فوزي مسعود - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 2147
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
كان أن ذهبت يوم أمس الاربعاء 29 ديسمبر 2021 إلى حيث يضرب عن الطعام مجموعة من الفاعلين رفضا لانقلاب قيس سعيد، وصلت مع حوالي العاشرة صباحا وكنت كما بدا لي من أول الحاضرين هناك إلا النائبة حياة عمري التي وجدتها بالطابق العلوي ولم تنزل بعد حيث المضربون بالطابق السفلي
وجدت بالطابق العلوي عزالدين الحزقي الشيخ الشاب، فقدمت نفسي فبادرني بالترحاب وكان نشطا متألقا متفائلا، لكأنه دخل لتوه فترة الشباب لشدة حيويته، ثم نزلت حيث يوجد المضربون الخمسة الاخرون يتكوّم كل منهم في فراشه، وهم حسب ترتيب تواجدهم حين دخولك الغرفة : يسري الدالي، احمد الغيلوفي، العجمي الوريمي، زهير اسماعيل وأمين الميساوي
أثرت معهم نقاط عديدة بدأتها بمسألة تفريط حركة النهضة ومسؤولية القيادة في تضييع الحركة الاسلامية وصولا لتضييع الثورة وانتهاء بالسكوت عن قيس اذ لم يعزل رغم تجاوزاته الدستورية مما أوصله للانقلاب، والتخاذل بعدم عزله بعد فعلته تلك، وكان العجمي الوريمي المقصود بحديثي ذلك، فرد علي ردا جميلا هيّنا ليّنا متأدبا مخلوطا بأسلوب تبريري و لكنه قال من ضمن ذلك كلاما ذا محتوى مهم وجديد، وهو أن الغنوشي ليس كما يتصور مفرط و أنه يضطر لتلك المواقف نتيجة خذلان غيره بل ومن داخل حركة النهضة وقال أشياء لا أذكرها لأنها حديث مجالس تصونها الأمانة
ثم تكلم أحمد الغيلوفي وقال أنه غير معني بمرحلة ماقبل الثورة في نقاشه، وهو يوافقني في شق التفريط طيلة عشر سنوات، لكنه عكس ما أرى يوافق على ماقامت به حركة النهضة إذ لم تتصد لقيس في أيام الانقلاب الاولى لأن ذلك كان يمكن أن يجر للفوضى التي يسعى لها قيس، ثم نهض من فراشه وغادر الغرفة ولم يحضر أي نقاش بعدها، وكان عابسا معرضا عن أي كلام، حتى أني كنت أتلطف به واستدعيه لمواضيع أطرحها ولكنه كان لايريد الحديث، ولعل ذلك من أثر الجوع أو لعله بفعل أمر آخر
و أكثر من راق لي بحديثه العميق الثري زهير اسماعيل وكان في ركن قصي من الغرفة متدثرا في فراشه يلاعب حاسوبا بين يديه، وتفاعل معي في كل ماطرحته، وتساءل تحديدا ماذا أقصد حينما طرحت عليهم أنه يجب ادخال فرنسا في نقاط التحرك ضد الانقلاب وإثارة أبعاد أخرى لفعل مقاومة الانقلاب كنقطة من مسار أكبر يعمل على التحرر من خلال إعادة النظر في مسلمات تلقيناها حول استقلالنا منذ عقود
لفهم هذا الكلام نظريا يمكن الرجوع لكتاباتي حول الربط اللامادي مع فرنسا وخطره على تونس، وأما ميدانيا قلت انه يمكن برمجة تحركات واعتصامات أمام السفارة الفرنسية والمصالح الفرنسية عموما، كما يمكن التنديد بفرنسا في البيانات التي ستصدر ورفض مساندتها الانقلاب والانظمة المتعاقبة على حكم تونس
طرحت على الحضور خطر التدخلات الاجنبية و أنها اكتسبت مايشبه الشرعية بعد الثورة من خلال تقنين المراكز الممولة أجنبيا حدا وصل أن منظمة "بوصلة" الممولة أجنبيا تنشط بطريقة تتعقب وتنقب من خلالها عن أدق أنشطة مؤسسة سيادية وهي مجلس نواب الشعب مقابل سكوت الكل عن ذلك رغم أنه عمل استخباراتي في حقيقته وغيرها من المنظمات التي تخترق مجتمعنا، ثم العنصر الثاني هم أصحاب الجنسيات الاجنبية وخطرهم باعتبارهم مكنوا من النشاط في مجلس النواب وتولي المناصب السيادية حد رئاسة الحكومة، وثالثا لقاءات السياسين مع السفراء الاجانب التي تطبع معها و أصبحت أمرا عاديا، وهذه النقاط الخطيرة الثلاث ماكان يجب أن تقع وماكان يمكن وجودها لولا موافقة النهضة للأسف
ثم تكلم معي على انفراد يسري الدالي ومما قاله أنه من أكثر من يتصدى لفرنسا ويرفض تدخلاتها، ولكنه يرى من الحكمة عدم طرح فرنسا حاليا لأن تحركاتنا الان يسندها من ستثيره هذه النقطة، أي أننا كما قال في حاجة لبقايا فرنسا لمواجهة قيس، وبعدها لكل حادث حديث
ثم ما لبث أن بدأ الحضور بالتقاطر، فكان أن دخل الحبيب بوعجيلة الذي بادر بسؤال المضربين عن صحتهم ويبدو أنه كان مكلفا بالسهر على هذا الجانب وقضاء شؤونهم، ثم تحدث بطريقة حماسية رافعا معنوياتهم مذكرا أن تحركهم يلقى صدى ويحدث تأثيرا كما قال
ثم أتى رياض الشعيبي الذي دخلت معه في حديث سرعان ما تضايق منه، و أراد غلق النقاش بطريقة اعتقدها ذكية كما يبدو حيث قال لي بأدب مصطنع : يا أخي من الاخلاق (éthique كما ذكر تحديدا) أنه لايمكن ان تحاسب وتناقش أمورا داخلية لحزب ما وتطالب بكذا وكذا، لا يمكنك المطالبة بمحاسبة شخص إلا أن يكون ذا منصب عام، فرددت أنني ابن للحركة الاسلامية وابن للثورة و أمثالي من راكم مجد الإتجاه الإسلامي ثم النهضة ثم الثورة، فقال لي ذلك كان قبل، نحن نتحدث عن الحاضر (يقصد أنت الان لست ابنا للنهضة مادمت غير منخرط فيها وليس لك الحق الحديث عنها والمطالبة بمحاسبة قادتها وتفريطهم)، فرددت أنه توجد مستويات أخرى للفعل غير تصنيف الفرد صاحب منصب عام أو عضو بالحزبـ، اذ هناك قيادة الثورة، والنهضة وقادتها هم من وجه مسار الثورة وقرر مصيرها، وبهذا المعنى لي الحق ان أتحدث عن النهضة وعن تفريطها
ثم بدأ آخرون بالحضور منهم رضا بالحاج وعبداللطيف المكي، وكانوا يعدون لنوع من اللقاء الذي سيعلنون فيه نقاط مشتركة، وبدا لي انه يوجد بينهم خلاف في العديد من المسائل، وكنت غير مرتاح لهذا الخليط من الحضور
لقاء حيث تجتمع تنظيمات وشخصيات يعادل بينها في القوة الاعتبارية، مبني أساسا على خلل ما، لانه لا يعقل ان تستجدي حركة النهضة ولا حتى ائتلاف الكرامة ذو الرصيد الشعبي، شخصا كرضا بالحاج او نجيب الشابي ثم يجلسون على طاولة تقرير مصير الانقلاب كاطراف متعادلة، هذا ذكرني بما حصل أول ايام الثورة حينما استولى بقايا فرنسا على هيئة بن عاشور، عندما سلمت النهضة لهؤلاء ان يقرروا مصير الثورة وعادلت بينهم وبينها رغم أنهم مجرد أفراد، وها إن هذا المسار يعاد بطريقة أخرى للاسف
بمثل هذه اللقاءات تتحكم فرنسا في تونس ومصيرها منذ عقود، وبمثل هذه اللقاءات والتجمعات الفضفاضة لن ننجز أي ثورة وحتى لو اسقط قيس فسيؤتى بآخر ممن تقرره فرنسا من خلال بقاياها الذين لاشك لن يختاروا ما ومن يغضبها، وبالطبع لن تجرأ مثل هذه التجمعات على الاشارة لفرنسا كخطر ولا المساس بأي من مصالحها
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: