البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: النخب التابعة

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 908



قد يكون من الموضوعي أيضا إطراء الانقلاب وذكر محاسنه لأنه لم يكن شرّا مطلقا في تونس فكل الظواهر الاجتماعية والسياسية لها وجهها الإيجابي مهما كان ضئيلا. صحيح أنّ الانقلاب يمثل تهديدا خطيرا للمسار الديمقراطي المتعثر الذي عرفته البلاد طوال أكثر من عشر سنوات من الإنجاز الثوري.

وصحيح أيضا أنّ الانقلاب على الدستور والبرلمان جريمة في حق الوطن والثورة وباب أبواب الاستبداد لكنّه يحتاج أيضا إلى تفكيك الشروط التي جعلته ممكنا حتى يتسنى للأجيال الجديدة منع تجدده. إنّ حدوث أي انقلاب يعني أنّ ظروفا معيّنة داخلية وخارجية هي التي سمحت بحدوثه أو بتعبير آخر فإنه يعني أنّ شروطا أخرى لم تكن موجودة لمنع حدوثه.

في تونس كان الانقلاب متوقّعا بل كانت درجات احتماله عالية جدا لأسباب كثيرة تتوزع على مستويات مختلفة أدت إلى تعفين المشهد العام وضرب الاقتصاد وتأزيم الوضع السياسي والاجتماعي. داخل هذا المشهد العام لعبت النخب المحلية دورا مركزيا في بلوغ المشهد المنحدَر الذي وقع فيه بعد أن شاركت بقوّة في ضرب المسار الانتقالي وفي التمكين للانقلاب.

هل توجد نخب تونسية؟

لن يكون الجواب صادما إن نحن أقررنا بأن تونس لم تنتج نخب فعلٍ حقيقية قادرة على ترسيخ المُنجز الثوري الذي حققته الجماهير الغاضبة، بل إننا لا نجانب الصواب إن نحن أقررنا بأنها ساهمت في ترذيل المشهد السياسي وفي التمكين لشروط الانتكاس نحو مربع الاستبداد.

لا يعني هذا القول غياب شخصيات شاركت في التأسيس للفعل الحضاري والسياسي المقاوم طيلة قرن من الزمن منذ مرحلة الاحتلال الفرنسي وصولا إلى تأسيس الدولة وبناء المجتمع. لكن هاته الفواعل الفردية لم تنجح في تكوين طبقة مثقفة قادرة على تجاوز خلافاتها الأيديولوجية ومطامعها الشخصية ونحت أرضية مشتركة تجعل من الاختلاف الفكري أساسا لمشروع نهضة حقيقية يمنع تجدد شروط الاستبداد.

لقد تأسس النخب التونسية في أغلبها على فردانية الفعل والإنجاز والتصوّر ولم تكن فاعلا جماعيا إلا في سياقات محددة غلب عليها الطابع الأيديولوجي المستورد في شكله العروبي القومي أو اليساري الماركسي أو حتى الاسلامي المحافظ. ارتهنت هذه المجموعات فكريا إلى الخارج ولم تنتج نموذجها الفكري الخاص بها والنابع من سياقها المحلي فاستوردت مع المحمول الفكري للنظريات الوافدة المشاكلَ الكامنة فيها وغرستها في التربة التونسية.

نجم عن هذه الخيارات ارتهان المشهد التونسي للتجاذبات الإقليمية والدولية خاصة بعد فشل هذه المجموعات في توطين المحمول الفكري الخارجي وتطويعه للنسق المحلي بخصوصياته الحضارية والتاريخية والديمغرافية. لا يشك أحد في أن الفكرة القومية أو الفكرة اليسارية مثلا اجتهاد انساني يخطئ ويصيب حسب السياقات التي يطبق فيها وحسب الأهداف المرسومة له لكنّه في الحالة التونسية كان إسقاطا قسريا يستهدف أساسا منع ظهور البدائل الوطنية التي وأن تشبثت بتربتها المحلية فإنها لا تنفصل عن امتدادها العربي والإسلامي بل تتكامل معه فتغذي روافده.

الثورة وبيان عقم النخبة

كانت الثورة الغطاء الأخير الذي رُفع عن نخب تونس الأكاديمية والإعلامية والفكرية والفنية لا لأنها كانت جزءا من الاستبداد داعما له حارسا لوجوده مدافعا عنه فهذه فصيلة أخرى بل لأنها أثبتت بالتجربة الحية أنها عدوّ الشعارات التي كانت تدافع عنها وتتبنّاها.

لم تكن الثورة منجزا نخبويا بل كانت فعلا شعبيا قاعديا تجاوز شعارات النخب وحقق في وقت قياسي ما كانت هي تعِد به طيلة عقود من تاريخها. كان سرّ نجاح الجماهير " غير المفكّرة " كامنا في وعيها بالقدرة على إسقاط النظام وبزيف مشاريع نخبها التي كانت جزءا من النظام نفسه بما في ذلك تلك التي تدّعى معارضته.

لكن الخطأ القاتل الذي وقعت فيه الثورة هو أنها لم تراعِ تحوّل الجيل والنقلة التي حدثت بين جيلين وهي النقلة التي كانت سببا في نجاح الثورة. فحين تسلّم الجيل القديم مقاليد السلطة حمل معه تناقضاته القديمة وصراعاته التاريخية وجلب إلى السلطة نخبا لا علاقة لها بالمُنجز الثوري وهو الأمر الذي مكّن لنخب الاستبداد من الاندساس داخل البناء السياسي الجديد مستفيدة من وجود خصومها التاريخيين.

هكذا عادت الصراعات القديمة إلى السطح فسقط الاسلاميون سريعا أو أُسقطوا في صراع الهوية بدل فرض صراع البدائل الاقتصادية وتصفية إرث الاستبداد السياسي والإعلامي. من جهتهم حافظ القوميون على مواقعهم الداعم لترذيل المشهد السياسي عبر مواقعهم الحزبية والنقابية بضرب الاقتصاد وفرض صراع الهوية وإعلان الحرب على الإسلاميين في تحالف لا يخفى مع غرف الثورة المضادة في مصر وسوريا ودول الخليج. ثم دعمت الفصائل القومية الانقلاب على الدستور وعلى البرلمان وسعت إلى استنساخ صورة الزعيم الذي لا تعيش إلا تحت جناحه. أما شراذم اليسار أو ما بقي منهم فقد عادوا إلى مواقعهم في صدارة المشهد وخاصة في الإعلام والفضاء الرمزي من أجل هدف وحيد وهو شيطنة الثورة ورفع شماعة الإرهاب دون القدرة على تقديم أية بدائل اقتصادية أو تنموية.

داخل هذه المشهد الجديد لم تجد الدولة العميقة أي نواة النظام السابق صعوبة تذكر في التسلل وتصدّر المشهد ثم إزاحة الجميع خلال العملية الانقلابية الأخيرة. إن الانقلاب الذي عرفته تونس ليس إلا عنوانا لفشل النخب المحلية وتتويجا لمسارات فشلها وفي كونها قد أخطأت اللحظة التاريخية في زمان لم يكن زمانها ودور لم يكن دورها.

اليوم لم يبق لهذه النخب إلا الانسحاب من المشهد وترك الجيل الجديد يصارع إرثها الثقيل بآلياته الخاصة علّه يتمكّن من إعادة البوصلة إلى اتجاهها الصحيح. لن تستطيع نخب تونس التكفير عن خطاياها إلا إن هي نجحت في تسليم المشعل للجيل الجديد المنفصل عن صراعات الايديولوجيا والسليم من أمراض الماضي. هذا الجيل الجديد هو الجيل الذي يملك من الأدوات ومن العزائم ما يستطيع به القطع مع إرث الاستبداد سلطةً ومعارضة ووضع شروط التحرر من الاستعمار ووكلائه ونخبه جميعا.

---------
وقع تغيير العنوان الأصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإنقلاب، النخب، التبعية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 24-12-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد يحي، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد الياسين، جاسم الرصيف، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د- محمود علي عريقات، عبد الرزاق قيراط ، عبد الغني مزوز، د. خالد الطراولي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، مصطفى منيغ، كريم فارق، أحمد النعيمي، العادل السمعلي، طلال قسومي، د. أحمد بشير، أنس الشابي، مصطفي زهران، د.محمد فتحي عبد العال، د - الضاوي خوالدية، أحمد بوادي، عمار غيلوفي، فوزي مسعود ، نادية سعد، منجي باكير، تونسي، عبد الله الفقير، محمد عمر غرس الله، محمد اسعد بيوض التميمي، خالد الجاف ، إسراء أبو رمان، صفاء العربي، د - شاكر الحوكي ، د. أحمد محمد سليمان، محمود سلطان، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد العيادي، إيمى الأشقر، إياد محمود حسين ، الهادي المثلوثي، سامر أبو رمان ، علي عبد العال، مجدى داود، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صالح النعامي ، د - صالح المازقي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عراق المطيري، د - محمد بن موسى الشريف ، سلام الشماع، د. صلاح عودة الله ، صفاء العراقي، صلاح الحريري، فهمي شراب، عواطف منصور، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عمر غازي، حسن الطرابلسي، د. عبد الآله المالكي، حميدة الطيلوش، ماهر عدنان قنديل، رضا الدبّابي، د. طارق عبد الحليم، أشرف إبراهيم حجاج، سليمان أحمد أبو ستة، محمد شمام ، د- هاني ابوالفتوح، سيد السباعي، أحمد ملحم، حاتم الصولي، محمد الطرابلسي، رافع القارصي، فتحي العابد، المولدي الفرجاني، رشيد السيد أحمد، الناصر الرقيق، محمد أحمد عزوز، أ.د. مصطفى رجب، يحيي البوليني، عبد الله زيدان، د - المنجي الكعبي، رافد العزاوي، حسن عثمان، د - محمد بنيعيش، فتحـي قاره بيبـان، د - عادل رضا، ضحى عبد الرحمن، كريم السليتي، سامح لطف الله، سعود السبعاني، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي الزغل، أحمد الحباسي، محمود طرشوبي، د- محمد رحال، مراد قميزة، صلاح المختار، محرر "بوابتي"، يزيد بن الحسين، ياسين أحمد، رمضان حينوني، علي الكاش، صباح الموسوي ، وائل بنجدو، عزيز العرباوي، سفيان عبد الكافي، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أبو سمية، سلوى المغربي، د - مصطفى فهمي، د- جابر قميحة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الهيثم زعفان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة