البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

نزع هالة التقديس عن المعارضة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1055



ورثنا من زمن الدكتاتورية خطأ منهجيا في التحليل لا يزال يفسد علينا الرؤية الصواب أو ما يجب أن يكون صوابا وقد تحررنا (إلى حد) من ربقة الدكتاتورية. هذا الخطأ هو التسليم بأن كل معارض للسلطة يفعل الصواب ويخطط للخير وبالتالي فهو منزه عن كل غرض فاسد ويجب الوقوف معه بلا أدنى مساءلة عن دوافعه وعن نواياه وعن بدائله للسلطة التي يعارضها. لقد كشفت لنا فسحة الحرية أن معارضي السلطة لا يقلون عنها فسادا أخلاقيا وأن بدائلهم ليست بالضرورة أفضل من فعل السلطة التي جرونا إلى معارضتها. لقد آن للتحليل أن يخرج من المسلمة البلهاء أن معارضي السلطة أفضل منها. دون أن يقع المرء بالضرورة في تمجيد السلطة لكن نزع القداسة عن المعارضة صار ضرورة منهجية لفهم ما يجري وما قد يكون.

النقابة التونسية أفسد من كل الحكومات

في تونس حظيت النقابة (الاتحاد العام التونسي للشغل) بمكانة مقدسة في نفوس كل من عارض السلطة خاصة بعد العام سبعين والتحول إلى نمط اقتصادي ليبرالي هجين. لقد صنعت النقابة لنفسها صورة حامي الفقراء والمهمشين. وروجت لخطاب ثوري وصار كل نقابي زعيما شعبيا. وقد أفلحت النقابة في بناء متخيل خاص يستند إلى أن النقابة قادت معركة تحرر وطني ضد الاستعمار المباشر. واستثمرت في حادثة اغتيال النقابي المؤسس فرحات حشاد فوضعته كشخص زعيم فوق كل النقد أو المراجعة.

في مرحلة اشتداد الدكتاتورية وانعدام فرص معارضة مدنية صريحة (كمنع تكوين الأحزاب) وجد كل سياسي مدني في النقابة ستارا يتخفى داخله ليعارض السلطة وكان يجري تقاسم المواقع داخل النقابة بنظام المحاصصة الحزبية وتوزع مقاعد التنفيذي قبل عقد المؤتمرات. ومن هنا جاءت تسمية الخيمة (التي تظل كل مضطهد وكل معارض وطني لسلطة عميلة تابعة. دون أي سؤال عن مشروعية ذلك من وجهة نظر ديمقراطية). هذه السلطة وهذا الدور حولا النقابة إلى بؤرة دكتاتورية لا تختلف بل ربما أسوأ من السلطة وقد كانت لها دوما ميليشيا لضرب المخالفين. وقد كان النقابيون يغلقون بابها ضد كل دخيل خاصة من الإسلاميين وفي ردهات كثيرة عملت النقابة كذراع للسلطة في معركتها ضد الإسلاميين.

انكشفت النقابة بعد الثورة كجزء من منظومة الحكم الفاسدة وقد واصلت دورها بعد الثورة في خدمة السلطة الساقطة فخربت كل خطوة قطعت في اتجاه تجسيد مطالب الثورة. وهي تقف الآن بلا مواربة مع الانقلاب وتحميه من كل احتجاج شعبي محتمل على غلاء المعيشة وتأخر الرواتب. وتروج في الأثناء أنها خيمة كل تونسي مضطهد. إن السلطة لم تبلغ في مستويات الكذب السياسي ما بلغته النقابة. ولن يتسع المجال لسرد الفظاعات النقابية وآخرها العبث بقانونها الداخلي لتظل قيادتها في مواقعها.

الأحزاب بؤر فساد سياسي

ولدت الأحزاب في المعارضة زمن الدكتاتورية. وأثبتت أن الحزب الواحد الجامع باسم الوحدة القومية كان جريمة سياسية صنعها الزعيم بورقيبة فالتعددية واقع فعلي قبل الاستقلال وبعده. وفي زمن الدكتاتورية كان مجرد تأليف حزيب سياسي يحول قيادته إلى أبطال شعبيين. كيف وقد تجرؤوا على معارضة السلطة. لكن لا أحد كان ينفذ إلى داخل الأحزاب ليرى طرق تسييرها الداخلي والتزامها بالديمقراطية في هياكلها. وكانت معارضة الدكتاتورية مبررا للتغافل عن الأمر فالعمل الحزبي يجري في السرية والديمقراطية مؤجلة. بعد الثورة انكشفت أن الإرجاء الديمقراطي فعل من صميم الفساد الحزبي. فالزعامات (ولا نستثني أحدا) حولت جمهورها الحزبي إلى قطعان تسمع وتطيع. وكان هذا أحد أهم أسباب فشلها في التطور الداخلي والانسجام مع شروط الديمقراطية. حتى أن الحزيبات التي ظهرت بعد الثورة أعادت إنتاج نفس الأخطاء السياسية أي تحويل الأنصار إلى قطيع وراء الزعيم الفذ. لقد كانت أحزابا على نفس منوال حزب السلطة أو نسخا رديئة منه. والحزيبات التي لم تفلح في توليف قطيع انتهت تجتر خيباتها في المقاهي. أما الزعامات السياسية المعارضة فلم تكن أكثر من نسخ رديئة من الزعيم الميت.

انكشاف الهالات المزيفة

مزية الثورة أنها أزالت الكثير من الغشاوة وفضحت النقابة والأحزاب فهي ليست أفضل من حزب السلطة. لقد أفقدتها التعاطف القديم بصفتها كتلا من الفرسان الشجعان تقف في وجه السلطة الغاشمة (لقد كانت تلك صورة مزيفة بنتها النقابة والأحزاب حولها وسلمنا لها بها ربما تخففا من كلفة النضال). والذين تحرروا من الغشاوة ابتعدوا عن الأحزاب والنقابة ولكنهم عجزوا عن تأليف كيانات أخرى وذلك أيضا راجع في تقديرنا للسمعة السيئة التي التصقت بالعمل الحزبي والنقابي جراء ممارسات هؤلاء الذين لا يتطورون ولا يسمحون للساحة بأن تتطور. ومن دلائل الفشل الحزبي أن يحكم البلد شخص لم ينخرط في حزب ولا نقابة ولم يناضل نضالا كان يبدو من الخارج نبيلا ولكنه يحسن تمويه فساده باسم المعارضة الشجاعة. لقد استثمر المنقلب في رداءة المشهد الحزبي القديم الجديد وأفلح.

وإننا نعاين مرة أخرى محاولة الأحزاب الاستيلاء على التيار المعارض للانقلاب وتجييره لمصالحها الحزبية دون سؤال أخلاقي عن مشروعية ذلك وهو السؤال الذي كان يقتضي سؤالا أول عن تقييم الأحزاب والنقابات لأدوارها وممارساتها ومدى إسهامها في تخريب الساحة السياسية.

لقد تطلبت الساحة السياسية المفتوحة لتيار شبابي واسع وغير متحزب قبل الثورة قيادات سياسية جديدة وعملا حزبيا ديمقراطيا. لكن القيادات التاريخية التي استفادت من التقديس القديم ظلت متمسكة بالواجهة وبطرقها السابقة على الثورة واعتبرت كل نقد لها هو طعن في شرعيتها التاريخية. وصادرت بذلك كل أمل في تغيير النخب. وهذا سبب كبير في جنوح غير المتحزبين إلى رئيس بلا حزب فهو انتقام لهم من المتحزبين ومن القيادات الحزبية الواقفة حاجزا ضد التغيير.

هنا يحين أوان نزع الهالة التقديسية عن هذه القيادات النقابية والحزبية وتفكيك وهم قداستها. بل إننا نعاين سقوط هذه القداسة من النفوس قبل أن نكتب عن ضرورتها. لقد تجاوز الناس العاديون الأحزاب والنقابة وخلصوا إلى أن اللا انتماء إليها أفضل من البقاء تحت سقف شيوخ السياسة الذين كلما حاورهم المرء في ضرورة الديمقراطية دمغوه بالشرعية التاريخية.

هل دافعنا عمن في السلطة؟ لا لم نفعل لقد حررنا أنفسنا من تعاطف مرضي مع كل من يزعم المعارضة وهو أقل كفاءة ممن يحكم. لم نتحدث هنا عن أن كل من كان في معارضة الدكتاتورية وأتاحت له الثورة فرصة مشاركة في الحكم لم يفعل سوى أن أعاد إنتاج سياسات السلطة التي أسقطتها الثورة. ولهذا حديث آخر قريبا.




 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

أوكرانيا، روسيا، غزو أوكرانيا، الحرب الاوكرانية الروسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-03-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - الضاوي خوالدية، د- هاني ابوالفتوح، أشرف إبراهيم حجاج، د. خالد الطراولي ، ضحى عبد الرحمن، رمضان حينوني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محرر "بوابتي"، صالح النعامي ، المولدي الفرجاني، محمد شمام ، عواطف منصور، د. عبد الآله المالكي، حسن عثمان، صلاح الحريري، د. صلاح عودة الله ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سلوى المغربي، إياد محمود حسين ، تونسي، د. أحمد بشير، كريم السليتي، ياسين أحمد، د - صالح المازقي، فتحي الزغل، د. مصطفى يوسف اللداوي، فوزي مسعود ، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الرزاق قيراط ، عزيز العرباوي، سامح لطف الله، علي عبد العال، رشيد السيد أحمد، د. أحمد محمد سليمان، عبد الغني مزوز، د. طارق عبد الحليم، أحمد الحباسي، سلام الشماع، مجدى داود، يحيي البوليني، الهيثم زعفان، رحاب اسعد بيوض التميمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ماهر عدنان قنديل، فتحـي قاره بيبـان، د - محمد بن موسى الشريف ، مصطفي زهران، محمد علي العقربي، المولدي اليوسفي، عمر غازي، عبد الله زيدان، الناصر الرقيق، حميدة الطيلوش، حاتم الصولي، أبو سمية، محمد عمر غرس الله، محمد الياسين، أحمد بوادي، مراد قميزة، جاسم الرصيف، محمد الطرابلسي، الهادي المثلوثي، سفيان عبد الكافي، د- محمود علي عريقات، سامر أبو رمان ، يزيد بن الحسين، أحمد ملحم، د- جابر قميحة، سيد السباعي، منجي باكير، محمد اسعد بيوض التميمي، بيلسان قيصر، علي الكاش، كريم فارق، طلال قسومي، د. عادل محمد عايش الأسطل، حسني إبراهيم عبد العظيم، سعود السبعاني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صفاء العراقي، صلاح المختار، أنس الشابي، نادية سعد، وائل بنجدو، د - عادل رضا، محمد يحي، خالد الجاف ، عمار غيلوفي، د - المنجي الكعبي، عبد العزيز كحيل، د - محمد بنيعيش، د- محمد رحال، صباح الموسوي ، فتحي العابد، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العربي، سليمان أحمد أبو ستة، د - شاكر الحوكي ، أحمد النعيمي، د.محمد فتحي عبد العال، عراق المطيري، حسن الطرابلسي، محمود سلطان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، العادل السمعلي، محمود فاروق سيد شعبان، رافد العزاوي، طارق خفاجي، محمد أحمد عزوز، محمود طرشوبي، مصطفى منيغ، عبد الله الفقير، إسراء أبو رمان، فهمي شراب، إيمى الأشقر، رضا الدبّابي، رافع القارصي، محمد العيادي، د - مصطفى فهمي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة