تونس مستودع للمهاجرين.. خطط أوروبية رفضها السبسي وقبلها سعيّد
محرر نون بوست المشاهدات: 598
قبل سنة من الآن، توصلت الحكومة البريطانية إلى صفقة مع نظيرتها الرواندية، تقضي بترحيل مهاجرين وطالبي لجوء دخلوا البلاد عبر القنال الإنجليزي، إلى رواندا لتوطينهم هناك، نظير 120 مليون جنيه إسترليني.
هدفت هذه الصفقة حينها إلى التخلص من اللاجئين وطالبي اللجوء في بريطانيا، ونقلهم إلى أماكن إيواء أخرى، بما يخفف الضغط على الداخل البريطاني، اقتصاديًا واجتماعيًا، في ظل تصاعد الأصوات الرافضة لسياسة البلاد في استقبال المهاجرين، وهي السياسة التي كانت محط تقدير كبير طيلة العقود الماضية.
عرف هذا القرار في البداية، انتقادات حقوقية عديدة، من منظمات إقليمية ودولية على رأسها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي وصفت الصفقة بأنها "انتهاك للقانون الدولي"، لكن الأوروبيين لم يتوقفوا، فقد اقترحت ألمانيا مثل هذه الخطة ووضعتها على طاولة القادة الأوروبيين مرة أخرى.
اقترحت ألمانيا خطة مشابهة، لكنها لم تعلن عن الدولة الثالثة التي سيتم ترحيل اللاجئين إليها، وتبنى الأوروبيون جزءًا كبيرًا من الخطة في قمتهم التي عقدت قبل أيام قليلة على مستوى وزراء داخلية الاتحاد، دون أن يفصحوا هم أيضًا عن الدولة الثالثة.
لعلهم لم يتفقوا حينها على اسم تلك الدولة، لكن مع الأيام ظهرت نيتهم، فالأعين كانت متجهة إلى تونس التي يعاني اقتصادها من أزمات عديدة، ويحكمها شخص واحد يمكن الوصول إلى اتفاق سريع معه، وهو ما يُفسر الإنزال الأوروبي في هذا البلد العربي.
ترحيل طالبي اللجوء
أمس الأحد، زار تونس 3 من قادة الاتحاد الأوروبي لبحث ملفات عدة أبرزها مكافحة الهجرة غير النظامية، وهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني ورئيس وزراء هولندا مارك روته.
أجرى القادة الثلاث مباحثات مع الرئيس التونسي قيس سعيد، بشأن التعاون في مجالات الاقتصاد والطاقة، لكن ملف الهجرة كان على رأس الأولويات، فقد تصدر هذه المباحثات وكلام القادة الأوروبيين عقب انتهاء الزيارة السريعة.
جاءت هذه الزيارة، بعد أقل من أسبوع على زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية لتونس، وبحثت مع سعيد في تلك الزيارة الخاطفة تصاعد الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط إلى سواحل إيطاليا خلال الأشهر الأخيرة.
كما قلنا في البداية، فإن هذه الزيارات المتتالية للقادة الأوروبيين تأتي بعد أيام قليلة من توصل دول الاتحاد إلى اتفاق بشأن حق اللجوء ينص خصوصًا على إعادة طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم إلى بلدانهم الأصلية أو إلى بلد عبور يعد "آمنًا".
ينص الاتفاق الأوروبي الأخير على تسريع عمليات الترحيل وتسهيل إعادة المهاجرين غير النظاميين إلى بلدانهم، أو إلى بلد ثالث تختاره الدولة الأوروبية وفق ما تراه صالحًا، في مسعى من الأوروبيين للتعامل بسرعة مع طلبات اللجوء.
يتم ذلك، عبر معالجة مطالب اللجوء فورًا على الحدود وتسهيل إعادة أولئك الذين رُفضت طلباتهم، ويعطي الاتفاق للسلطات صلاحيات منع اللاجئين من دخول الأراضي الأوروبية في حال رفضت طلبات لجوئهم وترحيلهم مباشرة.
ونص الاتفاق على ضرورة وجود "صلة" بين طالب اللجوء المرفوض و"الدولة الثالثة الآمنة"، فمن الناحية العملية يجب أن يكون المهاجر "أقام" أو "استقر" في ذلك البلد، أو أن يكون لديه أفراد من العائلة يعيشون هناك.
رأت بعض الدول الأوروبية على غرار ألمانيا ضرورة إعفاء العائلات التي لديها أطفال والقصّر غير المصحوبين بذويهم من الإجراءات الحدودية الجديدة الأكثر صرامة، لكن في النهاية تم إدراجهم أيضًا في سياسات الحدود الجديدة، رغم أن ذلك لا يتماشى مع اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
سبب اختيار تونس
لم يستقر الأوروبيون على اسم الدولة الثالثة - التي يجب أن تعد "آمنة" وفق المعايير التي وضعوها في هذا الشأن - لإرسال المهاجرين وطالبي اللجوء إليها، لكنهم يعتقدون أن تونس يمكن أن تلبي حاجتهم، فهي الأقرب إلى السواحل الجنوبية لأوروبا.
كما أنها الدولة الأكثر إرسالًا للمهاجرين من شواطئها، إذ تحولت الشواطئ التونسية إلى مقصد طالبي اللجوء الذين يتحينون الفرصة لخوض المغامرة على قوارب الموت للوصول لإحدى الدول الأوروبية، اعتقادًا منهم أن الحياة الكريمة تكمن هناك.
ليس هذا فحسب، فما يرجح كفة تونس، هو شخص سعيد، فالأوروبيون يبحثون عن شخص يمسك بزمام الأمور في البلد المعني، دون الحاجة للتفاوض مع الحكومة أو البرلمان أو إقناع المنظمات الحقوقية هناك، وهذا ما ينطبق فعلًا على حالة تونس.
يمسك سعيد بكل السلطات في تونس، ولا سلطة لغيره هناك، إذ اعتقل زعماء المعارضة وزج بهم في السجن ودجن الإعلام الخاص ووضع يده على الإعلام العمومي الذي أصبح إعلامًا حكوميًا ناطقًا باسم رئاسة الجمهورية، كما أقصى المنظمات الوطنية من ساحة الفعل.
في ظل حكم قيس سعيد فإن الطريق سهل أمام الأوروبيين لتنفيذ خططهم في تونس، خاصة أنهم حاولوا قبل ذلك إقناع الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي بهذا الأمر، لكن السبسي رفض خططهم خوفًا من الاحتجاجات الشعبية وأيضًا لعدم قدرته على تمرير مثل هذه الخطط في ظل تقاسم الحكم مع قصري باردو والقصبة.
من النقاط الأخرى التي اعتمد عليها الأوروبيون في اختيارهم لتونس، الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، فهي نقطة يُحسن الأوروبيون استغلالها لابتزاز تونس والقبول بخططهم دون أي شروط مسبقة، فلا حل آخر أمامها.
نفهم ذلك من خلال تركيز الأوروبيين في زيارتهم أمس لتونس على الجانب الاقتصادي، حيث جرى الإعلان عن تخصيص 100 مليون يورو (نحو 107 ملايين دولار) لتونس لإدارة الحدود وعمليات البحث والإنقاذ ومكافحة التهريب وقضايا الهجرة.
كما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن الاتحاد الأوروبي مستعد لحشد 900 مليون يورو من المساعدات للاقتصاد الكلي في تونس، بالإضافة إلى 150 مليون يورو فور التوصل إلى اتفاق في هذا الجانب.
جاءت هذه الوعود في وقت يشهد فيه الاقتصاد التونسي صعوبات عديدة، في ظل عدم توصل السلطات لاتفاق مع صندوق النقد للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار (الدولار يساوي 3 دنانير) بسبب رفض الرئيس قيس سعيد لما يعتبرها إملاءات خارجية من أجل رفع الدعم الحكومي عن المواد الأساسية.
وكانت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني قد خفضت نهاية الأسبوع الماضي تصنيف الديون التونسية إلى درجة أعمق في النطاق "السلبي"، ما يهدد بتخلفها عن سداد القروض ويعمق أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.
رفضها السبسي وقبلها سعيد
قبل يوم من زيارة القادة الأوروبيين لتونس، قال قيس سعيد، إن بلاده لن تقبل أن تكون حارس حدود لدول أخرى، وأضاف خلال زيارة أداها لمدينة صفاقس الساحلية "الحل لن يكون على حساب تونس، لا يمكن أن نقوم بالدور الذي يفصح عنه بعضهم ويخفيه البعض الآخر، لا يمكن أن نكون حرسًا لدولهم".
لكن ليس كل ما يُقال علنًا يمثّل الحقيقة، وليس كل ما يُقال سيطبق، إذ يبدو أن نظام سعيد قَبِل بالخطط الأوروبية في انتظار تفاصيل الصفقة، حتى إنه بدأ التطبيق فعلًا، فقد دعا الرئيس التونسي قبل أسابيع إلى تشديد القيود وتطبيق القوانين بصرامة على المهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء المقيمين في تونس بطرق غير شرعية.
في هذا الإطار، كثفت القوات الأمنية التونسية حملاتها ضد المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول جنوب الصحراء، وشددت الرقابة على السواحل التونسية، ما أدى إلى منع مئات القوارب من عبور الساحل التونسي نحو إيطاليا.
ووفقًا لبيانات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فقد تم خلال الربع الأول فقط من العام الحاليّ منع 14 ألفًا و963 شخصًا من مغادرة تونس عن طريق البحر، وحسب المصدر نفسه، فقد تم تسجيل 534 ضحية ومفقودًا في حوادث غرق قوارب المهاجرين في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مايو/أيار الماضيين.
التصدّي لعمليات الهجرة بدأ بالفعل، فقوات الأمن التونسية منتشرة على طول السواحل لمنع قوارب الهجرة من التوجه نحو السواحل الأوروبية، والمطلوب الآن حسن معاملة المهاجرين فوق التراب التونسي، فإقامتهم ستطول أكثر، إذ إن تونس لم تعد دولة ممر وإنما دولة مستقر.
تنص الصفقة الجديدة على تكثيف تونس عمليات منع الهجرة من سواحلها، وأيضًا السماح للمهاجرين غير النظاميين بالاستقرار هناك والعمل لمن أراد البقاء دون التضييق عليه، إلى جانب استقبال بعض المرحلين الذين ثبت انطلاقهم من تونس.
لن يجد الأوروبيون صعوبات كبيرة في الوصول إلى اتفاق مع النظام في تونس في هذا الخصوص، ذلك أن سعيد واقع في أزمة حكم وعزلة، والاتفاق مع أوروبا، مهما كان موضوعه، يشعره بانفراجة، وهل يوجد ما هو أسهل من التضحية باللاجئين والمهاجرين؟
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: