حرب أوكرانيا نموذجًا.. كيف يُفرغ الشبان الغربيون طاقات التطرف؟
عبد الرحمن خالد المشاهدات: 938
يوم الخميس 10 مارس/آذار الحاليّ، كشفت وكالة رويترز للأنباء، أن شركة ميتا بلاتفورم التي تدير موقع فيسبوك، ستسمح لمستخدميها بكتابة محتوى عنيف ضد الساسة الروس وجنود الجيش، على خلفية حرب روسيا ضد أوكرانيا القائمة حاليًّا، في تعليق وُصف بالمؤقت لسياسات الشركة تجاه "خطاب الكراهية"، ما يتيح للمستخدمين كتابة عبارات مثل "الموت لبوتين (أو لوكاشينكو رئيس بيلاروسيا)"، مع التأكيد على عدم السماح بخطابات كراهية مماثلة ضد المدنيين الروس.
على خلفية ذلك، تم رصد عشرات المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، لقادة جماعات من اليمين المتطرف، يناشدون أعضاءها بالتطوع في الحرب الأوكرانية ضد روسيا، هذا التصرف غير المعتاد خلق استنكارًا، خاصة أن سياسات فيسبوك عاقبت مستخدمين عرب، بسبب الحديث عن التطرف أو الإرهاب حتى إن كانوا يكتبون محتوى مناهضًا لها، بل إن البعض عُوقب لمجرد ذكرهم أسماء أعلام عادية، مثل الإمام النووي أو النسفي، وهي أسماء عادية لفقهاء في الشريعة الإسلامية.
بالأفعال أيضًا
لم يقتصر سماح الحكومات في الغرب أو شركاته، على القول العنيف ودعوات مؤيدة له لدعم "النضال" الأوكراني ضد الروس، بل امتد الأمر إلى خانة الفعل أيضًا، مثل مجموعة كاريثان سيش الأوكرانية التي نشرت معلومات سعيًا للحصول على تبرعات لدعم العمل العسكري الأوكراني ضد العدوان الروسي، أو كما دعا زعيم الجناح السياسي لمليشيا آوزف لتعبئة عاجلة لمتطوعين وعناصر المجموعة لمسارات الالتحاق بها ومن ثم التوجه للمشاركة في الحرب.
مواقع اليمين المتطرف في الغرب هي الأخرى شاركت في دعوات للقتال في الحرب الأوكرانية، فمثلًا نشر موقع "أو سي"، منشورات دعا فيها لاصطفاف ما يسمى "القوميون الفرنسيون" مع الشعب الأوكراني ضد الروس. وبالفعل التحق مئات المتطوعين الأوروبيين بالحرب الأوكرانية، وتشير التقديرات إلى أن 16 ألف متطوع انضم للحرب من 52 دولة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 20 ألفًا.
كما تحدثت تقارير عن دور من انخرطوا في الحرب منذ بدايتها الأولى، وعلى رأسهم ميكائيل سكارلت العسكري والقناص السويدي السابق، الذي جنّد 300 شاب أوروبي للمشاركة في الحرب ضمن صفوف كتيبة آزوف اليمينية المتطرفة التي قاتلت الانفصاليين المدعومين روسيًا في دونباس منذ عام 2014.
مؤخرًا، أعلنت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس "دعمها مشاركة المواطنين البريطانيين في الحرب"، قبل أن تتراجع الحكومة البريطانية وتتبرّأ من تصريحات الوزيرة، بناءً على مخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة بين بريطانيا وروسيا.
تدور النقاشات داخل الجماعات المتطرفة، حول انقسام شديد، فالبعض يؤيد الانضمام للجانب الأوكراني وآخرون يريدون الجانب الروسي، لكن الأمر لم يقتصر على الشباب المتطرف، بل إن جنودًا نظاميين غربيين التحقوا بالحرب الذي اندلعت يوم 24 فبراير/شباط الماضي، فقد أكدت وزارة الدفاع البريطانية مشاركة بعض جنودها في الحرب بشكل فردي، من بينهم جندي يدعى كولدستريم جاردسمان، استقال من قوة حماية ملكة بريطانيا وانتقل لأوكرانيا.
دفع تزايد الزخم بشأن هذا الأمر، وزير الدفاع البريطاني بن والاس إلى دعوة الجنود البريطانيين الذين استغلوا إجازاتهم، في الانتقال إلى أوكرانيا للمشاركة في الحرب، للعودة، لأنه لا يريد أن "يرى البريطانيين يقتلون".
اتجاه المتطرفون الغربيون الحاليّ ليس وليد الحرب "الأوروبية" ضد روسيا، فاليمين المتطرف الغربي له باع كبير في خطابات الكراهية، بين دعوات منع المظاهر الدينية الإسلامية، وطر المسلمين تمامًا من حدود الاتحاد الأوروبي، ويتضح ذلك أيضًا من المجموعات التي نفذت بشكل نظامي حوادث اعتداء لفظي على مسلمين مع كتابة عبارات عنصرية وعدائية ضد العرب أو الأجانب ككل على الجدران، ومنها ما تطور إلى حمل السلاح لتنفيذ تلك الأفكار الإرهابية، ولعل أبرزها حوادث دهس مسلمين والهجوم على مساجد، على سبيل المثال، مسجد النور في نيوزيلندا، الذي نفذ فيه متطرف أسترالي مجزرة قتل فيها 51 مصليًا، وكان هدفه من الهجوم إبادة أكبر عدد منهم وإحراق المسجد.
لكن عادة ما كانت التقارير الغربية تشير إلى أن تلك الجرائم ردًا على الإرهاب "الإسلامي" حصرًا، فهل هذا صحيح؟
الانضمام لداعش
بالعودة إلى الماضي القريب، يمكن دحض تلك المزاعم، بالحديث عن تورط إرهابيين بيض، في الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، الذي احتل أراضٍ شاسعة في البلدين بين 2014 و2018، حتى انهزم عسكريًا.
وكالة الشرطة في الاتحاد الأوروبي "يوروبيل"، أكدت أن 5 آلاف أوروبي شارك في القتال إلى جانب تنظيم داعش الإرهابي، معظمهم من فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا، 1500 منهم عادوا إلى بلدانهم وقت الحرب، بينما قُتل ربعهم، ولا يزال الخمس سجينًا سواء في سوريا أم العراق.
لم يقتصر الانضمام إلى داعش على الأوروبيين فقط، فقد انضم مواطنون من كندا وأمريكا، بينهم الجندي الشهير كانج من الفرقة 25 مشاة الأمريكية، بالإضافة إلى خبيرة التدريب العسكري الأمريكية في التنظيم أليسون أكرن، كما حاول العشرات من الأمريكيين الذهاب إلى سوريا للمشاركة في إرهاب التنظيم، على فترات مختلفة، لكن الاستخبارات الأمريكية تمكنت من منعهم.
شميمة بيغوم المولودة في بريطانيا لأبوين من أصول بنجلاديشية، كانت إحدى الحالات التي أبرزها الإعلام الغربي، وبعد انتهاء التنظيم عسكريًا، خرجت للاعتذار والتأكيد على براءتها كما سعت عائلتها لإعادتها لبلادها من جديد، بزعم أنها لم تتورط في القتال إلى جانب داعش، لكنها فقط كانت زوجة لأحد المقاتلين، لكن فان دين دونك من المفوضية الأوروبية لمواجهة التطرف أشار إلى أن هذا لا يعني أنها لم تتورط في أعمال إرهاب أخرى غير القتال، من بينها استقطاب الشبان الأوروبيين إلى داعش، والبعض عمل مع "شرطة الشريعة".
بعض هؤلاء الأوروبيين رُوج إعلاميًا لكونهم من أصول غير أوروبية، لكن الانضمام إلى التنظيم الإرهابي، كان من نصيب غربيين أصولهم أوروبية خالصة، مثل زوج بيغوم ذاتها، ياجو ريديك الذي ولد لعائلة مسيحية بضاحية راقية بمدينة أرنهم الهولندية، ثم اعتنق الإسلام وذهب للجهاد، وعادة ما تم الرد عليه وزملائه بإسقاط جنسياتهم الغربية عنهم.
عدم إعادة عوائل داعش المسجونين في أراضي "الجهاد"، قضية لا رجعة فيها على ما يبدو بالنسبة للحكومات الغربية، وبحسب خبراء، فإن إعادتهم تكاد تكون مستحيلة، وأبرز أسباب ذلك، عدم وجود آلية مناسبة لمحاكمتهم، ولا تزال الحكومات تبحث عن حلول لتلك الأزمة، حتى إن وزير الدفاع البريطاني الأسبق جافين ويليامسون، طالب بقتل البريطانيين المنتمين لداعش في محلهم، ويليامسون قال ذلك تعليقًا على محاكمة منفذ محاولة اغتيال رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، إلا أن الوزير تعهد وقتها بمنع الإرهابيين البريطانيين الذين قاتلوا في سوريا والعراق، من العودة لبلادهم حتى ولو فروا إلى دول أخرى.
إعادة ريديك وغيره من مقاتلي داعش الأجانب - عددهم ضئيل للغاية -، بُني على مبرراتهم التي ساقوها في حملات إعلامية بمساعدة ذويهم، وقد انطلقت تلك الحملات، على مبررات مثل: "مدى حبهم لأوطانهم الغربية" أو "انخداعهم في التنظيم في البدء ثم سرعان ما عادوا لرشدهم" أو "حب المغامرة والإثارة"، وغيرها، كما اعتمدت مبررات المسؤولين الذين رفضوا عودة آلاف آخرين، على "خطرهم المحدق بالأمن القومي لبلدانهم" أو "امتلائهم بالكراهية وثقافة الموت".
طاقات تطرف قديمة - حديثة
"دويخ نوشا" تنظيم عسكري مسيحي آشوري قاتل ضد تنظيم داعش الإرهابي في العراق، كان هو الآخر جاذبًا لجنود أمريكيين وأوروبيين، انضموا إليه، وعلى الرغم من أن قوات من الغرب شكّلت تحالفًا دوليًا للقتال، فإن بريت روايرز، المتطوع الأمريكي وزملاءه انضموا لتلك المليشيا المسلحة، من أجل الدفاع عن المسيحيين العراقيين حصرًا، على حد قوله.
بحسب راويرز فقد كان السبب وراء انضمامه إفادة "إخوانه المسيحيين" بكفاءته القتالية، وقد دفع من جيبه الخاص تكاليف انضمامه للقتال، من مسكن وملبس بالإضافة للأسلحة التي يستخدمها، ويرى أن "الأموال التي ادخرها لها الفضل في مساعدته للدفاع عن القضية التي يؤمن بها وأنه على استعداد للتضحية بكل شيء من أجلها، وأن كل ما يطمح فيه الآن هو عودة أصوات أجراس الكنائس"، هؤلاء لاقوا حفاوة غربية بالغة، باعتبارهم يقاتلون في الاتجاه الصحيح، بينما تم التقليل من خطر عودتهم للبلاد، على اعتبار أن خطرهم لا يشابه بحال خطر المقاتلين في داعش.
جوليا إيبنر، الباحثة النمساوية في الفلسفة، التي تخفّت تحت اسم مستعار وأطلقت على نفسها جينيفر ميار، لتدخل وسط مجموعات من اليمين المتطرف، اعتبرتهم معادلة لليمين الأمريكي البديل (جماعة تؤيد التفوق الأبيض)، بعد حادث مسجد النور الإرهابي في نيوزيلندا، وتعايشت مع عدد من الشبان الذين التحقوا بتلك الجماعات المتطرفة، من بين هؤلاء المتطرفون "جي آي" (28 عامًا) ويعمل باحث، لكنه يردد آراءً يمينية متطرفة.
تقول الباحثة إن غالبية المنضمين لتلك الجماعات (بعضها شبكات ومنتديات عبر الإنترنت تضم آلاف الشبان من جنسيات غربية مختلفة وهي كذلك من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية والخلفيات التعليمية)، دوافعهم للانضمام لتلك الجماعات المتطرفة، إحساسهم بخطر المهاجرين الملونين من دول غير أوروبية ومحاولة منهم للتأكيد على تفوق الأبيض واستحقاقهم للعيش في بلدانهم دون غيرهم، بينما الغالبية أكدت أن دوافعها كانت معاناتها من "الشعور بالوحدة والتهميش، والبعض وجد في تلك الجماعات أسرة تستمع إليه".
لن يكون غريبًا ما قالته إيبنر، عن أن تنظيمات متطرفة يمينية، أو حتى إسلامية، اعتمدت في أسلوبها على تجنيد الشبان وأيديولوجيتها الجديدة، كانت مُلهمة بالأصل من جماعات اليمين البديل الأمريكي المتطرف.
المخرج البريطاني بيتر كوزمينسكي، الذي تتبع رحلة انضمام أوروبيين لداعش، في فيلمه الوثائقي الدرامي "الدولة"، أكد أيضًا أن "الوحدة والتهميش" كانت دوافع رئيسية في الانضمام لداعش، مشيرًا إلى أن أحد الحالات قال: "أمس كنت عامل بناء واليوم الرئيس الأمريكي يتحدث عني"، بينما يؤكد أن الكثيرين انضموا لداعش ليس من أجل الموت وإنما يريدون البقاء على قيد الحياة لكن في "جنة عدن وسط إخوانهم".
في دراسته "لماذا انضم أوروبيون لداعش؟" يشير الباحث المصري محمود عبد الله، إلى أن اهتمام الشباب الأوروبي بالانضمام لداعش وقت قوته لم يكن غريبًا، فالانجذاب الأوروبي للصراعات، بدأ باكرًا خلال حرب البوسنة 1992-1995، وحرب الشيشان الأولى 1994-1996، والحرب الأفغانية 2001، والصراع في مالي 2003، وكذلك الحرب على العراق في نفس العام.
دوافع المقاتلين الغربيين للتطوع في أوكرانيا، تدور هي الأخرى حول دوافع الانضمام لليمين المتطرف وداعش التقليدية المذكورة، فبعضهم يعمل على نجدة أوكرانيا لمجرد أنها دولة أوروبية، مثل سام أوتاوي (38 عامًا) مدني يعمل محاسب وليس لديه خبرة عسكرية، الذي قال إنه ذهب للتطوع في الحرب، لأنه "القرار الصحيح، التاريخ علمنا ذلك، وأوكرانيا تستحق الزود عنها"، بينما قال صاحب صالة رياضية، ليون داوسون، إنه تطوع للحرب ومستعد لخسارة حياته في الدفاع عن أوكرانيا، بينما المجري أكوس هورواد، (28 عامًا) كان أكثر وضوحًا بهذا الشأن إذ أكد تطوعه للقتال، لأن أوكرانيا جارته ولا يمكنه مشاهدة ما يحدث ويقف ساكنًا.
يعاني بعض المشاركين في الحرب، من الشعور بالتهميش، فكولدستريم من حرس الملكة، قال إنه انضم للقتال في أوكرانيا، لأنه يريد خوض عمله الحقيقي، مشيرًا إلى سئمه من تأدية المهام الاحتفالية العسكرية يوميًا دون جديد، بينما مارك الضابط البريطاني ولا يزال في الخدمة (35 عامًا) يبدو أنه يحاول الحفاظ على التفوق الأبيض العسكري، وعن أسبابه للمشاركة في الحرب قال: "لكي لا يتكرر في أوكرانيا ما حدث في أفغانستان" (في إشارة لانسحاب قوات حلف شمال الأطلسي بعد 20 عامًا من الحرب دون تحقيق الأهداف)، معربًا عن سخطه الشديد لما حدث من انسحاب للقوات الغربية وتركها الدولة الأفغانية لسيطرة طالبان، بينما يشير إلى علمه بأن العمليات العسكرية في أوكرانيا تختلف عن العمليات في العراق وأفغانستان، لكن "مهارته كافية للمساعدة في منع تكرار ما حدث".
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: