البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

احتجاجات 14 جانفي في تونس ودلالاتها السياسية

كاتب المقال عادل بن عبد الله - تونس   
 المشاهدات: 1114



بعد أن أصدر الرئيس مرسوما بتغيير تاريخ الاحتفال بالثورة التونسية، أصبح يوم 14 كانون الثاني/ يناير يوم عمل عادي في تونس. وبصرف النظر عن حجج الرئيس التونسي في نقض الإجماع التأسيسي أو التوافق الوطني الواسع على تاريخ ١٤ كانون الثاني/ يناير باعتباره عيد الثورة، وبصرف النظر عن تسييس جائحة كورونا والتعلل بها لمنع الاجتماعات العامة - رغم تواصل العمل في كل المؤسسات العمومية والخاصة بصورة طبيعية - فإنّ معارضي الرئيس قد أصروا على جعل "عيد الثورة" الذي انقلب عليه "تصحيح المسار"؛ مناسبة للطعن في شرعية المراسيم التي تدير "حالة الاستثناء"، بعد أن حوّلها الرئيس إلى "مرحلة انتقالية" تمهد للاستفتاء على مشروعه السياسي.


لقد أكدت احتجاجات 14 كانون الثاني/ يناير حقيقة الانقسام المجتمعي العميق الذي تعيشه تونس، وهو انقسام سابق لـ25 تموز/ يوليو، بل سابق للحدث الثوري ذاته مهما كانت السردية التي يندرج فيها. ولكن الانقسام المجتمعي الذي تعبر عنه الخطابات السياسية وخطوط التحرير الإعلامية والانحيازات النقابية والمدنية؛ عرف تغيرا بعد "الانقلاب" من جهة تموقع الأطراف المشكلة له، كما عرف تغيرا من جهة كونه أصبح يتغذى ويتعمق بخطابات الرئيس ذاته، بعد أن تحوّلت إلى "سياسة دولة" بإشراف بوليسي صريح وتحريض إعلامي ممنهج وصمت "مدني" ونقابي مريب.

ورغم أننا لا ننكر الدور الخطير الذي مارسه الرئيس في العودة إلى مربع الصراعات الهوياتية ومنطق الصراع الوجوي والنفي المتبادل، فإننا نريد أن نؤكد على تهافت الأطروحة التي تجعل من "تصحيح المسار" ومراسيمه بداية مطلقة لخطابات العنف الرمزي أو المادي التي تهيمن على السجال العمومي في تونس. فـ"تصحيح المسار" هو - من جهة أولى - تجذير لخطابات العنف ودفع بها نحو نهاياتها المنطقية، وهو - من جهة ثانية - اللحظة التي بلغت فيها المنظومة الحاكمة بعد الثورة مرحلة العجز المطلق عن إدارة تناقضاتها الداخلية، أو بالأحرى مرحلة العجز المطلق عن الاستمرار في منطق "التعايش" - لا المصالحة أو التسوية التاريخية المؤسسة نظريا - بين مكوّنيها الأساسيين، أي ورثة المنظومة القديمة وحلفائهم، وحركة النهضة.

لعل الدرس المستخلص من احتجاجات 14 كانون الثاني/ يناير هو أن قوة الرئيس التونسي لا تعود "فقط" إلى انقسام معارضته وعجزها عن التوحد في جبهة وطنية جامعة، وهو تفسير يجد حجته الأقوى في ما ظهر يوم 14 كانون الثاني/ يناير من نزول مكونات تلك المعارضة إلى "شارع الثورة" (مواطنون ضد الانقلاب، حزب العمال، ترويكا الأحزاب اليسارية الاجتماعية الخ) دون أي تنسيق أو إعداد مشترك، كما لا ترجع أسباب تلك القوة "فقط" إلى ولاء "القوة الصلبة" – أي المؤسستين العسكرية والأمنية - للرئيس ودعمهما اللا مشروط لـ"تصحيح المسار" ومراسيمه، مع ما يثيره ذلك من فشل المنظومة الحاكمة بعد الثورة عن "إصلاح" هاتين المؤسستين وتحصينهما ضد التجاذبات السياسية والأيديولوجية.

إن القوة الحقيقية للرئيس ترجع في نظرنا إلى عاملين أساسيين:

1- عدم وجود ثقافة ديمقراطية في المستويين الفردي والمؤسساتي، أي قابلية أغلبية الفاعلين الجماعيين للارتكاس إلى مربع الاستبداد من مدخل الصراع الهوياتي؛ الذي هو مجرد واجهة للدفاع عن مواقع ومصالح مرتبطة بالنواة الصلبة للمنظومة القديمة واستراتيجياتها لإعادة التموقع والانتشار في ظل السرديات الإصلاحية والثورية المتنازعة. فالمنزع الانقلابي أو الوعي الاستبدادي ليسا حكرا على الرئيس أو أنصار مشروعه، بل هما صفتان ملازمتان لأغلب الفاعلين الجماعيين مهما كانت ادعاءاتهم الديمقراطية ومزايداتهم الوطنية. وليس الرئيس إلا تكثيفا لهذه البنية الذهنية ودفعا بها إلى الأقصى، أي إلى مرحلة البديل والزمن السياسي الجديد الذي يؤسس شرعيته على تهافت منطق "الشراكة" وهشاشة مؤسساته وفساد أجسامه الوسيطة في الديمقراطية التمثيلية.

2- الدعم الخارجي الصريح أو الضمني - وفي أفضل الحالات الضغط الخارجي "الليّن" - الذي يعتبر "حالة الاستثناء" وغياب المؤسسات فرصة لتمرير "الإصلاحات" أو "الإملاءات" التي تشترطها "الجهات المانحة" لدعم الاقتصاد التونسي وإبعاد البلاد عن شبح الإفلاس. فوجود ديمقراطية - ولو هشة أو فاسدة - يعني وجود هامش من الحريات ووجود جهات رقابية وقوى تعديلية يمكنها مواجهة القرارات السلطوية وإسقاطها. أما في "زمن المراسيم" والحاكم الذي لا معقب لحكمه - نظرا لتحصين المراسيم من أية رقابة أو نقض - فإن الجهات المانحة تستطيع أن تمرر شروطها بميزانية تصوغها الحكومة بمنطق "سري" وبعيدا عن أي تشاركية حقيقية، لكن بتواطؤ بيّن من "الشركاء الاجتماعيين" رغم كل الاحترازات الخطابية الموجهة للاستهلاك الإعلامي، خاصة تلك "المخاوف" الصادرة من المركزية النقابية.

بعيدا عن خرافة استقلالية القرار الوطني ورفض التدخلات الخارجية، وبعيدا عن شيطنة المنظومة الحاكمة قبل "تصحيح المسار"، وبعيدا عن مآل "معارضات" نخبوية تتراوح بين تحسين شروط التفاوض مع السلطة وبين إعادة منظومة توافقية فاشلة، يمكننا أن نقول إن "حالة الاستثناء" هي اللحظة التي أكدت فشل الانتقال الديمقراطي في مختلف مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفشله قبل ذلك كله في القطع مع المنظومة القديمة بخياراتها الكبرى ونواتها الصلبة وبنيتها الفكرية القائمة على مجاز الوطنية والديمقراطية وواقع الجهوية والزبونية ومنطق أحادية الصوت.

فالرئيس التونسي هو في نهاية التحليل تلك الشخصية التي احتاجتها المنظومة القديمة - بدعم خارجي - لإعادة هندسة المشهد التونسي بصورة تعيد إدماجه في الاقتصاد العالمي لكن دون السماح له بالتحول إلى أنموذج "ثوري" قابل للتصدير -خاصة في مستوى المصالحة بين الإسلاميين والعلمانيين وفي مستوى التداول السلمي على السلطة - ودون السماح أيضا بتَونسة النموذج المصري أو غيره من النماذج الانقلابية التي قد تهدد المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية المتحكمة في المشهد التونسي.

----------
وقع تغيير طفيف في العنوان الاصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، اعتصام،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-01-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- محمد رحال، فتحـي قاره بيبـان، سلوى المغربي، رمضان حينوني، فوزي مسعود ، د - صالح المازقي، عبد الله الفقير، كريم السليتي، محمد اسعد بيوض التميمي، رافد العزاوي، عمر غازي، بيلسان قيصر، د - محمد بن موسى الشريف ، أبو سمية، مصطفي زهران، أحمد بوادي، ضحى عبد الرحمن، محمود فاروق سيد شعبان، فهمي شراب، مجدى داود، خالد الجاف ، كريم فارق، تونسي، أشرف إبراهيم حجاج، ياسين أحمد، فتحي العابد، عبد الله زيدان، سيد السباعي، د - مصطفى فهمي، سليمان أحمد أبو ستة، أحمد الحباسي، أحمد ملحم، حاتم الصولي، رشيد السيد أحمد، الناصر الرقيق، أ.د. مصطفى رجب، عزيز العرباوي، محمد أحمد عزوز، ماهر عدنان قنديل، عواطف منصور، صباح الموسوي ، د. أحمد محمد سليمان، د. عادل محمد عايش الأسطل، سفيان عبد الكافي، عراق المطيري، صلاح الحريري، علي عبد العال، محمد شمام ، حسن عثمان، خبَّاب بن مروان الحمد، صالح النعامي ، د - المنجي الكعبي، د. عبد الآله المالكي، د.محمد فتحي عبد العال، فتحي الزغل، حميدة الطيلوش، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - عادل رضا، علي الكاش، الهادي المثلوثي، محمد علي العقربي، إيمى الأشقر، محمد عمر غرس الله، د. أحمد بشير، د - شاكر الحوكي ، د. صلاح عودة الله ، سلام الشماع، مراد قميزة، جاسم الرصيف، محمد الياسين، إسراء أبو رمان، يحيي البوليني، عبد الرزاق قيراط ، محمد الطرابلسي، عمار غيلوفي، د. مصطفى يوسف اللداوي، مصطفى منيغ، طلال قسومي، محمد يحي، محمد العيادي، حسن الطرابلسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رضا الدبّابي، د - الضاوي خوالدية، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسني إبراهيم عبد العظيم، يزيد بن الحسين، د. طارق عبد الحليم، إياد محمود حسين ، محمود طرشوبي، نادية سعد، المولدي اليوسفي، سامر أبو رمان ، محمود سلطان، العادل السمعلي، المولدي الفرجاني، محرر "بوابتي"، سعود السبعاني، رافع القارصي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد العزيز كحيل، أحمد النعيمي، د - محمد بنيعيش، منجي باكير، الهيثم زعفان، عبد الغني مزوز، أنس الشابي، د- محمود علي عريقات، د- هاني ابوالفتوح، د. خالد الطراولي ، صفاء العراقي، سامح لطف الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صفاء العربي، طارق خفاجي، د- جابر قميحة، وائل بنجدو، صلاح المختار،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة