فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2622
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
عملية الربط بفرنسا مسار زمني به حلقات عديدة، و في مستوى الضحية باعتباره هدف المسار كله، تتكثف باقي مراحل عملية الربط، ما يجعل طريقة تفاعل المتلقي ومحتوى تفاعله مع عملية التوجيه الذهني، العناصر المحددة لنجاح أو فشل عملية الربط بفرنسا
سنحاول فهم مسار الاستهداف في مستوى الضحية أي التونسي العادي، وهنا سننظر في مستوى المعنى (حاصل وهدف محتوى التوجيه الذهني) و المتلقي وتفاصيل تلك العملية
في مسار : الفهم، الإدراك والوعي
لنأخذ كنموذج للفهم معلقة إشهارية تتحدث عن سيارة، ماذا يحصل في مثل هذه الحالة
- أول الأمر هو الملاحظة التي تتم لديك باعتبارك المتلقي من خلال جهاز استقبال (النظر، السمع، ,,,)، ثم تنقل المعلومة لمستويات أخرى
- ستصل لديك تباعا معاني أن الموضوع يتعلق بمعلقة على الطريق، وقد تتطور لمعاني أن الموضوع يتعلق بمعلقة إشهارية، وقد تتطور تلك المعاني لديك لكون الأمر يتعلق بإشهار لسيارة وقد يتطور لفهم ذلك أنه تشكيل وتوجيه ذهني، وهي مراحل تتم متتابعة وتلقائيا لدى الفرد (قد لا تتجاوز هذه المراحل لدى البعض مرحلة فهم أن الأمر إشهار)
- إذن بعد تلقي المعلومات الخام، هناك مراحل في معالجة تلك المعاني تبدأ من مجرد معاني متفرقة خام ثم تصورات متفرقة ثم الفهم المنضبط، أي أن توفر معاني الموجودات لا ينتهي مباشرة للفهم، لان ذلك يفترض عمليات منهجية وشروط قد لا تتوفر بالضرورة لدى المتلقي
أي أن مسار التلقي يكون : المعلومة الخام، استخراج المعاني، تصورات، الفهم وتكوين الأفكار، وهي كلها مراحل ذهنية عاقلة
الآن لنفترض أننا إزاء إنسان عاقل (تشتغل لديه منظومة العقل بطريقة سليمة)، فستفهم أن الموضوع يتعلق بعملية إشهار لسيارة ولن تجد مانعا في رفض ذلك
- لنأخذ حالة أخرى مفترضة حيث معلقة إشهارية تعرض بضاعة بها ما يفيد أنها من صنع "إسرائيل" (افترض أننا بمجال يرفض التعامل مع "إسرائيل")، ماذا سيحدث هنا، ستنقل أجهزة التلقي المعلومة وستفهم أن الأمر يتعلق بإشهار و أنه لبضاعة إسرائيلية، ساعتها سيثار لديك رفض في تقبل ذلك
كيف حصل هذا وماذا يعني ذلك؟
- ذلك يعني أن الفهم عملية متواجدة في كلتا الحالتين حيث في كل مرة نقيم المعطيات ونقدر أنها إشهار، فالفهم مرحلة أولية موجودة ابتداء لدى كل فرد وهي تقرب للعملية البيولوجية المجردة
- ذلك يعني أنه توجد عملية أخرى مستقلة عن الفهم بعيد انتهاء عملية تحليل المعطيات أي فهمها، هي التي جعلتني أرفض البضاعة الاسرائيلية مثلا، وهذه العلمية تمثلت في نقل المعطيات المقيمة لمرحلة أخرى أي لمرشح باستعمال أدوات الفهم أي الأدوات العقلية الأولية، وهذا المرشح عبارة عن قواعد، فتم عرض المعطيات عليه وكانت النتيجة رفض ذلك الإشهار لأنه مرفوض حسب محتوى تلك القواعد
- هذه المرحلة الثانية أي المرشح تمثل تناولا قيميا وليس عقليا مجردا، أي أنها تقوم بالقبول والرفض حسب مرجعية سابقة لديها تمّ من خلالها وضع قواعد وليس حسب قاعدة العقل المجرد، ثم إن هذه المرحلة تستعمل قواعد العقل لخدمتها، فالعقل في مرحلة الترشيح هذه يقوم بالرفض لكل ما تعارض مع القواعد وليست هي التي تعارض لما اختلف مع العقل المجرد، وأساسا هذا الافتراض غير ممكن، لان قواعد الترشيح تكون موضوعة حسب قيم عقدية أو اجتماعية و لا دخل للعقل فيها عادة، فالعقل عليه أن يطبقها فقط
- مرحلة التقييم هذه التي تقوم بالترشيح هي ما يسمى الوعي، فالوعي إذن عملية تناول قيمي حسب مرجعية مفاهيم، ويقوم الوعي بالرفض والقبول حسب قواعد سابقة تكون عادة قيم بيئة معينة (دين، مجتمع,,,,)
- إذن مراحل مسار المعنى (موضوع عملية التوجيه الذهني) نسبة للمتلقي :
المعلومة الخام، استخراج المعاني، تكوين تصورات، الفهم وتكوين الأفكار، الوعي
- الوعي هو مستوى ذهني عبارة عن منظومة قائمة الذات تمثل جهاز التحكم في الفرد، أما العقل فهو عبارة عن جهاز التنفيذ الذي يخدم الوعي أي الفكرة المحركة، لذلك نلاحظ أن العقل يكون مثلا في خدمة طرفين متحاربين في نفس الوقت، لان وعي كل منهما يعارض الآخر ولكن العقل يعمل لدى كليهما و يأتمر بما يقال له أنه الصواب، فالفكرة الضابطة (منتج الوعي) هي السيد على العقل، ولا يمكن التعامل مع العقل هكذا مباشرة إلا في المجردات عن الوعي أي العلوم في جانبها المجرد ولما تنتقل لمستوى التفعيل فإن العقل ساعتها يرجع كخادم للوعي أي الفكرة مرجعية الواقع، لذلك يستعمل العلم لصناعة أسلحة الخراب والقتل
- الآن لو رجعنا قليلا لعملية فهم الموجود، ونحاول التعمق في التعامل مع مرحلة تكوين التصورات للمعطيات المتلقية قبل الفهم وتكوين الفكرة، ماذا يحصل واقعا ؟
في موضوع المعلقة الإشهارية التي تتحدث عن منتوج، قد لا يكون بها ما يؤكد أنها تتعلق بمنتوج يتبع "إسرائيل"، فيقوم مستوى الوعي بالقبول، طيب الآن مثلا لنفترض أنه قد يتبين أن المعلقة تلك تخص منتوجا اسرائيليا لكن لم يصرح بذلك في المعلقة و أنك عرفت ذلك من خلال طرف آخر، هنا الوعي سيصدر حكما مغايرا نتيجة المعالجة الجديدة للمعطيات، هنا توجد حقيقة موجود وصلتك انت لنسمها الحقيقة الذاتية أي الحقيقة الجزئية وهناك حقيقة أخرى للموجود لنسمها الحقيقة الموضوعية أي الكاملة
خذ مثلا ثانيا، يوافق الكثيرون على تقبل فكرة تدريس أبنائهم بالمدارس الخاصة التي تفرض عليهم البرامج الفرنسية، في هذا المستوى وعي أولئك الأولياء وافق على تلك العملية وقد يكون السبب أن الفهم لديهم انتهى لأن العملية تتعلق بتدريس برامج تعليمية متطورة فقط
الآن لنفترض أنك كشفت جانيا خر من حقيقة عملية فرض تدريس البرامج الفرنسية للتونسيين، ووضحت لولي من هؤلاء أنهم يدرسون لابنك نمط حياة الفرنسيين و أن ذلك سينتهي بإلحاق ذهني واقتلاع لابنك، هنا قد يقوم ذلك الولي بإيقاف تدريس ابنه بتلك المدرسة وقد يطالب الوزارة بغلق تلك المدارس، لماذا، لأن الوعي لديه تعامل المرة الأولي مع حقيقة جزئية وهي تدريس البرامج الفرنسية ولنسمها حقيقة ذاتية أي جزئية مقابل حقيقة أخرى لا يعرفها تمثل الحقيقة الموضوعية أي الكاملة
- في حالة المعلقة الإشهارية فإن الفرد رفضها المرة الثانية حينما تكوّن لديه إدراك بأن الأمر يتعلق بتطبيع مع "إسرائيل"، وفي الحالة الثانية، فان الولي رفض تدريس ابنه بالمدرسة الخاصة لأنه حصل لديه إدراك بأن الأمر يتعلق بأدوات الحاق بفرنسا
فالإدراك هو مقابلة وعي سابق بوعي لاحق، وبالتحديد الوعي يمثل الحقيقة الذاتية نسبة للحقيقة الموضوعية
إذن الإدراك بصيغة رياضية، يمثل الحقيقة الذاتية مقسومة على الحقيقة الموضوعية
الإدراك (بالنسبة المئوية)= (الحقيقة الموضوعية/الحقيقة الذاتية)*100
- حقيقة الموجود أي الحقيقة الموضوعية يصعب الإحاطة بها لأن ذلك يتطلب نظرا من كل زوايا الموجود وفهم شروط وجوده، وهذا يصعب الإلمام به في الماديات ويستحيل في اللاماديات، ونتيجة ذلك فالإدراك سيكون في كل الحالات ناقصا ولن يصل لعامل يساوي 100 بالمائة إلا في حالات نادرة، إذن فالإدراك عملية نسبية ناقصة في كل الحالات لكنها تقترب من الكمال كلما أحيط بالموجود في فهمه وتبين شروط وجوده
- بهذا المعنى فان الإدراك يقع تلقائيا في كل حالة وعي للموجودات، ولكن نتائجه تختلف حسب نسبة اطلاعك على الحقيقة الموضوعية، لذلك نجد وعيا مختلفا بموجود واحد من فردين لهما نفس الخلفية الفكرية الضابطة، وتفسير ذلك أنهما ليسا بنفس مستوى الإدراك للحقيقة الموضوعية
- إذن مراحل مسار المعنى (موضوع عملية التوجيه الذهني) نسبة للمتلقي باعتبار الإدراك، تساوي:
المعلومة الخام، استخراج المعاني، تكوين تصورات، الفهم وتكوين الأفكار، الإدراك، الوعي
- كل ما رأيناه يشير لأن الإدراك مرحلة لاحقة في مسار خارجي ابتدأ من التقاط مثيرات من الواقع (معلقة إشهارية، تدريس برامج فرنسية، حديث مع شخص,,,)، لكن يحصل أحيانا أن يقع إدراك نتيجة حالة ذاتية مباشرة لا علاقة لها مع الواقع الخارجي
كأمثلة : حينما يتأمل الفرد في مواضيع تتعلق بأفعاله من جهة انه منتج لها، ذلك يمكن أن يؤدي لإدراك ثم مزيد وعي بمسألة ما وهذا يقع في التأملات الفكرية المجردة ويقع كذلك مع مسائل الاعتقادات الغيبية (لمن يؤمن بالغيب) حيث ينظر الإنسان حين خلوته في أفعاله فيندم ويدرك أخطائه وقد يستغفر ربه، فهنا إدراك لأخطاء وهي نوع من عملية مقابلة مع حقيقة الفعل البشري نسبة للحقيقة الموضوعية الدينية أي الواجب القيام بها وهذا هو الإدراك كما عرفناه
أو أن يكون شعور مستجد منتجا لحالة نفسية تكون بدورها إدراكا طارئا بموضوع ما، مثلا حالة النشوة التي تلمّ بالفرد نتيجة فرح أو لذة أو غيرها من المشاعر القوية كالندم أو الخوف تخلق حالة تؤدي لإدراكات بمواضيع لم تكن موجودة من قبل، فهنا إدراك أي اكتشاف لحقيقة ما نسبة لما يجب عليه أن تكون عليه، وحالة الندم نوع من الإدراك، لأنها مقابلة بين ما وقع نسبة لما افترض أن لا يقع
- الإدراك إذن يمكن أن يكون نتيجة مسار موضوعي خارجي، أو أن يكون نتيجة حالة نفسية ذاتية، لكنه يبقى في الحالتين مرحلة قرينة الفهم أي العقل، وبالتالي فتركيبات من نوع إدراك عقلي صياغة بها حشو وتزيّد لأن الإدراك لا يكون إلا عقليا، لكن إن كان يقصد به أنه نتيجة حالة نفسية لتفريقه عن كونه نتيجة حالة موضوعية، فذلك يمكن بتجوّز
-يمكن الخروج بالملاحظات التالية :
الوعي مستوى لامادي يكون وجوبا نتيجة متغير متعلق بما أسميه المعمارية الفكرية الضابطة للبيئة التي يتحرك فيها الفرد
الإدراك مستوى لامادي يمكن أن يكون نتيجة محددين و وجوبا أحدهما :
1- متغير ذاتي يتعلق بالتجارب الشخصية
2- متغير متعلق بالمعمارية الفكرية الضابطة للبيئة التي يتحرك فيها الفرد
أين دور أدوات تشكيل الأذهان الرابطة بفرنسا
- تعود الناس استعمال جمل تقريرية حين الحديث معهم عن الواقع وخطر أن يكونوا ضحية أدوات تشكيل الأذهان (تعليم، إعلام، ثقافة)، فحين تحذر من خطر فرنسا ولغتها وانتشارها بالمساحات العامة عوض اللغة العربية وفرض تدريس البرامج الفرنسية للأطفال التونسيين بالمدارس الخاصة و أن ذلك يعمل على اقتلاعنا وتصييرنا تبعا وجدانيا وثقافيا واقتصاديا لفرنسا، يرد أولئك بطمأنينة أن لهم عقولا تمكنهم من فهم كل شيء ورفض تلك النهايات السيئة المزعومة وتعصمهم من الوقوع ضحايا
هذا الكلام مبني على فرضية أن إدراك الأخطار ثم الوعي بها، عملية عقلية بحتة، وقد بينا فساد هذا التصور، حيث برهنا على أن الإدراك والوعي صحيح أن كليهما عملية عقلية، لكنهما تخضعان لتحكم توجيهات معمارية فكرية، وما على العقل إلا الالتزام بها، فالعقل إذن ليس متحكما مستقلا في قرارات الفرد، وإنما خادم لتوجيهات جهاز التحكم لديه
- إذن فمصدر مراقبة أفعال الفرد هو المعمارية الفكرية والتصورات المشتقة منها، وقد تكون لدى البعض مفاهيم منهجية مضبوطة وقد تكون لدى آخرين في أدني مستوياتها مجرد تصورات ومعاني غائمة مضطربة لا تصل حتى لمستوى المفاهيم، لكن في كل الحالات هذا المستوى اللامادي هو جهاز التحكم والتوجيه لكل أفعال ومواقف الناس، وهذا يوضح أهمية هذا المستوى اللامادي وخطر المنظومة المكلفة بتنميته وتغذيته بالتصورات، وهي التي نسميها أدوات تشكيل الأذهان
- الإدراك كما رأينا هو المرحلة التي تقود للوعي، وهو مقدار فهم الموجود ومقابلته لما يجب أن يكون، إذن فالذي يعمل على توجيه الناس سيتجه لاستهداف مقدار فهمهم الذاتي للموجود من خلال إبعادهم عن الحقيقة الموضوعية، أي أن عمليات التوجيه والتشكيل الذهني تقوم على جعل حاصل إدراك الفرد ضعيفا، لأن الإدراك يمثل نتيجة قسمة الحقيقة المحاط بها على الحقيقة الموضوعية
إذن فعمليات التوجيه الذهني تعد نوعا من التضليل والمغالطة التي تهدف للإبعاد عن الحقيقة الموضوعية، وكلما وقع إبعاد الفرد عن تلك الحقيقة كلما قل إدراكه للواقع وكلما سهل بالتالي توجيهه وتشكيل ذهنه
- لما كان المستوى المسؤول عن توجيه الإدراك والوعي لدى التونسيين (ولدى كل فرد) هو ذلك الذي يحتوي التصورات والمفاهيم اللامادية، فان نجاح عمليات التشكيل الذهني بغرض الإلحاق بفرنسا مرتبط بنجاحها في التقليل واستبعاد تأثير ذلك المستوى من أن يكون فاعلا لدى التونسي وضابطا لسلوكياته
إذ كلما ابتعد التونسيون عن مرجعيتهم الفكرية والعقدية والشخصية التي تعطي معنى لوجودهم وتضبط سلوكياتهم التي أسميها المعمارية الفكرية، كلما سهل جعل فهم الناس للواقع أي الحقيقة الذاتية بعيدا عن الحقيقة الموضوعية، وسهل من هناك التقليل من إدراكهم لخطر عمليات الربط بفرنسا
- الربط بفرنسا إذن عملية مرتبطة عكسا بإبعاد التونسيين عن معماريتهم الفكرية، بهذا المعنى لا يمكن لعمليات الربط بفرنسا أن تنجح لو كان التونسيون لهم تمسك بمعماريتهم الفكرية ولن تنجح عمليات الإلحاق بفرنسا أو بغير فرنسا إلا في غياب معمارية فكرية ضابطة للتونسيين
مصطلح المعمارية الفكرية
المعمارية الفكرية مصطلح أنحته وأقصد به المستوى النظري الوسيط الذي يقع بين الخلفية العقدية والتنزيلات بالواقع، فهو المفاهيم والأفكار التي أنتجت باعتماد مرجعية عقدية بغرض تنزيلها في واقع معين،
فالمعمارية الفكرية عبارة عن بناء فكري معتمد بهدف تنزيله في واقع معين، فهو هيكل تصورات ومفاهيم بهدف البناء، ومن هنا أتت استعارة المعمار أي هيكل البناء، فهو مرحلة لتكوين واقع أي تحول من مستوى النظري لمستوى الموجود
فالمعمارية الفكرية أفكار وتصورات تتخذ عقيدة مرجعا ضابطا وتحمل بصمة واقع معين وليست أفكارا مطلقة نظرية، وهي ليست أيدلوجيا لان المعمارية تتغير حسب الواقع و لا تصلح إلا لواقع معين، إذا فهمنا الأيديولوجيا أنها أفكار نزلت في واقع معين وتجمدت
في المعمارية الفكرية اعتماد الإسلام كخلفية عقدية في تونس ليس كاعتماده في الجزائر وليس كاعتماده في السعودية أو غيرها، لأن المعمارية الفكرية لا تنظر فقط للخلفية العقدية وإنما تأخذ بعين الاعتبار الخاصية المحلية من تاريخ المنطقة وعادات الشعوب وتجاربهم
لذلك فإن المعمارية الفكرية في تونس كما أقترحها يجب أن تكون أهم محدداتها كالتالي :
- الإسلام باعتباره مصدر فهم الوجود وكضابط للحياة
- اللغة العربية مكون من شخصيتنا التاريخية يجب أن تكون لها أهمية خاصة كلما أتيح ذلك
- أمجاد تونس التاريخية يجب أن تكون مصدرا موجها لشخصيتنا الحالية : امبراطورية قرطاج، الدول الإسلامية بكل مراحلها و التي كانت أجزاء تونس الحالية عواصما لها (الفتوحات الإسلامية الأولي التي اتخذت تونس منطلقا واتجهت للمغرب والأندلس، الدولة الأغلبية، الدولة الفاطمية، الدولة الصنهاجية، الدولة الحفصية,,,)، وكونها كانت لها سلطة على أجزاء من إيطاليا وإسبانيا وفرنسا الحالية وهناك جزر عديدة بالبحر المتوسط كانت تتبع تونس
- تونس التاريخية كانت لعهد قريب تمتد من قسنطينية غربا لحدود شمال ليبيا حاليا
- فرنسا تمثل دولة عدوة لتونس، ولن تنتهي هذه العداوة إلا بحل إشكاليات عديدة، وعليه في انتظار ذلك فيجب بناء أدوات تشكيل أذهان تونسية موجهة للتونسيين مبنية على اعتبار فرنسا دولة استثنائية في العداوة لنا مثلها مثل "إسرائيل" أو أكثر خطرا وعداوة
إذن المعمارية الفكرية عبارة عن خطة عمل تفتح أفاقا للناس وتوجههم للمستقبل آخذين بعين الاعتبار امتدادهم في التاريخ و تجذرهم في عقيدتهم، وهو ما يعصمهم من الضياع والتبعية لأي كان، ويدفعهم لبناء قوة في الواقع، لأن من يضع في ذهنه أنه سليل امبراطوريات كانت تحكم البحر المتوسط و أنه يتحرك في ضوء ضوابط الإسلام (1)، فلن يقبل أبدا أن يكون تابعا لأي كان فرنسا أو غير فرنسا، وسيتعامل مع هؤلاء الند للند (2)
--------
الهوامش
(1) معنى المعمارية الفكرية وقع تطبيقه بطريقة تقريبية مشابهة و إن لم يذكر المصطلح هكذا صراحة، في حالتين ناجحتين نسبيا وهما إيران الحديثة وتركيا تحت حكم أردوغان، فكلاهما اعتمد الإسلام خلفية عقدية بطريقة أو بأخرى، ثم اعتمد تاريخ منطقتهم / إقليمهم وأمجادهم، ومن هناك قدموا أنفسهم كنماذج مستقلة لا ترضى التبعية لأي طرف، وقد ساهم هذا في خلق طاقة كبيرة لدى سكان تلك المناطق وأخرجهم من وضع التابع الكاره لذاته لمستوى الواثق من نفسه صاحب الامتداد التاريخي ذي المجد
بل إن إيران وتركيا أصبحتا مركزا لاستقطاب الأتباع، فالحركات والأحزاب الشيعية تتبع إيران، بينما التنظيمات التي تقول عن نفسها إسلام وسطي بما فيهم حركة النهضة التونسية تتخذ بطريقة أو بأخرى تركيا قدوة وتروج لها
(2) سيقع التوسع لاحقا في مصطلح المعمارية الفكرية
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: