يمكن أن نحدد ثلاثة أنواع من الحروب الدعائية التي شنها الإعلام الأمريكي المحتل والإعلام الموالي له عند غزوه للعراق، على أن هذه الحروب تتداخل فيما بينها ويتكامل أحدها مع الآخر؛ فهي منظومة دعائية متكاملة. وهذه الأنواع هي: الحرب النفسية، وحرب الشائعات، وحرب المصطلحات. وسنعرِّج بالحديث عن هذه الحروب من حيث التنظير والتمثيل من واقع المعركة الجهادية في العراق، ثم نعقب ذلك بتقديم آلية مواجهة هذه الحرب الدعائية من خلال الإعلام الجهادي.
أولاً: الحرب النفسية:
يعرِّفها (بول لينبارجر) في كتابه (الحرب النفسية) بأنها: استخدام الدعاية ضد العدو مع إجراءات عملية أخرى ذات طبيعة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية مما تتطلّبه الدعاية. والدعاية عنده: هي استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الإعلام بقصد التأثير على عقول أو عواطف مجموعة معادية أو محايدة أو صديقة، وذلك لتحقيق هدف استراتيجي أو تكتيكي معيّن[1].
مما سبق ندرك أن وسائل الإعلام تقوم بالدور الرئيسي في الحرب النفسية، حتى يمكن وصفها بأنها حرب وسائل الإعلام؛ ففي الحرب الباردة بين موسكو وواشنطن نجدُ أن إذاعة موسكو قامت ببناء ألفي وحدة إرسال بهدف التشويش على إذاعة صوت أمريكا. وبالفعل تمكنت هذه الوحدات من بث 2200 ساعة بـ 86 لغة مختلفة، وهو الأمر الذي أثار قلق مسؤولي إذاعة صوت أمريكا من احتمال فقدهم لعدد كبير من مستمعيهم، وهذا ما دفع الرئيس الأمريكي آنذاك (ريغان) إلى ضخ ملايين الدولارات ليكسر حاجز التشويش.
فالحرب النفسية تكاد تكون إعلاماً كما بيّنا سابقاً، فلا غرو أن تكون على صلة وثقى بالإعلام والدعاية وفنون الاتصال وأساليب الإقناع والتأثير على الجماهير، وخاصة أن الإعلام غدا عِلماً تُنشأ له كُلياته. ولذا كلما زاد خبير الحرب النفسية صلة بموضوع الإعلام ووعياً به وبالأدوات والوسائل والتكتيكات المتبعة فيه؛ كان أقدر على ممارسة الحرب النفسية وأكفأ في مغالبة الخصوم في هذا الميدان.
• الحرب النفسية والجهاد في العراق:
في الحرب على العراق بادرت أمريكا إلى شنِّ حربها النفسية واستطاعت أن تسيطر عليها، مما مهّد لها أن تكسب المعركة عسكرياً بسرعة فاجأت الجميع، ومنهم قادة الحرب، واستطاعت أن تسقط النظام والدولة العراقية، ومن ثم احتلال بغداد في يومين بعد تسعة عشر يوماً من بدء العمليات العسكرية.
وبعد التاسع من نيسان 2003 بدأت معركة جديدة لم تكن في حسبان القيادة الأمريكية، تميزت بأن خصمها الجديد يستند إلى عقيدة دينية، وهذا ما كانت تخشاه، مما جعلها تسارع إلى إعداد جديد لحرب نفسية تتطلب جهداً كبيراً وإقناعاً ليس من السهولة تحقيقه.
ومما ينبغي الاعتراف به أن الجهاد في العراق يواجه حصاراً إعلامياً فرضته الآلة الإعلامية الأمريكية، التي ألزمت نقل المادة الإعلامية عن طريق الانضمام إلى فريقها الإعلامي، وألا تتحمل مسؤولية سلامته. وأول ما عملت عليه قوات الاحتلال في حربها النفسية ضد المجاهدين والمقاومة الوطنية هو تشويهها وافتراء الأكاذيب عليها، وأول تلك المزاعم هي القول بأن المقاومة هي من بقايا النظام السابق الساعي إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وحاولت أن تحمِّل المقاومة تبعات كل ذلك. وبعد إعلان بعض المجاميع الجهادية عن هويتها؛ روجت الوسائل الإعلامية مصطلح (المثلث السني)، الذي أريد منه حصر المقاومة بفئة أشيع أنها الجهة التي انتفعت من النظام السابق وهم العرب السنة، وكذلك حصرها في منطقة جغرافية ضيقة، أصبحت فيما بعد هدفاً أوسع للعمليات العسكرية والإبادة. وعندما تهاوى هذا الأمر أيضاً بسبب توسُّع المقاومة ودخول أطياف أخرى، فضلاً عن سقوط دعوى الأغلبية الشيعية وخاصة بعد الانتخابات الأولى؛ كان لا بد من إثارة شبهة أخرى تجلَّت بدعوى المقاتلين الأجانب وتهويل شأنهم، وحصر القتال بهم، وما تبعه من ترويج مصطلح الإرهاب وما صاحبه من عمليات استهدفت الأبرياء بصورة وحشية.
لا يرتاب أحد بضلوع دوائر مخابراتية لدول لها مطامع ونوايا سيئة في العراق، وهدفت قوات الاحتلال من ذلك إلى تشويه المقاومة الجهادية والتقليل من شأنها أولاً، وإلى حشد الدعم الدولي والدعم الداخلي في الولايات المتحدة لغرض تبرير استمرار الاحتلال، وتخصيص الأموال الطائلة التي تجاوزت كل التوقعات. كما استغلتها القوى الموالية للاحتلال والمعادية للمقاومة داخل العراق لتبرير منهجها وتحالفها مع الاحتلال؛ لتقدم نفسها على أنها البديل الأوفى الذي يستحق التعامل معه من بين القوى العراقية. وتمادياً في تغييب الجانب العراقي في الجهاد والمقاومة؛ ردد الإعلام الأمريكي والإعلام المنقاد له بعدم وجود مشاريع سياسية لهذه المجاميع وعدم وجود قيادات معلنة، وكذلك إثارة مصطلح المقاتلين الأجانب. ولا يخفى على مطَّلع أسباب عدم إعلان القيادات الجهادية عن نفسها لدواعٍ أمنية، وخاصة أنها تخوض حرب مدن مع قوات الاحتلال والقوات الموالية لها مع انتشار الجواسيس والعملاء والمكافآت المغرية، ثم الترويج لمصطلح الإرهاب واتهام الناس به، وكذلك اعتقال التجار بتهمة دعم الإرهاب.
ومن أشد أساليب الحرب النفسية التي انتهجتها القوات الأمريكية والتي وجهتها للذين يؤيدون الجهاد ويدعمون المقاومين؛ تدميرُ المدن المقاومة، وتهديم البيوت على ساكنيها من خلال عمليات عسكرية واسعة وبمشاركة القوات العراقية الموالية لها، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياًً، واعتقال الآلاف من أبنائها حتى النساء والأطفال، والتعذيب الوحشي غير الإنساني وغير الأخلاقي بحق المعتقلين من أجل المساس بكرامتهم وإذلالهم أمام أهاليهم .
وما زادت الحرب النفسية المجاهدين إلا ثباتاً وإصراراً، وشهدت الساحة العراقية تصعيداً في العمليات الجهادية، مما أحرج قيادة الاحتلال الأمريكي وكذلك الحكومة العراقية، فجاءت فكرة التشويه الإعلامي للمجاهدين؛ فكانت فضائح سجن (أبي غريب) التي جاءت مباشرة بعد هزيمة القوات الأمريكية في موقعة الفلوجة الأولى (نيسان 2004م)، وكذلك برنامج (الإرهاب أمام العدالة) سيئ الصيت الذي امتلأ بالأكاذيب، والذي يدفع الشخصيات الدينية للاعتراف بأمور سيئة لم يرتكبوها، ثم تمادت وسائل الإعلام الموالية للاحتلال في تشويه المواقف الوطنية فضلاً عن الجهادية من خلال الإعلانات التي تبثها.
وما دامت معركتنا مع أمريكا متواصلة فلا بد لنا أن ندرك نهج أمريكا في حربها النفسية تجاه الحركات والجماعات الإسلامية، وخاصة المقاومة، والذي يتجلى من خلال التضييق الاقتصادي عليها، واتهامها بمناهضة الحرية وأنها جماعات استبدادية قمعية وحركات دينية راديكالية (تشبيه ذهني بالقرون الوسطى)، وأنها منعزلة عن العالم وخارجة عن الشرعية الدولية، وأخيراً أنها إرهابية.
ثانياً: حرب الشائعات:
يعرِّف الإعلاميون الشائعة بأنها: الترويج لخبر مختــلق لا أساس له من الواقع، أو تعمد المبالغة أو التهويل أو التشويه في سرْد خبر فيه جانب ضئيل من الحقيقة، وذلك بهدف التأثير النفسي في الرأي العام المحلي أو الإقليمي أو النوعي، تحقيقاً لأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية على نطاق دولة، أو عدة دول، أو النطاق العالمي بأجمعه[2].
• خطورتها:
يعد علماء الحرب النفسية الإشاعةَ من أهم الأسلحة التي يُلجأ إليها في الحرب داخلياً وخارجياً؛ لأنها تثير عواطف الجماهير وتعمل على بلبلة أفكارهم، وتثير فيهم الشكوك والريب، وتحطم معنوياتهم، وتفقدهم الثقة بأنفسهم وبقادتهم، وتنشر الفتن والضغائن بين الطوائف والطبقات، وكل ذلك من العوامل التي تفكك وحدة الأمة وتصدّع كيانها[3].
• أنواعها:
- شائعة الأماني: دافعها الرغبة في تحقيق الرغبات والأماني؛ فتنتشر هذه الشائعة بسرعة بين الناس؛ لأنها تشعرهم بالرضا وتشبِع فيهم هذه الرغبات.
وخطورة هذه الشائعة في انتشارها عند أوساط الذين يميلون إلى الدعة والرخاء. ومن أمثلتها في الحرب الأمريكية على العراق: (شائعة التحرير والديمقراطية)؛ فهذه الشائعة روّجت لها الآلة الإعلامية للقوات الأمريكية للعراق قبل بدء المعركة، وادعت أن العراقيين سوف يستقبلون القوات التي تحررهم من النظام السابق بالورود والأفراح. وفعلاً صوّرت وسائل الإعلام ذلك بالتنسيق مع مواليهم الذين جاؤوا معهم، وسُمي الحدث تحريراً، والقوات محرِّرة، وعاش الناس في أحلام الديمقراطية والمساواة والتعمير. ووسائل الإعلام تزين ذلك من أجل امتصاص ردة الفعل، ولم ينجُ من هذه الشائعة إلا المجاهدون ومؤيدوهم، ثم انكشف زيْف هذه الشائعة للعالم أجمع ومنهم المروجون لها، بل بدؤوا يتندرون بها.
- شائعة الكراهية: دافعها التعبير عن شعور الكراهية والبُغض. وخطورة هذه الشائعات أنها تساعد على نشر الخصومة والبغضاء بين فئات الشعب وبين المجاهدين، بل بين المجاهدين أنفسهم. ويمثل لها بـ (شائعة الإرهاب والاستهداف الطائفي)؛ فقد تصدرت هذه الشائعة وسائل إعلام العدو وحلفائه، وخاصة بعد تصاعد وتيرة الأعمال الجهادية وتزايد الدعم والتأييد الشعبيين لها، ليس على مستوى العراق وإنما على مستوى العالم العربي والإسلامي والدولي. ومما زاد الترويج لهذه الشائعة تصاعد الأعمال الإجرامية ضد الأبرياء والأطفال، وكان الهدف منها تشويه العمل الجهادي، وتقليل الدعم والتأييد الشعبي له بل تخويف الناس منه، وخاصة بعد ترتيب المساءلة القانونية على ذلك[4].
- شائعة الخوف والقلق: دافعها سيطرة الخوف والقلق على الناس. فالإنسان في حالة الخوف والقلق مستعِدٌّ لأنْ يتوهم أموراً كثيرة لا أساس لها من الصحة.
وتسبِّب الشائعة التي تستند إلى ذلك أضراراً جسيمة؛ لأنها تعمل على نشر الخوف وإشاعة الذعر في الناس، وإذا استولى الخوف والذعر على الناس ضعفت معنوياتهم وانهارت ثقتهم بأنفسهم. ويمثل لها بـ (شائعة الحرب الأهلية)؛ فبعد الفشل السياسي الذي منيت به العملية السياسية التي ترعاها الإدارة الأمريكية في العراق، وانكشاف المأزق الأمريكي؛ سَعَتْ إلى ترويج شائعة الحرب الأهلية. وليس تأثيرها على الوسط الشيعي بقدر ما سعت إلى ترويجها في أوساط أهل السنة؛ لدفعهم إلى المشاركة في العملية السياسية، ومن ثم كسب رضاهم في إبقاء قوات الاحتلال؛ فهي أهون عليهم من فِرق الموت والميليشيات الطائفية، وكذلك فتح جبهة واسعة أمام المجاهدين، وإضافة تحدٍّ جديد أمامهم تذمّر من وجوده أهل السنة وطالبوا المجاهدين بصده. لذا؛ على المجاهدين أن يحرصوا على تأكيد عدم قيام حرب أهلية بالمفهوم الشعبي، وحتى إن كان الصراع السياسي قائماً.
• مقاومة الشائعات:
إن مقاومة الشائعات لا بد أن تكون بأساليب مؤثرة، ومنها: عدم الاستماع للأخبار غير الموثوقة، وعدم تداول الإشاعة أو نقلها، وتوعية العناصر والقادة والأنصار، وتحصينها ضد الحرب النفسية، والتفتيش عن مصدر الخبر قبل نقله وتداوله، والتشكيك والسخرية من الأخبار المشكوك بها، وتفنيد الإشاعة بإظهار الحقيقة، والوثوق بالقادة وبالقنوات الرسمية، ومشاغلة نظر المخاطبين.
ثالثاً: حرب المصطلحات:
حرب المصطلحات امتداد آخر للحرب النفسية في الحروب عموماً، وفي إعلام الحرب خصوصاً. كما أن المصطلحات تلعب دوراً مهماً في رسم السياسات وفي افتعال الأزمات؛ فنجد مصطلحاً واحداً له تداعيات وآثار يؤدي إلى حروب دولية، وإلى صراعات حضارية. ولسيطرة الغرب على الوسائل الإعلامية، لذا فإنه يعتمد سياسة التلاعب الاصطلاحي الذي يساهم في تغييب الحقيقة، وخلْقِ مساحة من الغموض تمكِّنه من تمرير ما يهدف إليه في النهاية[5]، وهذا يفرض التبعية الإعلامية له والتي لم يُكشف عنها إلا بشكل محدود[6].
لذا، على الإعلام العربي عموماً والإعلام الجهادي خصوصاً أن ينتبه إلى المصطلحات المتداولة في وسائل الإعلام الأخرى؛ فلا بد من تمحيص المصطلحات قبل استعمالها؛ فإذا كان المصطلح فيه ارتياب أو كان فضفاضاً يتسع لأكثر من احتمال فاتركه إلى غيره، وهذا هو المنهج القرآني في التعامل مع المصطلحات. يقول الله ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة: ٤٠١].
• سقوط النظام – سقوط بغداد - احتلال العراق :
سقوط النظام هو المصطلح الذي أخذ يمثل نقطة مفصلية في تاريخ العراق الحديث. والآلة الإعلامية للعدوان هي التي روجت لهذا المصطلح حتى شاع في الأوساط النظيفة من دون تروٍّ وتفكير. والأصل أن قوات الاحتلال لا تشيع مصطلحاً بريئاً.. هكذا ينبغي أن نتعامل معهم. نعم! نحن نعرف أن النظام سقط، ولكن التركيز على هذا المصطلح يحمل في طياته مخاطر كبيرة، منها:
1- اختزال جريمة الاحتلال المتمثلة بإسقاط دولة ذات سيادة وتدمير كل مؤسساتها بسقوط النظام.
2- أن استخدام هذا المصطلح يعني محاولة التستر على الأهداف الحقيقية للاحتلال.
3 - أن استخدام هذا المصطلح يعني أن المقاومة لا تدافع عن بلد اسمه «العراق» وإنما تقاتل من أجل «النظام». وفي هذا محاولة مكشوفة لإضعاف شرعية المقاومة وحرمانها من بعض التأييد.
والحقيقة أن المصطلح المتعارف عليه في مثل هذا الحال أن نقول: «سقوط بغداد»، لكن هذا المصطلح مؤلم وجارح للقلب، وربما هذا ما دفع بعض المخلصين أن يتحاشاه ويستخدم مكانه «سقوط النظام»؛ فهذا أهون على النفس. لكن الحقيقة أن بغداد قد سقطت بيد الغزاة.
ونحن نستغرب تأكيد لفظة (السقوط) مع أن تاريخنا حفِظ لنا مصطلحاً أطلقه المؤرخون على استيلاء الأعداء على الدول العربية والإسلامية في التاريخ المعاصر، وله دلالته القانونية؛ وهو مصطلح (الاحتلال)! لذا، من الأسلم أن نطلق على هذا الحدث الجلل احتــلال العــراق أو احتلال بغداد؛ ليتم تجاوز المخاطر التي تصاحب مصطلح سقوط النظام، وكذلك ليتم تفنيد المصطلح الذي روّجه أعوان المحتل وهو تسمية الحدث (تحرير العراق).
• كيف يواجه الإعلام الجهادي هذه الحروب؟
تتطلب مواجهة الحرب الدعائية النفسية للمحتل وأعوانه إيجاد مراكز أو مؤسسات إعلامية تدار من قِبَل المختصين الإعلاميين، الذين يبنون حربهم الإعلامية وفق آلية مدروسة ومخطط لها، وأن تقوم الخطط الإعلامية والدعائية للإعلام الجهادي على أسس علمية تعتمد تقسيم الجمهور المستهدَف والهدف من الرسالة الإعلامية، ومن ثم اختيار الوسيلة الإعلامية المناسبة لتوصيل تلك الرسالة إلى الجمهور.
ولا بد لهذا المخطط الإعلامي أن يقف على الأسس والمنطلقات الدعائية التي يستند إليها المخطط الدعائي للاحتلال وأعوانه، ليتسنى له بناء خططه في الرد على تلك الادعاءات وتفنيدها، واستخدام الوسائل الإعلامية المناسبة لإيصال الرسائل الإعلامية التي يراد إيصالها والتي سيتم تحديدها وفقاً للجمهور المستهدَف.
وبذلك فإن المجاميع الجهادية أو المؤازرين لها بحاجة إلى إنشاء مركز إعلامي موحد متخصص بالإعلام الجهادي يدار من قِبَل المختصين والأكاديميين من الإعلاميين، ويستعين بخبرات المحللين السياسيين والعسكريين.
ويمكن إجمال بعض المنطلقات الدعائية التي يستند إليها المخطط الدعائي للاحتلال وحكومته العميلة في العراق، كما يلي:
1 - الادعاء بأن حكومة العراق هي حكومة وطنية منتخبة من قِبَل الشعب وأنها تمثل أطياف الشعب العراقي كله.
2 - الادعاء بأن الذين يقومون بالعمليات المسلحة هم طرفان: الأول: من بقايا النظام السابق الذين يريدون العودة بالعراق إلى الحكم الدكتاتوري المستبِد، والذين لا يروق لهم أن يروا عراقاً ديمقراطياً تنُتَخَب حكومته من الشعب.والثاني: هم من المقاتلين العرب الذين قدموا من الخارج ويريدون تصفية حساباتهم مع أمريكا على أرض العراق، دون الاكتراث بالويلات التي لحقت بشعبه جراء هذا الصراع؛ فهم (صدّاميون أو تكفيريون).
3 - الادعاء بأن المجاميع المسلحة بدأت تنهار، وأن معظم المنتمين لها (وخاصة القياديين) قُتِلوا، أو قُبِض عليهم وزُجَّ بهم في السجون، وأنها مسالة وقت حتى ينتهي العمل المسلح ضد الاحتلال وأعوانه.
4 - الادعاء بأن الخطط الأمنية التي تنفذها القوات الحكومية وقوات الاحتلال تهدف إلى إحلال الأمن والسلام للمواطنين كافة، ولتخليصهم من الإرهابيين (التكفيريين والصداميين).
5 - الادعاء بأن المجاميع المسلحة تهدف إلى إحداث الفتنة الطائفية وجرِّ العراق إلى حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس؛ لكي يخلقوا الأجواء المناسبة لبقائهم؛ وأنهم يستهدفون المدنيين الأبرياء بعملياتهم.
6 - الادعاء بأن العشائر والأهالي في المناطق التي تحدث فيها الهجمات المسلحة على المحتل وأعوانه وقعوا أسرى بأيدي المسلحين الذين يسيطرون على تلك المناطق، وأن المسلحين يعرِّضون حياة المدنيين للخطر باختبائهم في المدن في أثناء مهاجمة قوات الاحتلال والقوات الحكومية التابعة لها، وأن القوات الحكومية ـ وبإسناد من قوات الاحتلال ـ سوف تقوم بتحريرهم من هؤلاء الإرهابيين.
7 - الادعاء بأن المجاميع المسلحة المقاوِمة لمشروع الاحتلال ترتبط بمخابرات دول أجنبية؛ لها أجندات تريد تحقيقها على أرض العراق، ومن ثم هم لا يكترثون بشعب العراق واستقرار أمنه ووحدة أراضيه.
8 - الادعاء بأن المجاميع المسلحة التي تقاوم مشروع الاحتلال ليس لديها رؤية واضحة لمستقبل العراق وليس لهم برنامج سياسي، وهم لا يستطيعون قيادته، والهدف من أعمالهم المسلحة هو إحداث الفوضى للحيلولة دون استقرار العراق.
بعد ذلك يمكننا أن نضع السياسة الإعلامية التي يمكن من خلالها الرد على تلك الافتراءات ومجابهتها إعلامياً، وذلك وفقاً لما يأتي:
1 - تأكيد أن هذه الحكومة هي حكومة عميلة للمحتل قام بتنصيبها تحت تهديد السلاح والاحتلال المباشر وبإجراء انتخابات زائفة، وتسعى هذه الحكومة إلى تحقيق أهداف المحتل في بناء نموذج لدولة موالية للمحتل وحليفة له في حربه على الإسلام والمسلمين.
2 - تأكيد أن المقاومة الجهادية هي من أبناء هذا البلد الخيرين المدافعين عن بلدهم والذين رفضوا وقاوموا مشروع المحتل وتصدوا له؛ وأنهم الممثلون الحقيقيون لإرادة العراقيين الرافضين للاحتلال ومشاريعه، وأن المقاومة المسلحة لا تدين بالولاء إلا لله ثم لبلدها، وأن أعمالهم المسلحة تهدف إلى تحرير العراق من الاحتلال ومرتزقته، وبناء دولة العراق التي يختار شكلها أهل العراق دون تدخل خارجي.
3 - تأكيد أن المجاميع الجهادية تزداد قوة في العدة والعدد، وأنها قوات منظمة أربكت المحتل وعطلت مشاريعه في العراق من خلال مقاومتها المسلحة له؛ وخير دليل على ذلك هو الخسائر اليومية التي يُمنى بها المحتل وأعوانه، والضربات الموجعة التي توجهها المقاومة للمحتل والتي تزداد يوماً بعد يوم، مما أحرج المحتل وأعوانه وجعلهم يتخبطون في اتخاذ القرارات وأحرجهم أمام شعوبهم، لِكونهم خسروا الحرب في العراق بعد أن وعدوا شعوبهم بالنصر الناجز.
4 - تأكيد أن المجاهدين يتبرؤون من كل عمل يتنافى مع الجهاد، وأن المحتلين وأعوانهم هم (الصليبيون والمتصهينون والصفويون والعملاء والخونة) الذين التقت مصالحهم على حرب العراق وإبادة شعبه.
5 - تأكيد أن الخطط الأمنية والعمليات العسكرية التي تقوم بها الحكومة ـ وبإسناد من قوات الاحتلال ـ تستهدف المناطق السنية فقط، والهدف منها هــو اعتقــال أو قتل الرجال، والاعتداء على حرمات أهل السنة، والاعتداء عليهم بالسب والشتم وسب أصحاب رسول الله # من قِبَل القوات الحكومية، وتمهيد الطريق أمام الميليشيات الطائفية لتهاجم هذه المناطق وتقتل شبابها وتهجِّر أهلها بعد أن صادرت القوات الحكومية الأسلحة وقتلت واعتقلت الرجال، والهدف من ذلك هو تمكين الصفويين من احتلال العراق بعد قتل وتهجير المسلمين لإقامة الدولة الصفوية الموالية للاحتلال.
6 - تأكيد أن المحتل بعد أن يـئس من مواجهة المقاومة المسلحة، يسعى إلى إشعال نار الحرب الأهلية على أسس طائفية، مستعيناً بأعوانه من رموز الحكومة الحالية والميليشيات المسلحة التي سعى إلى إطلاق يدها في العراق، وخير دليل على ذلك: أن أعمال القتل الطائفي تفاقمت بعد تفجير مرقدي سامراء وجاءت انتقاماً من أهل السنة والجماعة، وتقوم بها أجهزة الدولة من مغاوير الداخلية وقوات الحرس الحكومي والميليشيات الطائفية التابعة لتلك الحكومة، مثل: ميليشيات جيش المهدي، وميليشيات فيلق بدر، وغيرها.
7 - تأكيد العلاقة المتينة بين المقاومة الجهادية وأهالي المناطق التي تحدث فيها المقاومة المسلحة، وأن الناس يقومون بواجبهم تجاه دينهم وبلدهم، ويقدمون الدعم للمقاومة الجهادية المنضبطة بالمال والسلاح والمعلومات.
8 - تأكيد أن المقاومة الجهادية تحرص على أن تجعل عملياتها بعيدة عن المدنيين، وأن معظم العبوات التي تنفجر بين المدنيين هي من طرف المحتل أو من الحكومة، وهي تهدف إلى إيقاع الفتنة بين المقاومة الجهادية وأهلهم من المدنيين، وأن المقاومة تحتكم إلى الشرع الإسلامي في كل عملها.
9 - تأكيد أن المقاومة الجهادية المسلحة تهدف إلى تحرير العراق من الاحتلالين: الأمريكي المتصهين، والإيراني المتنفذ بالصفويين، وأنها لا ترتبط بأية جهة أجنبية، وأن الحكومة الحالية هي حكومة موالية لإيران؛ لكونها تتألف من كتل سياسية نشأت وترعرعت في إيران، ومن ثم فهي تنفِّذ رغبات إيران ومخططاتهم في القضاء على المسلمين ونشر الفكر الصفوي بما يسمى بـ (تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية)، وبناء الإمبراطورية الفارسية التي تمتد من بلاد فارس حتى العراق وسورية ولبنان وشمال السعودية.
بعد تحديد المنطلقات الدعائية التي يستند إليها المخطط الدعائي للاحتلال وأعوانه وكيفية الرد على تلك المنطلقات وتفنيدها؛ لا بد للمخطط الإعلامي الذي يشرف على إعلام المقاومة الجهادية من اختيار الوسيلة الاتصالية المناسبة لإيصال تلك الرسائل إلى الجمهور.
نسأل الله ـ تعالى ـ أن نكون قد وُفقنا في عرض هذا الأمر، وأن نتنبّه جميعاً لخطورته وللمسؤولية التي يجب أن يتحملها الإعلاميون؛ أداءً لرسالتهم وخدمةً لقضايا أمتهم، والله الموفق.
----------------------------------------
عبد الرحمن سلوم الرواشدي: المشرف العام على وكالة حق الاخبارية.
[1] الحرب النفسية، د. أحمد نوفل، ص 34.
[2] الرأي العام والحرب النفسية، د. مختار التهامي، ص 127.
[3] الرأي العام وتأثره بالإعلام والدعاية، ص 176.
[4] انظر: قانون الإرهاب، رقم 14، الصادر عن الحكومة في العراق.
[5] من فقه المقاومة، د. محمد عياش.
[6] مسؤولية الإعلام الإسلامي في ظل النظام العالمي الجديد، رشدي شحاتة، ص 258.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: