البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس بلد لا يتعلم من أزماته

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 962



يوشك قلب البلد أن يتوقف عن النبض. لقد تحول البلد برمّته إلى حالة مرضية. لم يجد معها بثّ جمل متفائلة. وهناك شعور عام تضاعفه وسائل إعلامية مجرمة بأن البلد يقف على حافة المجاعة. نشبت بعض المعارك الصغيرة في مواقع مختلفة أمام المخابز. مصانع المواد الغذائية (المعجنات، وهي وجبة تونسية رئيسية) تشكو نقص التزويد وتهدِّد بتسريح العمال.

يهدِّد الرئيس بمحاربة الاحتكاريين، لكن مؤشرات النقص في التزويد واضحة. المدخر الغذائي في تونس نفد أو يكاد، وسوق القمح في العالم تشتعل بفعل الحرب في أوكرانيا. والصابة التونسية تتأخر حتى شهر أغسطس/ آب، هذا إذا نزلت أمطار كافية حتى نهاية الربيع.

ماذا سيأكل التونسيون حتى نهاية حرب تجري في آخر الأرض؟ يجيب الضالعون في السخرية السوداء "سيأكلون الاستشارة"، فالرئيس ما زال يدعو إلى المشاركة ولم يحصّل نصف مليون مشارك قبل موعد 20 مارس/ آذار، وهو التاريخ الذي أعلنه للبدء في مرحلة تحضير الاستفتاء. لكن أين المعارضة؟

حديث الاحتكار
الرئيس ماضٍ في مشروعه لا يلوي علي شيء، وأرجّح أنه سيعلن يوم 20 مارس/ آذار نجاح الاستشارة، وفي أقل الاحتمالات سوءًا سيمدِّد لنفسه الأجل حتى يفلح في إعلان رقم يغطي الفشل. لم ينتبه إلى أن الاستشارة صارت استفتاء على حكمه وعلى شخصه، وهو يمعن في شيطنة عدة جهات لا يسميها بالاسم لكنه يصطنع بها وضع الضحية المسكين، فيقول إنهم يعطّلون مشروعه.

لقد أعلن الحرب على محتكري المواد الغذائية، لكنه لم ينتبه أو تجاهل أن الناس في سوق إنتاج الغذاء يعرفون نفاد الاحتياطي الغذائي، ولديهم مؤشراتهم الخاصة مهما روّج الإعلام الموالي للرئيس حديث الاحتكار والفساد.

لقد وضع خطابه عن الاحتكار في السياق نفسه الذي وضع فيه سابقًا حديث احتكار تلاقيح الكوفيد-19 (المؤامرة الخبيثة من الخصوم الفاسدين ضد السيد نظيف)، وتبيّن للناس أنه كان يخفيها ليخلق أزمة ثم يحلّها بطريقة المنقذ العبقري الجبار.

لقد قام كثيرون بالربط بين الخطابَين والحركتَين، لكن سوق القمح العالمية هذه المرة ليست بكرم سوق التلاقيح (لا أحد يتبرّع بالقمح هذه الأيام)، وعليه مواجهة الحقيقة، فلا وجود لشياطين محلية تفسد على الرئيس حكمه، هذه اللعبة السمجة قضت على الاستشارة، واستطلاعات الرأي المسرَّبة من جهات مختلفة تقول إن شعبية الرئيس نزلت تحت الـ 30%.

هناك سؤال يدور في كل المجلس: "كيف سينهي الرئيس مدته؟"، وكثير من الردود على السؤال تأتي: "لقد انتهت مدته". لكن مَن البديل؟ وهل يوجد بديل فعلًا في المشهد السياسي التونسي؟

غيّ سياسي
المعارضة في غيها، سعيدة بانهيار شعبية الرئيس. ورغم أن شحّ الغذاء واضطراب السوق يمسّان قواعدها السياسية، فإنها تظهر علامات فرح على قرب نهاية مرحلة قيس سعيّد، دون أن تفصح عن وجوه بديلة ولا عن خطة للخروج من الأزمة التي خلقها، وهي أزمة متعددة الأبعاد ليست أزمة الغذاء سوى جزء منها.

نجمع أخبارًا كثيرة عن عقد جلسة للبرلمان برصيد كافٍ، والبدء في استعادة سلطة الدستور على مجريات العمل السياسي بدءًا بإلغاء أوامر الرئيس وخاصة المرسوم رقم 117، ومحو أثره القانوني على مؤسسات الدولة.

لكن مع هذه الأخبار نجمع أخبارًا مضادة تفيد بأن مكونات برلمانية ما زالت تعيش زمن الابتزاز السياسي والمقايضات القديمة، فهي تضع شروطًا على حزب النهضة الذي يشكّل عصب البرلمان (والأحرص على عودته).

يبدو أن هذا الجدال الذي انطلق منذ إضراب الجوع الذي نظّمه حراك "مواطنون ضد الانقلاب" في شهر يناير/ كانون الثاني، قد عمر طويلًا وأن الحسم لن يكون غدًا، فالمعارضة لم تتّفق على عمق الأثر التخريبي للانقلاب، وإن كانت تبدع في ذمّه من وراء الحواسيب.

هناك من يأتي النهضة طلبًا لمنصب بعد الانقلاب مروّجًا لعبقرية سياسية فذّة، وهناك من يأتيها طلبًا لعدم محاسبة محتملة من أجل الانحياز للانقلاب ذات يوم، ويبدو أن هناك نهضويين يريدون تصفية حسابهم مع زعيمهم بعزله في البرلمان ليسهل عزله في الحزب.

كل هذه معارك ما قبل الانقلاب لم يتمَّ حلها أو تأجيلها لذلك نصنّفها في الغي السياسي. هذا الغي يكشف أن الساحة السياسية لم تستوعب الدرس، وأنها تحمل أمراضها فيها نحو مرحلة قادمة، وهذا سرّ سعادتهم بالأزمة التي ستريحهم من الانقلاب دون أن يبذلوا في إسقاطه جهدًا حقيقيًّا.

لسان حال كثير ممن انحاز ضد الانقلاب في الأشهر الأخيرة يقول الشيء ونقيضه: "ما قبل الانقلاب كان سيّئًا، ولكن نريد أن نستعيد الخريطة كما كانت قبله، ونحفظ فيها مواقعنا وأدوارنا ومنافعنا في قادم الأيام"، وهذه علامة غباء سياسي قلّ نظيرها.

ترويج الوهم الكسول
هناك حديث رائج يسمح لأصحابه بالاطمئنان، أن الانقلاب سيسقط بقليل من الضغط الداخلي (مظاهرات كيوت وصور سلفي)، ثم يقوم الأصدقاء الأمريكيون بفتح بوغاز التمويل الدولي، عبر السماح لأصدقاء تونس (قطر وتركيا تحديدًا) بضخّ المساعدات المالية والاستثمارية، ودليلهم أن الأصدقاء الأمريكيين هم من حاصرَ الانقلاب ويحاصره بقطع التمويل في هذه المرحلة، ولعمري أن هذا مجرد وهم قاتل يكشف روحًا كسولة وجبانة.

إنه وهم يتجاهل مقدمات مهمة، أبرزها أن الانقلاب ما كان ليحدث لولا تخطيط أمريكي أو في الأقل غضّ نظر عنه، وأنه في جوهره استثمار أمريكي يعمل على ما بعده دون دفع كلفة كبيرة، وإذا كان هناك حصار فعليّ للانقلاب (بغية إسقاطه) فإنه لن يكون بلا مقابل بعده، أي أن مَن سيأتي بعده سيقدم ثمنًا يريده الأمريكيون في تونس وربما في المنطقة.

هذا الثمن تتجاهله المعارضة بكل أطيافها، وتتعمّد التمويه عليه حتى يحين، وهو ثمن له وجهان، أولهما أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة سيكون فيها شارع متنمّر يشارك فيه أنصار الانقلاب الخائبون (بعد أمل كبير في الحكم وحدهم)، وثانيهما رهن سيادة البلد للجهات المموِّلة (إن وُجدت فعلًا وبالصفة التي توهّمها معارضو الانقلاب)، إنه ثمن من السيادة الوطنية.

يحتاج الأمريكيون إلى مواقع أقدام ثابتة عسكريًّا في شمال أفريقيا، في إطار معركة مفتوحة مع التوسع الروسي والصيني في أفريقيا، وقد وضعوا قدمًا بعد ويريدون المزيد، ويحتاجون إذا تكرموا بالاستثمار إلى بيئة استثمارية بلا قيود سيادية، يكون مدخلها تفكيك مؤسسات القطاع العام التي تُعتبر ممولًا رئيسيًّا للموازنة (رغم خرابها الداخلي).

من ينتظر الدعم الأمريكي لإسقاط الانقلاب سيحكمون طبقًا لهذا الهوى الأمريكي، ومهما كان النقد الذي نوجّهه لأداء المؤسسات العمومية ودور النقابات الفاسدة في تخريبها، فإن تفكيكها بأمر خارجي (ونظنّه يكون تحت تهديد وابتزاز غير أخلاقي) سيكون امتهانًا كبيرًا لسيادة البلد الذي ستسلَّم قيادته لإرادة خارجية مشغولة بمصالحها لا بمصالح البلد.

جمهورية موز قادمة؟ إننا نراها رأيَ العين ويمكننا توزيع الاتهامات أو المزايدة. هل كان البلد مستقلًّا لنبكي على الاستقلال والسيادة؟ لقد كانت ثورته طلبًا للاستقلال والسيادة، ولكن لنختم بجملة مفيدة: كان درس الانقلاب الأهم هو أن الشعب الذي لا يحوّل ثورته السياسية إلى ثورة اقتصادية ينتهي رهينة بيد من ينتج القمح، ولقد حوّلت الصراعات السياسية المفوتة البلد إلى حالة مرضية.





 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 17-03-2022   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رحاب اسعد بيوض التميمي، الهيثم زعفان، أحمد بوادي، سلام الشماع، د.محمد فتحي عبد العال، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد شمام ، يزيد بن الحسين، وائل بنجدو، د. أحمد بشير، مجدى داود، محمد يحي، أحمد النعيمي، العادل السمعلي، عراق المطيري، د - محمد بنيعيش، جاسم الرصيف، أ.د. مصطفى رجب، د- محمد رحال، أحمد ملحم، صالح النعامي ، د - عادل رضا، مصطفي زهران، حسن عثمان، د. عادل محمد عايش الأسطل، طلال قسومي، رافع القارصي، صلاح المختار، علي عبد العال، رمضان حينوني، منجي باكير، سامح لطف الله، د - المنجي الكعبي، أنس الشابي، سلوى المغربي، رشيد السيد أحمد، مصطفى منيغ، صفاء العراقي، محمود طرشوبي، محمود سلطان، خالد الجاف ، عمر غازي، محمد عمر غرس الله، حسني إبراهيم عبد العظيم، الناصر الرقيق، خبَّاب بن مروان الحمد، الهادي المثلوثي، عواطف منصور، ماهر عدنان قنديل، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي العابد، سامر أبو رمان ، عبد الغني مزوز، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. خالد الطراولي ، د- هاني ابوالفتوح، فوزي مسعود ، علي الكاش، كريم السليتي، د. عبد الآله المالكي، سليمان أحمد أبو ستة، مراد قميزة، محمد العيادي، إيمى الأشقر، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - مصطفى فهمي، عمار غيلوفي، عبد الله زيدان، إياد محمود حسين ، صفاء العربي، فتحـي قاره بيبـان، د- محمود علي عريقات، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عزيز العرباوي، أشرف إبراهيم حجاج، سيد السباعي، حسن الطرابلسي، كريم فارق، المولدي الفرجاني، فهمي شراب، د. صلاح عودة الله ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد اسعد بيوض التميمي، يحيي البوليني، د - شاكر الحوكي ، أبو سمية، عبد الرزاق قيراط ، رضا الدبّابي، د- جابر قميحة، سعود السبعاني، ياسين أحمد، حميدة الطيلوش، حاتم الصولي، د - صالح المازقي، إسراء أبو رمان، د. طارق عبد الحليم، صلاح الحريري، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد الياسين، ضحى عبد الرحمن، د - الضاوي خوالدية، د. أحمد محمد سليمان، تونسي، صباح الموسوي ، محمد أحمد عزوز، سفيان عبد الكافي، فتحي الزغل، أحمد الحباسي، رافد العزاوي، محمود فاروق سيد شعبان، نادية سعد، محمد الطرابلسي، محرر "بوابتي"، عبد الله الفقير،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة