراعات السياسية المفوتة البلد إلى حالة مرضية.





 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-03-2022   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
المولدي الفرجاني، عبد العزيز كحيل، رافع القارصي، د- هاني ابوالفتوح، مجدى داود، سلوى المغربي، أحمد الحباسي، د - محمد بنيعيش، أبو سمية، يزيد بن الحسين، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - عادل رضا، رشيد السيد أحمد، صفاء العراقي، كريم السليتي، محمد اسعد بيوض التميمي، عواطف منصور، خالد الجاف ، سلام الشماع، د- محمود علي عريقات، عبد الله الفقير، منجي باكير، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد النعيمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. خالد الطراولي ، د. مصطفى يوسف اللداوي، نادية سعد، علي عبد العال، رمضان حينوني، الهيثم زعفان، فتحي الزغل، محمد الطرابلسي، طارق خفاجي، عراق المطيري، محمد العيادي، عبد الله زيدان، صفاء العربي، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - صالح المازقي، د- جابر قميحة، العادل السمعلي، المولدي اليوسفي، محمود طرشوبي، مصطفي زهران، وائل بنجدو، سعود السبعاني، ماهر عدنان قنديل، صلاح الحريري، حاتم الصولي، أحمد ملحم، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د. مصطفى رجب، د. صلاح عودة الله ، فتحـي قاره بيبـان، أنس الشابي، أحمد بوادي، صلاح المختار، إيمى الأشقر، د - الضاوي خوالدية، كريم فارق، الناصر الرقيق، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد علي العقربي، د - مصطفى فهمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - شاكر الحوكي ، محمود فاروق سيد شعبان، د. عبد الآله المالكي، سامح لطف الله، تونسي، حسن عثمان، محمد شمام ، عمر غازي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، حسن الطرابلسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود سلطان، سليمان أحمد أبو ستة، مراد قميزة، د- محمد رحال، محمد عمر غرس الله، عزيز العرباوي، طلال قسومي، صالح النعامي ، يحيي البوليني، مصطفى منيغ، محمد الياسين، علي الكاش، عمار غيلوفي، سفيان عبد الكافي، عبد الغني مزوز، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الرزاق قيراط ، فهمي شراب، محمد يحي، صباح الموسوي ، رضا الدبّابي، حميدة الطيلوش، إياد محمود حسين ، سامر أبو رمان ، إسراء أبو رمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. أحمد محمد سليمان، ياسين أحمد، محمد أحمد عزوز، د - المنجي الكعبي، الهادي المثلوثي، ضحى عبد الرحمن، د. أحمد بشير، جاسم الرصيف، فتحي العابد، بيلسان قيصر، محرر "بوابتي"، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، د. طارق عبد الحليم، فوزي مسعود ، رافد العزاوي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة