“ليسوا مثلنا”.. لهذا يتجاهل الغرب الحرب الإسرائيلية على نساء غزة
نسرين مالك المشاهدات: 297
في بعض الأحيان، تكون الكارثة كبيرة جدًا لدرجة أن تفاصيلها تُطمس. فبالإضافة إلى عدد القتلى والنازحين في غزة، كان الصراع قاسيًا بشكل غير متناسب بالنسبة للنساء والفتيات. في “انعكاس قاس” لتاريخ هذا الصراع، صرّحت رئيسة هيئة الأمم المتحدة للمرأة لوكالة أسوشيتد برس، بأن النساء والأطفال تحملوا وطأة الحرب.
هناك تفاصيل لا يسبر غورها، فهناك حوالي 50 ألف امرأة حامل في غزة، وقد صُنفت 40 بالمائة من حالات الحمل هذه على أنها عالية الخطورة، بتسجيل 180 ولادة يوميًا. لقد دُمرت كامل البنية التحتية للرعاية الصحية. وحسب المنظمة: “لا يوجد طبيب أو قابلة أو ممرضة لدعم النساء أثناء المخاض. ولا يوجد مسكنات للألم أو تخدير أو مواد نظافة عندما تلد النساء”.
يولد الأطفال على الأرض في البرية، وتُقطع الحبال السرية بأي أداة حادة في متناول اليد، وتستخدم العلب المملوءة بالماء الساخن في الحفاظ على دفء المولود الجديد. تُجرى العمليات القيصرية، التي تكون مؤلمة حتى عندما تكون الأدوية وفيرة، دون أي تخدير على الإطلاق من قبل الجراحين الذين ليس لديهم أي ماء لغسل أيديهم، ناهيك عن تعقيمها، ولا مضادات حيوية لأي التهابات ناتجة. ووفقًا لتقارير واشنطن بوست، أجريت عمليات قيصرية على النساء بعد الوفاة في بعض الحالات.
عندما تنجو الأم والطفل في هذه الظروف المستحيلة، يواجهون النزوح والجوع بينما يرضعن أطفالا يذرفون دموعًا مؤلمة ومصابين بجروح ويعانون من سوء التغذية. وكان على النساء الحوامل أن يقطعن رحلة طولها 20 ميلاً من الشمال إلى الجنوب في غزة، في ظروف تقول اليونيسف إنها “تتجاوز عتبة المجاعة”، وهي مثيرة للقلق بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بمصير عشرات الآلاف من النساء الحوامل والمرضعات، اللاتي يستهلك غالبيتهن نوعًا واحدًا أو نوعين فقط من الطعام.
لا تستطيع الأمهات الحصول على ما يكفي من الغذاء والمياه النظيفة لإرضاع أطفالهن، وعندما يتوفر حليب الأطفال في مخيمات النازحين، فإن العثور على المياه النظيفة يشكل تحديا يوميًا. وفي كانون الأول/ ديسمبر، لم يقع غسل الأطفال الذين ولدوا في مخيمات النازحين بعمر شهر واحد. وجاء في تقرير لقناة سي إن إن في تشرين الثاني/ نوفمبر: “إن العديد من جوانب الأمومة، التي كانت في السابق روتينية، أصبحت الآن مسألة حياة أو موت”.
تعتبر النساء اللاتي يصلن إلى تلك الولادات المؤلمة غير المدعومة وما يتبعها من مخاطر محدقة محظوظون. وبعد أسابيع فقط من بدء الحرب، وردت تقارير عن ارتفاع حالات الإجهاض والإملاص بنسبة 20 بالمائة. ومع نزوح ما يصل إلى 85 بالمائة من سكان غزة في الوقت الحالي، واستقرار أعداد كبيرة في المخيمات، فإن الحجم الحقيقي لوفيات الأمهات ووفيات الرضع وأزمة فقدان الحمل هو بالتأكيد أكبر مما تشير إليه تقارير المساعدات والمنظمات الإخبارية. لكن ما تمر به الفتيات والنساء لا ينتهي عند هذا الحد.
في مخيم تبلغ مساحته 5 كيلومترات مربعة في رفح، لا يُسمح بدخول أي مساعدات، مما يؤدي إلى تجويع السكان بحرمانهم من الغذاء والإمدادات الطبية ومنتجات النظافة والمنتجات الصحية. ونظرًا لعدم توفر منتجات الدورة الشهرية، تضطر النساء بعد الولادة أو بسبب الإجهاض، وكذلك النساء والفتيات في فترة الحيض، إلى استخدام خرق من نسيج الخيم والملابس والمناشف، مما يزيد من خطر العدوى والصدمة التسممية. وهناك حمام واحد يستخدمه 2000 شخص ومرحاض واحد لكل 500 شخص.
كان من المثير للاستياء أن نكون في تيار الخطاب النسوي السائد خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع ظهور كل هذا. ومن المثير للدهشة أن نشاهد الأمر يدور حول ترشيحات فيلم باربي الذي لم يكن ظاهريًا مؤهلا لجوائز الأوسكار، والذي ساهمت فيه هيلاري كلينتون نفسها، بعد أن أعلنت اعتراضها على دعوات وقف إطلاق النار. بعض هذا مجرد طبيعة بشرية، حيث تملي سياقاتنا وثقافاتنا أولوياتنا المباشرة. ولكن هناك دوافع أخرى من غير المريح التفكير فيها ولكن من الصعب تجاهلها، والتي تقلل من التركيز على الوضع اللاإنساني والملح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالنساء والفتيات في غزة.
يُنظر إلى المرأة الفلسطينية على أنها لا تتقاسم هذا النوع من القيم التي يُطلب منها إنقاذها. وحقيقة تصويت غزة لصالح حماس قبل 18 عامًا قد نُشرت لإثبات أن هناك مسؤولية جماعية عن أفعال الحركة في 7 تشرين الأول/أكتوبر، وأنه لا يوجد أبرياء في القطاع. وفي دافع آخر، أصبح نظام القيم بأكمله في غزة موضع تساؤل من خلال إثارة إيديولوجيات مثل عدم احترام القطاع لحقوق مجتمع الميم. بالإضافة إلى التقارير عن العنف الجنسي أثناء هجوم حماس، يُنظر إلى هذه العوامل على أنها عوامل ينبغي أن تبطل التعاطف مع سكان غزة وتجعلهم موضع شك ومتحالفين مع حماس، في حين تعتبر إسرائيل الطرف الذي يتقاسم القيم التقدمية الليبرالية.
أظهرت رسالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز ردا على إلقاء بعض طلاب جامعة آيفي ليغ الأمريكية اللوم على إسرائيل في هجوم حماس هذا الانهيار. وتساءلت الرسالة: “ألم يدرك أتباع حماس العديدون في هارفارد وكولومبيا أن حماس تضطهد مجتمع الميم في غزة بوحشية، وتخضع النساء، وتُعذب المنشقين وتعدمهم دون محاكمة؟”. قد يثيرون حججا بسيطة منها: إنهم ليسوا مثلنا، وهم الذين بدأوا الهجوم.
هذه الحجة بمثابة سباق للهبوط إلى هاوية الإنسانية، وتعطي ترخيصًا لتشويه سمعة شعب بأكمله بأسوأ الجرائم، والتنازل عن مسؤولية التفكير النقدي والعاطفي حول الثقافات والسياسة التي شكلتها سنوات من الاحتلال والأزمات والحصار.
في الولايات المتحدة، صرحت إحدى الناخبات في البرنامج الإخباري “فايس ذي نايشن” بأنها تشعر بالقلق بشأن حقوقها الإنجابية، ولكن سيكون من “النفاق” استخدام هذه المخاوف لتبرير التصويت لصالح جو بايدن عندما يدعم الهجمات والحصار على السكان اللذين كان لهما تداعيات وتجارب كارثية على الأمهات في غزة. يبدو أن هذا النوع من الوضوح هو الطلب الأكثر إلحاحا في الوقت الحالي، وسط التأثيرات المتنافسة لضيق الأفق والقبلية والدعاية. لكن التفاصيل القادمة من غزة واضحة للغاية، ولا هوادة فيها، وقد يكون الآن الوقت المناسب للتفكير فيما تعنيه القيم التقدمية، سواء كانت نسوية أو غيرها، حقا إذا توقفت عند عتبة ما هو مألوف.
--------------
المصدر: الغارديان
ترجمة وتحرير: نون بوست
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: